قام ليلة أول أمس الأحد الموافق لـ
26 أفريل 2015 ، معالي وزير الشؤون الدينية والأوقاف ، السيد محمد عيسى بزيارة خاطفة لزاوية الشيخ محمد باي بلعالم
الموجود مقرها بحي الركينة ببلدية أولف ولاية أدرار ، قادما من دائرة عين صالح التي كان في زيارة لها
مرورا بدائرة إينغر كذلك ، وألقى كلمة في الزاوية أثنى فيها على الشيخ رحمه ، وعلى
المنطقة وعدها منبع العلماء ، والقلب الصافي والنابض والمنير للجزائر بكتاب الله
وبالعلم والعلماء ، كما قام بزيارة المكتبة التابعة لزاوية الشيخ ، وتصفح بعض
الكتب وأطلع عليها ، وخاصة مؤلفات الشيخ منها ، والتي لازال البعض منها مخطوطا لم
يطبع ، حيث وعد بطبع أحدها في إطار قسنطينة عاصمة الثقافة العربية ، هذا وكان وزير
الشؤون الدينية قد وقف عند قبر المرحوم الشيخ باي بلعالم ، وترحم عليه ، قبل أن
يصل إلى الزاوية ، التي وجد في استقباله عند بابها جمع غفير من سكان اليلاد
وأعيانها وشيوخ زواياها ، والعديد من طلبة مدرسة مصعب أبن عمير التابعة للزاوية ،
كما وجد في استقباله قرب ضريح الشيخ ، رئيس دائرة أولف السيد تاسيقا بوعمزة محمد
والنائب بالمجلس الشعبي الوطني السيد الخراز محمد ، والسلطات الأمنية والمحلية
للدائرة ، و أبناء الشيخ وأقاربه والبعض من محبيه
وعلى رأسهم الابن الأصغر للشيخ رحمه ، المد عوا أحمد العالم ، وقد ألقى
الشيخ أحمد بن مالك خليفة الشيخ محمد باي بلعالم كلمة بالزاوية قبل كلمة معالي
الوزير ، رحب فيها بمعالي الوزير وأثنى عليه خير ، وكان برفقة الوزير في الزيارة
السيد بكراوي عبد الرحمن مدير الشؤون الدينية لولاية أدرار .
شرح كتاب التوحيد2=قال المصنف رحمه الله تعالى : قال ابن مسعود : من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التى عليها خاتمه فليقرأ : "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم "- إلى قوله - " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه " الآية .
ردحذفش : قوله : ابن مسعود هو عبد الله بن مسعود بن غافل - بمعجمة وفاء - ابن حبيب الهذلى أبو عبد الرحمن ، صحابى جليل من السابقين الأولين ، وأهل بدر وأحد والخندق وبيعة الرضوان من كبار علماء الصحابة ، أمر عمر على الكوفة ، ومات سنة اثنتين وثلاثين رضى الله عنه .
وهذا الأثر رواه الترمذي وحسنه ، وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى بنحوه . وقال بعضهم : معناه من أراد أن ينظر إلى الوصية التى كأنها كتب وختم عليها فلم تغير ولم تبدل فليقرأ : (قل تعالوا -إلى آخر الآيات) شبهها بالكتاب الذى كتب ثم ختم فلم يزد فيه ولم ينقص . فإن النبى صلى الله عليه وسلم لم يوص إلا بكتاب الله ، كما قال فيما رواه مسلم : "وإنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله" وقد روى عبادة بن الصامت قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيكم يبايعنى على هؤلاء الآيات الثلاث ؟ ثم تلا قوله تعالى : "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" حتى فرغ من الثلاث الآيات . ثم قال من وفى بهن فأجره على الله ، ومن انتقص منهن شيئاً فأدركه الله به فى الدنيا كانت عقوبته ، ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه " رواه ابن أبي حاتم و الحاكم وصححه و محمد بن نصر فى الاعتصام .قلت : ولأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يوص أمته إلا بما وصاهم الله تعالى به على لسانه . وفى كتابه الذى أنزله '16 : 89' " تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " وهذه الآيات وصية الله تعالى ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم . قال المصنف رحمه الله تعالى : وعن معاذ بن جبل قال : كنت رديف النبى صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لى : يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد ، وما حق العباد على الله ؟ . قلت : الله ورسوله أعلم . قال : حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً ، قلت : يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال : لا تبشرهم فيتكلوا " . أخرجاه فى الصحيحين .ش : هذا الحديث فى الصحيحين من طرق
وفى بعض رواياته نحو مما ذكره المصنف .و معاذ بن جبل رضى الله عنه هو ابن عمرو بن أوس الأنصارى الخزرجى أبو عبد الرحمن صحابى مشهور من أعيان الصحابة ، شهد بدراً وما بعدها . وكان إليه المنتهى فى العلم والأحكام والقرآن رضي الله عنه . وقال النبى صلى الله عليه وسلم معاذ يحشر يوم القيامة أمام العلماء برتوة أي بخطوة ، قال فى القاموس والرتوة الخطوة وشرف من الأرض ، وسويعة من الزمان ، والدعوة ، والفطرة ، ورمية بسهم أو نحو ميل أو مدى البصر . والراتي العالم الربانى . انتهىوقال فى النهاية أنه يتقدم العلماء برتوة أي برمية سهم . وقيل : بميل ، وقيل : مد البصر . وهذه الثلاثة أشبه بمعنى الحديث. مات معاذ سنة ثمانى عشرة بالشام فى طاعون عمواس . وقد استخلفه صلى الله عليه وسلم على أهل مكة يوم الفتح يعلمهم دينهم.قوله : (كنت رديف النبى صلى الله عليه وسلم) فيه جواز الإرداف على الدابة ، وفضيلة معاذ رضى الله عنه .قوله : (على حمار) فى رواية اسمه عفير ، قلت : أهداه إليه المقوقس صاحب مصر .وفيه : تواضعه صلى الله عليه وسلم لركوب الحمار والإرادف عليه ، خلافاً لما عليه أهل الكبر .قوله : (أتدرى ما حق الله على العباد) أخرج السؤال بصيغة الاستفهام ليكون أوقع في النفس وأبلغ في فهم المتعلم وحق الله على العباد وهو ما يستحقه عليهم وحق العباد على الله معناه أنه متحقق لا محالة ، لأنه وعدهم ذلك جزاء لهم على توحيده '30 : 6' "وعد الله لا يخلف الله وعده" .قال شيخ الإسلام : كون المطيع يستحق الجزاء هو استحقاق إنعام وفضل ، ليس هو استحقاق مقابلة ، كما يستحق المخلوق على المخلوق ، فمن الناس من يقول : لا معنى للاستحقاق ، إلا أنه أخبر بذلك ووعده صدق ، ولكن أكثر الناس يثبتون استحقاقاً زائداً على هذا ، كما دل عليه الكتاب والسنة قال تعالى '30 : 47' "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين" لكن أهل السنة يقولون : هو الذي كتب على نفسه الرحمة وأوجب على نفسه الحق ، ولم يوجبه عليه مخلوق ، والمعتزلة يدعون أنه واجب عليه بالقياس على المخلوق وأن العباد هم الذين أطاعوه بدون أن يجعلهم مطيعين له ، وأنهم يستحقون الجزاء بدون أن يكون هو الموجب ، وغلطوا في ذلك ، وهذا الباب غلطت فيه الجبرية والقدرية أتباع جهم والقدرية النافية .قوله (قلت الله ورسوله أعلم) فيه حسن الأدب من المتعلم ، وأنه ينبغي لمن سئل عما لا يعلم أن يقول ذلك ، بخلاف أكثر المتكلفين .قوله : (أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً) أي يوحدوه بالعبادة
ردحذفولقد أحسن العلامة ابن القيم رحمه الله حيث عرف العبادة بتعريف جامع فقال :وعبادة الرحمن غاية حبه مع ذل عابده هما قطبانومداره بالأمر - أمر رسوله- لا بالهوى والنفس والشيطانقوله : (ولا يشركوا به شيئاً) أى يوحدوه بالعبادة ، فلابد من التجرد من الشرك فى العبادة ، ومن لم يتجرد من الشرك لم يكن آتياً بعبادة الله وحده ، بل هو مشرك قد جعل لله نداً . وهذا معنى قول المصنف رحمه الله :(وفيه أن العبادة هى التوحيد ، لأن الخصومة فيه ، وفى بعض الآثار الإلهية : إنى والجن والانس فى نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيرى ، وأرزق ويشكر سواى ، خيري إنى العباد نازل ، وشرهم إلى صاعد ، أتحبب إليهم بالنعم ، ويتبغضون إلى بالمعاصى) .قوله : (وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً) قال الحافظ : اقتصر على نفي الإشراك لأنه يستدعي التوحيد بالاقتضاء ، ويستدعى إثبات الرسالة باللزوم ، إذ من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذب الله ، ومن كذب الله فهو مشرك وهو مثل قول القائل : ومن توضأ صحت صلاته ، أى مع سائر الشروط . ا هـ .قوله : (أفلا أبشر الناس) فيه استحباب بشارة المسلم بما يسره ، وفيه ما كان عليه الصحابة من الاستبشار بمثل هذا . قال المصنف رحمه الله .قوله (لا تبشرهم فيتكلوا) أى يعتمدوا على ذلك فيتركوا التنافس فى الأعمال . وفى رواية : فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً أى تحرجاً من الإثم . قال الوزير أبو المظفر : لم يكن يكتمها إلا عن جاهل يحمله جهله على سوء الأدب بترك الخدمة فى الطاعة ، فأما الأكياس الذين إذا سمعوا بمثل هذا زادوا فى الطاعة ، ورأوا أن زيادة النعم تستدعى زيادة الطاعة ، فلا وجه لكتمانها عنهم.وفى الباب من الفوائد غير ما تقدم ، الحث على إخلاص العبادة لله وأنها لا تنفع مع الشرك ، بل لا تسمى عبادة . والتنبيه على عظمة حق الوالدين . وتحريم عقوقهما . والتنبيه على عظمة الآيات المحكمات فى سورة الأنعام . وجواز كتمان العلم للمصلحة .قوله : (أخرجاه) أى البخارى ومسلم. و البخارى رحمه الله هو الإمام محمد ابن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه الجعفي مولاهم، الحافظ الكبير صاحب الصحيح والتاريخ والأدب المفرد وغير ذلك من مصنفاته . روى عن الإمام أحمد بن حنبل والحميدى وابن المدينى وطبقتهم . وروى عنه مسلم والنسائي والترمذي والفربرى رواى الصحيح . ولد سنة أربع وتسعين ومائة ومات سنة ست وخمسين ومائتين .و مسلم رحمه الله هو ابن حجاج بن مسلم أبو الحسين القشيرى النيسابورى صاحب الصحيح والعلل والوجدان وغير ذلك روى عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبى خيثمة وابن أبى شيبة وطبقتهم .
ردحذفوروى عن البخاري . وروى عنهالترمذي وإبراهيم بن محمد بن سفيان راوى الصحيح وغيرهما . ولد سنة أربع ومائتين . ومات سنة إحدى وستين ومائتين بنيسابور رحمهما الله . فضل التوحيدقوله : (باب بيان فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب)باب خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا (قلت) ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف تقديره هذا . و ما يجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف ، أي وبيان الذي يكفره من الذنوب ، ويجوز أن تكون مصدرية ، أي وتكفيره الذنوب ، وهذا الثانى أظهر .قوله : وقول الله تعالى : '6 : 82' "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" قال ابن جرير : حدثنى المثنى - وساق بسنده - عن الربيع ابن أنس قال : الإيمان الإخلاص لله وحده ) .وقال ابن كثير فى الآية : أى هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده ولم يشركوا به شيئاً هم الآمنون يوم القيامة ، المهتدون فى الدنيا والاخرة . وقال زيد بن أسلم وابن إسحاق : هذا من الله على فصل القضاء بين إبراهيم وقومه .وعن ابن مسعود : (لما نزلت هذه الآية قالوا : فأينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس بذلكم ، ألم تسمعوا إلى قول لقمان : "إن الشرك لظلم عظيم" ) .وساقه البخارى بسنده فقال "حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنى إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال : لما نزلت : "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" قلنا : يا رسول الله ، أينا لا يظلم نفسه ؟ قال : ليس كما تقولون ، لم يلبسوا إيمانهم بظلم ، بشرك . أو لم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه : " يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم " " .ولأحمد بنحوه عن "عبد الله قال : ( لما نزلت "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله : فأينا لا يظلم نفسه ؟ قال : إنه ليس الذى تعنون . ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح : " يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم " إنما هو الشرك) " . وعن عمر أنه فسره بالذنب . فيكون المعنى : الأمن من كل عذاب . وقال الحسن والكلبي : أولئك لهم الأمن ، فى الآخرة ، وهم مهتدون فى الدنيا .قال شيخ الإسلام : والذى شق عليهم أنهم ظنوا أن الظالم المشروط عدمه هو ظلم العبد نفسه ، وأنه لا أمن ولا اهتداء إلا لمن لم يظلم نفسه ، فبين لهم النبى صلى الله عليه وسلم ما دلهم على أن الشرك ظلم فى كتاب الله ، فلا يحصل الأمن وإلاهتداء إلا لمن يلبس إيمانه بهذا الظلم ، فإن من لم يلبس إيمانه بهذا الظلم كان من أهل الأمن والاهتداء ، كما كان من أهل الاصطفاء فى قوله : '35 : 32' "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير" وهذا لا ينفى أن يؤاخذ أحدهم بظلمه لنفسه بذنب إذا لم يتب كما قال تعالى : '99 : 7 ، 8' " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " وقد " سأل أبو بكر الصديق رضى الله عنه النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أينا لم يعمل سوءاً ؟ فقال : يا أبا بكر ألست تنصب ؟ ألست تحزن ؟ أليس يصيبك اللأواء ؟ فذلك ما تجزون به" فبين أن المؤمن إذا مات دخل الجنة قد يجزى بسيئاته فى الدنيا بالمصائب . فمن سلم من أجناس الظلم الثلاثة : الشرك ، وظلم العباد . وظلمه لنفسه بما دون الشرك . كان له الأمن التام والاهتداء التام . ومن لم يسلم من ظلمه لنفسه كان له الأمن والاهتداء المطلق . بمعنى أنه لابد أن يدخل الجنة كما وعد بذلك فى الآية الأخرى : وقد هداه الله إلى الصراط المستقيم الذى تكون عاقبته فيه إلى الجنة . ويحصل له من نقص الأمن والاهتداء بحسب ما نقص من إيمانه بظلمه لنفسه وليس مراد النبى صلى الله عليه وسلم بقوله إنما هو الشرك أن من لم يشرك الشرك الأكبر يكون له الأمن التام والاهتداء التام . فإن أحاديثه الكثيرة مع نصوص القرآن تبين أن أهل الكبائر معرضون للخوف ، لم يحصل لهم الأمن التام
ردحذفوالاهتداء التام اللذين يكونون بهما مهتدين إلى الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم ، من غير عذاب يحصل لهم . بل معهم أصل الاهتداء إلى هذا الصراط ، ومعهم أصل نعمة الله عليهم ولابد لهم من دخول الجنة . وقوله إنما هو الشرك إن أراد الأكبر ، فمقصوده أن من لم يكن من أهله فهو آمن مما وعد به المشركون من عذاب الدنيا والآخرة . وإن كان مراده جنس الشرك . يقال ظلم العبد نفسه، كبخله لحب المال ببعض الواجب - هو شرك أصغر . وحبه ما يبغضه الله تعالى حتى يقدم هواه على محبة الله الشرك أصغر ونحو ذلك . فهذا فاته من الأمن والاهتداء بحسبه . ولهذا كان السلف يدخلون الذنوب فى هذا الشرك بهذا الاعتبار ملخصاً .وقال ابن القيم رحمه الله : قوله : "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" قال الصحابة : وأينا يا رسول الله لم يلبس إيمانه بظلم ؟ قال : ذلك الشرك . ألم تسمعوا قول العبد الصالح "إن الشرك لظلم عظيم" لما أشكل عليهم المراد بالظلم فظنوا أن ظلم النفس داخل فيه .وأن من ظلم نفسه أى ظلم كان لم يكن آمناً ولا مهتدياً . أجابهم صلوات الله وسلامه عليه بأن الظلم الرافع للأمن والهداية على الإطلاق هو الشرك . وهذا والله هو الجواب ، الذى يشفي العليل ويروي الغليل. فإن الظلم المطلق التام هو الشرك . الذى هو وضع العبادة فى غير موضعها . والأمن والهدى المطلق : هما الأمن فى الدنيا والآخرة.والهدى إلى الصراط المستقيم . فالظلم المطلق التام رافع للأمن والاهتداء المطلق
ردحذفالتام . ولا يمنع أن يكون الظلم مانعاً من مطلق الأمن ومطلق الهدى . فتأمله . فالمطلق للمطلق ، والحصة
ردحذفللحصة ا هـ ملخصاً . حديث عبادة من شهد أن لا إله إلا الله إلخوقوله ("عن عبادة بن الصامت رضي الله
ردحذفعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه . والجنة حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " . أخرجاه) .عبادة بن الصامت بن قيس الأنصارى الخزرجى ، أبو الوليد ، أحد النقباء بدرى مشهور مات بالرملة سنة أربع وثلاثين وله اثنتان وسبعون سنة ، وقيل : عاش إلى خلافة معاوية رضى الله عنه .قوله (من شهد أن لا إله إلا الله) أى من تكلم بها عارفاً لمعناها ، عاملاً بمقتضاها ، باطناً وظاهراً ، فلابد فى الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها ، كما قال الله تعالى : '7 4 : 19'"فاعلم أنه لا إله إلا الله" وقوله '43 : 86' "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون" أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه : من البراءة من الشرك ، وإخلاص القول والعمل : قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح - فغير نافع بالإجماع .قال القرطبى فى المفهم على صحيح مسلم : باب لا يكفى مجرد التلفظ بالشهادتين بل لابد من استيقان القلب - هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة
ردحذفالمرجئة ، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف فى الإيمان . وأحاديث هذا الباب تدل على فساده . بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها . ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق ، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح . وهو باطل قطعاً ا هـ .وفى هذا الحديث ما يدل على هذا . وهو قوله : من شهد فإن الشهادة لا تصح إلا إذا كانت عن علم ويقين وإخلاص وصدق .قال النووي : هذا حديث عظيم جليل الموقع ، وهو أجمع - أو من أجمع - الأحاديث المشتملة على العقائد . فإنه صلى الله عليه وسلم جمع فيه ما يخرج من ملل الكفر على اختلاف عقائدههم وتباعدها . فاقتصر صلى الله عليه وسلم فى هذه الأحرف على ما يباين جميعهم ا هـ . معنى لا إله إلا اللهومعنى لا إله إلا الله لا معبود بحق إلا الله . وهو فى غير موضع من القرآن ، ويأتيك فى قول البقاعى صريحا قوله (وحده) تأكيد للإثبات (لا شريك له) تأكيد للنفى . قال الحافظ : كما قال تعالى : '2 : 163'"وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم" وقال : '21 : 25' " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " وقال : '7 : 65' "وإلى عاد أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره" فأجابوه رداً عليه بقولهم : " أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا " وقال تعالى : '22 : 62' " ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير " .فتضمن ذلك نفى الإلهية عما سوى الله ، وهي العبادة . وإثباتها لله وحده لا شريك له ، والقرآن من أوله إلى آخره يبين هذا ويقرره ويرشد إليه .فالعبادة بجميع أنواعها إنما تصدر عن تأله القلب بالحب والخضوع والتذلل رغباً ورهباً ، وهذا كله لا يستحقه إلا الله تعالى ، كما تقدم فى أدلة هذا الباب وما قبله . فمن صرف من ذلك شيئاً لغير الله فقد جعله لله نداً ، فلا ينفعه مع ذلك قول ولا عمل .(ذكر كلام العلماء ، فى معنى لا إله إلا الله)قد تقدم كلام ابن عباس ، وقال الوزير أبو المظفر فى الإفصاح : قوله : شهادة أن لا إله إلا الله يقتضى أن يكون الشاهد عالماً بأنه لا إله إلا الله ، كما قال تعالى : "فاعلم أنه لا إله إلا الله" قال: واسم (الله) بعد (إلا) من حيث أنه الواجب له الإلهية ، فلا يستحقها غيره سبحانه . قال : وجملة الفائدة فى ذلك : أن تعلم أن هذه الكلمة مشتملة على الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ، فإنك لما نفيت الإلهية وأثبت الإيجاب لله سبحانه كنت ممن كفر بالطاغوت وآمن بالله .وقال ابن القيم فى البدائع رداً لقول من قال : إن المستثنى مخرج من المستثنى منه . قال ابن القيم : بل هو مخرج من المستثنى منه وحكمه ، فلا يكون داخلاً فى المستثنى ، إذ لو كان كذلك لم يدخل الرجل فى الإسلام بقوله : لا إله إلا الله لأنه لم يثبت الإلهية لله تعالى . وهذه أعظم كلمة تضمنت بالوضع نفى الإلهية عما سوى الله وإثباتها له بوصف الاختصاص . فدلالتها على إثبات إلهيته أعظم من دلالة قولنا : (الله إله) ولا يستريب أحد فى هذا البتة . انتهى بمعناه .وقال أبو عبد الله القرطبي فى تفسيره (لا إله إلا الله) أى لا معبود إلا هو . وقال الزمخشرى : الإله من أسماء الأجناس . كالرجل والفرس ، يقع على كل معبود بحق أو باطل ، ثم غلب على المعبود بحق .وقال شيخ الإسلام : الإله هو المعبود المطاع ، فإن الإله هو المألوه ، والمألوه هو الذى يستحق أن يعبد . وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التى تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب ، المخضوع له غاية الخضوع ، قال : فإن الإله هو المحبوب المعبود الذى تألهه القلوب بحبها ، وتخضع له وتذل له ، وتخافه وترجوه ، وتنيب إليه فى شدائدها ، وتدعوه فى مهماتها ، وتتوكل عليه فى مصالحها ، وتلجأ إليه وتطمئن بذكره ، وتسكن إلى حبه ، وليس ذلك إلا لله وحده
ردحذفولهذا كانت (لا إله إلا الله) أصدق الكلام ، وكان أهلها أهل الله وحزبه ، والمنكرون لها أعداءه وأهل غضبه ونقمته ، فإذا صحت صح بها كل مسألة وحال وذوق ، وإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له فى علومه وأعماله .وقال ابن القيم : (الإله) هو الذى تألهه القلوب محبة وإجلالاً وإنابة ، وإكراماً وتعظيماً وذلاً وخضوعاً وخوفاً ورجاء وتوكلاً .وقال ابن رجب : (الإله) هو الذى يطاع فلا يعصى ، هيبة له وإجلالاً ، ومحبة وخوفاً ورجاء ، وتوكلاً عليه ، وسؤالاً منه ودعاء له ، ولا يصلح هذا كله إلا الله عز وجل ، فمن أشرك مخلوقاً فى شئ من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحاً في إخلاصه فى قول (لا إله إلا الله) وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب مافيه من ذلك .وقال البقاعي : لا إله إلا الله ، أى انتفاء عظيماً أن يكون معبود بحق غير الملك الأعظم ، فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة ، وإنما يكون علماً إذا كان نافعاً ، وإنما يكون نافعاً إذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه ، وإلا فهو جهل صرف .وقال الطيبي : (الإله) فعال بمعنى مفعول ، كالكتاب بمعنى المكتوب ، من أله إلهة أى عبد عبادة . قال الشارح : وهذا كثير فى كلام العلماء وإجماع منهم .فدلت (لا إله إلا الله) على نفي الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى كائناً ما كان ، وإثبات الإلهية لله وحده دون كل ما سواه ، و هذا هو التوحيد الذى دعت إليه الرسل ودل عليه القرآن من أوله إلى آخره ، كما قال تعالى عن الجن : '72 : 1' " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا " فلا إله إلا الله لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفياً وإثباتاً ، واعتقد ذلك وقبله وعمل به . وأما من قالها من غير علم واعتقاد وعمل ، فقد تقدم فى كلام العلماء أن هذا جهل صرف ، فهى حجة عليه بلا ريب .فقوله فى الحديث وحده لا شريك له تأكيد وبيان لمضمون معناها . وقد أوضح الله ذلك وبينه فى قصص
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفالأنبياء والمرسلين في كتابه المبين ، فما أجهل عباد القبور بحالهم ! وما أعظم ما وقعوا فيه من الشرك المنافى لكلمة الاخلاص لا إله إلا الله ! فإن مشركي العرب ونحوهم جحدوا لا إله إلا الله لفظاً ومعنى . وهؤلاء المشركون أقروا بها لفظاً وجحدوها معنى ، فتجد أحدهم يقولها وهو يأله غير الله بأنواع العبادة ، كالحب والتعظيم ، والخوف والرجاء والتوكل والدعاء ، وغير ذلك من أنواع العبادة . بل زاد شركهم على شرك العرب بمراتب ، فإن أحدهم إذا وقع فى شدة أخلص الدعاء لغير الله تعالى ، ويعتقدون أنه أسرع فرجاً من الله ، بخلاف حال المشركين الأولين ، فإنهم يشركون في الرخاء ، وأما في الشدائد فإنما يخلصون لله وحده ، كما قال تعالى '29 : 65' " فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون " الآية . فبهذا يتبين أن مشركي أهل هذه الأزمان أجهل بالله وبتوحيده من مشركي العرب ومن قبلهم . معنى محمد رسول اللهوقوله : (وأن محمداً عبده ورسوله) أي وشهد بذلك ، وهو معطوف على ما قبله على نية تكرار العامل ، ومعنى العبد هنا المملوك العابد ، أي أنه مملوك لله تعالى . والعبودية الخاصة وصفه ، كما قال تعالى : '39 : 26' "أليس الله بكاف عبده" فأعلى مراتب العبد العبودية الخاصة والرسالة فالنبى صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق فى هاتين الصفتين الشريفتين . وأما الربوبية والإلهية فهما حق الله تعالى ، لا يشركه فى شئ منهما ملك مقرب ولا نبى مرسل . وقوله : عبده ورسوله أتى بهاتين الصفتين وجمعهما دفعاً للإفراط والتفريط ، فإن كثيراً ممن يدعى أنه من أمته أفرط بالغلو قولاً وعملاً ، وفرط بترك متابعته ، واعتمد على الآراء المخالفة لما جاء به ، وتعسف فى تأويل أخباره وأحكامه ، بصرفها عن مدلولها والصدوف عن الانقياد لها مع إطراحها فإن شهادة أن محمداً رسول الله تقتضى الإيمان به وتصديقه فيما أخبر ، وطاعته فيما أمر ، والانتهاء عما عنه نهى وزجر ، وأن يعظم أمره ونهيه ، ولا يقدم عليه قول أحد كائناً من كان . والواقع اليوم وقبله - ممن يتنسب إلى العلم من القضاة والمفتين - خلاف ذلك ، والله المستعان .
ردحذفوروى الدارمى فى مسنده عن "عبد الله بن سلام رضى الله عنه أنه كان يقول : إنا لنجد صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميته المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب بالأسواق ، ولا يجزى بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويتجاوز ، ولن أقبضه حتى يقيم الملة المتعوجة بأن يشهد أن لا إله إلا الله ، يفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً " قال عطاء بن يسار : وأخبرنى أبو واقد الليثى أنه سمع كعباً يقول مثل ما قال ابن سلام . معنى أن عيسى عبد الله ورسوله وكلمتهقوله : (وأن عيسى عبد الله ورسوله) أى خلافاً لما يعتقده النصارى أنه الله أو ابن الله ، أو ثالث ثلاثة . تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً '23 : 91'"ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله" فلا بد أن يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله على علم ويقين بأنه مملوك لله ، خلقه من أنثى بلا ذكر ، كما قال تعالى : '3 : 59'"إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون" فليس رباً ولا إلهاً . سبحان الله عما يشركون . قال تعالى '19 : 29 - 36'" فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا * قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا * وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا * والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا * ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون * ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون * وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم " وقال : '4 : 172'"لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً " ويشهد المؤمن أيضاً ببطلان قول أعدائه اليهود : أنه ولد بغى ، لعنهم الله تعالى . فلا يصح إسلام أحد علم ما كانوا يقولونه حتى يبرأ من قول الطائفتين جميعاً في عيسى عليه السلام ، ويعتقد ما قاله الله تعالى فيه : أنه عبد الله ورسوله .قوله : (وكلمته) إنما سمى عيسى عليه السلام كلمة لوجوده بقوله تعالى : كن كما قاله السلف من المفسرين . قال الإمام أحمد فى الرد على الجهمية بالكلمة التى ألقاها إلى مريم حين قال له كن فكان عيسى بكن وليس عيسى هو كن ولكن بكن كان . فكن من الله تعالى قول ، وليس كن مخلوقاً ، وكذب النصارى والجهمية على الله فى أمر عيسى انتهى .قوله : (ألقاها إلى مريم) قال ابن كثير : خلقه بالكلمة التى أرسل بها جبريل إلى مريم فنفخ فيها من روحه بأمر ربه عز وجل : فكان عيسى بإذن الله عز وجل ، فهو ناشىء عن الكلمة التي قال له كن فكان والروح التى أرسل بها : هو جبريل عليه السلام .وقوله : (وروح منه) قال أبى بن كعب : عيسى روح من الأرواح التى خلقها الله تعالى واستنطقها بقوله : '7 : 271' "ألست بربكم قالوا بلى" بعثه الله إلى مريم فدخل فيها رواه عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد فى زوائد المسند ، وابن جرير وابن أبى حاتم وغيرهم . قال الحافظ : ووصفه بأنه منه ، فالمعنى أنه كائن منه ، كما فى قوله تعالى'45 : 12'" وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه " فالمعنى أنه كائن منه ، كما أن معنى الأية الأخرى أنه سخر هذه الأشياء كائنة منه أي أنه مكون ذلك وموجده بقدرته وحكمته .قال شيخ الإسلام : المضاف إلى الله تعالى إذا كان معنى لا يقوم بنفسه ولا بغيره من المخلوقات وجب أن يكون صفة لله تعالى قائمة به ، وامتنع أن تكون إضافته إضافة مخلوق مربوب . وإذا كان المضاف عيناً قائمة بنفسها كعيسى وجبريل عليهما السلام وأرواح بني آدم امتنع أن تكون صفة لله تعالى ، لأن ما قام بنفسه لا يكون صفة لغيره .لكن الأعيان المضافة إلى الله تعالى على وجهين :أحدهما : أن تضاف إليه لكونه خلقها وأبدعها ، فهذا شامل لجميع المخلوقات ، كقولهم : سماء الله ، وأرض الله . فجميع المخلوقين عبيد الله ، وجميع المال مال الله .الوجه الثانى : أن يضاف إليه لما خصه به من معنى يحبه ويأمر به ويرضاه ، كما خص البيت العتيق بعبادة فيه لا تكون فى غيره. وكما يقال فى مال الخمس والفىء : هو مال الله ورسوله . ومن هذا الوجه : فعباد الله هم الذين عبدوه وأطاعوا أمره . فهذه إضافة تتضمن ألوهيته وشرعه ودينه ، وتلك إضافة تتضمن ربوبيته وخلقه . ا . هـ ملخصاً .قوله : (والجنة حق والنار حق) أى وشهد أن الجنة التى أخبر بها الله تعالى فى كتابه أنه أعدها للمتقين حق
ردحذفأى ثابتة لا شك فيها ، وشهد أن النار التى أخبر بها تعالى فى كتابه أنه أعدها للكافرين حق كذلك ثابتة ، كما قال تعالى : '57 :1' " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " وقال تعالى : '2 : 24'" فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين " وفى الآيتين ونظائرهما دليل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن ، خلافا للمبتدعة . وفيهما الإيمان بالمعاد .وقوله : (أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) هذه الجملة جواب الشرط وفى رواية : أدخله الله من أى أبواب الجنة الثمانية شاء . قال الحافظ : معنى قوله : على ما كان من العمل أى من صلاح أو فساد ، لأن أهل التوحيد لابد لهم من دخول الجنة ، ويحتمل أن يكون معنى قوله : على ما كان من العمل أن يدخله الجنه على حسب أعمال كل منهم فى الدرجات .قال القاضى عياض : ما ورد فى حديث عبادة يكون مخصوصاً لمن قال ما ذكره صلى الله عليه وسلم وقرن بالشهادتين حقيقة الإيمان والتوحيد الذي ورد في حديثه فيكون له من الأجر ما يرجح على سيئاته ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لأول وهلة . حديث عتبان بن مالك : أن الله حرم على النار(قال : ولهما في حديث عتبان فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) .قوله : (ولهما) أي البخاري ومسلم في صحيحيهما بكماله . وهذا طرف من حديث طويل أخرجه الشيخان .وعتبان بكسر المهملة بعدها مثناة فوقية ثم موحدة ، ابن مالك بن عمرو بن العجلان الأنصاري ، من بنى سالم بن عوف ، صحابي مشهور ، مات فى خلافة معاوية .وأخرج البخاري فى صحيحه بسنده "عن قتادة قال : حدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال : يا معاذ ، قال : لبيك يا رسول الله وسعديك . قال : يا معاذ ، قال لبيك يا رسول الله وسعديك . قال : يا معاذ ، قال : لبيك يا رسول الله وسعديك - ثلاثاً - قال : ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله تعالى على النار ، قال : يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا ؟ قال : إذاً يتكلوا ، فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً "
ردحذفوساق بسند آخر : "حدثنا معتمر قال : سمعت أبي ، قال : سمعت أنساً قال : ذكر لي أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ ابن جبل : من لقى الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة . قال : ألا أبشر الناس ؟ قال : لا ، إنى أخاف أن يتكلوا " .قلت : فتبين بهذا السياق معنى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأنها تتضمن ترك الشرك لمن قالها بصدق ويقين وإخلاص .قال شيخ الإسلام وغيره : فى هذا الحديث ونحوه أنها فيمن قالها ومات عليها ، كما جاءت مقيدة بقوله : خالصاً من قلبه غير شاك فيها بصدق ويقين فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله تعالى جملة ، فمن شهد أن لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة ، لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحاً ، فإذا مات على تلك الحال نال ذلك فإنه قد تواترت الأحاديث بأنه "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله ، وكان فى قلبه من الخير ما يزن شعيرة ، وما يزن خردلة ، وما يزن ذرة" وتواترت بأن كثيراً ممن يقول لا إله إلا الله يدخل النار ثم يخرج منها ، وتواترت بأن الله حرم على النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم ، فهؤلاء كانوا يصلون ويسجدون لله ، وتواترت بأنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله ، ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال ، وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص ، وأكثر من يقولها إنما يقولها تقليداً أو عادة ، ولم تخالط حلاوة الإيمان بشاشة قلبه . وغالب من يفتن عند الموت وفي القبور أمثال هؤلاء ، كما فى الحديث "سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته" وغالب أعمال هؤلاء إنما هى تقليد واقتداء بأمثالهم ، وهم من أقرب الناس من قوله تعالى : '43 : 23' "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون" .وحينئذ فلا منافاة بين الأحاديث ، فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين تام لم يكن فى هذه الحال مصراً على ذنب أصلاً ، فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شئ ، فإذاً لا يبقى فى قلبه إرادة لما حرم الله ، ولا كراهة لما أمر الله . وهذا هو الذي يحرم على النار وإن كانت له ذنوب قبل ذلك ، فإن هذا الإيمان وهذا الإخلاص
ردحذفوهذه التوبة وهذه المحبة وهذا اليقين ، لا تترك له ذنباً إلا محي عنه كما يمحو الليل النهار ، فإذا قالها على وجه الكمال المانع من الشرك الأكبر والأصغر ، فهذا غير مصر على ذنب أصلاً ، فيغفر له ويحرم على النار ، وإن قالها على وجه خلص به من الشرك الأكبر دون الأصغر ، ولم يأت بعدها بما يناقض ذلك ، فهذه الحسنة لا يقاومها شئ من السيئات فيرجح بها ميزان الحسنات ، كما فى حديث البطاقة فيحرم على النار ، ولكن تنقص درجته فى الجنة بقدر ذنوبه ، وهذا بخلاف من رجحت سيئاته بحسناته ومات مصراً على ذلك ، فإنه يستوجب النار . وإن قال لا إله إلا الله وخلص بها من الشرك الأكبر ولكنه لم يمت على ذلك ، بل أتى بعدها بسيئات رجحت على حسنة توحيده ، فإنه فى حال قولها كان مخلصاً لكنه أتى بذنوب أوهنت ذلك التوحيد والإخلاص فأضعفته ، وقويت نار الذنوب حتى أحرقت ذلك بخلاف المخلص المستيقن ، فإن حسناته لا تكون إلا راجحة على سيئاته ولا يكون مصراً على سيئات ، فإن مات على ذلك دخل الجنة .وإنما يخاف على المخلص أن يأتى بسيئة راجحة فيضعف إيمانه فلا يقولها بإخلاص ويقين مانع من جميع السيئات ، ويخشى عليه من الشرك الأكبر والأصغر ، فإن سلم من الأكبر بقي معه من الأصغر فيضيف إلى ذلك سيئات تنضم إلى هذا الشرك فيرجح جانب السيئات فإن السيئات تضعف الإيمان واليقين ، فيضعف قول لا إله إلا الله ، فيمتنع الإخلاص بالقلب ، فيصير المتكلم بها كالهاذى أو النائم ، أو من يحسن صوته بالآية من القرآن من غير ذوق طعم وحلاوة ، فهؤلاء لم يقولوها بكمال الصدق واليقين ، بل يأتون بعدها بسيئات تنقض ذلك بل يقولونها من غير يقين وصدق ويحيون على ذلك ، ويموتون على ذلك ، ولهم سيئات كثيرة تمنعهم من دخول الجنة . فإذا كثرت الذنوب ثقل على اللسان قولها وقسا القلب عن قولها ، وكره العمل الصالح وثقل عليه سماع القرآن ، واستبشر بذكر غير الله ، واطمأن إلى الباطل ، واستحلى الرفث ، ومخالطة أهل الغفلة ، وكره مخالطة أهل الحق ، فمثل هذا إذا قالها قال بلسانه ما ليس فى قلبه ، وبفيه ما لا يصدقه عمله .قال الحسن : ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ، ولكن ما وقر فى القلوب وصدقته الأعمال . فمن قال خيراً وعمل خيراً قبل منه ، ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه .وقال بكر بن عبد الله المزنى : ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولكن بشئ وقر في قلبه .فمن قال : لا إله إلا الله ولم يقم بموجبها بل اكتسب مع ذلك ذنوباً ، وكان صادقاً فى قولها موقناً بها ، لكن له ذنوب أضعفت صدقه ويقينه
ردحذفالرد على صوفية = الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
ردحذفأما بعد: . فان من أعظم ما نكب به المسلمون البدع والضلالات ألتي انتشرت فيهم من قرون فلم يسلم منها إلا من حفظه الله وسلمه ممن اعتصم بكتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه سلم وما كان عليه السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان
ومن شر أنواع البدع والضلال ألتي استفحل شرها وامتد ضررها وجثمت على صدر الأمة وعلى عقول كثرة ساحقة منها بدع الصوفية والتصوف وما حوته من خرافات وانتشرت بسببها عبادة القبور والغلو في الأولياء والاستغاثة والاستنجاد بهم واعتقاد أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون وضلالات كبرى لا تحصى فكان لهذه الطوام الصوفية الآثار المدمرة في حياة الأمة مما جعل الكثير منها غثاء كغثاء السيل سهل لأمم الكفر التداعي عليها كما تداعى الأكلة على قصعتها.
ومع كل هذا التدمير الذي جلبه على الأمة الصوفية والتصوف بالإضافة إلى الرفض وغيره من البدع تجد من يدافع عن التصوف والصوفية والرفض والروافض وسائر البدع وأهلها.
وممن انبرى للدفاع عن الصوفية والتصوف فادعى أن التصوف الصحيح عين التوحيد وأن الصوفية من أهل السنة والجماعة الدكتور عبد العزيز قاريء المدرس سابقا مع الأسف في قلعة التوحيد والسنة الجامعة الإسلامية، وارتكب من المغالطات بهذا الصدد مالا يجوز السكوت عليه بل يجب كشف هذه المغالطات وبيان حقيقة الصوفية والتصوف، وتابع القاري في مغالطاته بعض الصوفية فلم يحرك ساكنا تجاه أباطيلهم بل ذهب يؤكد باطلة وباطلهم
فقمت تجاه هذا الباطل بجهد المقل نصرة لدين الله الحق وذبا عنه في عدد من المقالات وبينت آن التصوف الصحيح إنما هو وساوس وخطرات وجهالات وتعذيب للنفس وتجويع لها وصيام غير مشروع على طريقة رهبان النصارى، فكيف يكون هذا هو عين التوحيد؟
ردحذفثم عن لي جمع هذه المقالات في كتاب واحد ثم نشرها ليسهم في دحض الباطل وفي التمييز بين الحق والباطل، والضلال والهدى، وسميته "كشف زيف التصوف وبيان حقيقته وحال حملته" حوار مع الدكتور القاري وأنصاره ".
أسأل الله أن ينفع به الإسلام والمسلمين وأن يبدد به ظلمات الباطل إن ربي لسميع الدعاء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله صحبه ومن أتبع هداه آمآ بعد:
فقد اطلعت على مقال نشر في ملحق جريدة المدينة المسمى ب "الرسالة" للدكتور / عبد العزيز قاري، بتاريخ الجمعة 20 ربيع الأول عام 1426 ه، الموافق 29 إبريل 2005 م، تحت عنوان: د / عبد العزيز قاري الصوفية
مذهب من مذاهب أهل السنة والجماعة والتصوف الصحيح عين التوحيد
ردحذفقال المحرر ياسر عامر:
"اعتبر إمام مسجد قباء السابق بالمدينة المنورة وأستاذ علم الحديث الشيخ عبد العزيز قاري أن الصوفية مذهب من مذاهب أهل السنة والجماعة، ودعا عقلاء الصوفية والجيل الجديد منهم إلى نهج التصحيح لا التبرير".
- أقول: 1- أنا كنت أحد أعضاء هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية المدرسين في كلية الحديث ورئيس قسم السنة سابقا في هذه الجامعة وما علمت أن الدكتور عبد العزيز قاري كان أستاذ علم الحديث وما أظنه يدعي هذا ولعل هذا خطأ من المحرر.
2- إن مذهب أهل السنة والجماعة مذهب واحد فقط لا مذاهب، فأهل السنة والجماعة يقال لهم: أهل السنة والجماعة، ويقال: لهم أهل الحديث، ويقال لهم: السلفيون أو أتباع مذهب السلف، ولا يدخل فيهم الصوفية لا سابقا ولا لاحقا
وقد حمل أئمة الإسلام حديث الطائفة المنصورة وحديث الفرقة الناجية على أهل الحديث وعلمائهم لا على الصوفية ولا على غيرها، ولا سيما بعد تشعب الصوفية إلى فرق كثيرة جدا كلها قائمة على عقائد ضالة ومناهج خرافية تصادم الكتاب والسنة وما عليه أهل السنة والجماعة.
ومن عقائدها: الحلول، ووحدة الوجود، وتقديس الأولياء، واعتقاد أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون، وأن فيهم أقطابا وأوتادا، ويدعون هؤلاء ويستغيثون بهم في الشدائد من دون الله، وأفضلهم من يقرر هذه الأفعال الخطيرة ولا ينكرها، والخصومة بينهم وبين أهل السنة قديمة ومستمرة إلى يومنا هذا فكيف يقال: إنهم من أهل السنة والجماعة؟!
3- قوله: "ودعا عقلاء الصوفية إلى التصحيح لا التبرير".
أقول: . أ - هذا كلام مجمل لا يستفيد منه أحد لا صوفية ولا غيرهم، فمن النصيحة لهم آن يبين لهم القاري الجوانب ألتي تحتاج للالى التصحيح بيانا واضحا
ب - إن دعوتهم إلى التصحيح تدل أنهم شيء آخر غير أهل السنة.
ج - إن هذه الطريق غير طريق الأنبياء والمصلحين فإنهم ما كانوا يدعون الكافرين والمنحرفين إلى أن يصححوا ما عندهم من الضلال بأنفسهم وإنما يأتي التصحيح من الله ويبلغ ذلك الأنبياء ثم وراثهم.
قد صحح علماء أهل السنة والجماعة كل ما فسد من دين الصوفية عقيدة وعبادة ومنهجا، لأنهم يدركون أنهم لا رغبة لهم في التصحيح ولا قدرة لغلبة الجهل عليهم ولبعدهم وبعد عقائدهم ومناهجهم عن الكتاب والسنة ومذهب أهل السنة والجماعة، فلم يقبلوا هذا التصحيح بل حاربوا أهل السنة الذين صححوا ونصحوا لهم، فهل بعد كل هذا سيسارعون إلى التصحيح الذي دعاهم إليه القاري؟!.
ردحذفوأنا أطلب من القاري - إن كان يعتقد فيهم أنهم سيسرعون إلى تنفيذ نصيحته - آن يساعدهم بمآ يعينهم ويشجعهم على التصحيح الذى يرضي الله ويدخلهم في عداد أهل السنة والجماعة
ونرجوا آن يتحقق ما يصبو إليه القاري بل يصبو إليه أهل السنة والجماعة، ونرجو مرة أخرى أن يدخل القاري في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم".
4- قال المحرر: "وقال فضيلته في كلمته التي ألقاها في منتدى بجدة وحضرتها (الرسالة): إن أكثر من كتب في التصوف ارتكز على روايات المتأخرين من أحوال الزهاد والعباد، كإبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض، ولم يرتكز على روايات القرون الأولى المفضلة
اكد فضيلته على ضرورة ربط التصوف بالرعيل الأول من السلف، والسلف في نظر الشيخ القاري هم الصحابة ".
ردحذف- أقول: . إن إبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض يعدان من أهل القرون المفضلة فكلاهما من طبقة متوسطي أتباع التابعين، وهما ليسا من الصوفية، وانما هما من أهل الدين والورع والزهد المشروع
ويفيد كلام القاري آن أكثر مؤلفات الصوفية ارتكزت على روايات أناس جاءوا بعد القرون المفضلة، وإن الواقع ليؤكد ذلك، وهذا يدل على انفصام منهج الصوفية وعقيدتهم عن عقيدة ومنهج السلف الصالح: القرون المفضلة التي شهد لها رسول الله بأنها خير القرون "ثم يأتي بعدها قوم يشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويكثر فيهم السمن
آمآ أهل السنة والجماعة أهل الحديث فهم امتداد للقرون المفضلة عقيدة ومنهجا "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي وعد الله تبارك وتعالى ".
وبداية الصوفية وإن كان في عهد الحسن البصري وابن سيرين -رحمهما الله- اللذين أنكراها عليهم.
بداية كتابات الصوفية -فيما أعلم - هي كتابات الحارث بن أسد المحاسبي أحد تلاميذ يزيد بن هارون الذي يعد في أتباع التابعين آخر القرون المفضلة، وكان الحارث من المعاصرين للإمام أحمد وإخوانه من أئمة الحديث والسنة. ألف الحارث كتبا للصوفية فأنكرها أهل السنة ومنهم الإمام الحافظ أبو زرعة، قال الحافظ الذهبي: (قال الحافظ سعيد بن عمرو البردعي: شهدت أبا زرعة وقد سئل عن الحارث المحاسبي وكتبه فقال للسائل: إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات عليك بالأثر فإنك تجهد فيه ما يغنيك قيل له في هذه الكتب عبرة فقال من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة بلغكم أن سفيان ومالكا والأوزاعي صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس ما أسرع الناس إلى البدع مات الحارث سنة ثلاث وأربعين ومائتين وأين مثل الحارث فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين ك (القوت) لأبي طالب وأين مثل القوت كيف لو رأى بهجة الأسرار لابن جهضم، وحقائق التفسير للسلمي لطار لبه كيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسي في ذلك على كثرة ما في الإحياء من الموضوعات كيف لو رأى الغنية للشيخ عبد القادر كيف لو رأى فصوص الحكم والفتوحات المكية بلى لما كان الحارث لسان القوم في ذاك العصر كان معاصره ألف إمام في الحديث فيهم مثل أحمد بن حنبل وابن راهويه ولما صار أئمة الحديث مثل ابن الدخميسي وابن شحانة كان قطب العارفين كصاحب الفصوص وابن سفيان(1)نسأل الله العفو والمسامحة آمين) ميزان الاعتدال في نقد الرجال (2/166). وقال ابن الجوزي وبالإسناد إلى أبي يعقوب إسحاق بن حية قال: "قال: سمعت أحمد بن حنبل وقد سئل عن الوساوس والخطرات فقال: ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون، وقد روينا في أول كتابنا هذا عن ذي النون نحو هذا.
وروينا عن أحمد بن حنبل أنه سمع كلام الحارث المحاسبي، فقال لصاحب له لا أرى لك أن تجالسهم، وقال ابن الجوزي: وقد ذكر الخلال في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال: حذروا من الحارث أشد التحذير، الحارث أصل البلية يعني في حوادث كلام جهم، ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إلى رأي جهم ما زال مأوى أصحاب الكلام حارث بمنزلة الأسد المرابط ينظر أي يوم يثب على الناس، تلبيس إبليس (ص 151).
ردحذفثم نقل ما ذكره الذهبي عن أبي زرعة قوله عن كتب الحارث إنها كتب بدع وضلالات .. إلخ "، تلبس إبليس (ص / 150).
فهذا هو موقف أئمة الإسلام الناصحين من التصوف وأهله إدانة لمؤلفاتهم وتحذير من ضلالاتهم وشطحاتهم.
وأما إلحاح القاري على ربط الصوفية بالسلف الصالح ولا سيما الصحابة؛ فهذا الربط يجب أن يكون شاملا لكل الفرق المنتمية إلى الإسلام بما فيها الأحزاب السياسية التي تتهاون في أمر الصوفية والروافض وغيرهم، ويجب على كل عالم ناصح وغيور أن يسعى جادا في إرجاع المنحرفين عن صراط الله المستقيم والمتبعين لغير سبيل المؤمنين إلى الكتاب والسنة وما كان . عليه السلف الصالح
5- قال المحرر: (وطالب الشيخ القاري في محاضرته التي كانت بعنوان: "التصوف الصحيح هو عين التوحيد"، بأنه ينبغي عند النظر في شئون التصوف والمتصوفة التطرق إلى جانبين: الإنصاف من جهتنا، والتصحيح من جهتهم
واعتبر آن الإنصاف هو من منهج أهل السنة والجماعة، قائلا: لا بد من إنصاف مذهب التصوف بين صحيحه وسقيمه، فالتصوف في جذوره كان صحيحا، وهذا من كلام أهل السنة والجماعة، كشيخ الإسلام الإمام ابن تيمية، وهو مدرسة كبرى في حياة المسلمين لا يمكن إلغاؤها بجرة قلم
وفي الجهة المقابلة طالب الشيخ القاري بضرورة الإصلاح، وذلك بتنقية ممارسات المتصوفة الحاصلة اليوم قائلا: "ممارسات أكثر المسلمين في العالم الإسلامي اليوم من التصوف تجدهم يمارسون ممارسات لا تمت إلى الصوفية الأولى -الرعيل الأول- فالتصوف في أصله التعلق الكامل بالخالق وقطع العلائق"
وأضاف أن أخطر ما شوه التصوف هو دخول الفلسفة عليه).
- أقول: 1- من سبقك من أئمة السنة إلى القول: بأن التصوف هو عين التوحيد، وحتى لو قالها أحد لرده واقع التصوف وعقائده ومناهجه، ولرده جهود أئمة الإسلام وأقوالهم في إدانته بالانحراف منذ ذر قرنه، ولو كان هو عين التوحيد، فكيف يحاربه أئمة الإسلا
مطالبتك من ينظر في شئون التصوف بالإنصاف، فهل ترى أيها الرجل أنك أتقى وأورع من أئمة الإسلام والسنة وعلى رأسهم الإمام أحمد، وأبو زرعة، والشافعي، وابن الجوزي، وابن تيمية، والذهبي ، وابن القيم، وابن عبد الهادي وابن عبد الوهاب، والشوكاني، والصنعاني، وأئمة الدعوة السلفية، وغيرهم وأنهم قد ظلموا الصوفية وعلى رأسهم الحلاج، وابن عربي، وابن سبعين، والشعراني، والنبهاني، ودحلان، وطوائفهم كالرفاعية وكالتيجانية، والمرغنية، والنقشبندية، والسهروردية، والجشتية ؟!
ردحذففقولك: الإنصاف من جهتنا، أظن أن أهل السنة لا يوافقونك على هذا الاعتراف الضمني بأنهم قد ظلموا الصوفية، بل يجب أن يقال: إن الصوفية قد ظلموا الإسلام والمسلمين بنشر تصوفهم الذي من ثماره وآثاره ما يراه الناس من آلاف المشاهد في بلدان المسلمين وحتى في المساجد تدعى من دون الله ويستغاث بهم في الشدائد وتشد إليها الرحال، ويقام لها الاحتفالات والموالد، ويقدم لها النذور والذبائح والأموال الطائلة التي لا تسخى نفوس كثير من مقدميها أن يقدموها لله وفي سبيله.
أترى أن أهل السنة لم ينصفوهم وهذا حالهم؟ بل لا يعرف الناس عنهم إلا أنهم يضعون السدود والحواجز بين الناس وبين الحق والنور الذي يقدمه لهم علماء السنة الناصحون من كتاب الله ومن سنة رسول الله ومن هدي السلف الصالح. لماذا تريد أن يتعب أهل السنة في التفريق بين صحيح التصوف وسقيمه ؟
فهل آلزم الله تعالى الرسول صوأصحابه أن يذهبوا إلى التوراة والإنجيل وقد بدلت نصوصهما مع أن جذورهما صحيحة بل وحي من الله فهل ألزمهم بأن يقوموا بالتمييز بين الحق والباطل ؟! أو أن الله تبارك وتعالى بين ما عندهم من الضلال وكفى المؤمنين هذا التمييز.لقد جرى أهل السنة في نقد الفرق ومنها الصوفية على طريقة الكتاب والسنة في بيان الباطل ليحذره الناس، ولم يقولوا إن ما عندكم من حق فهو باطل حتى يقال إنهم قد ظلموهم.
ردحذفولهم الحق أن يحذروا من التصوف والرفض والتجهم والاعتزال وسائر أنواع الضلال وإن كان يوجد عندهم شيء من الحق، لكن هذا الحق قد غمس بالباطل، ومعظم الناس لا يستطيع التمييز بين الحق والباطل، فمن الإنصاف للمسلمين ومن الحكمة والنصح أن يحذر من التصوف والصوفية والرفض والروافض، لأن سلامة الناس ونجاتهم لا تتحقق إلا بهذا الأسلوب.
أرأيت كيف حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من البدع وسماها شر الأمور؟!
أرأيت كيف ذم رسول الله ص الخوارج ووصفهم بأنهم شر الخلق والخليقة، وقال: "اقتلوهم حيث وجدتموهم فإن لمن قتلهم أجرا عند الله"، مع أن عندهم من العبادة ما يجعل الصحابة -رضوان الله عليهم- يحقرون قراءتهم عند قراءتهم وصلاتهم عند صلاتهم، فهل كلف رسول الله الصحابة أن يذهبوا ليميزوا بين حق الخوارج وباطله حنى يكونوا منصفين؟!.إن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وأئمة الإسلام أتقى الناس لله وأخشاهم له وأشدهم ورعا وإنصافا ونصحا، ومن إنصافهم للناس ونصحهم لهم أن حذروهم من بدع الخوارج والروافض والتصوف وسائر البدع وأهلها.
وقولك: (الإنصاف هو منهج أهل السنة والجماعة).
أقول: هذا حق ، وقد ميزهم الله بذلك، ومنهجهم في نقد الصوفية هو الحق والمنهج الذي ترى أنه هو الإنصاف، لا أصل له في شريعة الإسلام، ولو كان من الإسلام لسبقونا إليه.
وما نسبته إلى أهل السنة ومنهم ابن تيمية من أن التصوف في جذوره كانت صحيحة؛ أرى أنه لا أساس له، وما رأينا منهم إلا النقد لجذوره وفروعه، وقد سبق تحذير أبي زرعة وكلام الذهبي المتضمن لمغايرة أهل السنة للصوفية ومنابذتهم لهم من عهد أحمد ومن معه والمحاسبي ومن معه، فإن قلت: أنا أقصد المعاصرين، فنقول: بين اختلاف المنهجين والظلم الذي ترتب على مخالفة المعاصرين من أهل السنة لمنهج أسلافهم، وإلا فليعلم الناس أنك تتكلم بغير علم وبغير حجج.
وله: (وهو مدرسة كبرى في حياة المسلمين لا يمكن إلغاؤها بجرة قلم)
ردحذف؟ لا أدري أهذا وصف لشيخ الإسلام أم للتصوف . واذا كان وصفا للتصوف فمن قال من أهل السنة إنه يمكن إلغاؤه بجرة قلم، وكيف يقولون هذا وهم يعلمون ويدركون جهود أئمة الإسلام من فجر تاريخ التصوف إلى اليوم لم تلغه، بل لعناد أساطين الصوفية ما يزداد على مر الأيام والقرون إلا انتشارا وتضخما والعياذ بالله، والله يقول لرسوله: (إن عليك إلا البلاغ) (الشورى: من الآية 48)، ويقول تعالى لرسوله: (فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر) (الغاشية: 21-22)، ويقول :( ليس عليك هداهم) (البقرة: من الآية 272)، ومع ذلك فرسول الله مكلف بالتبليغ والجهاد. وأهل السنة ما عليهم إلا الدعوة والبلاغ والصبر على الأذى، ولا يجوزلهم السكوت عن باطل الصوفية ولا عن باطل غيرهم لأن الله تعالى يقول: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) (البقرة: 159).
وقوله: (وممارسات أكثر المسلمين في العالم الإسلامي اليوم من التصوف تجدهم يمارسون ممارسات لا تمت إلى الصوفية الأولى -الرعيل الأول- فالتصوف في أصله التعلق الكامل بالخالق وقطع العلائق).
- أقول: في هذا الكلام حذر شديد من جرح مشاعر الصوفية وإيهام في الكلام لا يظهر منه فداحة ما عند الصوفية من البعد السحيق عما كان عليه السلف من تحقيق التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل جوانب الإسلام ومحاربة مظاهر الشرك ووسائله كلها.
وفي هذا الكلام إيهام الناس أن الرعيل الأول وهم الصحابة الكرام كانوا صوفية أعاذهم الله وأعاذ أتباعهم بحق من التصوف، وهذا باطل قطعا، وأنكر ابن الجوزي على أبي نعيم عده بعض الصحابة من الصوفية حيث قال: وجاء أبو نعيم الأصبهاني فصنف لهم كتاب الحلية وذكر في حدود التصوف أشياء منكرة قبيحة ولم يستح أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وسادات الصحابة رضي الله عنهم فذكر عنهم فيه العجب وذكر منهم شريحا القاضي والحسن البصري وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل، وكذلك ذكر السلمي في طبقات الصوفية الفضيل وابراهيم بن أدهم ومعروفا الكرخي وجعلهم من الصوفية بأن أشار إلى أنهم من الزهاد فالتصوف مذهب معروف يزيد على الزهد ويدل على الفرق بينهما أن الزهد لم يذمه أحد وقد ذموا التصوف على ما ذكره سيأتي). [تلبيس إبليس: ص / 148]. ولقد حارب أئمة الإسلام التصوف وأهله وكتبه من أول ظهوره كما أسلفنا ذلك في هذا المقال.
وقال الشافعي: إذا دخل الرجل في التصوف أول النهار لا يأتي الليل إلا وقد ذهب عقله، أو كما قال.
فيه: إيهام أن صوفية اليوم فقط هي التي خالفت الرعيل الأول، ويفيدنا هذا الكلام براءة صوفية ما قبل اليوم من هذه المخالفة.
ردحذفوهذا فيه ما ينافي العهد الذي أخذه الله على أهل العلم وهو البيان، قال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) (آل عمران: من الآية 187)، والرسول يقول: " الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قال الصحابة: لمن، قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم