الأربعاء، 30 يوليو 2025

قدي عبد القادر: منارة العلم والتربية التي أضاءت دروب الأجيال

في سجلات التاريخ التي تخلّد العظماء الذين كرّسوا حياتهم للعلم ونشر الأخلاق الفاضلة، يتألق اسم الأستاذ قدي عبد القادر كواحد من أبرز هؤلاء الرجال، منارةً شامخة أضاءت دروب الأجيال المتعاقبة بنور المعرفة والقيم الإنسانية السامية، و ينحدر الأستاذ قدي من بيت عريق اشتهر بكونه منبعا للعلم والتربية، وهو ما صقل شخصيته منذ نعومة أظافره، فقد ارتوى من ينابيع القرآن الكريم وعلوم اللغة العربية، فتشكل وعيه على أسس راسخة من المعرفة العميقة والقيم النبيلة، الأمر الذي لم يغب عن شيوخه الأجلاء، ويُروى أن العلامة الراحل محمد باي بلعالم، وهو قامة علمية شامخة، قد أثنى عليه كثيرا، كشاهدا على علمه الغزير وأخلاقه الرفيعة التي هي مضرب الأمثال، ولم يكن الأستاذ قدي مجرد أستاذ يلقي الدروس وينتهي دوره، بل كان رجل دعوة نشط بامتياز، كرس سنوات من عمره في سبيل نشر الفضيلة والخير في المجتمع، وكان ولايزال  يؤمن إيمانا راسخا بأن التربية هي الركيزة الأساسية لكل نهضة حقيقية، وأن بناء الإنسان هو السبيل الأمثل لتقدم الأمم وازدهارها، و تدرج الأستاذ قدي  في مجال التعليم في مسيرة مهنية حافلة امتدت لأكثر من 32 عاما، بدأها كأستاذ لمادة علم النفس في المعهد التكنولوجي  لتكوين المعلمين  ثم ارتقى في المناصب من أستاذ إلى مدير دراسات حتى وصل إلى منصب مدير ثانوية، وهو المنصب الذي شغله بتفانٍ وإخلاص حتى تقاعده في عام 2014، وقد شهدت له هذه المسيرة الطويلة بالتفاني المطلق في أداء واجبه التعليمي والإداري، وترك بصمة واضحة في كل مكان عمل به، وعندما تولى الأستاذ قدي دفة الإدارة، لم يكن يدخر جهدا في خدمة صرح العلم الذي كان يشرف عليه، فكان يقضي جل وقته في متابعة سير العمل، متفقدا أحوال الأساتذة والموظفين والعمال، ومتابعا شؤون التلاميذ بكل دقة وعناية، سواء كان ذلك في النظام الخارجي أو النصف داخلي أو الداخلي، ساهرا على ضمان سير العملية التعليمية بسلاسة وكفاءة، ويسعى جاهدًا لتوفير بيئة تعليمية محفزة للجميع،  وكان نموذجا يُحتذى به في استقبال أولياء الأمور، يرحب بهم بصدر رحب ويستمع إلى استفساراتهم وشكواهم بصبر جم، و يقدم لهم النصح والإرشاد بما يصب في مصلحة أبنائهم، متحليا بحكمة بالغة إزاء ما قد يواجهه من بعضهم دون قصد، ونضيف إلى ما ذكرنا أن قدي عبد القادر  كان رجل التأثير المجتمعي والإرث المستدام، و لم يكن الأستاذ قدي مجرد مربٍّ ومدير ثانوية، بل كان شخصية محورية في مجتمعه، يترك بصمات واضحة تتجاوز أسوار الفصول الدراسية، و امتد تأثير الأستاذ قدي إلى ما هو أبعد من مجرد العملية التعليمية، بصفته رجل دعوة، كان له دور فعال في نشر الوعي بأهمية العلم والأخلاق في المجتمع، وكان يستقبل أولياء الأمور ليس فقط لمناقشة أمور أبنائهم الدراسية، بل لتقديم النصح والإرشاد حول تربية الأبناء بشكل عام، وحثهم على غرس القيم الفاضلة في نفوسهم، هذا التواصل المستمر مع الأولياء، المبني على الصبر والحكمة، ساهم في بناء جسور من الثقة بين الثانوية والمجتمع، مما عزز من دورها كمؤسسة اجتماعية تربوية شاملة، كما أن سلوكه الشخصي، الذي اتسم بالعلم والأخلاق والتفاني، جعله قدوة حسنة للعديد من الشباب والمعلمين، الذين يلجأون إليه لطلب المشورة في قضاياهم التعليمية وحتى الشخصية، وذلك لما عرف عنه من رجاحة عقل وحكمة، وساهم وجوده في المنطقة، وتفانيه في عمله، في رفع مستوى الوعي بأهمية التعليم ودوره في تقدم الأفراد والمجتمعات، مما انعكس إيجابا على التحصيل العلمي للطلاب واندفاعهم نحو التعلم، والإرث الذي تركه الأستاذ قدي عبد القادر في التعليم لا يقتصر على الأرقام والإحصائيات الخاصة بنسب النجاح، بل يتعداها ليشمل بناء جيل من الشباب الواعي والمتحصن بالقيم، فالتلاميذه الذين تخرجوا تحت إشرافه، كثير منهم أصبحوا اليوم مهندسين وأطباء ومعلمين وقادة في مجالات مختلفة، ومنهم أبنائه، و يحمل كل أولئك في ذاكرتهم الدروس التي تعلموها منه، ليس فقط في الرياضيات أو الإدارة، بل في الحياة ذاتها.إن التفاني الذي أظهره في عمله، وصبره في التعامل مع التحديات، وحرصه على مصلحة كل طالب، هي دروس عملية لا تقدر بثمن، لقد غرس في نفوسهم حب العلم، وأهمية المثابرة، وقيمة الأخلاق، مما جعله "معلم أجيال" بالمعنى الحقيقي للكلمة، إرثه هو الإلهام الذي تركه في قلوب وعقول أولئك الطلاب، والذي يدفعهم للمضي قدما في مسيرتهم التعليمية والمهنية والحياتية، محافظين على القيم التي تعلموها من معلمهم الفاضل.

يمكن القول إن الأستاذ قدي لم يبنِ فصولا دراسية فحسب، بل بنى شخصيات، ولم يزرع بذور المعرفة فقط، بل غرس قيما وأخلاقا ستستمر في النمو وتضيء دروب الأجيال القادمة، مدركا أن هدف الجميع هو مصلحة الطالب، ولقد كانت ثانوية جبايلي عبد الحفيظ ببلدية أولف بولاية أدرار شاهدة على بصماته الإدارية والتربوية العميقة، فبفضل الله ثم بإشرافه المباشر وتوجيهاته الحكيمة، حققت الثانوية نتائج مشرفة جدا في التحصيل الدراسي، وارتفعت نسب النجاح في شهادة البكالوريا بشكل ملحوظ، مما جعلها منارة للعلم في المنطقة،و يمكن القول باختصار غير مجاملة أو مبالغة، إن الأستاذ قدي عبد القادر هو رجل تربية وتعليم بحق حقيق، كرس حياته لخدمة العلم وبناء الإنسان، وترك خلفه إرثا عظيمًا من العلم والأخلاق الحميدة التي ستظل تضيء دروب الأجيال القادمة وتلهمهم للسعي نحو التميز والعطاء.  




الإسلام الحقيقي بين سماحة الشريعة وجهل الأتباع

ليس هناك ما يضر الإسلام ويشوه صورته أكثر من سوء فهم أبنائه له، فالمسلم الذي لا يستوعب جوهر دينه وعمق رسالته، قد يتحول، بقصد أو بغير قصد، إلى أداة تنفير تسيء إلى الإسلام في أعين غير المسلمين، بل وحتى في نفوس بعض المسلمين أنفسهم، إن قضية سوء الفهم هذه ليست وليدة اليوم، بل هي إشكالية تتطلب معالجة عميقة تستند إلى الدليل من الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة الصالح.

1- جوهر الإسلام : رحمة للعالمين

إن من أهم الدلائل على سوء الفهم هو نسيان حقيقة أن الإسلام دين رحمة وسلام، قال تعالى في محكم التنزيل: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" (الأنبياء: 107)، هذه الآية الجامعة تلخص رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبالتالي رسالة الإسلام ككل، بأنها رحمة شاملة تتجاوز حدود الزمان والمكان والعرق والدين، فكيف يمكن لدين جوهره الرحمة أن يتحول في أذهان البعض إلى مصدر للتنفير والشدة؟

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في التعامل مع المخالفين، حيث تميز بالحلم والأناة والرفق، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خُيِّرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثمًا" (متفق عليه). هذا الاختيار الدائم لليسر يعكس طبيعة الإسلام السمحة التي تبتعد عن التعسير والتضييق.

2- فهم الصحابة والتابعين: تطبيق عملي للرحمة والعدل

لم يكن فهم الصحابة والتابعين للدين مجرد تنظير، بل كان تطبيقا عمليا لمبادئ الرحمة والعدل واليسر، فعندما دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس، رفض أن يصلي في كنيسة القيامة حتى لا يتخذها المسلمون مسجدا من بعده ويضيقوا على أهلها، مما يعكس احتراما عميقا لحرية العبادة والمساواة في الحقوق.

كما أن مواقف التابعين كانت شاهدة على هذا الفهم العميق، فعمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي، والذي عُرف بالورع والعدل، كان يتعامل مع رعيته بكل لين ورفق، حتى مع غير المسلمين، مراعيا حقوقهم ومحافظا على حرياتهم، هذا الفهم لم يكن ليتأتى إلا من إدراكهم العميق بأن الإسلام دين يسع الجميع، ويحترم التنوع والاختلاف.

3- أسباب سوء الفهم وعلاجها :

من أبرز أسباب سوء الفهم هو الجهل بالمصادر الأساسية للإسلام (الكتاب والسنة) أو قراءتها بتأويلات خاطئة ومتطرفة, فالبعض يقتطع النصوص من سياقها، أو يفسرها بمعزل عن المقاصد الشرعية الكبرى، مما يؤدي إلى فهم مشوه يخرج عن الاعتدال والوسطية التي هي سمة الإسلام.

ولعلاج هذه القضية، لا بد من اتباع الآتي:

 * العودة إلى المنابع الأصيلة: يجب على المسلم أن ينهل من القرآن والسنة بفهم سلف الأمة الصالح، والابتعاد عن التأويلات الشاذة والمتطرفة التي لا تستند إلى دليل صحيح.

 * التفقه في الدين على يد العلماء الربانيين: إن طلب العلم الشرعي من أهله الموثوقين، والذين يجمعون بين العلم والورع والفهم الصحيح لمقاصد الشريعة، هو صمام الأمان من الوقوع في فخ الجهل وسوء الفهم.

 * التحلي بأخلاق الإسلام: إن تطبيق أخلاق الإسلام السمحة، كالرحمة، والرفق، والعدل، والحلم، والعفو، وحسن الجوار، هو خير دعوة للإسلام. فالقدوة الحسنة أبلغ من أي قول أو تنظير.

 * تصحيح المفاهيم الخاطئة: يجب على المسلمين أن يكونوا سفراء لدينهم، وأن يعملوا على تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام، سواء للمسلمين أو لغير المسلمين، وذلك بالحوار الهادئ والعلم الرصين.

إن الإسلام بريء من تصرفات من يسيئون إليه بجهلهم أو بتطرفهم، هو دين واضح جلي، بني على أسس متينة من الرحمة والعدل والإحسان، فعلى المسلمين أن يعوا مسؤوليتهم تجاه دينهم، وأن يكونوا خير ممثلين له، حتى يعود الإسلام شامخا عزيزا، كما أراده الله رحمة للعالمين، وأعتقد أن أهم خطوة يجب أن يتخذها المسلمون اليوم لتقديم صورة صحيحة عن الإسلام هي أن يعيشوا الإسلام قولا وفعلا، وأن يكونوا قدوة حسنة بأخلاقهم ومعاملاتهم، لأن الكلمات وحدها لا تكفي، و العالم اليوم لا يبحث عن خطابات أو شعارات، بل عن تطبيق عملي لمبادئ الإسلام السامية، عندما يرى الناس مسلمين يتسمون بالرحمة، والعدل، والصدق، والأمانة، والتسامح، واحترام الآخرين (بغض النظر عن دينهم أو عن خلفيتهم)، فإن هذا يترك أثرا أعمق بكثير من أي حملة دعوية، والإسلام في جوهره دين أخلاق ومعاملة، وعندما نعود إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، نجد أن انتشار الإسلام لم يكن بالقوة بقدر ما كان بالأخلاق الفاضلة التي رأها الناس في المسلمين.

إذا جسد كل مسلم هذه القيم في حياته اليومية، في بيته، عمله، مجتمعه، ومع من حوله، فإن الصورة النمطية السلبية التي تشوه الإسلام ستتلاشى تدريجيا لتحل محلها الحقيقة الناصعة لدين عظيم.  


خطبة قصيرة عن الإحسان

بسم الله  والحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلم

أيها الإخوة المؤمنون، الإحسان كلمة جامعة تحمل في طياتها معاني عظيمة، وهو الركن الثاني من أركان الدين بعد الإيمان. والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. هذه مرتبة عظيمة يصل إليها العبد في علاقته بربه.

و الإحسان لا يقتصر على علاقتنا بالله فحسب، بل يتعداه ليشمل جميع جوانب حياتنا. فالإحسان في العبادات يعني أن نؤديها على أكمل وجه، بخشوع وتدبر، وأن نتقن صلاتنا وصيامنا وزكاتنا وحجنا، ابتغاء مرضاة الله.

والإحسان في التعامل مع الناس هو أن نعاملهم بما يحب الله أن نعامل الناس به، وأن حسن إلى والدينا، وإلى أرحامنا، وإلى جيراننا، وإلى الفقراء والمساكين، وإلى الأيتام، وإلى كل من حولنا، وأن نقدم لهم العون والمساعدة، وأن نكون لينينا في الجانب، وفي حسن الخلق، و لا نؤذي أحداً بألسنتنا ولا بأيدينا، علينا أن نذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أنفعهم للناس".

والإحسان أيضاً يشمل إتقان العمل، أياً كان هذا العمل. فالموظف عليه أن يحسن في وظيفته، والطالب يحسن في دراسته، والعامل يحسن في صنعته، فالله يحب إذا عمل أحدنا عملا أن يتقنه، والإتقان هنا ليس فقط في الأداء المادي، بل في الإخلاص والصدق وابتغاء وجه الله في كل ما نقوم به.

أيها الكرام، الإحسان زينة المؤمن، وهو طريق الفلاح في الدنيا والآخرة، فلنحرص جميعاً على أن نكون من المحسنين في كل أقوالنا وأفعالنا، وفي كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، لنجعل الإحسان منهج حياة، نتقرب به إلى ربنا، ونتعامل به مع خلق الله.

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المحسنين، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى.  


الإسلام: دين الرفق والتسامح، لا الغلظة والتعصب

تتجلّى عظمة الإسلام في كونه دينا يدعو إلى الرحمة والرفق والتسامح، وينبذ كل أشكال الغلظة والتعصب. فخلافا لما قد يتصوّره البعض، ليس الإسلام دينا يقوم على الإكراه أو التشدد، بل هو نور يهدي القلوب إلى الفضيلة والتعايش السلمي، كما أشار الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) [آل عمران: 159]. هذه الآية الكريمة ليست مجرد توجيه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل هي قاعدة أساسية في التعامل الإنساني، تؤكد أن النفوس تنفر من الشدة والفظاظة وتميل إلى اللين والرحمة.

الرفق في القرآن والسنة :

لقد أولى القرآن الكريم أهمية قصوى للرفق في التعامل مع الآخرين، فدعا إلى "قولوا للناس حسنًا" [البقرة: 83]. هذه الدعوة ليست مقتصرة على المسلمين فحسب، بل تشمل البشرية جمعاء، وتؤسس لمبدأ التعايش السلمي والاحترام المتبادل، فالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة هي أساس الدعوة إلى الله، وليست الغلظة أو الإكراه، كما أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم حافلة بالأمثلة التي تجسد هذا المبدأ، فقد كان صلى الله عليه وسلم أرحم الناس وأكثرهم رفقا، حتى مع من أساء إليه، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه" (رواه مسلم). هذا الحديث النبوي الشريف يؤكد أن الرفق هو جوهر الأخلاق الحسنة، وهو ما يضفي الجمال على أي سلوك أو تصرف، ومن أروع الأمثلة على رفقه صلى الله عليه وسلم، قصة الأعرابي الذي بال في المسجد. فبدلاً من أن ينهره الصحابة بشدة، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتركوه حتى يقضي حاجته، ثم أمر بصب دلو من ماء على بوله، وقال لهم: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" (رواه البخاري)، هذا الموقف يجسد قمة الرفق والحكمة في التعامل مع الجاهل، ويعلمنا أن التيسير والتعليم باللين أولى من التعنيف والتنفير.

الحوار بالتي هي أحسن :

الإسلام هو دين الحوار الهادئ والبناء، لا دين تكميم الأفواه أو فرض الرأي بالقوة، يقول تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل: 125]. هذه الآية ترسم المنهج الأمثل للدعوة إلى الله، وهو منهج يقوم على الحكمة في الطرح، والموعظة الحسنة التي تلامس القلوب، والجدال بالتي هي أحسن الذي يعتمد على المنطق السليم والاحترام المتبادل، حتى وإن اختلفت وجهات النظر، فالمناقشة البناءة التي تسعى إلى إقناع الآخر لا إلى قهره هي جوهر الدعوة الإسلامية.

ولقد سار الصحابة والتابعون على هذا النهج القويم، فعندما أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن، قال لهما: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا" (رواه البخاري ومسلم). هذه الوصية النبوية التي نقلها عمر رضي الله عنه تلخص منهج الدعوة الذي يقوم على التيسير والتبشير والتعاون، بعيداً عن التعسير والتنفير والاختلاف، ومن القصص الدالة على ذلك، ما روي عن الإمام الشافعي رحمه الله، أنه قال: "ما ناظرت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ". وهذا يدل على أن الجدال في الإسلام ليس لغرض الانتصار الشخصي، بل لغرض إظهار الحق وإيصال الخير للناس.

التسامح والعفو :

يتجلّى التسامح في الإسلام كقيمة عليا، فهو دين يدعو إلى العفو والصفح وفتح صفحات جديدة، بدلا من ترسيخ الضغائن والأحقاد، وقد تجلّى ذلك في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم عندما عفا عن أهل مكة بعد الفتح، وهو موقف تاريخي يجسد قمة التسامح والرحمة، فبعد سنوات من الأذى والاضطهاد والقتال، دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً منتصراً، وقال لأهلها: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". هذا العفو الشامل لم يسبق له مثيل في تاريخ الفتوحات، وأظهر للعالم أجمع سماحة الإسلام وعظمته.

ولم يقتصر التسامح على النبي صلى الله عليه وسلم وحده، بل سار عليه الصحابة الكرام، فعندما فتح المسلمون بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أعطى أهلها "العهدة العمرية" التي ضمنت لهم الأمن على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم، ولم يجبر أحداً على الدخول في الإسلام، وهذا دليل ساطع على احترام الإسلام لحرية المعتقد والتسامح مع أتباع الديانات الأخرى.

التعامل مع الملحد : دعوة بالحكمة والرحمة

قد يتبادر إلى الأذهان سؤال حول كيفية التعامل مع من لا يؤمن بوجود الله أصلاً، الإسلام دين الرفق والحوار، يقدم الإرشاد في هذا الجانب أيضاً، فمبدأ (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) [البقرة: 256] هو أساس في العلاقة مع جميع الناس، بمن فيهم الملحدون، لا يجوز الإكراه على اعتناق الإسلام، ولا يحق للمسلمين الاعتداء على غير المسلمين لمجرد اختلافهم في المعتقد، فالتعامل مع الملحد يجب أن يكون قائماً على الحوار الهادئ والعلمي، بالتي هي أحسن، وهذا يعني تقديم الأدلة والبراهين العقلية على وجود الخالق، والرد على الشبهات بأسلوب مهذب ومقنع، قال تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [العنكبوت: 46]. وإن كانت هذه الآية في أهل الكتاب، فإن روحها تنطبق على التعامل مع أي طرف يختلف معنا في المعتقد، بمن فيهم الملحدون، و الهدف هو تبادل الأفكار ودعوة إلى الحق بالحكمة والبيان، لا بالاستعلاء أو التسفيه، ويجب أن يتخلل هذا التعامل الاحترام المتبادل للإنسانية، فبغض النظر عن المعتقد، يبقى الإنسان كائناً كريماً خلقه الله، ويستحق المعاملة الحسنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قام لجنازة يهودي مرت به، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: "أليست نفسا؟" (رواه البخاري)، هذا الموقف النبوي يظهر عظمت احترام النبي صلى الله عليه وسلم للإنسانية بغض النظر عن الدين أو المعتقد، لا يعني عدم الإيمان أن نسقط عن الشخص حقه في المعاملة الطيبة والعدل.

إن دين الإسلام ليس دينا يبرر التعصب الأعمى أو يغذي الكراهية، بل هو دين يدعو إلى التفكير العميق وإعمال العقل، ويحث على احترام الاختلاف، هو دين السماحة التي تتجلى في كل جوانب الحياة، من التعامل مع الأهل والجيران إلى العلاقة مع غير المسلمين، وحتى مع من لا يؤمن بوجود الخالق.

في الختام، إن الإسلام يمد يده بالسلام والرحمة، ويدعو إلى مجتمع يقوم على التعاون والمودة، حيث يجد كل إنسان مكانه في ظل العدل والإحسان، بعيدا عن الفظاظة والتعصب. فهل لنا أن نتمسك بجوهر ديننا السمح ونقدمه للعالم على حقيقته. 


رشيد بوجدرة نختلف معه في المنهج ونحترمه كإنسان

إن الحديث عن الكاتب والروائي الجزائري رشيد بوجدرة يثير دوماً نقاشات ثرية، فهو بلا شك قامة ثقافية ووطنية، لا يمكن إنكار مساهماته الفكرية والأدبية، ومع إقرارنا بصفاته هذه، يبرز اختلافنا معه في المنهج والطريقة، سواء في الكتابة أو في التعامل مع المجتمع، هذا الاختلاف، وإن كان جوهرياً، لا يمس بأي شكل من الأشكال الاحترام المتبادل الذي لابد أن يكون بينما وبينه، بل يستند إحترامنا له إلى مبادئ عميقة ترسخ قيم التعايش والتسامح، ونتعامل مع هذا الاختلاف من منطلق قوله تعالى: "لكم دينكم ولي دين"، وقوله عز وجل: "لا إكراه في الدين"، هذه الآيات الكريمة ترسم لنا مساراً واضحاً في التعامل مع الآخر، أياً كانت قناعاته وتوجهاته، فالإيمان قناعة قلبية لا تفرض بالإكراه، والاختلاف في الفكر والمعتقد هو جزء أصيل من طبيعة البشر، كما أن احترامنا له ينبع من كوننا ندرك أنه إنسان قد كرّمه الله عز وجل، حتى وإن رأينا أنه لم يكرم نفسه ببعض أفكاره أو مواقفه، فالله سبحانه وتعالى يقول: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً"، هذا التكريم الإلهي لبني البشر يفرض علينا أن نحترم إنسانية كل فرد، بصرف النظر عن معتقداته أو تصرفاته، من هذا المنطلق، يكون الاحترام بيننا وبينه متبادلاً، وكل واحد منا يمتلك حريته في التعبير عن ذاته ومنهجه، ولا يجوز لنا أبداً أن نسيء إليه أو نشتمه على أساس توجهه، فديننا الحنيف ينهانا عن ذلك صراحة، يقول الله تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم"، وهذا يعزز مبدأ عدم الإساءة للآخر، حتى وإن اختلفنا معه جذرياً، وثبت في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء". هذه الصفات السلبية بعيدة كل البعد عن أخلاق المؤمن الحق، وتؤكد على ضرورة التحلي بالقول الحسن والخلق الكريم حتى في أوقات الاختلاف، وإن الواجب علينا كمسلمين أن نتناصح فيما بيننا، فالنصيحة هي أساس بناء المجتمعات الصالحة، والاختلاف في الرأي أو المنهج لا ينبغي أن يفسد الود أو يقطع جسور التواصل، بل على العكس، يمكن أن يكون الاختلاف دافعاً للحوار البناء، وتبادل الأفكار، والوصول إلى فهم أعمق للقضايا المطروحة.

في الختام، إن احترامنا لرشيد بوجدرة كإنسان ومثقف ووطني لا يتعارض مع اختلافنا معه في بعض توجهاته ومنهجه، فالأخلاق الإسلامية والقيم الإنسانية تدعونا إلى قبول التعددية، واحترام حرية الفكر، والتعامل بالتي هي أحسن، مع الحفاظ على مبدأ النصح والإرشاد، فالاختلاف يثري، والاحترام يبني.    


ردٌ على رأي بوجدرة حول مالك بن نبي: هل عدم المعرفة بالفكر يبرر التشويه؟

شكلت التصريحات الأخيرة للكاتب الجزائري بوجدرة حول المفكر مالك بن نبي، في حواره مع حميدة عياشي في قناة الوطنية من خلال برنامج مسارات، صدمةً للكثيرين ممن يعرفون فكر ابن نبي وعمقه، فما قاله الكاتب والروائي بوجدرة، في وصف ابن نبي بـ "الرجعي والمتدين بالمعنى السلبي والسطحي الذي يتحدث فقط عن الصلاة والصوم والعبادات"، وتأكيده أنه "لم تكن له علاقة مع الإسلام الروحي بل مع الإسلام المادي"، ونفيه عنه صفة "المحلل والفيلسوف"، لا يتسق أبداً مع حقيقة هذا المفكر الفذ الذي أثرى المكتبة العربية والإسلامية العالمية بإنتاجه الفكري المتميز.

إن المتتبع لتصريحات بوجدرة، يجد نفسه أمام سؤال محير: هل يعقل أن يكون هذا الوصف لشخصية بحجم مالك بن نبي، الذي يعد أحد أبرز مفكري القرن العشرين في العالم الإسلامي وربما في العالم كله، نابعاً من جهل حقيقي بفكره؟ أم أنه مجرد حكم مسبق، ينم عن قطيعة عميقة بين المثقفين الجزائريين، وهيمنة التصنيفات الإيديولوجية التي تلغي الموضوعية وتمنع الاعتراف بالاختلاف؟

من الواضح جداً أن بوجدرة،  عند استماعك لحديثه يقعد في نفسك أنه لم يقرأ لابن نبي أي كتاب بعمق، فالصورة التي رسمها بوجدرة لابن نبي أقرب ما تكون إلى أحد أئمة السلفية التقليدية، لا إلى مفكر عقلاني وصاحب رؤية تنويرية ك كمالك بن نبي، وكيف يمكن لمفكر كبوجدرة، أن يصف ابن نبي بالسطحية ويحصر اهتماماته في العبادات، في حين أن جل كتاباته تتناول قضايا الحضارة والتخلف، شروط النهضة، ودور الإنسان في بناء مجتمعه، وصولاً إلى نظريته الشهيرة عن "القابلية للاستعمار" التي وافقه عليها بوجدرة نفسه، ليقع في تناقض صارخ!

إن مالك بن نبي لم يكن قط مفكراً سطحياً أو حبيس الزاوية الضيقة للعبادات، لقد كان فيلسوفاً ومحللاً عميقاً، سعى جاهداً لتشخيص أمراض الأمة الإسلامية وتقديم حلول جذرية لنهضتها، ولم يكن يدعو إلى حكم الدول العربية بالإسلام بمعزل عن شروط التقدم والوعي الحضاري، بل كان يرى أن الإسلام يمكن أن يكون محركاً للنهضة إذا تم فهمه في سياقه الحضاري الشامل، بعيداً عن الجمود والتقليد الأعمى، فكتاباته مثل "شروط النهضة"، "مشكلة الثقافة"، "ميلاد مجتمع"، و"دور المسلم ورسالته" تشهد على عمق فكره واتساع أفقه.

الغريب في الأمر، أن العديد من الباحثين والكتاب غير الجزائريين، من مختلف المرجعيات الفكرية، قد كتبوا عن مالك بن نبي بموضوعية وإنصاف، وتناولت دراساتهم جوانب متعددة من فكره، سواء بالنقد البناء أو بالتأييد، لكنها في مجملها عكست صورة حقيقية وعادلة لمكانته كمفكر أصيل.

، فهل يعقل أن يكون هؤلاء جميعاً قد أخطأوا في فهم ابن نبي، في حين أن بوجدرة وحده قد أصاب الحقيقة؟

إن هذه التصريحات، لا تكشف فقط عن جهل محتمل بفكر مالك بن نبي، بل تسلط الضوء على آفة خطيرة يعاني منها بعض المثقفين في الساحة الثقافية الجزائرية، وهي هيمنة الأحكام المسبقة والتصنيفات الإيديولوجية التي تعيق أي حوار بناء أو تقييم موضوعي للآخر، فبدلاً من الاعتراف بالاختلاف والحق فيه، يسود منطق الإقصاء والتصنيف الذي يقسم المثقفين إلى "تقدمي" و"رجعي"، أو "يساري" و"إسلامي"، في تشويه واضح للحقيقة وتقويض للموضوعية، فمالك بن نبي، كأي مفكر، ليس معصوماً من الخطأ، وقد يكون له ما يؤخذ عليه، ولكن النقد البناء والاختلاف بشرف هما أساس التقدم الفكري، ولا يحق لأحد، أياً كان، أن يصادر حق الآخر في الفكر والرأي أو يتدخل في خياراته الإيديولوجية، ولكن في المقابل، من الواجب على المثقف، وقبل أن يطلق الأحكام، أن يتحرى الدقة والموضوعية وأن يستند إلى معرفة حقيقية بفكر من ينتقده، بدلاً من الاعتماد على تصورات مسبقة قد تكون مجحفة أو بعيدة كل البعد عن الحقيقة، إن التشويه المتعمد أو غير المتعمد لرموز فكرية بحجم مالك بن نبي، لا يضر بسمعة المفكر فحسب، بل يضر بالثقافة والمجتمع بأكمله، والسؤال الذي يمكن أن نكرح لنثري النقاش، هل تعتقد أن مثل هذه التصريحات تعيق تطور النقاش الفكري في الجزائر؟. 



فن الاختلاف: بناء الود على أساس الاحترام

في نسيج الحياة الاجتماعية المعقد، تتشابك الرؤى وتتباين الأفكار، وهذا التنوع هو ما يثري تجربتنا الإنسانية، قد نجد أنفسنا في مواجهة تباينات في المنهج والطريقة، سواء في الكتابة التي نعبر بها عن ذواتنا، أو في تعاملاتنا اليومية داخل المجتمع، لكن جوهر هذه التفاعلات، والذي يجب أن يبقى صلبا كقاعدة لا تتزعزع، هو الاحترام المتبادل.

إن الاحترام المتبادل ليس مجرد كلمة تُقال، بل هو منظومة قيم تضمن لكل فرد حريته في التعبير والتصرف، ما دام ذلك لا يتعدى على حريات الآخرين، هو الإقرار بأن لكل منا مساحته الخاصة، فكره المستقل، وطريقه الفريد في رؤية العالم والتفاعل معه، و عندما نتبنى هذا المبدأ، نفتح الأبواب لحوار بناء بدلاً من الجدال العقيم، وللتعاون المثمر بدلاً من التنافس الهدام، وفي خضم هذا التباين، يبرز دور النصح الصادق، أن ننصح بعضنا البعض ليس وصاية أو محاولة لفرض الرأي، بل هو تعبير عن الاهتمام والرغبة في الخير للآخر، والنصح الهادف، الذي يُقدم بلين وحكمة، يمكن أن يكون بوصلة تهدي في طريق التيه، أو بصيص نور نكتشف به زاوية غابت عن نظرنا، فيكون دليل على أننا، رغم اختلافنا، ما زلنا نتقاسم الرغبة في النمو والتطور.

فليكن الاختلاف وقودا للفكر، محركا للإبداع، ودافعا للتأمل، لا سببا للشقاق أو النفور، والاختلاف لا يفسد للود قضية؛ بل قد يزيده عمقا ورسوخا إذا ما تم التعامل معه بوعي ونضج. عندما نتعلم كيف نختلف باحترام، وكيف نُقدم النصح بمودة، فإننا لا نبني فقط علاقات أقوى وأكثر مرونة، بل نصوغ مجتمعا أكثر تسامحا وتفهما، مجتمعا يحتفي بتنوعه ويجد فيه قوة لا ضعفا.

دعونا نتذكر دائما أن المنهج والطريقة قد تتغير وتتطور، لكن قيمة الاحترام والود تبقى حجر الزاوية الذي يجمعنا ويجعل من اختلافنا قوة دافعة نحو مستقبل أفضل.



منتدى الكتاب بأدرار يحتفي بـ "رسائل متحررة" للروائي هشام بولالي

في إطار فعاليات "منتدى الكتاب" الثقافية، استضافت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بأدرار. الكاتب هشام بولالي في جلستها الأدبية الرابعة والأربعين، التي تنظم بعنوان "قراءة في كتاب"، وخصصت هذه الجلسة، التي أقيمت يوم الأربعاء 30 جويلية 2025. بداية من الساعة التاسعة صباحا، لمناقشة العمل الروائي "رسائل متحررة" للكاتب هشام بولالي، وجاءت هذه المبادرة المتواصلة التي تنظمها وزارة الثقافة والفنون ممثلت في المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بأدرار، لتعزيز الحراك الثقافي وتشجيع القراءة والنقاش الأدبي في المنطقة، وقد شهدت الجلسة حضور بعض من المثقفين والأدباء، وجمهور من القراء المهتمين بالأدب الجزائري حضوريا وعن بعد، وقدم المشاركون في الجلسة قراءات تحليلية ونقدية معمقة لرواية "رسائل متحررة"، مستعرضين أبعادها الفنية والفكرية، وتم تسليط الضوء على الأسلوب الأدبي للروائي هشام بولالي، وبناء الشخصيات، والمعالجة السردية للمواضيع التي تناولتها الرواية، كما أتاحت الجلسة الفرصة للتفاعل مع الكاتب وطرح الأسئلة حول عمله، ما أثرى النقاش وتبادل وجهات النظر، وتؤكد هذه الفعاليات على الدور المحوري الذي تلعبه المكتبات العمومية في إثراء المشهد الثقافي المحلي، وتوفير فضاءات للنقاش الفكري والأدبي، والمساهمة في التعريف بالإصدارات الجديدة والكتاب الشباب، و يشار إلى أن منتدى الكتاب بأدرار يستمر في تقديم برامجه المتنوعة التي تهدف إلى ترسيخ عادة القراءة وجعل الكتاب جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للمواطنين.  

   
 المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 31 جويلية 2025، العدد 3322، في الصفحة 12



"قافلة جسور البهجة 2025" تنطلق في أدرار لصيف من المتعة والإبداع للشباب

في خطوة تهدف إلى إثراء الأنشطة الصيفية للشباب وإدخال البهجة والسرور إلى نفوسهم تنظم بولاية أدرار  فعاليات "قافلة جسور البهجة لصيف 2025". هذه المبادرة الهامة تنظم بالتنسيق بين مديرية الشباب والرياضة لولاية أدرار، وديوان مؤسسات الشباب بالولاية، إضافة إلى الرابطة الولائية للنشاطات الثقافية والعلمية بأدرار، وتُقدم القافلة برنامجاً حافلاً بالأنشطة المتنوعة التي تستهدف فئة الشباب، وتهدف إلى تنمية مواهبهم وصقل قدراتهم، وتظهر الصور الترويجية للفعالية جانباً من الأجواء التفاعلية التي ستشهدها القافلة، والتي تتضمن ورش عمل إبداعية وأنشطة ترفيهية جماعية مصممة خصيصاً لتحفيز المشاركين واكتشاف المواهب، وتسعى القافلة إلى زيارة عدد ممكن من البلديات في الولاية، حيث تم تحديد برنامج زمني دقيق لوصولها إلى أبرز المناطق حيث ستنطلق يوم الخميس 31 جويلية من بلدية تامست، و الجمعة 01 أوت ستنتقل القافلة إلى بلدية فنوغيل، و السبت 02 أوت تختتم القافلة جولتها في بلدية تمنطيط، ومن المقرر أن تبدأ جميع الأنشطة والفعاليات اليوم الخميس 31 أوت في تمام الساعة السابعة مساءً، ما يتيح للشباب فرصة الاستمتاع بالبرنامج في أجواء مسائية مناسبة خلال فترة الصيف، وتجسد هذه القافلة روح التعاون والتضامن بين مختلف الفاعلين في المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية، حيث تشهد مشاركة فعالة من عدد من الجمعيات الشبانية والمدنية على مستوى الولاية، ومن أبرز هذه الجمعيات "جمعية مسيرة أسود المشية للفنون الدرامية أدرار"، و"جمعية مسرح توات الثقافية أدرار"، بالإضافة إلى "جمعية شباب أدرار التضامنية"، التي ستساهم جميعها في إنجاح هذا الحدث الهام، هذا وتُعتبر "قافلة جسور البهجة" أكثر من مجرد فعاليات ترفيهية، فهي تمثل منصة حقيقية للشباب للتفاعل البناء، واكتشاف الذات، وقضاء أيام صيفية مفعمة بالنشاط والحيوية، وتؤكد هذه المبادرة على التزام الجهات المنظمة بدعم الشباب الجزائري وتوفير كل السبل لنموه وتطوره في بيئة محفزة وإيجابية. 


المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 31 جويلية 2025، العدد 3322، في الصفحة 12



اختتام ناجح لمعرض وندوة "البعد الأفروأمزيغي فن وهوية" بأولف

أختتمت مساء الاثنين  28 يوليو 2025، فعاليات المعرض الفني والندوة التي حملت عنوان "البعد الأفروأمزيغي فن وهوية" للفنان التشكيلي ابليله مسعود، وذلك في مكتبة المطالعة العمومية بأولف، وحظيت الندوة التي اختتم بها المعرض،  بحضور لافت، وجاء تنظيم المعرض والندوة تحت رعاية وزارة الثقافة والفنون وإشراف مديرية الثقافة والفنون لولاية أدرار، ونظمت الفعالية بالتنسيق بين الجمعية الثقافية محمد البشير الإبراهيمي ومكتبة المطالعة العمومية بأولف، وتعتبر هذه الفعالية الثقافية إضافة قيمة للمشهد الفني والثقافي في المنطقة، حيث سلطت الضوء على العلاقة المتجذرة بين الفن والهوية الأفروأمزيغية، وهي قضية ذات أهمية بالغة في السياق الثقافي الجزائري، وقد أتاح المعرض والندوة المصاحبة له الفرصة للحضور للتعمق في أعمال الفنان ابليله مسعود واستكشاف رؤيته الفنية التي تعكس هذا البعد الهام، وشهد حفل الاختتام تكريم عدد من الشخصيات البارزة التي ساهمت في إنجاح هذه الفعالية، ويأتي هذا التكريم ليؤكد على أهمية التعاون بين المؤسسات الثقافية والجمعيات الفنية والمهتمين بهذا الجانب لدعم المواهب وتشجيع الحوار الثقافي، وقد عبر المنظمون عن سعادتهم بالنجاح الذي حققته الندوة والمعرض، مؤكدين على أهمية الاستمرار في تنظيم مثل هذه الفعاليات التي تثري الحراك الثقافي في أولف والجزائر عموماً، ويعد نجاح ندوة "البعد الأفروأمزيغي فن وهوية" تأكيد على وعي المجتمع بأهمية الفن كوسيلة للتعبير عن الهوية والانتماء، ويعزز من مكانة أولف كمركز ثقافي يحتضن الإبداع والفكر.  


المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 31 جويلية 2025، العدد 3322، في الصفحة 12 




الاثنين، 28 يوليو 2025

معرض "البعد الأفرو-أمازيغي، فن وهوية" لأبليله مسعود: نافذة على روح الجزائر الأصيلة

تستضيف مكتبة المطالعة العمومية بأولف حاليا معرضا فنيا للفنان التشكيلي أبليله مسعود، و يقام المعرض تحت رعاية وزارة الثقافة والفنون وإشراف مديرية الثقافة والفنون لولاية أدرار، وبالتنسيق مع جمعية محمد البشير الإبراهيمي ومكتبة المطالعة العمومية بأولف التي تحتضن فعالياته، والمعرض ينظم تحت عنوان "البعد الأفرو-أمازيغي، فن وهوية"، وهو ليس مجرد عرض للأعمال الفنية، بل هو مشروع ثقافي عميق يدعو إلى التأمل في الهوية الجزائرية الأصيلة، وتتجلى في أعمال الفنان أبليله مسعود موهبة فنية نادرة وإبداع يضعها في مصاف كبار الفنانين، إنها أعمال تدعوك للوقوف أمامها وقفة تأمل، لما تحمله من عمق فني ورسالة مجتمعية، ويسعى مسعود من خلال ريشته إلى إبراز عادات وتقاليد المجتمع الجزائري الأصيلة، محافظا بذلك على التراث الثقافي الغني للأجيال القادمة، والفن لديه ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لخدمة المجتمع وإحياء قيمه، ويُعد هذا المعرض مشروعا قيما بحد ذاته، يستحق أن توليه السلطات في البلاد اهتماما خاصا، لأنه يسلط الضوء على الأصول العميقة التي شكلت المجتمع الجزائري في عاداته وتقاليده المشتركة بين مكوناته الاجتماعية والإنسانية، والتي تمتد جذورها إلى عمق تاريخ الدولة الجزائرية، إذ أن "البعد الأفرو-أمازيغي، فن وهوية" يعكس بصدق الروح الأصيلة للجزائر، ويقدمها في قالب فني تشكيلي يحافظ على أصالتها، ويُعتبر هذا المعرض تجربة ثقافية فريدة، تتيح للجمهور فرصة الانغماس في عوالم من الجمال والتراث، والتعرف على رؤية فنان يسعى بكل جوارحه للحفاظ على الهوية الوطنية وإبرازها للعالم.  
























تنصيب الأستاذ بن عمار أحمد مكلفا بتسيير ملحقة المدرسة العليا لأساتذة التعليم الابتدائي بأدرار

في خطوة هامة لتعزيز قطاع التعليم الابتدائي بولاية أدرار، سيتم بداية من  السنة الدراسية المقلبة فتح ملحقة للمدرسة العليا لأساتذة التعليم الابتدائي، و تم يوم 27 جويلية 2025، تنصيب الأستاذ بن عمار أحمد في مهمة المكلف بتسيير ملحقة المدرسة العليا لأساتذة التعليم الابتدائي بولاية أدرار، وجرى حفل التنصيب الرسمي بمقر جامعة أدرار، تحت إشراف البروفيسور بن عمر محمد الأمين، مدير جامعة أدرار وشهد الحدث حضور الأمين العام للجامعة، الأستاذ باسة عبدالنبي، إلى جانب ممثلين عن مديرية التربية لولاية أدرار، وإطارات من الجامعة، وجاءت هذه الخطوة في إطار الجهود الرامية إلى تقريب التكوين الجامعي من الطلبة الناجحين في شهادة الباكلوريا الرغبين في هذا التخصص وتوفير كفاءات مؤهلة لتدريس التعليم الابتدائي بالولاية، ما يسهم في الارتقاء بجودة المنظومة التربوية المحلية، ومن المتوقع أن يلعب الأستاذ بن عمار أحمد، بخبرته وكفاءته، دورا محوريا في الإشراف على هذه الملحقة وضمان سيرها وفق المعايير الأكاديمية والتربوية المطلوبة.   




أمن أدرار يوقف مجرم خطير مروع المواطنين

في عملية نوعية وسريعة، نجحت الفرق العملياتية لأمن ولاية أدرار في وضع حد لنشاط مجرم خطير كان يروع سكان وسط مدينة أدرار، مهددا سلامتهم الجسدية باستخدام أسلحة بيضاء وكلاب شرسة، وقد لاقت هذه العملية استحسانا كبيرا في أوساط المجتمع المحلي الذي عانى من تصرفات هذا الفرد، وجاء توقيف المجرم في وقت وجيز بفضل عاملين رئيسيين وهما ثقافة التبليغ المتنامية لدى المواطنين والسرعة الفائقة في تدخل القوات العملياتية لأمن ولاية أدرار، حيث أظهر سكان المدينة وعيا عاليا بضرورة الإبلاغ عن أي تهديدات تمس أمنهم وسلامتهم، مما مكن الأجهزة الأمنية من الحصول على المعلومات اللازمة والتحرك بفاعلية، وبمجرد تلقي البلاغات، تحركت فرق الشرطة المختصة على الفور، مستخدمةً خططا محكمة وتنسيقا عاليا للوصول إلى المجرم وتوقيفه دون تسجيل أي أضرار جانبية، وتؤكد هذه العملية على الجهود المتواصلة التي تبذلها مصالح أمن أدرار لضمان الأمن والسكينة العامة وحماية المواطنين من أي أخطار، كما يعكس نجاح هذه العملية التزام الشرطة الجزائرية بمكافحة الجريمة بشتى أنواعها، وتؤكد كذلك على أهمية الشراكة المجتمعية بين المواطنين والأجهزة الأمنية في بناء بيئة آمنة ومستقرة، هذا ويبقى الوعي الأمني للمواطنين وسرعة استجابة القوات الأمنية حجر الزاوية في تحقيق الأمن الشامل.   

 

المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 29 جويلية 2025، العدد 3320، في الصفحة 16

المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 03 أوت 2025، العدد 3323، في الصفحة 06




الأحد، 27 يوليو 2025

تنبيه: الحرب الإلكترونية ليست ضد حماس، بل ضد القضية الفلسطينية برمتها

يا من تنجرفون وراء نداءات الحرب الإلكترونية ضد حركة حماس الفلسطينية، توقفوا لحظة وتفكروا مليا في طبيعة هذه المعركة إنها ليست، كما قد يُصور لكم، حربا موجهة ضد فصيل واحد، بل هي هجوم أوسع نطاقا يستهدف القلب النابض للقضية الفلسطينية برمتها.

في عصر تتشابك فيه الحقائق وتتداخل فيه الروايات، أصبحت ساحة المعركة تمتد إلى فضاء الإنترنت الواسع، حيث تُشن حروب إعلامية ونفسية تهدف إلى تشويه الحقائق وتغيير المفاهيم، وعندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، فإن هذه الحرب الإلكترونية تستغل المشاعر وتزييف الوقائع لخلق صورة نمطية مغلوطة تخدم أجندات معينة.

إن الانسياق وراء هذه الحملات يعني أنكم تساهمون، عن قصد أو غير قصد، في تقويض أسس النضال الفلسطيني المشروع، فالهدف ليس فقط ضرب حماس، بل هو ضرب كل مقاومة وكل صوت يدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، إنها محاولة لإسكات الأصوات التي تطالب بالعدالة، وتطمس التاريخ، وتنزع الشرعية عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.

علينا أن ندرك أن أي هجوم إلكتروني يستهدف "حماس" كوسيلة لتقويض القضية الفلسطينية هو في جوهره هجوم على كل فلسطيني، وكل عربي، وكل إنسان حر يؤمن بالحق والعدل، إنه محاولة لزرع الشقاق وتفتيت الصفوف، وتحويل الأنظار عن الاحتلال وممارساته، ليصبح التركيز على صراعات داخلية مفتعلة، لذا ندعوكم إلى اليقظة والتفكير النقدي، وأن لا تكونوا وقودا لحرب لا تخدم سوى أعداء القضية الفلسطينية، تدبروا المصادر، وتحققوا من المعلومات، وتذكروا دائمًا أن القضية الفلسطينية أكبر من أي فصيل أو حركة، إنها قضية شعب محتل ومظلوم، يناضل من أجل حريته وكرامته،

علينا أن لا ننساق وراء الدعوات التي تسعى إلى تشتيت جهودنا وتحويل بوصلتنا عن الهدف الأسمى، لنكن موحدين في دعمنا للقضية الفلسطينية، ولنواجه هذه الحرب الإلكترونية بالوعي والمعرفة، ولنقف صفا واحدا في وجه كل من يحاول تشويه الحقيقة أو النيل من حقوق الشعب الفلسطيني، تذكروا دائمًا أن القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع سياسي، بل هي صراع وجودي على الحق والعدالة والكرامة الإنسانية. فلا تنجرفوا وراء حرب إلكترونية لا تستهدف حماس، بل تستهدف القضية الفلسطينية بأكملها.  



حرب الظلال الرقمية: استهداف القضية الفلسطينية وتماسك الشعب الفلسطيني

في خضم المعركة الدائرة على أرض فلسطين، وما يسلط على الشعب الفلسطيني من تجويع وحرب إبادة جماعية، حيث يتكبد الكيان الصهيوني خسائر فادحة ويعجز عن كسر صمود المقاومة والجهاد، تبرز جبهة جديدة للعدوان لا تقل خطورة وتأثيرا وهي الحرب الإلكترونية؛ هذه الحرب التي تستهدف بشكل خاص حركتي حماس والجهاد الإسلامي، لا تهدف فقط إلى تشويه صورتهما، بل تتجاوز ذلك لتصب في مصلحة المشروع الصهيوني الأكبر للنيل من القضية الفلسطينية، وتشتيت وحدة الفلسطينيين، وكسر إرادة المقاومة التي عجز المحتل وأعوانه وداعموه عن تحقيقها ميدانيا.

إن الغاية الأسمى لهذه الحرب الرقمية هي إحداث شرخ عميق في الصف الفلسطيني، وخلق بلبلة تخدم أجندات الاحتلال، فبينما يواجه الفلسطينيون عدوانا عسكريا لا هوادة فيه، تُشن عليهم حملات تضليل وتشويه عبر الفضاء السيبراني، تهدف إلى إضعاف جبهتهم الداخلية وبث الشكوك حول قيادتهم ومقاومتهم، هذه الحملة الشرسة، التي تستخدم أدوات التزييف والتضليل ونشر الأكاذيب، تسعى إلى إيهام العالم بأن المقاومة الفلسطينية هي مصدر التوتر، متجاهلة بذلك جذور الصراع المتمثلة في الاحتلال والظلم، ومن المؤسف أن نرى بعض الجزائريين ينحرون وراءها عن غير قصد أو دون إدراك لحقيقة الأبعاد، فيتجرفون في هذه الحرب الإلكترونية، إن انخراط أي طرف عربي أو إسلامي، حتى وإن كان بنية حسنة، في نشر معلومات مضللة أو ترديد روايات مغلوطة تخدم أجندة الاحتلال، هو بمثابة طعنة في ظهر القضية الفلسطيني، فمثل هذه المشاركة، سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، تساهم في تحقيق أهداف العدو عبر تعزيز الانقسام وتشويه الحقائق، إن وعي الشعوب العربية والإسلامية بهذه الحرب الخفية بات أمرا حيويا، يجب على الجميع التفطن له و التحلي باليقظة والحذر، والتثبت من المعلومات قبل تداولها، والوقوف صفا واحدا ضد أي محاولات للنيل من القضية الفلسطينية ووحدة شعبها ومقاومتها، فالقضية الفلسطينية هي قضية عادلة ومحورية، وحمايتها تتطلب تضافر الجهود على كافة المستويات، بما في ذلك التصدي بحزم لحرب الظلال الرقمية التي تستهدف النيل من صمود الشعب الفلسطيني الأبي.  



البروفيسور قدي عبد المجيد: رحلة من أولف إلى قمة المعرفة

من رحم مدينة أولف الهادئة بولاية أدرار، ومن أحضان عائلة عُرِفت بالعلم والأخلاق، بزغ نجم البروفيسور عبد المجيد قدي، وحين كان شابا عشريني كان يحمل في قلبه طموحا لا نحده سوى السماء، ويحلم بأن يخط اسما لنفسه في سجل الخالدين بعالم المعرفة، ولم تكن البدايات سهلة، ففشل في اجتياز امتحان البكالوريا في محاولته الأولى، لكن القدر كان يدخر له موعدا مع النجاح ليصبح من أبرز أساتذة الاقتصاد والمالية في الجزائر والعالم العربي.

وُلد البروفيسور عبد المجيد قدي في مطلع الستينيات في زاوية حينون ببلدية أولف ولاية أدرار، ونشأ على منابع العلم الأصيلة، فدرس القرآن الكريم على يد عمه أحمد، وتعلّم الفقه على يد العلامة محمد باي بلعالم، والنحو على يد التابت عبد الرحمن، تنقّل بين مدن الجزائر طلبا للعلم، من أولف في المرحلة الابتدائية، إلى عين صالح في المتوسطة، ثم غرداية في الثانوية، وأخيرا أدرار، و على الرغم من شغفه بالرياضيات وتفوقه فيها خلال دراسته الثانوية بغرداية، إلا أن البكالوريا ظلت عقبة ومحطة صعبة، تنافس مع الكثير من المتميزين في تلك الفترة، لم ييأس الشاب الطموح، بل كان التحدي وقودا لعزيمته، فبعد إصرار من والده على مواصلة الدراسة، التحق بأدرار ليُعيد البكالوريا في التخصص العلمي، ونجح بتفوق ليلتحق بعدها بجامعة العاصمة لدراسة الرياضيات، إلا أن المرض حال دون إكماله العام الدراسي، ليعيد القدر توجيه مساره نحو الاقتصاد، حيث نصحه أحد معارفه بأن هذا التخصص يجمع بين عمق الرياضيات وسعة الآداب والفلسفة التي أتقنها البروفيسور عبدالمجي، فقد سُحِر البروفيسور قدي بعالم الاقتصاد، فغاص في أعماقه بجد واجتهاد، وكان من الأوائل في دفعته، و بعد تخرجه بحث عن عمل دون جدوى، حتى جاءت فرصة مسابقة الماجستير في العاصمة، وشاء الله أن يكون الناجح الأول كتابة وشفويا، و ناقش رسالته بتفوق، وبدأ التدريس وهو لا يزال يعد مذكرة الماجستير، لم يتوقف طموحه عند هذا الحد، فسجل في الدكتوراه، ووفقه الله لمناقشتها مباشرة بعد تسجيله الرابع، ليحصل على تقدير "مشرف جدا مع تهنئة اللجنة"، ويشهد له الجميع بتميز عمله. تدرج بعدها في الرتب العلمية، ليصبح أول أستاذ محاضر وأستاذ تعليم عالي على المستوى الوطني في تخصصه، هو أن يحمل أعلى رتبة وهي أستاذ التعليم العالي مميز، كان البروفيسور قدي عند بلدية عمله أصغر أستاذ محاضر في العلوم الاقتصادية على المستوى الوطني، وحصل على جائزة أصغر باحث من جامعة الجزائر، و انتسب إلى العديد من اللجان الوزارية، واستُضيف في كبرى المحافل العلمية والإعلامية داخليا وخارجيا ولا زال يستضاف، و أشرف على العديد من رسائل الدكتوراه في مختلف الجامعات ولا سوال كذلك، وأثرى المكتبة العربية بأكثر من ثمانية عشر كتابا، بالإضافة إلى عشرات المقالات في المجلات العلمية المحكّمة، تاركا بصماته العلمية كباحث ومُقوّم ومُوجّه، كما تمت تزكيته كعضو في العديد من اللجان الوطنية والدولية، وآخرها تعيينه ضمن فئة الخبراء كعضو في مجلس السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، كانت الباكالورسا بالنسبة للبروفيسور قدي مفتاح، وجواز سفر نحو فضاء أوسع من الخيارات وتحقيق الطموحات، فهي محطة من محطات الحياة التي لا تتوقف الحياة عليها، فللمرء مسالك عدة يمكن عبرها تحقيق ذاته، لأن المهم هو أن يتمتع الإنسان بالقدرة على الإبداع والتميز.

يعتبر البروفيسور عبد المجيد قدي أبا روحيا للعديد من الباحثين في علم الاقتصاد، وأخا ومرشدا ومُوجّها ومُشرفا، و هو باحث متعدد المواهب، طيب المعشر، وفيّ في علاقاته، وكريم ابن كرام، وسنوات 1982، 1987، 1991، 1995 ليست مجرد أرقام عادية في حياة هذا العالم والمربي الفذ، بل هي سنوات إنجاز ومحطات انطلاق نحو فضاء التغيير والبحث والإبداع والتميز، هي سنوات البكالوريا، والليسانس، والماجستير، والدكتوراه، محطات محفورة في تاريخ ووجدان البروفيسور وكل من اقترب منه وعاشره. الأستاذ المميز في التعليم العالي قديم عبد المجيد لم يكتفي بالجانب اقتصادي فهو يكتب في التاريخ والتراث ومحالات أخرى، ويشتغل بجد على الكتب المتخصصة التي تهم عوالم الاقتصاد والمال والتنمية والقطاع الضريبي، و رحلة البروفيسور قدي عبد المجيد مثالا يُحتذى به في الإصرار على تحقيق الطموحات، وتجاوز العقبات، وترك البصمات الخالدة في مسيرة العلم والمعرفة.   


المسجد منبر الحق وموطن الوحدة

إن بيوت الله، المساجد، هي أطهر بقاع الأرض وأحبها إليه سبحانه وتعالى، و هي أماكن السكينة والطمأنينة، ومنابر الحق والهدى، فيها يُتلى كتاب الله، وتُقام الصلوات، وتُلقى الخطب التي تذكّر الناس بدينهم وقيمهم، وتحثّهم على كل خير، وتنهاهم عن كل شر، المسجد مكان يجمع القلوب على كلمة سواء، ويُعلي راية الحق في كل زمان ومكان.

لقد وصلتنا أنباء مؤلمة عن حادثة وقعت في مسجد عمر بن العاص بولاية أدرار، حيث اعترض مصلٍّ على خطبة الإمام التي كانت تتناول مظلومية أهلنا في غزة، الذين يتعرضون لتجويع ممنهج وقتل جماعي، هذا الاعتراض، ومهما كانت دوافعه، لا يليق بحرمة بيت الله ولا بمقام الخطبة، ثم أن مغادرته ذلك الشخص للمسجد بتلك الطريقة عملاً يتنافى مع الآداب الإسلامية والأخلاق الفاضلة.هذا الحادث، بالإضافة إلى حوادث في مساجد أخرى كأوقرت وأولف الكبير، يثير تساؤلات مؤلمة، ومن خلال ما حدث،في مسجد عمر بن العاص، حيث الإمام يدعوا  لأهل غزة،  هل  أصبح الدفاع عن غزة "تهمة"؟ وهل صار الحديث عن مظلومية أهلها مدعاة للغضب والانسحاب؟

إن الإجابة قاطعة وواضحة: كلا وألف كلا! إن المسجد ليس ساحة للجدال العقيم ولا منصة للمزايدات، وهو ليس مكاناً للتفرقة بين الناس، بل هو محضن للوحدة والتعاضد، وهو منبر يُعلي صوت الحق، ويدعو إلى نصرة المظلوم، والوقوف إلى جانب المستضعف.

نصرة غزة: واجب شرعي وإنساني

إن قضية غزة وأهلها ليست مجرد رأي سياسي يمكن الاختلاف عليه، بل هي واجب شرعي وإنساني عظيم، إن الإيمان الحق يحتم علينا الوقوف مع المظلوم ونصرته، ورفع الظلم عنه، ومدّ يد العون إليه، و الصمت على الظلم أو التخاذل عن نصرة المظلومين هو خذلان للدين والقيم والأخلاق قبل أن يكون خذلاناً للقضية ذاتها.

أليست غزة جزءاً لا يتجزأ من جسد الأمة؟ ألم يقل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"؟ فكيف لنا أن نرى إخوتنا يُجوّعون ويُقتّلون ثم نلتفت عنهم أو نغضب ممن يذكّرنا بواجبنا نحوهم؟

حرمة المسجد ووجوب الأدب

علينا أن نتذكر دائماً حرمة المسجد وقداسته، فهو بيت الله الذي ندخله خاشعين متأدبين، نصغي فيه إلى ما يُقال من توجيهات وإرشادات، وحتى لو اختلفنا في وجهة نظر معينة، فإن المسجد ليس المكان المناسب لرفع الأصوات أو إثارة الشقاق، والأدب مع الإمام، ومع بقية المصلين، ومع قدسية المكان، هو من صميم أخلاق المسلم.

فلنتق الله في بيوته، ولنجعلها منارات هداية وجمْعٍ لا تفريق، ولنكن يداً واحدة وقلباً واحداً في نصرة إخوتنا المظلومين في غزة وفي كل مكان، مؤمنين بأن الله ناصر من نصره، ومؤيد من أيّده، اللهم ثبت أئمتنا الصادقين على قول الحق، واهدِ من ضلّ السبيل، وانصر إخواننا المستضعفين في غزة، وهيّئ لهم من أمرهم رشداً. آمين.    


موعظة لأدعياء السلفية: اتقوا الله في إخوانكم المسلمين

يا من تدعون السلفية وتسعون لاتباع منهج السلف الصالح من صحابة رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اتقوا الله في إخوانكم من المسلمين، إن منهج السلف منهج رحمة ورفق، وليس منهج غلظة وتشدد يفرق بين المسلمين ويهدم الأواصر.

كونوا لإخوانكم على طاعة الله، خاصة من تصفونهم بالمنحرفين أو الضالين، و اعلموا أن من أصول منهج السلف عدم تكفير من يقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، فكيف تتجرأون على تكفير مسلم يشهد الشهادتين؟ إن التكفير عظيم وخطير، ولا يبيحه إلا دليل قاطع من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إن منهج السلف يقوم على الدعوة والمجادلة بالتي هي أحسن، تذكروا قوله تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ". فهل يليق بمن يدعي السلفية أن يكون سبابا أو لعانا أو مقاطا لإخوانه المسلمين؟ إن السبيل إلى هداية الناس هو الرفق واللين، لا القسوة والجفاء.

يا من تدعون السلفية، كيف تفرّطون في صلة الأرحام، خاصة الأرحام المحتاجين، والذين قد يجمعكم بهم بيت واحد، وخاصة الأخوات من أب وأم؟ إن صلة الرحم من أعظم القربات إلى الله، وقطيعتها من كبائر الذنوب، فكيف يغفل عنها من يدعي اتباع السلف الصالح؟ إن حق القريب عظيم، خاصة إن كان محتاجا، وحق الأخوات من الأب والأم لا يخفى على من كان له قلب سليم.

نجد منكم من يطيل لحيته ويقصر ثوبه، فإذا ألقيت عليه السلام لم يرده، بحجة أنه لايعرفك، إن هذا ليس من هدي السلف الصالح، بل هو على خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الإسلام أن تُطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف". فكيف يمتنع من يدعي السلفية عن رد السلام، وهو من حقوق المسلم على أخيه المسلم؟ إن السلام مفتاح القلوب، وبادئة للوصل والمودة، فكيف يمتنع عنه من يدعو إلى الخير؟

تسيرون في طريق الخلافات والنزاعات، مع أن رسولنا صلى الله عليه وسلم أمرنا وقت الاختلاف، لقد أمرنا الله تعالى بالاجتماع والاعتصام بحبل الله، ونهانا عن التفرق والاختلاف. فما بالكم تكثرون من الخصومات وتثيرون الفتن؟ إن الخلاف ليس مبررا للعداوة والبغضاء، بل يجب أن يكون محلاً للتفاهم والحوار البناء.

اتقوا الله يا أدعياء السلفية في أنفسكم وفي إخوانكم من المسلمين، راجعوا أنفسكم وتفكروا في حقيقة المنهج الذي تدعونه، إن السلفية الحقة هي اتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وهي منهج رحمة وعدل، منهج يجمع ولا يفرق، منهج يداوي ولا يجرح.

فلنكن جميعا دعاة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولنتناصح بالتي هي أحسن، ولنتجاوز عن زلات إخواننا، فإن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا.  


مسلم لالة الزهرة: كانت نور القرآن في تيمي

في قلب قصر أولاد إبراهيم بتيمي، أدرار، سطعت شمسٌ لم تكن لتغرب؛ شمسٌ من نور القرآن تجسدت في شخص "مسلم لالة الزهرة". لم تكن مجرد معلمة، بل كانت روحا وهبت بيتها وحياتها لكتاب الله، فكان كل ركنٍ في منزلها شاهدا على تلاوات خاشعة، وتدبر عميق، وأفئدة ارتوت من معين المعرفة.

زوجها، بلحسن مولاي أحمد، الذي عرفته بلدية تيمي أولاد إبراهيم أدرار، كان سندا وشريكا في هذه المسيرة المباركة. ومعا، نسجا لحافا من الإيمان والعلم غطى أرجاء قصرهم، فغدا منارة يقصدها طلاب القرآن، إن قامة كـ "مسلم لالة الزهرة"، رحمها الله لا يمكن وصفها بكلمات عادية؛ فهي من طينة الصحابيات الجليلات، وإن لم تعش في زمانهن، هي سليلة الدوحة النبوية الشريفة، من آل البيت الأطهار الأخيار، الذين اصطفاهم الله لحمل رسالة النور، وليس غريبا إذن أن تكون هذه الشجرة المباركة قد أثمرت معلمةً للقرآن، نذرت نفسها لتعليمه ونشر هديه، ففي عروقها تجري سلالةٌ نقية، وقلبها ينبض بحب الله ورسوله، وروحها تشع إيمانا لا يعرف الكلل.

لقد كانت "مسلم لالة الزهرة" نموذجا حيا للعطاء والتفاني، وشاهدا على أن العلم الحقيقي لا يقتصر على جدران المدارس والمعاهد، بل هو نورٌ ينبع من القلوب المخلصة، ويضيء الدروب لكل من يطلب الهداية، فسلامٌ عليها وعلى روحها الطاهرة، ونسأل الله أن يجعل عملها هذا في ميزان حسناتها، وأن يبارك في كل من اقتدى بها وسار على دربها في خدمة كتاب الله.    


غزة والفؤاد: صرخةٌ من أقصى الوجدان

في رحاب المساجد، وعلى عتبات البيوت، حيث تتلاقى القلوب وتصفو النفوس للدعاء، هناك مشهدٌ يتكرر يبعث على التأمل العميق، حين يشرع الداعي في مناجاة ربه، ترتفع أصوات التأمين خافتةً أحيانا، قويةً أحيانا أخرى، كصدى لرجاءٍ عامٍّ يصبو إليه ويتمناه الجميع،  و ما أن يُذكر اسم غزة العزة، أو يشار إلى فلسطين، حتى يتغير الحال، و ينتفض  الخامل والخامد و الكسلان، ويستيقظ النائم والذي أخذته سنة من نوم، وترتفع نبرات التأمين بشكلٍ كبير و كثير غير معهود، حتى يكاد يرتجّ ويرتعد المكان للتأمين، إنه ليس مجرد تأمين، بل هو صرخةٌ من أقصى وأعماق القلوب  الوجدان، إنها ردة فعلٍ لا شعورية، تحمل في طياتها دلالتين عميقتين تصفان حال أمتنا تجاه هذه البقعة المباركة:

أولا: إيثارٌ لا مثيل له، كأنما لم يعد هناك خيرٌ في الدنيا يرتجى إلا ما وصل منه إلى أهل الرباط، و تتجلى في هذه الانتفاضة القلبية تفضيلٌ لأرضٍ مباركة وأهلها على الأنفس، إحساسٌ بأن كل خير يناله المرء في حياته لا يكتمل إلا إذا شمل إخوانه المرابطين. إنها قمة الإيثار، أن ترى سعادتك مرهونة بسعادة من هم هناك، أن تشعر بأنك جزءٌ لا يتجزأ من معاناتهم وآمالهم، إن فلسطين ليست مجرد قضية، إنها جزءٌ من كينونتنا، تسري في عروقنا وتنبض بها قلوبنا.

ثانيا: إقرارٌ بالعجز واعتذارٌ ضمني، إن ارتفاع الأصوات بهذا الشكل المدينة و المزلزل، يحمل في طياته أيضا إقرارا ضمنيا بالعجز أمام المأساة التي تتكشف فصولها يوما بعد يوم إلى أخر، إنه اعتذارٌ صامت لمن خابت ظنونهم فينا، ولمن انقطع رجاؤهم منا،ط كأنما هذه الصرخة العالية المدوية، هي محاولةٌ لتكفير ذنبٍ، أو تعبيرٌ عن أسف لقلة الحيلة، فالله يعلم سرنا وعلانيتنا، ويعلم حجم الألم الذي يعتصر قلوبنا ونحن نرى إخواننا هناك يكابدون الويلات ويموتون جوعا هم وأبنائهم، إن هذا الصوت المرتفع هو محاولة لكسر قيود الصمت، وللتعبير عن تضامنٍ لا تحده الجغرافيا، ورغبةٍ في نصرةٍ لا تملك الأيدي وسيلة لها سوى الدعاء، يا أهل فلسطين، ويا أهل غزة العزة الصامدة، إن قلوب الأمة كلها معكم، إن هذه الأصوات التي ترتفع بالدعاء ليست مجرد كلمات، بل هي أنفاس تتصاعد من أرواحٍ تعشق ترابكم الطاهر، وتتمنى لكم النصر والعزة، إنكم لستم وحدكم، فدعاؤنا يحيط بكم، وآمالنا معقودة بصمودكم، ووجداننا يرتجف لكل ألم يصيبكم.

اللهم، يا من تعلم السر وأخفى، يا من بيدك ملكوت كل شيء، متّع أبصار المؤمنين والمسلمين واشف صدورهم بوابل نقمتك تنزلها عاجلا على كل من حاصر أو قتّل أو جوّع أو تآمر أو غدر أو دعم مايصيب أهل غزة من حزن وكرب ونصب أو استبشَر لما يحدث لهم.  



صرخة من غزة: هل يسمعها حاكم مصر؟

من تحت الركام، ومن بين أنقاض البيوت المهدمة، تخرج صرخة مدوية من غزة العزة، صرخةٌ تحمل في طياتها ألم الفقد، ومرارة الحصار، وقهر الظلم، هذه الصرخة ليست مجرد كلمات، بل هي نداءٌ إنسانيٌّ واستغاثةٌ أخوية، موجهةٌ إلى حاكم مصر، تُلخص مطلبا واحدا لا يقبل التأويل: افتحوا معبر رفح، وإلا فأنتم شركاء في قتل أبناء غزة العزة، أهل غزة الصامدون المجاهدون، الذين يدافعون عن شرف الأمة، وعن قدسية المسجد الأقصى، يتساءلون بحرقة: أليس لدى حاكم مصر إحساس بما يحدث لأهل غزة؟ ألا تُحرك فيه مشاهد الأطفال الذين يُنتشلون أشلاء من تحت الأنقاض، أو صور الجرحى الذين يلفظون أنفاسهم الأخيرة بسبب نقص الدواء والغذاء، أو صرخات الأمهات الثكلى التي تملأ الأفق؟ إن إغلاق معبر رفح في وجه المساعدات الإنسانية والطبية، وفي وجه الجرحى الذين يحتاجون إلى العلاج، وفي وجه كل من يبحث عن بصيص أمل، هو مشاركةٌ فعلية في تفاقم الكارثة، وتعميق الجرح، إن تاريخ الأمم يُسجل بمداد من نور وبمداد من ظلام، فهل يرضى حاكم مصر أن يسجّل التاريخ اسمه ضمن قائمة الذين خذلوا إخوانهم، وتخلوا عن واجبهم الإنساني والأخلاقي تجاه شعبٍ يُذبح على مرأى ومسمع العالم؟ ألا تخاف من لعنة التاريخ التي ستطارد كل من تواطأ أو صمت عن جرائم الاحتلال الصهيوني؟

ويا شعب مصر العظيم، يا من لكم تاريخٌ طويلٌ من النخوة والشهامة، ومن الوقوف إلى جانب الحق والعدل، أيرضيك ما يفعله حاكمك من خذلان لإخوانك في غزة وعموم فلسطين؟ هل تقبلون أن يُترك أطفال غزة يواجهون الموت جوعا ومرضا، بينما الجسر البري الذي يربطهم بكم مغلق؟ إن قلوبكم الطاهرة لا يمكن أن ترضى بهذا الصمت، ولا يمكن أن تقبل بهذا التقاعس، صوتكم هو الأمل، وضغطكم هو المفتاح لفتح معبر رفح، وإنقاذ الأرواح، إن اليهود الصهاينة الظالمين، مغتصبي أرض فلسطين، يعيثون فسادًدا في الأرض، ويُمعنون في قتل وتشريد شعبٍ أعزل، لا يرتدعون عن جريمة، ولا يتورعون عن سفك الدماء، لأنهم يجدون ضعفا وصمتا من حولهم.

يا رب، يارب لا نملك لأهل غزة وعموم فلسطين إلا الدعاء، يارب كن لهم عونا ونصيرا، وأبدلهم أمنا وعيشا رغيدا، وأهلك اليهود الصهاينة الظالمين وأعوانهم والمؤيدين لهم، وافتح يا رب قلوب الحكام ليروا حجم المعاناة، وتُلين عزائمهم ليتخذوا القرار الصائب، إن غزة تنادي، فهل من مجيب؟.