في سجلات التاريخ التي تخلّد العظماء الذين كرّسوا حياتهم للعلم ونشر الأخلاق الفاضلة، يتألق اسم الأستاذ قدي عبد القادر كواحد من أبرز هؤلاء الرجال، منارةً شامخة أضاءت دروب الأجيال المتعاقبة بنور المعرفة والقيم الإنسانية السامية، و ينحدر الأستاذ قدي من بيت عريق اشتهر بكونه منبعا للعلم والتربية، وهو ما صقل شخصيته منذ نعومة أظافره، فقد ارتوى من ينابيع القرآن الكريم وعلوم اللغة العربية، فتشكل وعيه على أسس راسخة من المعرفة العميقة والقيم النبيلة، الأمر الذي لم يغب عن شيوخه الأجلاء، ويُروى أن العلامة الراحل محمد باي بلعالم، وهو قامة علمية شامخة، قد أثنى عليه كثيرا، كشاهدا على علمه الغزير وأخلاقه الرفيعة التي هي مضرب الأمثال، ولم يكن الأستاذ قدي مجرد أستاذ يلقي الدروس وينتهي دوره، بل كان رجل دعوة نشط بامتياز، كرس سنوات من عمره في سبيل نشر الفضيلة والخير في المجتمع، وكان ولايزال يؤمن إيمانا راسخا بأن التربية هي الركيزة الأساسية لكل نهضة حقيقية، وأن بناء الإنسان هو السبيل الأمثل لتقدم الأمم وازدهارها، و تدرج الأستاذ قدي في مجال التعليم في مسيرة مهنية حافلة امتدت لأكثر من 32 عاما، بدأها كأستاذ لمادة علم النفس في المعهد التكنولوجي لتكوين المعلمين ثم ارتقى في المناصب من أستاذ إلى مدير دراسات حتى وصل إلى منصب مدير ثانوية، وهو المنصب الذي شغله بتفانٍ وإخلاص حتى تقاعده في عام 2014، وقد شهدت له هذه المسيرة الطويلة بالتفاني المطلق في أداء واجبه التعليمي والإداري، وترك بصمة واضحة في كل مكان عمل به، وعندما تولى الأستاذ قدي دفة الإدارة، لم يكن يدخر جهدا في خدمة صرح العلم الذي كان يشرف عليه، فكان يقضي جل وقته في متابعة سير العمل، متفقدا أحوال الأساتذة والموظفين والعمال، ومتابعا شؤون التلاميذ بكل دقة وعناية، سواء كان ذلك في النظام الخارجي أو النصف داخلي أو الداخلي، ساهرا على ضمان سير العملية التعليمية بسلاسة وكفاءة، ويسعى جاهدًا لتوفير بيئة تعليمية محفزة للجميع، وكان نموذجا يُحتذى به في استقبال أولياء الأمور، يرحب بهم بصدر رحب ويستمع إلى استفساراتهم وشكواهم بصبر جم، و يقدم لهم النصح والإرشاد بما يصب في مصلحة أبنائهم، متحليا بحكمة بالغة إزاء ما قد يواجهه من بعضهم دون قصد، ونضيف إلى ما ذكرنا أن قدي عبد القادر كان رجل التأثير المجتمعي والإرث المستدام، و لم يكن الأستاذ قدي مجرد مربٍّ ومدير ثانوية، بل كان شخصية محورية في مجتمعه، يترك بصمات واضحة تتجاوز أسوار الفصول الدراسية، و امتد تأثير الأستاذ قدي إلى ما هو أبعد من مجرد العملية التعليمية، بصفته رجل دعوة، كان له دور فعال في نشر الوعي بأهمية العلم والأخلاق في المجتمع، وكان يستقبل أولياء الأمور ليس فقط لمناقشة أمور أبنائهم الدراسية، بل لتقديم النصح والإرشاد حول تربية الأبناء بشكل عام، وحثهم على غرس القيم الفاضلة في نفوسهم، هذا التواصل المستمر مع الأولياء، المبني على الصبر والحكمة، ساهم في بناء جسور من الثقة بين الثانوية والمجتمع، مما عزز من دورها كمؤسسة اجتماعية تربوية شاملة، كما أن سلوكه الشخصي، الذي اتسم بالعلم والأخلاق والتفاني، جعله قدوة حسنة للعديد من الشباب والمعلمين، الذين يلجأون إليه لطلب المشورة في قضاياهم التعليمية وحتى الشخصية، وذلك لما عرف عنه من رجاحة عقل وحكمة، وساهم وجوده في المنطقة، وتفانيه في عمله، في رفع مستوى الوعي بأهمية التعليم ودوره في تقدم الأفراد والمجتمعات، مما انعكس إيجابا على التحصيل العلمي للطلاب واندفاعهم نحو التعلم، والإرث الذي تركه الأستاذ قدي عبد القادر في التعليم لا يقتصر على الأرقام والإحصائيات الخاصة بنسب النجاح، بل يتعداها ليشمل بناء جيل من الشباب الواعي والمتحصن بالقيم، فالتلاميذه الذين تخرجوا تحت إشرافه، كثير منهم أصبحوا اليوم مهندسين وأطباء ومعلمين وقادة في مجالات مختلفة، ومنهم أبنائه، و يحمل كل أولئك في ذاكرتهم الدروس التي تعلموها منه، ليس فقط في الرياضيات أو الإدارة، بل في الحياة ذاتها.إن التفاني الذي أظهره في عمله، وصبره في التعامل مع التحديات، وحرصه على مصلحة كل طالب، هي دروس عملية لا تقدر بثمن، لقد غرس في نفوسهم حب العلم، وأهمية المثابرة، وقيمة الأخلاق، مما جعله "معلم أجيال" بالمعنى الحقيقي للكلمة، إرثه هو الإلهام الذي تركه في قلوب وعقول أولئك الطلاب، والذي يدفعهم للمضي قدما في مسيرتهم التعليمية والمهنية والحياتية، محافظين على القيم التي تعلموها من معلمهم الفاضل.
يمكن القول إن الأستاذ قدي لم يبنِ فصولا دراسية فحسب، بل بنى شخصيات، ولم يزرع بذور المعرفة فقط، بل غرس قيما وأخلاقا ستستمر في النمو وتضيء دروب الأجيال القادمة، مدركا أن هدف الجميع هو مصلحة الطالب، ولقد كانت ثانوية جبايلي عبد الحفيظ ببلدية أولف بولاية أدرار شاهدة على بصماته الإدارية والتربوية العميقة، فبفضل الله ثم بإشرافه المباشر وتوجيهاته الحكيمة، حققت الثانوية نتائج مشرفة جدا في التحصيل الدراسي، وارتفعت نسب النجاح في شهادة البكالوريا بشكل ملحوظ، مما جعلها منارة للعلم في المنطقة،و يمكن القول باختصار غير مجاملة أو مبالغة، إن الأستاذ قدي عبد القادر هو رجل تربية وتعليم بحق حقيق، كرس حياته لخدمة العلم وبناء الإنسان، وترك خلفه إرثا عظيمًا من العلم والأخلاق الحميدة التي ستظل تضيء دروب الأجيال القادمة وتلهمهم للسعي نحو التميز والعطاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق