يضع الإمام علي بن أبي طالب ثلاث قواعد ذهبية بمثابة خارطة طريق، تلك الكلمات المضيئة، التي تخرج من ينبوع الحكمة العلوية، ليست مجرد أقوال تُنطق، بل هي قوانين للحياة تُكتب بماء الذهب حيث يضع الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثلاث قواعد ذهبية، هي بمثابة خارطة طريق لفهم موازين القوة والعلاقات البشرية، وسبيل لتحقيق العزة والكرامة الحقيقية: (امْنُنْ على من شئتَ تكن أميرَهُ، واحتجْ إلى من شئتَ تكن أسيرَهُ، واستغنِ عن من شئتَ تكن نظيرَهُ).
فن القيادة والعطاء
إن العطاء ليس مجرد بذل للمال أو المساعدة، بل هو فعل يترجم إلى قوة ناعمة لا تُضاهى، فعندما تمد يد العون لشخص في ضيق، أو تسعفه في محنة، فإنك تزرع في قلبه شعورا بالامتنان العميق، هذا الامتنان ليس دينا يُسدد، بل هو رابطة روحية تُنشأ، و يصبح صاحب العطاء "أميرًا" لا بسيف وقوة، بل بفضل وإحسان إنه أمير على قلوب الناس، ومكانته تُبنى على الحب والولاء لا على الخوف والإكراه، هذه الإمارة لا تسلب حرية الآخرين، بل تمنحهم شعورا بالأمان، وتضعهم تحت جناح كرمك، إنها دعوة للتفكير في العطاء كاستثمار في الإنسانية، وإدراك أن الكرم هو أسمى صور السلطة.
قيد الحاجة والعبودية
على النقيض تماما، تأتي الحاجة لترسم صورة للضعف والارتهان، إن الاعتماد على الآخرين، وطلب المساعدة منهم باستمرار، يُورث شعورا بالضآلة ويُفقد الإنسان كرامته تدريجيا، يقول الإمام: "واحتجْ إلى من شئتَ تكن أسيرَهُ"، وما أصدقها من عبارة! فالذي يمد يده متسولا، سواء كان المال أو العطف أو حتى الاعتراف، يصبح عبدا لمُعطيه، يصبح قراره رهينا لمشيئة الآخر، وحريته تُقيد بقيود الامتنان، إن الأسير ليس فقط من يُقيد بسلاسل حديدية، بل هو أيضًا من تُقيد نفسه بالخضوع والتبعية، إن هذه الحكمة تدعونا إلى الصبر والمثابرة والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي، حتى لا نُصبح أسرى لحاجاتنا، أو أسرى لفضل الآخرين.
عزة الاستغناء والندية
وفي ذروة الحكمة، يضع الإمام علي (عليه السلام) حلا ثالثا يجمع بين القوة والكرامة: "واستغنِ عن من شئتَ تكن نظيرَهُ". الاستغناء هنا ليس بالضرورة ثراءً ماديا، بل هو حالة نفسية من الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس، عندما لا تكون بحاجة لأحد، فإنك تُحرر نفسك من قيود العلاقات المبنية على المنفعة، و يصبح وجودك قيمة بحد ذاته، وتعاملك مع الآخرين يكون من منطلق الندية والاحترام المتبادل، لست فوقهم لِتُمنن، ولست دونهم لِتَحتاج، أنت "نظير" أي شريك متساوٍ في الكرامة، تُقدم وتأخذ باحترام متبادل، هذه المساواة هي أساس العلاقات الصحية والمتينة، التي لا تهتز بمرور الزمن، إنها دعوة إلى بناء شخصية قوية مستقلة، لا تخضع للظروف أو الأشخاص، بل تخلق ظروفها الخاصة وتفرض احترامها.
خلاصة الحكمة
تلك الكلمات الثلاث ليست مجرد نصائح عابرة، بل هي جوهر فلسفة حياة كاملة، إنها تُعلمنا أن الكرامة ليست أمرا يُوهب، بل هي حصيلة أفعالنا وخياراتنا، فإما أن نكون كرماء فنصبح قادة بقلوبنا، أو محتاجين فنصبح أسرى، أو مستغنين فنكون أحرارا وشركاء، إن طريق العزة الحقيقية يمر عبر بوابة الاستغناء، ويُمهد بالعطاء، ويتجنب متاهات الحاجة. فأي طريق ستختار؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق