لا نريد أن تنطبق علينا عبارة : (
مات الملك عاش الملك ) ، هذا المثل الذي يعود إلى فرنسا ، والقصد منه عدم ترك فراغ في منصب الملك أو
الرئيس أو السلطة الحاكمة ، وجاء المثال بسبب الحروب التي كانت تحدث بكثرة في
الزمن القديم بأوروبا ، وحتى لا يحدث فراغ
في الحكم كانت العائلات الحاكمة في ذلك الوقت تسارع إلى تنصيب الملك الجديد ، حتى
لا تؤدي إطالت الفراغ إلى حدوث فتنة بين الأسرة المالكة ، يستغلها غيرهم من أعداء
الأسرة والوطن ، وطبقت هذه المقولة في دول أخرى منها إنجلترا في ذلك الوقت ، مع أن
للعبارة دلالات إيجابية ودلالات سلبية ، فدلالاتها الإيجابية ، تكمن في عدم ترك
الفراغ في الدولة بتعيين أو انتخاب حاكم جديد ، ودلالاتها السلبية في تثبت أفراد السلطة
الحاكمة بالسلطة حافظا على مصالحهم ومصالح عائلاتهم الشخصية ، ويشبه هذا المثال في
العصر الحاضر التصفيق الذي نلاحظه من البعض لكل من تولى الحكم ، ثم الانقلاب عليه
بعد نهاية حكمه والتصفيق لمن تولى مكانه ، ليس حبا في الشخص ولا حبا للوطن ، و
لكنهم يفعلون ذلك حفاظا على مصالحهم الشخصية ، فهؤلاء لا يعطون ولائهم للشخص و لا الوطن ؛ وإنما
يعطون ولائهم للمناصب ، وهذا ما تأكد في الجزائر من خلال الحراك الشعبي الذي انطلق
في بداية الأسبوع الأخير من شهر فيفري الفارط في الجزائر ، فأضحى المؤيدين
السابقين ينفضون عن الرئيس بوتفليقة وينقلبون عليها ويحملونها مسؤولية ما وقع مع
إنهم هم شركاؤه الذين كانوا سببا في ذلك ، فأصبح الكل يطالب بالتغيير مرجعين اللوم
على الرئيس ، مع أن المشكل ليس في الرئيس ولا منصب الرئيس ، وإنما المشكل في بعض الأشخاص
من خلال أفكارهم وذهنياتهم سواء كانوا من الموالاة أو المعارضة أو من عامة الشعب ، إذ أن
طبيعة الصراع القائم منذ استقلال بلادنا إلى يومنا هذا ؛ قائم بين النظام الحاكم والشعب
، والنظام الحاكم هو المستهدف بالتغيير من خلال الحراك الشعبي ، وهو سبب ما وصلت إليه
اليوم حالت البلاد من انسداد ، بالإضافة
إلى عدم الثقة بين الحاكم والمحكوم ، وحتى بين فئة من المعارضة والشعب ، ما أدى إلى طلب التغيير الجذري للنظام من طرف
الشعب ، بإبعاد رموز النظام الحالي ورحيل كل الوجوه السابقة منه ، التي يرى أغلب
الشعب أنها عاثت في البلاد فسادا وخاصة في السنوات الأخيرة ، فتعيين هيئة رئاسية
أو انتخاب رئيس جديد ليس هو الحل ؛ لأن تعيين
هيئة رئاسية أو انتخاب رئيس جديد من رموز النظام الحالي ، قد يتركنا في مقولة (
عاش الملك مات الملك ) ، وهذا ما جعل ثقف المطالبة للمنادين بالتغيير يرتفع من رفض
العهدة الخامسة إلى رفض التمديد ثم المطالبة برحيل كل السلطة القائمة ، لذلك أصبح
من الضروري على الفاعلين والمخلصين للوطن من داخل هذه السلطة تسليم السلطة للشعب
بطريقة حضارية تخدم الوطن والشعب وتحافظ على أركان وأسس الدولة الجزائرية ، وعلى
ضوء ما نشاهد ونسمع من أراء من خلال المتدخلين في القنوات التلفزيونية والإذاعية ،
هل يمكن أن تكون انتخابات حرة ونزيهة وشفافة تديرها الإدارة القائمة ، أن تأتي برئيس جديد يخدم الشعب والوطن قبل أن
يخدم مصالحه ومصالح زمرته ؟ أغلب الظن لدى
المتتبعين أنه قد لا يكون ذلك ، فكم من رئيس انتخب بعد حركات شعبية في دول مسها
الحراك قبل الجزائر ، ثم أصبح دكتاتورا أو انقلبت عليه بقايا النظام السابق له ،
فلا يمكننا أن نتصور قيام نظام جديدا إلا من خلال مجلس تأسيسي ، يختاره الشعب
بالانتخاب ، يقوم بعد انتخابه ببناء مؤسسات جديدة بقوانين جديدة تكفل العدل
والعدالة الاجتماعية بين جميع أفراد المجتمع ،
وإن اقتراح بعض الشخصيات من بعض الأطراف ، واعتبار الحل فيهم دون غيرهم من أبناء الشعب قد يكون إجحافا
في حق آخرين أفضل منهم ، أو أن الجزائر لم تلد أفضل منهم ، كما كان البعض يصورون
الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للمجتمع الجزائري ، وقد يكون في هذا التوجيه خدعة
سياسية ، ينطبق عليها في الأخير، المثل
الذي يقول : ( جاء يسعى ، ضيع تسعه ) ، إن التغيير المنشود يجب أن يشمل النظام من
جذوره ، كما يجب أن يشمل الأحزاب المغضوب عليها من مناضليها من جذورها وليس رأسها
فقط ، فلا ننزع فلان لنجعل مكانها علان ، فيكون علان أشد علينا من فلان ، لقد
أنكشف الغطاء وأصبح العام والخاص والصغير والكبير ، يعرف جوهر القضية ، فالشعب
جميعه بعد معرفته بجوهر القضية ، يطالب برحيل الجميع وبالتغيير الجذري ، ( يعني
ترحلو قاع ) ، هذه المقولة التي تعتبر من أكثر الشعارات تداولا في المظاهرات
السليمة منذ 22 فيفري ، يعرفها الناس في الداخل والخارج ، رغم أن الشعب الجزائري
لا يعير اهتماما للخارج ، لأنه يرى أن القضية أمرا داخليا ولا يريد من أي جهة أن
تتدخل فيه مهما كانت صفتها ، والحل يتم بين الجزائريين وفي الجزائر.
ورغم كل هذا الحراك لا يزال البعض ممن بيدهم سلطة القرار ومن
غيرهم ، يغلقون أعينهم ويصمون أذانهم لما
يطلبه الشعب ، وخاصة شباب الحراك ، ويريدون أن يخرجوا بعض المتقاعدين من بيوتهم
وثباتهم ليحكموا الشعب ، مع أن الأغلبية تطالب بالتشبيب ، والشعب قد تفطن
للمخادعين السياسيين ، مع أن البعض يرى في الشباب أنهم قصر ولا يستطيعون تحمل
المسؤولية ، لكن نظرتهم هذه بعيدة كل البعد لما يحمله الشباب من وعي يمكن له من
خلاله خدمة وطنه بكل تفاني وجد ونشاط ، ويرى أغلب الشباب أن مقترح الجيش الذي
يعتبر حامي الوطن من كل الأخطار ، تطبيق المواد 07 و08 و102 ، بصدق وشفافية ، مع
ذهاب رموز السلطة الحالية والوجوه التي شاركت في السلطة من قبل ، هو الحل الحقيقي
للخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد ،
ويتصورون ذلك في مجلس تأسيسي ورئاسي يتفق عليه كل الجزائريين المشاركين
والمساندين للحراك الشعبي وحتى من الأخيار المخلصين من أحزاب الموالاة ، حتى لا يكون هناك إقصاء ، ماعد الذي
عاثوا في البلاد فسادا ، وإقامة مؤسسات جديدة بقوانين جديدة ، وتنظيم انتخابات
تشرف عليها لجنة مستقلة ولا تتدخل فيها الإدارات القائمة على مستوى الولايات
والدوائر والبلديات بأي شكل من الأشكال
وهي التي تعلن نتائج الانتخابات بشفافية ونزاهة ، دون أي تدخل لوزارة الداخلية إلا
لإعلامها بالأرقام والنتائج على سبيل الإطلاع والتدوين وتثبيت القرارات المخولة
لها قانونا ، أما فيما يخص المحاسبة فيرى البعض أن هذا ليس وقتها ، ولتكن في
المستقبل مع منع أي شخص من المتسببين في الفساد من مغادرة البلاد ، وأن الكلمة
الأولى والأخيرة في هذا للشعب من خلال مؤسساته ، والذين يمكنه أن يعفو عن المفسدين
بشروط من بينها الالتزام كتابيا بإرجاع أموالهم المودع في الخارج واستثمارها في
مشاريع داخل الوطن بغرض القضاء على البطالة وإيجاد حلول للسكن ، وتنمية وازدهار
الجزائر عامة ، وباختصار شديد الشعب يريدها جمهورية جزائرية عصرية حسب ما جاء في
مبادئ بيان ثورة أول نوفمبر 1954 ، يكون فيها والولاء للوطن والمصلحة العامة ، ولامتياز
فيها لأحد على أخر مهما كانت صفته ومهما كانت رتبة مسؤوليته ، يقف فيها الحاكم والمحكوم إمام قضاء مستقل ،
يأخذ فيها العدل الحق من الظالم للمظلوم ولو كان رئيس الجمهورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق