ما عسى أولف أن تقول ؛ وما عسى أدرار أن تقول ؛
وما عسى الجزائر أن تقول ؛ وما عسى الأمة الإسلامية أن تقول ، وهي تودع واحد بألف
من الذين بموتهم يفقد العلم ؛ و احد بألف من خيرة أبنائها الشيخ العالم العلامة
والحبر الفهامة ذو الطلعة البهية والروح والنفس الذكية ، حفصي عبدالرحمن المعروف
في الأوساط الشعبية بمنطقتي تيدكلت وتوات بالشيخ ( الحاج عبدالرحمن حفصي ولد سيدي
إبراهيم ) ، إنها لن تقول إلا ما يرضى
الله ، ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ، وتعزي وتقول (( لله ما أخذ وله ما أعطى ))
، وهي تودعه إلى مثواه الأخير ، فهي تودع الشيخ
الجليل والعالم والناصح والمصلح والأب والأخ والصديق الذي كان يعمل في سبيل
الله من خلال تعليمة للناس كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى أله وصحبه ، وكذلك
علوم اللغة العربية والشريعة الإسلامية ويصلح ذات بينهم ويرحم صغيرهم ويوقر كبيرهم
ويسعى في العديد من شؤونهم الدنيوية فضلا عن الدينية ؛ تودع عالما زاهدا ورعا
متصوفا سلفيا كريما يعلم علما يقينيا أن ما ينفقه سوف يخلفه الله ، فإنه إن منح له ، أعطى ما منح له دون أن يعلم كم منح له فهو لا
يبالى بذلك ، لأنه يعلم أن العيال عيال الله والمال مال الله ، وأن الله ليأخذ إلا
ليعطي أضعاف ما أخذ ، وعندما نقول عنه متصوفا ؛
فتصوفه من تصوف مالك بن ينار و الجنيد وإبراهيم بن آدهم وغيرهم من الذين
صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، وعندما نقول سلفيا ؛ فسلفيته من سلفية سعيد بن جبير والأمام
مالك بن أنس و الحسن البصري ، وليست سلفية أطالت اللحى وتقصير القميص و السروال
وعدم رد السلام ، والمساهمة في إشعال نار الفتنة في المجتمع التي أصبحنا نراها ،
عند البعض مما يدعون السلفية في عصرنا الحالي .
كان الشيخ ولد سيدي إبراهيم محب لآل بيت رسولنا
الكريم ، ليس ذلك الحب الذي تدعيه الشيعة زورا وبهتانا وتسب من أجله صحابة رسول
الله ، بل الحب الذي هو مطلوب من المسلمين في كتاب الله وسنة رسوله ؛ ذلك الحب
الذي قال عنه سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله " لقرابة رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - أحب إلي أن أصل من قرابتي " ، والذي قال عنه سيدنا عمر بن الخطاب الفاروق
رضي : " مهلا يا عباس ، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان
أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم ، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك
كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب " ، ومن تواضعه و خلقه الحسن ، كان يقبل يد الكبير
والصغير منهم وهو بذلك يطبق ما أخرجه الطبراني والبيهقي والحاكم أن زيد بن ثابت
(رضي الله عنه) صلى على جنازة فقربت له بغلته ليركبها فجاء عبد
الله بن عباس (رضي الله عنه) فأخذ بركابه فقال زيد بن ثابت :
خل عنها يا ابن عم رسول الله ( صل الله عليه واله وسلم )
فقال ابن عباس : هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء والكبراء فقبل زيد بن ثابت يد
ابن عباس وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت رسول الله ( صل الله عليه واله وسلم . حتى أصبحت هذه عادته
مع كل من يلقاه ويسلم عليه ، إنه التواضع والخلق الحسن الذي كان يعامل به الشيخ
عبدالرحمن الناس في المجتمع مهما كانت رتبتهم ، وذلك لعلمه يقينا أن الدين المعاملة وحسن
الخلق ، وباختصار نقول أنه كان بحق من ورثة الأنبياء ، فرحمة الله عليه بالأمس ، ورحمة الله عليه
اليوم ، ورحمة الله عليه غدا ، والفردوس الأعلى في الجنة مثواه ( يوم لا ينفع مال
ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) ، ويحسبه كل من عرفه أنه ذهب إلى الله بقلب
سليم .
وقد
ودعت ولاية أدرار العلامة الحاج عبدالرحمن حفصي في موكب جنائزي مهيب حضرته السلطات
المحلية لولاية أدرار ، المدنية والعسكرية يتقدمهم والي الولاية السيد بكوش حمو ،
وعضو المجلس الإسلامي الأعلى الشيخ الأستاذ دباغي عبدالكريم ومدير الشؤون الدينية لولاية أدرار الأستاذ
بكراوي عبدالرحمن ، حيث حبس رئيس المجلس الولائي عذرا لم يتمكن من خلاله من الحضور وحضر أعضاء من
المجلس الولائي وآخرون كثيرون لا يسع المجال لذكرهم كلهم ، وللعلم فإن العلامة
المرحوم الحاج حفصي عبدالرحمن بن إبراهيم بن عيسى من مواليد 1932 بأولف بقصر تقراف
وينتهي نسبه إلى عصام بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، أخذ العلم عن أبيه سيدي إبراهيم وجدته لأبيه المسماة خديجة ، ثم عن الشيخ أبا أمحمد داده ، ومن اجل الزيادة
من العلم انتقل سنة 1949 إلى سالي ، فتتلمذ على يد الشيخ العالم العلامة مولاي أحمد الطاهري الإدريسي السباعي ، فتعلم الكثير
من علوم القرآن والشريعة وعلوم اللغة العربية منه ، وعاد إلى مسقط رأسه بأولف سنة
1957 بعد ما تعلم العديد من العلوم على يد أستاذه وشيخه مولاي أحمد الطاهري
بالمدرسة الطاهيرية بسالي ، وأشتغل بتدريس علوم القرآن والشريعة الإسلامية وعلوم
اللغة العربية بزاوية هيباوي مولاي عبدالحي بقصر بلاد المهدي ببلدية تمقطن ، ثم
خلف والده بمسجد الأمام البخاري بقصر عمنات ببلدية أولف ، وتلقى إجازته من شيخه
مولاي أحمد بالبقاع المقدسة بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في حجته الأولى
سنة 1959 ، وكرس الشيخ حياته لتعليم كتاب الله وسنة رسوله وعلوم اللغة العربية
والشريعة الإسلامية عموما للمسلمين ، فكان تعلمه وتعليمه وخلقه نابع من كتاب الله
وسنة رسوله ، حتى أصابه مرض فألزمه الفراش وجاءه الأمر الذي لابد لكل كائن منه ،
وصعدت روحه الطاهرة إلى بارئها صبيحة يوم الأربعاء 21 نوفمبر 2018 ، وشيع إلى
مثواه الأخير بمقرة الجديد ببلدية أولف ، وترك العديد من المؤلفات في علوم الشريعة
والقرآن واللغة العربية ، والتي تصل إلى 27 كتاب ، فضلا عن ما تركه في صدور
الكثيرين من الذين تتلمذوا على يديه.
المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 25 نوفمبر 2018 ، العدد 1576 الصفحة 15
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق