الجمعة، 19 ديسمبر 2025

الأستاذ لهشمي محمد بن هيبة بن حمو الطاهر: منارة التربية وحارس القيم في زمن العطاء

في سجلّ الخالدين بأفعالهم، والمنقوشة أسماؤهم في ذاكرة الأجيال بمداد من نور، يسطع اسم الأستاذ المربي لهشمي محمد بن هيبة بن حمو الطاهر، المعروف في الأوساط التربوية والاجتماعية بالسي محمد ولد حمو الطاهر. هذا الرجل الذي لم يكن مجرد موظف في قطاع التربية، بل كان "أمةً في رجل" نذر زهرة شبابه وكامل عطائه لخدمة العلم في مدارسنا.

​ثباتٌ على المبدأ.. وعطاءٌ جاوز الثلاثة عقود

​أفنى "سي محمد" أكثر من 32 سنة من عمره المبارك في رحاب التعليم المتوسط. اثنان وثلاثون عاماً لم ينقطع فيها سيل عطائه، ولم يهن عزمه، ولم يملّ من تكرار الرسالة. في مادة العلوم الطبيعية، كان يبهر تلاميذه بربط العلم بالحياة، وبالدقة في الأداء، محولاً القسم من مجرد حجرة دراسية إلى ورشة لبناء العقول وتشكيل الوعي.

​المربي القدوة: الانضباط عنواناً والأخلاق منهجاً

​إن ما ميّز مسيرة الأستاذ لهشمي سي محمد هو تلك التوليفة الفريدة بين الهيبة الوالدية والصرامة التربوية. كان "سي محمد" مدرسة في الإنضباط؛ يدرك أن الوقت أمانة، وأن التلميذ مرآة لأستاذه. لذا، كان يجسد القدوة في هندامه، في مواعيده، وفي تفانيه الذي لا يعرف الكلل. لم يكتفِ بتلقين الدروس، بل كان الناصح المرشد الذي يقرأ في عيون تلاميذه مخاوفهم وطموحاتهم، فيغرس فيهم الثقة ويحثهم على التميز.

​رؤية استشرافية: التلميذ "رجل المستقبل"

​كانت فلسفة الأستاذ لهشمي سي محمد تقوم على مبدأ عميق: "كل تلميذ هو مشروع رجل مستقبل". لم يكن يتعامل مع الطلبة كأرقام في سجل الغيابات، بل كبذور لنهضة الوطن. بفضل هذا الإيمان، خرجت من تحت يديه أجيالٌ تشغل اليوم مناصب مرموقة، يحملون في قلوبهم صدى صوته، وفي سلوكهم بصمات تربيته الفذة. لقد كان يحرص على تربية الروح قبل حشو العقل، مؤمناً بأن الأخلاق هي الحصن المنيع الذي يحمي العلم من الزلل.

​كلمة وفاء ودعاء

​إنّ الكلمات، مهما بلغت قوتها، تظل قاصرة عن إيفاء الأستاذ: "سي محمد ولد حمو الطاهر" حقه. إنّ كل لحظة صبر فيها على تلميذ، وكل فكرة غرسها في عقل ناشئ، وكل نصيحة أسداها في ممرات المؤسسة، هي اليوم رصيدٌ باقٍ وذكرٌ محمود.

​اللهم جازه عن الإسلام والمسلمين وعن طلبة العلم خير الجزاء. اللهم اجعل تعبه وعرقه وسنوات عطائه في ميزان حسناته، واجعل علمه نافعاً وصدقة جارية له إلى يوم الدين. وبارك اللهم في عمره وذريته، واكتب له القبول في الأرض والسماء.

​خاتمة:

سيبقى اسم "سي محمد ولد حمو الطاهر" محفوراً في وجدان كل من مرّ بمقاعد الدراسة في زمانه، وساماً على صدر المنظومة التربوية، ونبراساً يحتذي به الأساتذة الجدد في الإخلاص والوفاء للمهنة المقدسة.  


اللغة العربية: إرثُ السماءِ ومنارةُ المستقبل

 بسم الله الرحمن الرحيم  والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، تحياتي لجميع المشرفين على مؤسسة أريد عامة و للمشرفين على منصة أريد للعلماء والخبراء و الباحثين الناطقين بالعربية خاصة، وتحية للمنظمين و المشرفين والمديرين لهذه الندوة العلمية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية كلمتي تحت عنوان: اللغة العربية: إرثُ السماءِ ومنارةُ المستقبل

سادتي و سيداتي أيها الحضور الكريم، في هذا اليوم الأغر، الثامن عشر من ديسمبر، نقفُ وقفةَ اعتزازٍ وإفتخار، لنحتفيَ بهويةٍ سكنت الوجدان قبل الألسن، وبحضارةٍ لم تزل تشرقُ ببيانها على العالم أجمع. إننا اليوم لا نحتفل بمجرد كلماتٍ نرددها، بل نحتفي بركنٍ متين من أركان التنوع الثقافي للبشرية، وباللغة التي اصطفاها القدر لتكون وعاءً لأعظمِ القيم الإنسانية، فهي لغة الضاد التي تجمع اليوم تحت لوائها حسب علمي ما يزيد على أربعمائة مليون نسمة، ينطقون بجمالها، ويتنفسون بلاغتها في شتى بقاع المعمورة، فكانت بحق إحدى أكثر اللغات انتشاراً، وأقواها صموداً أمام عوادي الزمن.

​إننا وإذ نحيي اليوم العالمي للغة العربية تحت شعار "مسارات مبتكرة للغة العربية: سياسات وممارسات من أجل مستقبل لغوي أكثر شمولاً"، كما أقرت ذلك هيئة الأمم المتحدة هذه السنة فإننا نعلنُ للعالم أن لغتنا ليست سجينة القواميس العتيقة، ولا حبيسة الذاكرة التاريخية، بل هي لغةٌ تنبضُ بالحياة، وتمتلكُ من مقومات الابتكار ما يجعلها قادرة على قيادة الدفة في عصر التحولات الرقمية الكبرى. إن الشمولية التي نسعى إليها اليوم تعني أن تصبح العربية لغةً للجميع؛ لغةً تحتضنُ العلم، وتطوعُ التكنولوجيا، وتفتحُ آفاق الإبداع أمام الشباب بأساليب غير تقليدية، من خلال سياسات لغوية طموحة وممارسات عملية تجعل من جماليات النحو والصرف طاقةً دافعة للإنتاج المعرفي، لا عائقاً دونه.

​أيها الجمعُ الكريم، إن الواجب يدعونا في هذا اليوم التاريخي إلى أن نؤمن بأن العربية هي جسرنا نحو المستقبل، وأن الحفاظ عليها لا يكون بالجمود، بل باجتراح المسارات المبتكرة التي تدمجها في صلب حياتنا المعاصرة. إنها دعوةٌ لنكون نحن الرائدين في تحديث لغتنا وتمكينها، لتظل صوتاً للشمولية والتسامح، ومنصةً للتواصل الحضاري الذي لا ينقطع. فلنحمل هذه الأمانة بفخر، ولنجعل من لغتنا لغةً للعقل والقلب معاً، ولنكتب بها فصلاً جديداً من فصول التميز الإنساني، فالعربية لم تكن يوماً مجرد ماضٍ نذكره، بل هي غدٌ مشرقٌ نصنعه بأيدينا، وسيظل بيانها يملأ الدنيا ويشغل الناس ما بقيَ فينا عرقٌ ينبض بالعروبة والإبداع، و أكبر إفتخارا للغة العربية أنها لغة كتاب ربنا القرآن الكريم ولغة خاتم الانبياء و المرسلين، وهي اللغة بعد الفناء؛ لغة أهل الجنة. وشكرا للجميع على حسن الإنصات والإستماع، وشكرا لكم على أتاحة هذه الفرصة لي والسلام عليكم ورحمة الله.

كان معكم في هذه المداخلة الباحث بلوافي عبدالرحمن بن هيبه من الجزائر.   


اللغة العربية: فيضُ البيانِ ومستقبلُ الهُوية في يومها العالمي

في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، لا نحتفي مجرد احتفاءٍ بلغةٍ منطوقة، بل نقفُ إجلالاً لظاهرةٍ حضاريةٍ استثنائية، وركنٍ حصينٍ من أركان التنوع الثقافي للبشرية جمعاء؛ فالعربية التي تسكنُ ألسنةَ ما يزيد على أربعمائة مليون إنسان حول المعمورة، ليست مجرد وعاءٍ لنقل الأفكار، بل هي روحٌ تسري في جسد التاريخ، وصوتٌ يترددُ صداه من عمق الصحراء ليبلغ أعلى مقامات المجد العلمي والمعرفي. إنها اللغة التي لم تقف يوماً عند حدود التعبير، بل كانت وما تزال جسراً ممتداً يربط بين حضارات الأمم، ومنارةً أضاءت ليل العصور الوسطى بترجماتها وعلومها وفلسفتها، حتى غدت اليوم إحدى أكثر اللغات انتشاراً وحيوية في العالم المعاصر.

​وفي هذا العام، يرفع شعار "مسارات مبتكرة للغة العربية: سياسات وممارسات من أجل مستقبل لغوي أكثر شمولاً"، ليكون بمثابة بوصلةٍ توجهنا نحو فضاءاتٍ جديدة لا تكتفي باستحضار الماضي المجيد، بل تستشرف آفاقاً لم تكن مطروقة من قبل. إن هذا الشعار يحمل في طياته إيماناً عميقاً بأن لغتنا العربية قادرة على التكيف مع متطلبات العصر الرقمي، وأنها تمتلك من المرونة والاشتقاق ما يجعلها لغةً للذكاء الاصطناعي والبحث العلمي والابتكار التقني. إن الشمولية التي ننشدها اليوم تقتضي منا أن نفتح أبواب اللغة لكل طيفٍ إنساني، وأن نصيغ سياساتٍ لغوية تحمي هذا الإرث وتجعله متاحاً بأساليب تعليمية حديثة وممارسات إبداعية تخاطب عقول الأجيال الجديدة بلغتهم التي يفهمون، وبأدواتٍ تواكب سرعة التحول في هذا العالم المتسارع.

​إن مسؤوليتنا تجاه لغتنا في يومها العالمي تتجاوز حدود الاحتفال العابر، فهي دعوةٌ لإعادة الاعتبار لهذا البيان الساحر الذي يتميز بمفردات الصوت وإعجاز التركيب. إن العربية اليوم تواجه تحديات الاندماج في العولمة الثقافية، وهذا لا يتطلب منا الانغلاق، بل يتطلب اجتراح مسارات مبتكرة تجعل من لغتنا أداةً فاعلة في إنتاج المعرفة لا مجرد مستهلكٍ لها. إنها لحظةٌ لترسيخ السياسات التي تدعم المحتوى العربي الرقمي، ولتطوير الممارسات التي تدمج اللغة في صلب الصناعات الإبداعية، لتبقى العربية دائماً لغةً نابضة بالحياة، وشاملة لكل فئات المجتمع، وقادرة على صياغة مستقبلٍ يليق بعراقتها وجلالها؛ فهي كانت وسوف تظل لغة الضاد التي لا تشيخ، والجمال الذي لا ينضب، والرباط الذي يجمع القلوب على مائدة الفكر والأدب الرفيع.  


غزة ​جرحُ الأرض ونداءُ الضمير صرخةٌ من قلب فلسطين

إن ما يحدث اليوم في قطاع غزة، وفي عموم فلسطين، ليس مجرد أزمة عابرة أو خبراً عاجلاً تتناقله الشاشات، بل هو اختبارٌ تاريخي للضمير الإنساني ومحاكمة علنية لمبادئ العدالة التي يتغنى بها العالم. إنها لحظة الحقيقة التي تتطلب من العالم أجمع -ومن المسلمين على وجه الخصوص- وقفةً تتجاوز حدود الصمت والخذلان.

​نداء إلى العالم: الإنسانية لا تتجزأ

​على العالم أن يلتفت بصدق إلى تلك البقعة الجغرافية الصغيرة التي أصبحت مسرحاً لأبشع صنوف المعاناة. إن دماء الأبرياء، وأنين الأطفال تحت الأنقاض، ودموع الثكالى في غزة، هي وصمة عار في جبين الحضارة الحديثة. لا يمكن للضمير العالمي أن يدعي التحضر وهو يغض الطرف عن إبادة شعبٍ يطالب بأبسط حقوقه: الحق في الحياة، والأمن، والكرامة. إن الصمت هنا ليس حياداً، بل هو انحيازٌ للظلم، وتفريطٌ في القيم الإنسانية المشتركة.

​نداء إلى المسلمين: أمانة العقيدة ورباط الدم

​أما المسلمون، فمسؤوليتهم أعظم وأمانتهم أثقل. إن فلسطين ليست مجرد تراب، بل هي مسرى النبي الكريم وقبلة المسلمين الأولى. إن ما يربطنا بغزة وفلسطين هو رباط العقيدة، والجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

على المسلمين اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن يقودوا حراك "كلمة الحق"، وأن يرفعوا أصواتهم في كل المحافل دفاعاً عن إخوتهم. إن نصرة المظلوم في غزة ليست خياراً سياسياً، بل هي واجبٌ شرعي وأخلاقي يفرضه الانتماء لهذا الدين العظيم.

​كلمة الحق: لا بديل عن الدولة المستقلة

​لقد حان الوقت ليقال "حق الشعب الفلسطيني" بملء الفم، دون مواربة أو تجميل. إن من حق هذا الشعب المناضل أن يعيش في دولة فلسطين المستقلة، وعاصمتها القدس، وأن ينعم بحريته على أرضه كاملة. إن غزة اليوم، بصمودها الأسطوري، تعيد كتابة أبجدية العزة والكرامة، وتثبت أن إرادة الشعوب لا تُقهر بآلات الدمار.

​إن التاريخ لن يرحم الصامتين، والذاكرة الإنسانية لن تنسى من خذل المظلوم في ساعة عسرته. فلتكن كلماتنا سهاماً من حق، ولتكن مواقفنا دروعاً تحمي ما تبقى من كرامة في هذا العالم.  


 رسالة إلى الضمير العالمي: عن الصغار الذين كبروا قبل أوانهم


​إلى كل من يملك منصة، إلى كل من يدعي الإنصات، وإلى العالم الذي يغمض عينيه حين يشتد الضوء في فلسطين..

​نكتب إليكم لا لنشرح الألم، فالألم في فلسطين صار لغةً يومية، بل لنحكي عن "الظلم المزدوج"؛ ظلم الرصاصة التي تخترق الجسد، وظلم الصمت الذي يغتال الحكاية.

​هل تساءلتم يوماً كيف يمكن لطفلٍ أن يحمل ذاكرةً تزنُ قرناً من الأسى وهو لم يتجاوز العاشرة؟ في فلسطين، لا يسقط الأطفال في فخ النسيان، بل يسقطون في فخ "الذاكرة المنفردة". يمتلكون أثقل القصص، وأدق التفاصيل، وأصدق الدموع، لكنهم لا يجدون منبراً يُقام فيه حدادٌ محترم على أحلامهم الموءودة. يواجهون العالم بصدورٍ عارية وعيونٍ رأت من الفجائع ما لا تحتمله الجبال، ومع ذلك، تُغلق في وجوههم المنصات، وتُكسر العدسات التي تحاول نقل الحقيقة كما هي، بلا تجميل أو تزييف.

​المأساة ليست في البكاء.. بل في الكلام الذي لا يُقال

​إن الفرق بين وجعٍ وآخر ليس في كمية الدم النازف، بل في "حق التعبير عن النزف". أطفالنا لا يُقاطع كلامهم بالبكاء فحسب، بل يُقاطع بالتجاهل المتعمد، ويُمنع صوتهم من العبور خلف الحدود، ليظلوا سجناء حكاياتهم، يحرسون ذكرياتهم وحدهم تحت الأنقاض وفي خيام النزوح.

​إننا نتساءل:

​كم طفلاً آخر يجب أن يشيخ قلبه قبل أن تلتفت إليه آذانكم؟

​متى تصبح "العدسة المرفوعة" التزاماً أخلاقياً لا يتأثر بهوية الضحية؟

​متى يجد هؤلاء الصغار صمتاً يليق بجلال فقدهم، بدلاً من الضجيج الذي يحاول طمس هويتهم؟

​إن الذاكرة الفلسطينية ليست مجرد أطلال، بل هي وصية. وإن ترك هؤلاء الأطفال يحفظون ذاكرتهم وحدهم هو خذلانٌ لن يغفره التاريخ. إنهم لا يحتاجون شفقة، بل يحتاجون عدالة؛ عدالة تمنحهم الحق في أن يُسمعوا، وفي أن تظل قصصهم نابضة كقلوبهم التي ترفض الانكسار.

​ختاماً..

ستبقى الحكاية حيّة، ليس لأن العالم أنصفها، بل لأن أصحابها يرفضون الموت بصمت. فهل من آذانٍ تصغي لهذا الثقل الذي لا يُحتمل في فلسطين عموما وفي غزة خصوصا؟. 


ذاكرةٌ أثقلُ من الطفولة: حين يشيخُ القلبُ قبل ملامح الوجه

في فلسطين لا يُقاس العمر بالسنوات، بل بحجم القصص التي ينوء بها كاهل الصغارهناك يولد الطفل بقلبٍ مثقوبٍ من أثرِ الفقد، وبذاكرةٍ لا تتسع لها سنوات عمره الغضّ إنهم أطفالٌ يحملون في حقائبهم المدرسية —إن بقيت— بقايا صورٍ، ومفاتيح بيوتٍ لم تعد موجودة، وحكاياتٍ لو وُزعت على العالم لأبكت الحجر، لكنها في غزة والقدس وجنين تُدفن في صدور أصحابها بصمتٍ مهيب.

​ألمٌ بلا منبر.. وشهودٌ بلا منصة

​المأساة ليست في نقص الألم، بل في غياب "الصمت المحترم" الذي يستحقونه، فالعالم الذي يدّعي الإنصات، غالباً ما يُدير ظهره حين تكون الضحية فلسطينية، فتتحول صرخاتهم إلى مجرد أرقام في شريط أخبارٍ عابر، وتُغلق أمامهم المنصات التي تتباكى على جراحٍ أخرى في بقاعٍ شتى.

​القصص متوفرة: في كل زقاق قصة بطلٍ صغير واجه دبابة بابتسامة حزينة.

​الشهود حاضرون: عيون الأطفال التي رأت ما لا يجب أن يراه بصر بشر.

​العدسات الغائبة: تلك التي تنطفئ حين تشتد الحقيقة، وتتوارى حين يحين وقت كشف وجه الظلم القبيح.

​صوتٌ مخنوق وذاكرةٌ وحيدة

​الفرق الجوهري ليس في عمق الوجع، فالوجع الإنساني واحد، لكن الفرق يكمن في "إذن العبور" للصوت. هناك من يُمنح ميكروفوناً عالمياً ليحكي عن خدشٍ بسيط، وهناك طفلٌ فلسطيني يلملم أشلاء حلمه، ويُترك ليحفظ ذاكرته وحده، دون أن يجد أذناً تصغي أو قلباً يتسع لفيض مرارته.

​إن هذا الصمت العالمي ليس مجرد عجز، بل هو تواطؤٌ يقتل الطفل مرتين: مرةً بالرصاص، ومرةً بالتجاهل.

​"ليس أوجع من أن تعيش مأساةً تفوق لغة البشر، ثم لا تجد من يصدق أنك تألمت، أو من يمنحك حق البكاء بصوتٍ مسموع."

​خاتمة: إنصاف الحكاية

سيظل الطفل الفلسطيني هو الشاهد الأكبر، حتى لو انكسرت العدسات وصُمّت الآذان. ذاكرتهم ليست للإيجار ولا للنسيان، هي حقٌ سيُروى يوماً ما حين يدرك العالم أن التاريخ لا يكتبه المنتصرون بالصمت، بل الصامدون بالحقيقة.  


مناراتُ الأصالة سلفيةُ الإصلاحِ وصوفيةُ الإحسان

في مسيرة هذه الأمة الخالدة، لا يصح السير ولا تثبت القدم إلا بالجمع بين نور الوحي وسلامة القلب. إن المنهج الذي نعتنقه ونفخر به ليس غريباً عن روح الإسلام، بل هو الروح ذاتها متجسدة في فكر عميق وسلوك قويم. إنه منهج يرفض التطرفين، ويأبى الإفراط والتفريط: إنه طريق الوسطية المنضبطة والأصالة الواعية.

​أولاً: سلفية الإمام مالك والشيخ ابن باديس: بناء لا هدم

​سلفيتنا ليست مصطلحاً جامداً أو دعوة انعزالية، بل هي محاولة حثيثة للعودة الصادقة إلى النبع الصافي، لكن من خلال عدسة فهم الأئمة الأعلام.

​نحن أحفاد مالك:

إن سلفيتنا مستمدة من مدرسة الإمام الجليل مالك بن أنس رضي الله عنه، إمام دار الهجرة، الذي وضع الأسس الفقهية المتينة القائمة على عمل أهل المدينة، والتزام النص في ظل المصلحة المعتبرة. مدرسة ترفض الغلو في التأويل، وتنبذ الجمود في النص، وتجمع بين النقل والعقل ببراعة المتبصر. فالسلفية الحقة هي فقه متين قبل أن تكون مجرد شعار.

​نحن ورثة ابن باديس:

هذا المنهج الأصيل وجد تجديده المشرق على يد شيخنا المصلح المجدد عبد الحميد بن باديس رحمه الله. فقد كانت سلفيته دعوة إلى اليقظة الشاملة، لتحرير للعقول من التقليد الأعمى، وإصلاح للتعليم، ومحاربة للخرافات التي أثقلت كاهل الأمة. سلفيته هي الحركة الإصلاحية التي تتخذ من الوحدة الوطنية والدعوة إلى العلم، أسمى غاياتها.

​في رفض الغلو:

نحن نعتقد جازمين أن سلفية القرآن والسنة هي سلفية الرحمة والتأليف، لا سلفية التكفير والتبديع. نرفض رفضاً قاطعاً المنهج الذي يتسرع في إخراج الناس من الملة، أو يطلق أحكام البدعة على كل عمل حسن لم يُقصد به التشريع، بل هو مجرد عادة أو سلوك طيب. إن وظيفة المسلم هي البناء لا الهدم، والتيسير لا التعسير، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا". هذه هي سلفية الاحتواء والإحسان، لا سلفية الإقصاء والعدوان.

​ثانياً: صوفية الحسن البصري والشيخ بلكبير: تزكية لا شطح

​أما في تزكية الأرواح وتطهير القلوب، فإن طريقنا هو طريق الإحسان، وهو التصوف الحقيقي الذي لا يشوبه زيف ولا يداخله انحراف.

​على خطى الزاهدين:

إن صوفيتنا مستمدة من مدرسة الإمام الزاهد الحسن البصري رضي الله عنه، الذي كان رمزاً للخشية العميقة، والزهد الحقيقي في متاع الدنيا الفانية، والعمل الخالص لله تعالى. تصوفٌ يركز على الورع في المطعم، والصدق في القول، والإخلاص في العمل. إنها حالة قلبية تترجم إلى سلوك اجتماعي قويم، لا مجرد طقوس وشكليات.

​منهج التربية الروحية:

وفي عصرنا الحديث، نجد هذا المنهج الأصيل متجسداً في تربية شيخنا العارف بالله سيدي محمد بلكبير رحمه الله. مدرسة ربانية تقوم على الذكر المستمر، والتربية الصادقة، والانضباط الروحي الذي يقود إلى صفاء السريرة ووضوح البصيرة.

​التصوف المنضبط:

نحن لسنا من صوفية الشطحات اللفظية التي تخرج عن حدود الأدب الشرعي، ولا من صوفية الرقصات والمظاهر التي تشغل عن حقيقة الذكر وحلاوة المناجاة. إن التصوف الحقيقي هو جهاد النفس المستمر، والانقطاع لله في خلوة صادقة بعيداً عن صخب الشهرة. هو الوصول إلى درجة الإحسان، "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". هذا هو لب التصوف الذي نحمله، تزكيةٌ للنفوس، وارتقاء بالهمم نحو معالي الأمور.

​حصاد المنهج: الوسطية التامة

​إن اجتماع هذه الأصول هو سر قوتنا وتميز منهجنا:

​السلفية تضمن لنا صحة المصدر وسلامة الفقه.

​التصوف يضمن لنا طهارة القصد ونقاء الروح.

​نحن نسعى لأن نكون ورثة الأئمة الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح. نمد أيدينا بالرحمة والمحبة للجميع، ندعو إلى التزام السنة دون غلو، وإلى تزكية النفس دون انحراف. هذا هو منهجنا الأصيل؛ منارة تضيء طريق الأمة نحو الوحدة والبناء والارتقاء الروحي والمادي.  


الأربعاء، 17 ديسمبر 2025

زاوية الإمام علي بن أبي طالب بعين صالح تستعد لتنظيم الملتقى السنوي الثامن عشر

تستعد ولاية عين صالح لاحتضان واحد من أبرز الأحداث الدينية والعلمية في المنطقة، وهو "الملتقى السنوي الثامن عشر" الذي تنظمه زاوية الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه،  لإحياء الذكرى العطرة لوفاة شيخ الزاوية المغفور له بإذن الله، الشيخ محمد بن عبد الرحمن الزاوي رحمه الله، ​ينظم الملتقى تحت الرعاية السامية لوزير الشؤون الدينية والأوقاف، الأمر الذي يؤكد على الأهمية الكبرى لهذه الفعاليات في المشهد الديني والاجتماعي الوطني، كما يتم تنظيم الملتقى تحت الإشراف المباشر لوالي ولاية عين صالح، مما يضمن توفير كافة التسهيلات اللازمة لإنجاح هذا الحدث العلمي والروحي، و​من المقرر أن تنظم فعاليات الملتقى على مدار ثلاثة أيام متتالية، تبدأ من يوم 19 وتستمر حتى 21 ديسمبر 2025. وسيحتضن فعاليات الملتقى المعهد الإسلامي بعين صالح هذه التظاهرة الكبرى، و من المتوقع أن يشارك في الملتقى عدد كبير من العلماء، والباحثين و المريدين، وشيوخ الزوايا من مختلف أنحاء الوطن، وبهدف الملتقى بشكل أساسي إلى استذكار سيرة ومآثر الشيخ محمد بن عبد الرحمن الزاوي رحمه الله، الذي كرس حياته لخدمة الدين والعلم ونشر الفضيلة، ولعب دوراً محورياً في إشعاع الزاوية كمنارة للفقه والتربية الروحية في المنطقة، كما سيكون الملتقى فرصة لتبادل المعارف، ومناقشة القضايا الدينية والاجتماعية المعاصرة، وتأكيد دور الزوايا في المحافظة على الهوية الدينية والوطنية.    ​


والي أدرار في زيادة عمل وتفقد لبلدية تيط

قام والي ولاية أدرار، يوم الثلاثاء 16 ديسمبر 2025، بزيارة عمل وتفقد لبلدية تيط، استهدفت مراقبة تقدم المشاريع الحيوية التي تمس مباشرة معيشة المواطنين في المنطقة،  وشملت الزيارة معاينة مشروع عصرنة الطريق الوطني رقم 52 (50 كلم) لربط المنطقة بحدود ولاية عين صالح، و​تفقد مشروع تثبيت الكثبان الرملية على مسافة 3 كلم لمكافحة التصحر، وتوسعة مطعم المدرسة الابتدائية الشهيد مصطفى بن بولعيد، وتوسعة المدرسة القرآنية خالد بن الوليد، و​تفقد كذلك مشروع إعادة تهيئة العيادة متعددة الخدمات لبلدية تيط، وعاين أشغال إنجاز جناح إداري بثانوية المجاهد بن عبد الكريم بابا، ووقوف على مشروع إنجاز 70 مسكن عمومي إيجاري،  ​تفقد مشاريع تشجير الأرقان عبر شبكة السقي بالتقطير على مساحات إجمالية تفوق 13 هكتار، وأكد على ضرورة تسريع وتيرة الإنجاز والحرص على جودة العمل، مشدداً على أن التنمية في المناطق النائية تظل أولوية قصوى، وأختتم الوالي زيارته بلقاء مفتوح مع فعاليات المجتمع المدني ببلدية تيط، وأستمع إلى إنشغالات السكان.   


الصندوق الوطني للتقاعد بأدرار يطلق الأسبوع الرابع للمساعدة الاجتماعية لتعزيز القرب من المتقاعدين

أطلقت الوكالة المحلية للصندوق الوطني للتقاعد (CNR) بولاية أدرار، صباح يوم 14 ديسمبر 2025، فعاليات الأسبوع الرابع للمساعدة الاجتماعية، وتُعد هذه المبادرة دورية وهادفة، حيث تسعى لتعزيز التواصل المباشر وتسهيل استفادة فئة المتقاعدين وذوي حقوقهم من مختلف الخدمات الإدارية والاجتماعية التي يقدمها الصندوق، ​يمتد هذا الأسبوع من 14 إلى غاية 20 من الشهر الجاري، ويتم خلاله تسخير كافة الإمكانيات البشرية والمادية للوكالة لضمان التكفل الأمثل بهذه الشريحة الهامة من المجتمع، وضمان تقديم خدمة عمومية ذات جودة عالية مع تفادي الاكتظاظ، ​وفي تصريح لمدير الصندوق الوطني للتقاعد بوكالة أدرار، بوفارس علاوي محمد، أكد أن تنظيم هذه الطبعة الرابعة يأتي استجابة للحاجة المتزايدة لتعزيز القرب من المتقاعدين وتقديم الدعم اللازم لهم في بيئة مُريحة ومُيسَّرة، ونهدف من خلال هذا الأسبوع إلى رفع المعيقات التي تواجه متقاعدينا، وتوفير كافة الإرشادات، وتصفية الوضعيات الإدارية العالقة، وهو ما يعكس التزام الصندوق بالبعد الاجتماعي والخدماتي للمتقاعدين.

​السيد بوفارس علاوي محمد، مدير وكالة CNR أدرار، و​تركز فعاليات الأسبوع الرابع للمساعدة الاجتماعية على تقديم حزمة من الخدمات الشاملة، تشمل إرشاد المتقاعدين الجدد والقدامى بخصوص حقوقهم وشروط الاستفادة من مختلف الخدمات، و مراجعة وتصفية الملفات الإدارية والمالية العالقة، وتسريع إجراءات الحصول على المعاشات والمخلفات، وتقديم معلومات حول برامج الدعم الاجتماعي التي يوفرها الصندوق لفائدة المتقاعدين، خاصة فيما يتعلق بالمنح والمساعدات الاستثنائية، ​ويؤكد القائمون على المبادرة على استعداد كافة أطقم الوكالة للتكفل بجميع استفسارات وطلبات المتقاعدين طيلة فترة هذا الحدث الاجتماعي الهام،    وفي إطار عصرنة المرفق العمومي، يضع الصندوق الوطني للتقاعد خدمة المساعدة الاجتماعية في البيت عن بعد من خلال تطبيق الهاتف المحمول  تقاعدي وفضاء المتقاعد، تسمح للمتقاعد من طلب مختلف التجهيزات عن بعد، فضلا عن تحديد موعد لزيارة المتقاعد من طرف المساعد الاجتماعي.   



الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025

رثاءٌ على ضفة الحلم المكسور: لهشمي مولاي الشريف وردةٌ ذبلت في ريعان العمر

في خضم الحياة، تنسج الأقدار خيوطها بدقة غامضة، فتارةً تبسط السعادة، وتارةً تقبض الأرواح في لحظة لا يتوقعها الحسبان، نقف على ضفة الحزن، نستقبل فاجعةً قاصمةً أدمت قلوب أهل أولف الكبير، بل وكل من عرف الشاب لهشمي مولاي الشريف بن محمد بن مولاي هيبة بن حمو الطاهر. لقد كانت حياته فصلاً قصيراً في كتاب الزمن، فصلاً مليئاً بالبراءة، والطموح، وبذور المستقبل التي لم تجد فرصة لتزهر.

ف​في الرابع عشر من ديسمبر لعام ألفين وخمسة وعشرين، انطفأت شمعة، وتوقف نبضٌ كان يعد بالخير في نظري، انطفأت في حادث سير أليم بتمنراست. يا لها من مفارقة موجعة! أن تُصبح وجهة السفر هي نقطة اللاعودة، وأن يتحول مسار الحياة إلى طريق نحو الأبدية. لقد كان لهشمي مولاي الشريف يحمل في طياته سيرةً لم تُكتمل، وحلماً لم يبلغ قمته.

​كانت تربطه بي كمربي، الذي خطّ هذه الكلمات الموجعة، وشيجة القرابة العميقة؛ "أبوه والده إبن عمتي"، وهي قرابة تضاعف اللوعة وتعمق الجرح. هذا الرابط العائلي المتشابك يلقي بظلاله الثقيلة على مشهد الوداع، فما أشد فقد القريب، وما أقسى رحيل من كان يوماً زهرة من زهور العائلة الغضة، لهشمي مولاي الشريف بن محمد ، لم يكن مجرد اسم يمر، و كانت بداياته ترسم ملامح شابٍ على أعتاب المستقبل، شابٌ عبر مقاعد متوسطة سماعيلي الشريف أولادالحاج ببلدية تمقطن، تلك المؤسسة التربوية، التي شهدت خطاه الثانية في مسيرة التعلم، وتلك الفصول التي احتضنت أحلامه، لقد غادرها، موجهاً نحو التكوين المهني، حاملاً معه شهادة إيمانه بأهمية بناء الذات وتشكيل الغد.

​لكن الكلمات، تبقى أقوى من كل النسيان، تلك الجملة التي تركت أثراً عميقاً في قلب كمربي قالها لي ذات يوم: ( أسمحوا لنا أتعبناكم عندما كنا ندرس ) يا لعمق البراءة في هذه العبارة! إنها ليست مجرد اعتذار، بل هي جوهر التقدير الذي يحمله التلميذ لجهد مربيه. هي جملة تفيض بالود، وتختزل العلاقة المقدسة بين المربي والطالب. إنها اعتراف عفوي، ظل يتردد صداه في وجداني كمربي، رغم  عقابي له في بعض الحالات لأن فهم بعد ذلك بما لايدع مجال الشك أن عقابي له كان لمصلحته ولم يكن تعديا عليه  ولا ظلم له لذلك  قال تلك العبارات ( أسمحوا لنا أتعبناكم عندما كنا ندرس ) ومن ذلك اليوم كلما ألتقيته قبل يدي، ليصبح هذا الشاب الفقيد رمزاً لجيلٍ يحمل في قلبه الاحترام والوفاء.

​اليوم، وقد غاب الجسد، فإن الأثر لا يغيب. كيف يغيب وهو يحمل كل هذا الشجن؟ لهشمي مولاي الشريف، أصبح قصة تروى عن قصر الحياة وطول الأثر. رحيله يذكرنا بأن الأعمار مهما طالت هي في قبضة الخالق، وأن الفراق لا يعرف سناً ولا موعداً. إنها صرخة في وجه الحياة، تعلمنا أن نعيش كل لحظة بصدق وود، كما فعل لهشمي مولاي الشريف بكلماته الرقيقة الأخيرة وفعله الحسن بتقبيل اليد.

​لم يكن في الحادث وحده بل كان معه آخر يدعى بن الشيخ من إينغر،  وكان الحادث الفاجعة التي أودت بحياتهما، و لا نملك إلا أن نرفع الأكف تضرعاً إلى الله.

​اللهم يا واسع الرحمة والغفران، يا من بيده ملكوت كل شيء، ارحم عبدك لهشمي مولاي الشريف ومن مات معه رحمةً واسعة، واغفر لهما ذنوبهما، ونقهما من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس.

​اللهم أسكنهما الفردوس الأعلى في الجنة، جزاءً لهما بطيب أصلهما. واجعل قبر كل واحد منهما روضةً من رياض الجنة، وألهمنا و أهلهما وذويهما ومحبيهما صبراً جميلاً وسلواناً عظيماً. إنا لله وإنا إليه راجعون.  


الاثنين، 15 ديسمبر 2025

رسالة النور: حين يلتقي الصدق بالعلم والثقافة

"حين يخط القلم من عمق الروح، لا ليُجاري السائد، بل ليُضيء المجهول، يتحول الحبر إلى نبع حكمة يرتوي منه العطشى للمعرفة والطمأنينة."

​إن رسالتنا ليست مجرد كلمات؛ إنها عهدٌ بالصدق، وإعلانٌ بأن القلب هو البوصلة الأولى. حين نكتب من القلب بصدق، فإننا لا نُقدم معلومة مجردة، بل نُقدم تجربة إنسانية مُعاشة، مُغلَّفة بشفافية لا تخشى الضعف ولا تُبالغ في القوة. هذا الصدق هو القوة الخفية التي تفتح الأبواب المُغلقة في وعي الآخرين.

قُوة التأسيس: العلم والثقافة جناحان لا غنى عنهما

​لكن هذا الصدق، لكي يكون له صدىً عميق وتأثيرٌ مستدام، يجب أن يتكئ على ركائز صلبة:

​العلم: هو الميزان الذي يضمن أن يكون النور الذي نبعثه هو نور الحقيقة، لا وهج الخيال. فالمعلومة المُوثقة، والتحليل المنطقي، والفهم العميق للقوانين التي تحكم هذا الكون، هي الخلاصة الفكرية التي تُحول العاطفة الجياشة إلى حكمة قابلة للتطبيق.

​الثقافة: هي المِصباح الذي يُنير زوايا التجربة الإنسانية. فهي تمنحنا القدرة على ربط الماضي بالحاضر، ورؤية السياق الأوسع لكل كلمة. الثقافة تمنح الكاتب العمق، وتجعله قادراً على مخاطبة ليس فقط عقل القارئ، بل وتاريخه الجمعي وشوقه للأصالة.

الإضاءة المُؤثرة: هدف الكاتب الصادق

​هدفنا حين نجمع بين هذه الأركان هو أن نكون مهندسي النور.

​نحن لا نكتب لنُثير الجدل أو لنُلاحق الشهرة، بل لنُصبح مفاتيح تُفتح بها الأقفال الفكرية:

​ننير الطريق أمام الحائرين بتقديم خريطة فكرية واضحة المعالم.

​نُحفز الشجاعة في نفوس المترددين بعبارات تنبض بالإيمان بإمكانية التغيير.

​نُعمِّق التأمل في أذهان الغافلين بلمحات من الجمال والعمق الكامنين في الحياة.

​ليست الكتابة الصادقة المدعومة بالعلم والثقافة مجرد هواية، بل هي مسؤولية نبيلة؛ إنها صناعة اليقين في عالم يرتجف من الشك. فلنتقدم إذن، بقلب نابض بالصدق وعقل مُتزن بالعلم، ولنجعل من كل كلمة نكتبها شُعلة أمل لا تنطفئ.  

المركز الوطني للمخطوطات بأدرار ينظم ملتقاه السابع

شرع  أمس الاثنين، 15 ديسمبر 2025، في تنظيم فعاليات ملتقاه العلمي السابع، الذي تستمر  أشغاله إلى غاية اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر 2025، ويأتي هذا الملتقى العلمي الهام في إطار النشاطات العلمية والثقافية الدورية التي ينظمها المركز بهدف إثراء النقاش حول سبل الحفاظ على الذاكرة الوطنية المكتوبة وتثمينها، وينعقد الملتقى السابع للمركز تحت عنوان: "التراث الجزائري المخطوط بين الدراسة النظرية وتقنيات الحفظ". ويسعى هذا العنوان إلى وضع إشكالية المخطوط الجزائري في سياق مزدوج؛ يجمع بين الجانب الأكاديمي المتخصص في البحث والتحقيق، والجانب التطبيقي المتعلق بالصيانة والترميم باستخدام أحدث التقنيات، ​وقد استقطب الملتقى نخبة من الباحثين والأكاديميين والتقنيين المهتمين بهذا المجال الحيوي، حيث تركزت المداخلات والمحاور على أهمية تعميق الدراسة النظرية للمحتوى المعرفي والتاريخي لهذه المخطوطات، بالتوازي مع استعراض الطرق المثلى والمتقدمة في مجال الحفظ والرقمنة والمعالجة الفيزيائية للمخطوطات لضمان بقائها، ​ويؤكد المركز الوطني للمخطوطات، من خلال تنظيمه لهذا الملتقى، التزامه الدائم بوضع التراث المخطوط في صلب اهتماماته العلمية، مساهما بذلك في بناء جسر بين الماضي العريق والمستقبل، وضمان تسليم هذا الإرث الثمين للأجيال القادمة في أفضل حالاته، ومن المتوقع أن تختتم أشغال الملتقى اليوم بجملة من التوصيات التي سترسم خارطة طريق لجهود المركز والمؤسسات الشريكة في السنوات القادمة.     



يوم إعلامي ناجح للجمعية الجزائرية لتنظيم الأسرة في أدرار

​اختتمت لجنة ولاية أدرار للجمعية الجزائرية لتنظيم الأسرة فعاليات يومها الإعلامي الذي أقيم بنجاح يوم الأحد 14 ديسمبر 2025، في إطار تفعيل برنامج نشاطاتها السنوي لسنة 2025، واحتضت فعاليات اليوم الإعلامي، فندق باب المدينة قرب جامعة أحمد دراية بأدرار، في تمام، وتمحور الهدف الأساسي اليوم الدراسي حول التعريف ببرامج وأهداف الجمعية التي تخدم الصالح العام، وخلال الجلسات تم التركيز على المحاور التي ترتكز عليه خطة الجمعية الاستراتيجية للفترة الممتدة من 2023 إلى 2028، حيث تم تقديم شروحات وافية حول الأهداف والتطلعات المستقبلية للجنة الولائية في أدرار، وأعربت اللجنة، في ختام فعاليات اليوم الإعلامي، عن شكرها وتقديرها لجميع  الحاضرين لمشاركتهم التي أثرت النقاش ويرجى منها إيصال رسالة الجمعية وأهدافها إلى أوسع نطاق.     




مكتبة المطالعة العمومية بأولف تُحيي ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر بقراءة كتاب حول مجموعة الـ 22 التاريخية

أحيت مكتبة المطالعة العمومية بأولف، التابعة لمديرية  والفنون لولاية أدرار، الذكرى الـ 65 لـ مظاهرات 11 ديسمبر 1960 المجيدة، وذلك بتنظيم جلسة ضمن فعاليات منتدى الكتاب51، خصصت لقراءة ومناقشة كتاب هام حول تاريخ الثورة الجزائرية، و​جرت الفعالية يوم الأحد 14 ديسمبر 2025، وتمحورت الجلسة حول قراءة كتاب: "تعريفات مختصرة عن مجموعة 22 التاريخية لثورة أول نوفمبر 1954 الجزائرية"، للمؤلف الأستاذ بلوافي عبد الرحمن بن هيبه، استُهلت الجلسة بتلاوة عطرة لآيات من الذكر الحكيم، تلتها قراءة مختصرة لسيرة المؤلف، وقدّم الأستاذ عبد الباسط يومة، أستاذ التاريخ والجغرافيا للتعليم الثانوي، مداخلة قيّمة عَرّف فيها بالكتاب وسلط الضوء على أهميته التاريخية، مقدماً ملاحظاته الأكاديمية على المحتوى، وبدوره، تناول مؤلف الكتاب، الأستاذ بلوافي عبد الرحمن بن هيبه، الكلمة، معرباً عن شكره الجزيل للمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية أدرار، ومكتبة أولف تحديداً، على جهودها الكبيرة في ترسيخ فعل القراءة والمقروئية وتنظيم مثل هذه الجلسات النوعية، كما قدم الأستاذ بلوافي تعقيباً ثرياً، شارحاً ظروف تأليف الكتاب والدوافع وراء تسليط الضوء على شخصيات "مجموعة الـ 22" التي فجّرت ثورة، واختُتمت الجلسة بنقاش مستفيد ومفتوح بين المؤلف والأساتذة والحضور، حيث تم تبادل الرؤى والأفكار حول ما جاء في الكتاب ودور تلك الشخصيات المحورية في تاريخ الجزائر، وفي الختام وتثميناً لجهودهم في إثراء المنتدى المعرفي، تم تسليم شهادتي شكر وتقدير للمؤلف بلوافي عبد الرحمن بن هيبه، وللأستاذ عبد الباسط يومة مقدم القراءة في الكتاب، وتؤكد هذه المبادرة الثقافية دور المكتبة العمومية في أولف كمنارة للعلم والمعرفة، وحرصها على ربط الأجيال بتاريخهم المجيد والمساهمة في حفظ الذاكرة الوطنية، خاصة في المناسبات التاريخية الهامة كذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960.  





السبت، 13 ديسمبر 2025

والي أدرار في جولة عمل لبلدية بودة

في إطار متابعة وتجسيد المشاريع التنموية على مستوى ولاية أدرار، قام والي أدرار ضويفي فضيل ايوم السبت 13 ديسمبر 2025، بزيارة عمل وتفقد إلى بلدية بودة، وتضمنت الزيارة سلسلة من المحطات الهامة التي مست قطاعات التعليم، الإسكان، والصحة، بالإضافة إلى لقاءات تفاعلية مع المجتمع المدني، وكانت المحطة الأولى للوالي بإشرف على وضع حجر الأساس لمشروع استكمال مجمع مدرسي بالمنصور، ما يعكس التزام الولاية بتعزيز المنشآت التربوية، وبعد ذلك تفقد سير إنجاز عدد من المشاريع السكنية ذات الطابع العمومي والخاص، وهي ​35 مسكن عمومي إيجاري بقصر المنصور، حيث  قام بزيارة معاينة للمشروع للتأكد من تقدم الأشغال، و​35 مسكن عمومي إيجاري بقصر الغمارة، تم كذلك تفقد هذا المشروع السكني الهام، و​تفقد وعاين مشروع إنجاز ثانوية 1000 مقعد بالمنصور، ووضع الحجر لإنحاز ​مشروع إنجاز مدرسة قرآنية خاصة، و​في الفترة المسائية، وبعد الساعة الثانية ظهراً، تم تخصيص جزء من البرنامج لتفقد قطاع الصحة، حيث قام الوالي والوفد المرافق له بزيارة معاينة وتفقد لمشروع تأخر إنجازه وهو عيادة متعددة الخدمات بين ذراوعو، وتؤكد هذه الخطوة حرص السلطات على تدارك التأخرات والعمل على توفير التغطية الصحية اللائقة للمواطنين، و​اختتمت الزيارة بلقاء مفتوح وفعال مع فعاليات المجتمع المدني، بهدف تعزيز جسور التواصل والاستماع المباشر لانشغالات وتطلعات سكان بلدية بودة.   




المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 14 ديسمبر2025، العدد 3418 في الصفحة 06


دائرة أولف تحيي الذكرى 65 لمظاهرات 11 ديسمبر 1960

في إطار إحياء الذكرى الخامسة والستين لمظاهرات 11 ديسمبر 1960، وتحت شعار: " انتفاضة شعب"، شهدت دائرة أولف مراسيم رسمية لرفع العلم الوطني في ساحة أول نوفمبر، أشرف على هذه المراسيم الطالب علي عبد الكريم، رئيس دائرة أولف، بحضور السلطات المحلية للدائرة وممثل الشؤون الدينية، إلى جانب ممثلي الكشافة الإسلامية الجزائرية وغيرها من الشركاء الاجتماعيين، و​تم خلال الفعالية رفع العلم الوطني وقراءة فاتحة الكتاب ترحماً على أرواح شهداء الثورة الأبرار، تأكيداً على التمسك بالذاكرة الوطنية والوفاء لتضحيات الشعب الجزائري، هذا و تمت الإحتفالات بالذكرى على مستوى الولاية في ذات اليوم تحت إشراف السلطات المحلية للولاية أدرار. 


المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 14 ديسمبر2025، العدد 3418 في الصفحة 06




جمعية ميراث الأجداد تحتفي بالمشاركين في احتفالات المولد النبوي الشريف

نظمت جمعية ميراث الأجداد للنشاطات الثقافية والإبداع الفني والمرأة المنتجة بأدرار حفلا تكريما مرتبط بذكرى المولد النبوي الشريف، وذلك يوم  الأربعاء 10 ديسمبر 2025، بفندق قلاكسي بمدينة أدرار، وجاء هذا الحفل على شرف جميع المشاركين الذين أسهموا في إنجاح الاحتفالات الدينية والثقافية بمناسبة المولد النبوي الشريف، ونظمت الجمعية حفل التكريم، بإشراف مديرية الشباب والرياضة لولاية أدرار، وبالتنسيق الفعّال مع الرابطة الولائية للنشاطات الثقافية والعلمية بأدرار، واحتصنت فعالياته دار الشباب هواري بومدين أدرار، وكانت النشاطات التي تم الاحتفال بتكريم أصحابها تمت في الفترة من يوم 16 إلى 18 سبتمبر لسنة 2025، و​تميزت الأنشطة التي نُظمت تحت شعار:  ( نبينا قدوتنا ) بثرائها وتنوعها، عاكسةً البعد الروحي والثقافي لهذه المناسبة الجليلة، لذلك كان هدف حفل التكريم تثمين الجهود الكبيرة التي بذلها المشاركون من مؤطرين وفنانين ومتطوعين، وألقيت كلمات في حفل التكريم أكدت على أهمية هذه المبادرات في تعزيز الوعي الثقافي والديني حول سيرة النبي الكريم، وتشجيع المواهب الشابة في مجالات الإبداع الفني والثقافي، وكذلك غرس القيم النبيلة والقدوة الحسنة في نفوس الناشئة، وفي ختام الحفل، تم توزيع شهادات الشكر والتقدير والهدايا الرمزية على كافة المساهمين، مع التأكيد على استمرار هذه الشراكات لدعم الأنشطة التي تخدم المجتمع المحلي وتصون موروثه الأصيل.   




الخميس، 11 ديسمبر 2025

التلميذ هو محور العملية التربوية والتعليمية

إن التربية والتعليم ليستا مجرد مهمة، بل رسالة سامية تستوجب تضافر الجهود،و منهجنا في التربية والتعليم يقوم على الشراكة المقدسة بين البيت والمدرسة، ونحن نمد أيدينا للأولياء، طالبين عونهم وتعاونهم الكامل في صقل شخصية الطالب ومرافقته مسيرته التربوية والتعليمية، و نعتبر الولي شريكا أساسيا لا غنى عنه في بناء مستقبل هذا الجيل.

​ولكن، عندما تحتدم المسؤوليات وتتضح المسارات، يبرز تساؤل جوهري: ماذا لو أصبحت طريقة الشريك عائقا؟

​قد ندعو الولي للحضور، انطلاقا من مبدأ الشراكة، لتبادل الرؤى وتوحيد الاستراتيجيات، ولكن إذا انكشفت لنا حقيقة مؤلمة؛ أن النهج الذي يتبعه الولي في التعامل مع ابنه، سواء كان قسوة مفرطة، أو تدليلا مفسدا، أو ضغطا سلبيا  يُهدد بشكل مباشر المسار التربوي والتعليمي للتلميذ، فإننا نقف وقفة حزم ومراجعة، و​هنا تتجلى شجاعة الموقف والالتزام بالهدف الأسمى.

​إن الغاية النبيلة التي من أجلها وُجدت أي مؤسسة تربوية وتعليمية هي التلميذ، تربيةً وتعليما فالتلميذ هو محور العملية التربوية والتعليمية بلا منازع، وإذا وجدنا الولي، عن غير قصد أو عن سوء تقدير، عنصرا مُضرا في مسار هذا المحور، فإننا نعلن بوضوح، وبكل ما تحمله هذه الكلمات من مسؤولية:

​"إننا نترك الولي جانبا، ونتعامل مباشرة مع التلميذ، لان هدفنا ليس كسب ود الشريك على حساب مصلحة التلنيذ؛ ولكن هدفنا هو إنقاذ مسار التلميذ وصيانة مستقبله.

​هذا القرار ليس استخفافا بدور الولي، بل هو تصحيح بوصلة وترتيب للأولويات، إن واجبنا الأخلاقي والمهني يحتم علينا أن نكون الحصن المنيع الذي يحمي عقل وقلب التلميذ، و يجب أن نوفر له البيئة الآمنة والمحفزة التي قد لا يجدها في مكان آخر.


​إننا نؤمن بأن الكلمة الفصل في التعليم هي للتلميذ نفسه. لذلك سنعى من أجل تقوية شخصيته، وغرس الثقة في نفسه، وتعويضه عن أي نقص أو خلل قد تسبب فيه التعامل الخاطئ، و إن مسؤوليتنا تجاه هذا التلميذ تفرض علينا أن نكون له المرشد، والمُعلم، والملاذ الآمن.

​فلتكن رسالتنا واضحة ومدوية: نحن نسعى للتعاون المثمر، ولكن إذا تعارضت الطرق، فإننا نختار الطريق الذي يقود إلى صلاح التلميذ ونجاحه، لأننا ندرك أننا نحمل أمانة الأجيال، ولهذه الأمانة حق علينا أن نصونها بكل قوة وإخلاص، جاعلين من مصلحة التلميذ التربوية والتعليمية هي القيمة العليا التي لا تُساوَم.

مظاهرات 11 ديسمبر 1960 من تاريخ الثورة الجزائرية

في صميم شتاء 1960، وبينما كانت رياح التغيير تهب على العالم المستعمر، انبعثت من الجزائر صرخة مدوية اخترقت جدران الصمت والقمع، إذ لم يكن 11 ديسمبر 1960، يوما عاديا في سجلات تاريخ وثورة الجزائر، بل كان يوما فارقا أعلنت فيه الأمة الجزائرية عن نفسها بوضوح لا يقبل التأويل، مجسدةً إرادة شعبية عارمة بوجه طغيان مزدوج، حيث خرج الجزائريون، بصدور عارية وإيمان راسخ، في مظاهرات سلمية حملت في طياتها ثقل تاريخ من النضال المرير، مؤكدين بلسان واحد المطلب الأسمى: تقرير المصير، ولم تكن هذه الحركة وليدة اللحظة، بل كانت تتويجاً منطقياً لتضحيات جسام، ورفضاً قاطعاً لمحاولات الاحتلال الفرنسي المستمرة لتزييف الحقائق وطمس الهوية الوطنية.

​لقد جاءت هذه الانتفاضة الجماهيرية لتواجه بعزيمة فولاذية سياسة الجنرال شارل ديغول التي حاولت تقديم حلول ملتبسة تحت ستار "الجزائر الجزائرية"، وهي محاولة ذكية لإبقاء البلاد مرتبطة بفرنسا وإفراغ استقلالها المستقبلي من أي سيادة حقيقية، وفي الوقت ذاته، كانت تلك الحناجر الصارخة هي الحاجز الأخير ضد أوهام المعمرين الفرنسيين الذين ظلوا يحلمون بفكرة عتيقة مريضة تدعى "الجزائر فرنسية"، وبين مطرقة الإبقاء على التبعية وسندان الحلم بالهيمنة الدائمة، اختار الشعب الجزائري طريقه الثالث: الاستقلال التام والسيادة الكاملة، فكانت تلك المظاهرات رسالة واضحة، كُتبت بالإباء الشعبي، بأن زمن الوصاية قد ولى إلى غير رجعة، وأن مفتاح القرار لا يمكن أن يكون إلا في أيدي أبناء الوطن.

​لكن الرد على هذه الإرادة السلمية لم يكن إلا مزيداً من العنف والوحشية المفرطة، فبدم بارد، واجهت السلطات الفرنسية جموع المتظاهرين المسالمين بقمع لا إنساني، محاولة إسكات صوت الحق بالرصاص والدم، فسقط العديد من الشهداء الأبرار في ذلك اليوم المشهود، لكن كل قطرة دم سفكت لم تذهب هدراً؛ بل تحولت إلى وقود أشعل جذوة النضال ووثيقة إدانة دولية لجرائم الاحتلال الفرنسي الغاشم والمستبد، فكشفت تلك المجازر عن الوجه الحقيقي للاستعمار الذي يزعم الديمقراطية، مثبتاً أن لغة العنف هي وسيلته الوحيدة لفرض إرادته.

​إن الأثر الحقيقي لمظاهرات 11 ديسمبر لم يقتصر على حدود الجزائر، بل تجاوزها ليصبح نقطة تحول حاسمة في مسار الثورة، فبفضل هذه التضحيات الجليلة وهذه الوقفة الشجاعة، أصبحت القضية الجزائرية قضية عالمية بامتياز، تلامس ضمير الإنسانية وتشعل شرارة التضامن الدولي، وأكدت هذه المظاهرات، بما لا يدع مجالاً للشك، أن دعم الشعب الجزائري للثورة هو دعم شامل وعميق، وأن المعركة لم تكن معركة فئة قليلة، بل كانت معركة الأمة بأسرها، هذا اليوم الخالد لم يكن مجرد ذكرى لمواجهة دامية، بل هو تجسيد حي لعظمة الصمود، ورمز للأجيال المتعاقبة بأن الحرية تُكتسب بالموقف المبدئي والتضحية التي لا تُنسى، إن 11 ديسمبر 1960 يظل منارة تضيء طريق الكرامة الوطنية الجزائرية، وشاهداً على أن الإرادة الشعبية إذا ما توحدت، فإنها قوة لا تقهر أمام جبروت المستبد.