الاثنين، 1 أبريل 2019

الشعب يريد جمهورية جديدة وليس نظاما جديد بوجوه قديمة


لا نريد أن تنطبق علينا عبارة : ( مات الملك عاش الملك ) ، هذا المثل الذي يعود إلى فرنسا ،  والقصد منه عدم ترك فراغ في منصب الملك أو الرئيس أو السلطة الحاكمة ، وجاء المثال بسبب الحروب التي كانت تحدث بكثرة في الزمن القديم  بأوروبا ، وحتى لا يحدث فراغ في الحكم كانت العائلات الحاكمة في ذلك الوقت تسارع إلى تنصيب الملك الجديد ، حتى لا تؤدي إطالت الفراغ إلى حدوث فتنة بين الأسرة المالكة ، يستغلها غيرهم من أعداء الأسرة والوطن ، وطبقت هذه المقولة في دول أخرى منها إنجلترا في ذلك الوقت ، مع أن للعبارة دلالات إيجابية ودلالات سلبية ، فدلالاتها الإيجابية ، تكمن في عدم ترك الفراغ في الدولة بتعيين أو انتخاب حاكم جديد ، ودلالاتها السلبية في تثبت أفراد السلطة الحاكمة بالسلطة حافظا على مصالحهم ومصالح عائلاتهم الشخصية ، ويشبه هذا المثال في العصر الحاضر التصفيق الذي نلاحظه من البعض لكل من تولى الحكم ، ثم الانقلاب عليه بعد نهاية حكمه والتصفيق لمن تولى مكانه ، ليس حبا في الشخص ولا حبا للوطن ، و لكنهم يفعلون ذلك حفاظا على مصالحهم الشخصية ، فهؤلاء  لا يعطون ولائهم للشخص و لا الوطن ؛ وإنما يعطون ولائهم للمناصب ، وهذا ما تأكد في الجزائر من خلال الحراك الشعبي الذي انطلق في بداية الأسبوع الأخير من شهر فيفري الفارط في الجزائر ، فأضحى المؤيدين السابقين ينفضون عن الرئيس بوتفليقة وينقلبون عليها ويحملونها مسؤولية ما وقع مع إنهم هم شركاؤه الذين كانوا سببا في ذلك ، فأصبح الكل يطالب بالتغيير مرجعين اللوم على الرئيس ، مع أن المشكل ليس في الرئيس ولا منصب الرئيس ، وإنما المشكل في بعض الأشخاص من خلال أفكارهم  وذهنياتهم  سواء كانوا من  الموالاة أو المعارضة أو من عامة الشعب ، إذ أن طبيعة الصراع القائم منذ استقلال بلادنا إلى يومنا هذا ؛ قائم بين النظام الحاكم والشعب ، والنظام الحاكم هو المستهدف بالتغيير من خلال الحراك الشعبي ، وهو سبب ما وصلت إليه اليوم  حالت البلاد من انسداد ، بالإضافة إلى عدم الثقة بين الحاكم والمحكوم ، وحتى بين فئة من المعارضة والشعب  ، ما أدى إلى طلب التغيير الجذري للنظام من طرف الشعب ، بإبعاد رموز النظام الحالي ورحيل كل الوجوه السابقة منه ، التي يرى أغلب الشعب أنها عاثت في البلاد فسادا وخاصة في السنوات الأخيرة ، فتعيين هيئة رئاسية أو انتخاب رئيس جديد ليس هو الحل ؛  لأن تعيين هيئة رئاسية أو انتخاب رئيس جديد من رموز النظام الحالي ، قد يتركنا في مقولة ( عاش الملك مات الملك ) ، وهذا ما جعل ثقف المطالبة للمنادين بالتغيير يرتفع من رفض العهدة الخامسة إلى رفض التمديد ثم المطالبة برحيل كل السلطة القائمة ، لذلك أصبح من الضروري على الفاعلين والمخلصين للوطن من داخل هذه السلطة تسليم السلطة للشعب بطريقة حضارية تخدم الوطن والشعب وتحافظ على أركان وأسس الدولة الجزائرية ، وعلى ضوء ما نشاهد ونسمع من أراء من خلال المتدخلين في القنوات التلفزيونية والإذاعية ، هل يمكن أن تكون انتخابات حرة ونزيهة وشفافة تديرها الإدارة القائمة  ، أن تأتي برئيس جديد يخدم الشعب والوطن قبل أن يخدم مصالحه ومصالح زمرته ؟  أغلب الظن لدى المتتبعين أنه قد لا يكون ذلك ، فكم من رئيس انتخب بعد حركات شعبية في دول مسها الحراك قبل الجزائر ، ثم أصبح دكتاتورا أو انقلبت عليه بقايا النظام السابق له ، فلا يمكننا أن نتصور قيام نظام جديدا إلا من خلال مجلس تأسيسي ، يختاره الشعب بالانتخاب ، يقوم بعد انتخابه ببناء مؤسسات جديدة بقوانين جديدة تكفل العدل والعدالة الاجتماعية بين جميع أفراد المجتمع ،  وإن اقتراح بعض الشخصيات من بعض الأطراف ، واعتبار الحل  فيهم دون غيرهم من أبناء الشعب قد يكون إجحافا في حق آخرين أفضل منهم ، أو أن الجزائر لم تلد أفضل منهم ، كما كان البعض يصورون الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للمجتمع الجزائري ، وقد يكون في هذا التوجيه خدعة سياسية ، ينطبق عليها في الأخير،  المثل الذي يقول : ( جاء يسعى ، ضيع تسعه ) ، إن التغيير المنشود يجب أن يشمل النظام من جذوره ، كما يجب أن يشمل الأحزاب المغضوب عليها من مناضليها من جذورها وليس رأسها فقط ، فلا ننزع فلان لنجعل مكانها علان ، فيكون علان أشد علينا من فلان ، لقد أنكشف الغطاء وأصبح العام والخاص والصغير والكبير ، يعرف جوهر القضية ، فالشعب جميعه بعد معرفته بجوهر القضية ، يطالب برحيل الجميع وبالتغيير الجذري ، ( يعني ترحلو قاع ) ، هذه المقولة التي تعتبر من أكثر الشعارات تداولا في المظاهرات السليمة منذ 22 فيفري ، يعرفها الناس في الداخل والخارج ، رغم أن الشعب الجزائري لا يعير اهتماما للخارج ، لأنه يرى أن القضية أمرا داخليا ولا يريد من أي جهة أن تتدخل فيه مهما كانت صفتها ، والحل يتم بين الجزائريين وفي الجزائر.
ورغم كل هذا الحراك  لا يزال البعض ممن بيدهم سلطة القرار ومن غيرهم  ، يغلقون أعينهم ويصمون أذانهم لما يطلبه الشعب ، وخاصة شباب الحراك ، ويريدون أن يخرجوا بعض المتقاعدين من بيوتهم وثباتهم ليحكموا الشعب ، مع أن الأغلبية تطالب بالتشبيب ، والشعب قد تفطن للمخادعين السياسيين ، مع أن البعض يرى في الشباب أنهم قصر ولا يستطيعون تحمل المسؤولية ، لكن نظرتهم هذه بعيدة كل البعد لما يحمله الشباب من وعي يمكن له من خلاله خدمة وطنه بكل تفاني وجد ونشاط ، ويرى أغلب الشباب أن مقترح الجيش الذي يعتبر حامي الوطن من كل الأخطار ، تطبيق المواد 07 و08 و102 ، بصدق وشفافية ، مع ذهاب رموز السلطة الحالية والوجوه التي شاركت في السلطة من قبل ، هو الحل الحقيقي للخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد ،  ويتصورون ذلك في مجلس تأسيسي ورئاسي يتفق عليه كل الجزائريين المشاركين والمساندين للحراك الشعبي وحتى من الأخيار المخلصين من أحزاب  الموالاة ، حتى لا يكون هناك إقصاء ، ماعد الذي عاثوا في البلاد فسادا ، وإقامة مؤسسات جديدة بقوانين جديدة ، وتنظيم انتخابات تشرف عليها لجنة مستقلة ولا تتدخل فيها الإدارات القائمة على مستوى الولايات والدوائر والبلديات  بأي شكل من الأشكال وهي التي تعلن نتائج الانتخابات بشفافية ونزاهة ، دون أي تدخل لوزارة الداخلية إلا لإعلامها بالأرقام والنتائج على سبيل الإطلاع والتدوين وتثبيت القرارات المخولة لها قانونا ، أما فيما يخص المحاسبة فيرى البعض أن هذا ليس وقتها ، ولتكن في المستقبل مع منع أي شخص من المتسببين في الفساد من مغادرة البلاد ، وأن الكلمة الأولى والأخيرة في هذا للشعب من خلال مؤسساته ، والذين يمكنه أن يعفو عن المفسدين بشروط من بينها الالتزام كتابيا بإرجاع أموالهم المودع في الخارج واستثمارها في مشاريع داخل الوطن بغرض القضاء على البطالة وإيجاد حلول للسكن ، وتنمية وازدهار الجزائر عامة ، وباختصار شديد الشعب يريدها جمهورية جزائرية عصرية حسب ما جاء في مبادئ بيان ثورة أول نوفمبر 1954 ، يكون فيها والولاء للوطن والمصلحة العامة ، ولامتياز فيها لأحد على أخر مهما كانت صفته ومهما كانت رتبة مسؤوليته ،  يقف فيها الحاكم والمحكوم إمام قضاء مستقل ، يأخذ فيها العدل الحق من الظالم للمظلوم ولو كان رئيس الجمهورية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق