الجمعة، 5 ديسمبر 2025

رسالة النور العلم والقيم جسر السلام والأمان إلى الإنسانية

في زمن تلاطمت فيه أمواج الفتن، واشتدت غربة الروح، وبدت الأرض كأنها تئن تحت وطأة الصراعات؛ تبرز رسالة خالدة، لا تُكتب بحبر على ورق، بل تُنقش نورا في سويداء القلوب، وتُترجم عملا ساميا على صفحات الحياة. إنها رسالة العلم والقيم التربوية والإسلامية، التي لا تستهدف مجرد عمارة الأجساد، بل إعمار الروح والوجدان، خدمةً للإنسانية جمعاء، ونشرا لروح الإسلام الأصيل القائمة على السلم والسلام والأمان في أنحاء المعمورة.
​العلم: البوصلة التي تهدي إلى الحق
​ليس العلم الذي نقصده مجرد معادلات جامدة أو نظريات صماء، بل هو النور الكاشف للجهل والظلام، وهو البوصلة التي تهدي الضمير الإنساني إلى مواطن الحق والعدل والخير، فالعلم في رؤيتنا هذه، يتجاوز حدود المختبرات وقاعات الدرس؛ ليصبح منهج حياة وفلسفة وجود، إنه الغذاء الذي يغذي العقل ليُبصر، ويُقوّي اليد لتبني، ويُنضج القلب ليُحسن الظن والتعامل.
​إن نشر العلم ليس ترفا معرفيا، بل هو واجب إنساني مقدس، ومن خلال العلم والعمل، يمكن أن ننشد السلام ونرسخ الأمان في عالم يرزح تحت ثقل الجهل والتخلف؟ إن الجهل هو أرض خصبة للأفكار المتطرفة، والحُجُب التي تُعمي عن رؤية الجمال الإنساني المشترك، لذا فكل كلمة علم تُنشر، وكل معلومة قيمة تُغرَس، هي لبنة جديدة في صرح الحضارة، ورصاصة تُصوَّب نحو معاقل التعصب والانغلاق.
​القيم التربوية والإسلامية: إكسير الروح
​إذا كان العلم هو البصر، فإن القيم هي البصيرة، ولا قيمة لعقل لامع لا يحكمه قلب رحيم وضمير حي، وهنا يكمن جوهر رسالتنا: اقتران العلم بالقيم، فالتزكية التربوية، المستمدة من روح الإسلام السمحة، هي المصفاة التي تنقي النفوس من شوائب الأنانية والحقد والبغضاء.
​إن القيم الإسلامية، في أصالتها وجوهرها، هي ميثاق عالمي للأخلاق: الرحمة، العدل، الإحسان، التسامح، واحترام كرامة الإنسان، هذه ليست مجرد فضائل، بل هي أعمدة السلم المجتمعي والدولي، وعلينا أن نعلّم الأجيال أن "الإحسان" هو إتقان العمل وإجادة التعامل مع الآخر، وأن "الرحمة" هي المبدأ الذي يحكم كل علاقة، فنحن بذلك نصنع قادة للسلام، لا جنودا للفرقة، و علينا أن نُخرج من مدرسة العلم والتربية، إنسانا متكاملا: قوي العقل، زكي النفس، سليم الفطرة، يرى في خدمة الآخرين أسمى درجات العبادة.
​خدمة الإنسانية: مدّ الجسور لا حفر الخنادق
​إن غاية هذا الجهد النبيل ليست الانكفاء على الذات، بل التشبيك مع الآخر؛ خدمة للإنسانية بلا تفريق بين عرق أو لون أو معتقد، و نشر هذه القيم هو في حقيقته تقديم حلول حضارية لأزمات العالم.
​فننشر روح التكافل لنواجه الفقر، وننشر روح التعايش لنبدد الكراهية، وننشر روح المسؤولية لنحافظ على الأرض.
​الإسلام، كما نفهمه ونسعى لنشره، هو منهج حياة شامل، يُعلي من قيمة الحياة، ويحث على صون الحقوق، ويُعظّم من شأن الحوار البنّاء، إنه دعوة صريحة للسلام، فاسم السلام هو جوهر هذه الرسالة.
​نشر السلم والسلام والأمان: وعد المستقبل
​إن الهدف الأسمى هو زرع بذور الأمان في كل بقعة تطؤها أقدام أبناء البشر، والأمان ليس فقط غياب الحرب، بل هو حضور الثقة بين الناس، والاطمئنان إلى أن العدل قائم، وأن الحقوق مصونة.
​إن رسالتنا هي:
​"تعلموا العلم النافع لتكونوا عيونا تبصر بها الإنسانية طريقها"، و​"تخلّقوا بالقيم النبيلة لتكونوا قلوبا تنبض بالرحمة في صدر هذا العالم".
​"انشروا السلام لتكونوا أيدي تبني جسور المحبة بين البشر".
​إن الطريق قد يكون طويلا وشاقا، ولكن بالإيمان الراسخ، والعمل الدؤوب، والعبارة الصادقة، سنظل نمضي قدما، نحمل على عاتقنا أمانة النور والرسالة، وسنبقى الصوت الذي يدعو إلى الوحدة، والقوة التي تحمي الضعيف، والقدوة التي تُضيء درب المتعثر، فالسلام ليس حلما بعيد المنال، بل هو ثمار جهودنا المتضافرة في العلم والقيمة والعمل الصالح.
​هذه هي رسالتنا، وهذا هو ميثاقنا: خدمة للإنسانية، وعمارة للأرض، ونشر لروح الإسلام السمحاء التي هي السلام كله.  

على ضفاف الأصالة نداء العروبة والإسلام والإنسانية جذورٌ ضاربةٌ في أرضِ الكرامة

أقفُ اليومَ على ثغرِ الكلماتِ، لأعلنَها صرخةَ الحقِّ المدوية، لا لشيء إلاَّ لأترجمَ نبضَ قلبٍ آمنَ بالوجودِ إيماناً لا يتزعزع، وأيقنَ بالانتماءِ يقينَ الروحِ بالجسد، إنها حكايةُ الهويةِ المُتكاملة، التي تُزهِرُ في ربوعِ الجزائر، وطنِ الأحرارِ ومِحرابِ الشموخ، الجزائرُ ليست مُجردَ خريطة، بل هي مَلحمةٌ من الكفاحِ، وقصيدةٌ من المجدِ، تُروى على ألسنةِ جيلٍ آمنَ بأنَّ الحريةَ تُصنعُ بدمِ الأبطالِ وعرقِ الصادقين، فلتَشهدْ صفحاتُ التاريخِ: أنا جزائريٌّ حُرٌّ، ومَولِدُ العزِّ في دمي.

العروبةُ والإسلامُ: توأما الروحِ وجناحا التحليق

​لغتي ليست مجردَ حُروفٍ تُنطق؛ إنها العربيةُ، لغةُ الضادِ الفاتنة، التي حملتْ رسالةَ السماءِ ونقشتْ تاريخَ الحضاراتِ، هي جسْرُ الروحِ الذي يربطني بملايينِ الأشقاءِ، من المحيطِ إلى الخليجِ، في رباطٍ وثيقٍ لا تفصمهُ حدودٌ ولا تُضعفهُ فتن. إنها هويتي الثقافيةُ، التي تُؤكِّدُ لي كلَّ فجرٍ أنَّنا أُمَّةٌ واحدةٌ، إنْ اشتكى منها طرفٌ تداعتْ لهُ سائرُ الأطرافِ.

​أما الإسلامُ، فليسَ مجردَ عقيدةٍ تُتلى، بل هو نورُ البصيرةِ ومنهاجُ الحياةِ؛ إنهُ الدينُ الذي كرَّمَ الإنسانَ قبلَ كلِّ شيء، ورفعَ شأنَ العدلِ والمساواةِ والرحمةِ، بهِ نزين قِيَمي، وبهِ أُقوِّمُ سُلوكي.، إسلامي هو حصني المنيع، الذي يُمِدُّني بالقوةِ لأقفَ في وجهِ الظلمِ والجهل، وهو نبعُ الإنسانيةِ الصافي الذي يُعلِّمُني أنَّ الخيرَ لا يتجزأُ ولا يتقيَّدُ بعرقٍ أو لونٍ.

​عبارة قوية: "أفتخرُ بعروبتي وإسلامي؛ فهُما ليَ جناحَا نسرٍ يُحَلِّقان بيَ في سماءِ الكرامةِ، ويصُدَّانِ عنِّي غاراتِ الانكسارِ والضياعِ."

​المجدُ للإنسانِ: ميثاقُ الكرامةِ العالمي

​إنَّ أسمى ما تحملهُ النفسُ الحرةُ هو احترامُ الإنسانيةِ، أنا أُحِبُّ كلَّ إنسانٍ يحترمُ جوهرَ وجودهِ ووجودَ الآخرين، كلَّ روحٍ تُنيرُ الدربَ بقيمةٍ وفضيلةٍ، هذا الحبُّ ليسَ ضعفاً، بل هو قوةُ الإيمانِ بالخالقِ الذي سوَّى بينَ البشرِ في أصلِ الخِلقةِ،

​ولكنَّ حُبِّيَ يتعاظمُ ويتجلَّى لكلِّ عربيٍّ أصيلٍ، ولكلِّ مسلمٍ واعٍ؛ أولئكَ الذينَ يُدركونَ قيمةَ هويتهم المزدوجة، ويحترمونَ إنسانيتَهم احترامَهم لعروبتهم وإسلامهم. هؤلاءِ هم حراسُ القِيَمِ وفرسانُ المبادئ، الذينَ لا يكتفون بالاعتزازِ، بل يتخذون من الدفاعِ عن كرامةِ أمتهم وإسلامهم رسالةً ساميةً وواجباً مقدساً.

​رسالة الختام: "لن أكونَ أبداً ذلكَ الزَّبدَ الذي يذهبُ جُفاءً؛ بل سأكونُ المَعينَ الذي ينفعُ الناسَ، مستمدّاً قوتي من أصالةِ الجزائر، وشموخِ العروبة، وعدالةِ الإسلام، ومُدافعاً عن كرامةِ الإنسانِ في كلِّ بقعةٍ من هذا العالم."

الخلاصة

​هذهِ هو أنا: روحٌ جزائريةٌ مُشبعة بالحرية، ولسانٌ عربيٌّ ناطقٌ بالضاد، وقلبٌ مُسلمٌ ينبضُ بالإنسانية، هذهِ هيَ هويتِي الشاملةُ، التي لا تقبلُ الانفصالَ أو التنازلَ، ومن هذا الموقفِ الثابت، أدعو كلَّ من يحملُ هذهَ القِيَمَ أن يكونَ شعلةَ نورٍ وصوتَ حقٍّ، لأنَّ الأصالةَ ليستْ مجردَ ماضٍ، بل هي جسرُنا إلى مستقبلٍ يليقُ بعظمتنا.  


المرض والألم ليس نهاية بل ميلاد قوة وصرخة انتصار

قد يظن الكثيرون أن المرض والألم هما نقطة النهاية، أو عدوٌّ لا يُقهر يتربص بأحلامنا ويخطف منا عافيتنا لكن، في عمق هذه التجربة الإنسانية، تكمن حقيقة أسمى وأقوى بكثير؛ فالمرض والألم ليسا عدوّا، بل معلّمٌ إلهيٌّ، وصانعٌ للصبر على الشدائد، وموقدٌ لقوة كامنة لم نكن لنكتشفها لولا وهج الوجع.

​إن كل وجع وكل شعور بالضيق ليس سوى اختبار، وبالصبر الجميل يتحول هذا الوجع إلى تحدٍّ ننتصر فيه على ضعفنا. فكيف لهذا الألم أن يكون سلمًطا نصعد به؟ إنه يتحول كذلك حينما نجعله وقودا لليقين، حينما نُطلق العنان للتوكل المطلق على الله والثقة التي لا تتزعزع في حكمته وقدرته، هذه الثقة تُعلينا نحو ذواتنا الحقيقية، تلك الذات التي وهبها الله لنا بكل ما فيها من قوة خفية، وتُشرق بنا نحو حياة لا نراها بالعين المجردة، بل نراها بأعماق أنفسنا المتصالحة والمستنيرة.

​ركن الثقة الأعظم: حينما يتحول التوكل إلى سلاح

​إنَّ أول مسمار يُدق في نعش اليأس هو اليقين المطلق بالله، فالثقة ليست مجرد شعور عابر، بل هي الميثاق الغليظ الذي يُبرم بين روح العبد وعظمة الخالق، إنها النور الذي يضيء دروب الشدة، ويُحوّل رمال الخوف إلى صخرة صلبة من الاطمئنان.

​حينما تشتد الأوجاع ويُخيّم شبح المرض، فإن الروح الموكلة على الله لا تنظر إلى حجم المصيبة، بل تنظر إلى عظمة المدبّر الذي قال للشيء: كن فيكون، إن التوكل ليس استسلاما للسكون، بل هو قمة الحركة والعمل بالأسباب مع تفويض النتيجة لمن لا تُخفى عليه خافية.

​الثقة بالله هي أن تعلم يقينا، أن السهم الذي خرج من قوس القضاء، لن يخطئ مرماه، وأن رحمته تتسع لكل وجع، وأن كرمه لا يخذل قلبا التفت إليه.

​بهذه الثقة، يتحول المريض من كائن ضعيف إلى قائد داخلي، يرى في محنته رسالةً مُشفرةً، مفتاحها الصبر وكلمة سرها التوكل على الله فقط. يذوب المستحيل، وتصبح الحياة كلها – بكل آلامها – مسرحا لإظهار قوة الله في قلب العبد الواثق، وينتصر النصر الأكبر: نصر الروح على اليأس، و انتصار اليقين على الشك.

​قيمة الذات ورفض الطريق الأسهل

​النفس التي عرفت قيمتها حق المعرفة، هي نفسٌ لا ترضى بالسهولة ولا تختار الطريق الأقل مقاومة، وهي التي تدرك أن العظمة تُصنع في الأفران الحامية للتحديات، ولهذا بعد الثقة المطلقة بالله، تأتي الثقة بالنفس، كخطوة إيجابية وتفعيل للأسباب، قبل أن نثق بمن حولنا، فإن إيماننا بالعلم الذي نحمله أو نسعى إليه، يجب أن يكون يقينا يصل بنا إلى أعلى الدرجات، فلنستعمل عقولنا -هذه الهدية الربانية- فيما ينفعنا وينفع المجتمع، ولنحوّل كل معاناة إلى رسالةٍ عميقةٍ.

​لنحوّل المرض والألم إلى رسالة نجاح، والخوف إلى قوة، والضعف إلى صلابة لا تلين.

صرخة الروح التي لا تُقهر

​المستسلم هو من يرى المرض والألم قيدا، أما الروح التي لا تُقهر، فترى فيهما فرصة، لذلك علينا أن نرفض الاستسلام والهروب من المشاكل، بل واجبنا أن نبحث لها عن حلول، ولا يجب أن نضع أنفسنا رهينةً للمرض الذي قد يصيبنا، بل يجب أن نحتضنه ونجعل منه وقودا متجددا لرغبتنا العارمة في الحياة والشفاء والانتصار.

​كل المستحيلات التي حاولت أن تحاصرنا، تذوب وتتلاشى أمام مقاومة صلبة نابعة من قرار داخلي لا يتراجع.

​هذه العبارات ليست مجرد خواطر عابرة، بل هي: صرخة من أرواح لا تُقهر ترى ما وراء العجز، ورؤية من عقل نيّر يرى ما وراء ستار المرض والألم، ورغبة من قلب موقن بأن الحياة لا تُمنح بسُهولةً، بل تُصنع جهادا وصبرا.

​إن النصر ليس مصادفة عشوائية، بل هو خطة محكمة بتوفيق من الله عز وجل، مبنية على إرادة لا تكلّ وعزيمة لا تملّ. والمستحيل نفسه يخرُّ ساجدا أمام من يملك السلام الداخلي، ويستحضر القوة الكامنة في أعماقه، ويُسلّح نفسه دائما وأبدا بأقصى درجات الأخذ بالأسباب.


الخميس، 4 ديسمبر 2025

العربية نهر الخلود المتدفق في أزمنة الإنسان

في البدء كان الحرف، وفي الحرف كان البيان، وفي البيان كانت اللغة العربية؛ ليست مجرد أدوات صوتية للتفاهم، بل هي روح الأمة النابضة، وخزانة تاريخها العريق، ومفتاح سرها الخالد، هي كالنجم الثابت في سماء اللغات، لا تخبو جذوته ولا يبهت ضوؤه، بل يزداد ألقا كلما مرت عليه الدهور.

لغة الماضي: عرش الحضارة ومهد البيان

​إنَّ المتأمّل في سجلات التاريخ يجد أن العربية لم تكن لغة عابرة، بل كانت العرش الذي اعتلت عليه الحضارات، فهي اللغة التي صاغت أمجاد الأمس، وحملت مشاعل العلم والمعرفة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، و بها كُتبت أمهات الكتب في الطب، والفلك، والرياضيات، والفلسفة، ودوّنت روائع الشعر التي لا يزال صداها يرتج في أسماع الزمان.

​إنّ أصالتها ضاربة في عمق الجذور، كل كلمة فيها تحمل عبق البيداء وشموخ الجبال، وكل تركيب هو بناء معماري متقن يدل على عقلية فذة، هي اللغة التي نزل بها الذكر الحكيم، فمنحها قداسة وهالة لا تدانيها لغة أخرى، جاعلاً إياها وعاءً للرسالة الخاتمة، شاهدة على الحق إلى يوم الدين.

​لغة الحاضر والمستقبل: الجسر إلى آفاق جديدة

​قد يظن البعض أن العربية لغة متحفية، أسيرة الماضي، لكن هذا الظن جائر، فالعربية اليوم هي قوة ديناميكية متجددة، قادرة على استيعاب مستحدثات العصر وتقنياته بل وصبغها بصبغتها الفريدة، مرونتها الهائلة وثراؤها اللفظي يمكنها من التعبير عن أدق التفاصيل العلمية وأعقد النظريات الفكرية ببيان لا يضاهى.

​في عصر العولمة والتقنية، تقف العربية شامخة كرمز للهوية والتجذر، هي درعنا الثقافي في وجه الطوفان الذي يسعى لتمييع الخصوصيات، و شباب اليوم مدعو لاستكشاف هذا الكنز اللغوي، ليرى أن المستقبل لا يبنى بتقليد الأغيار، بل بالانطلاق من أصالة راسخة، فاللغة العربية،  هي لغة الغد الواعد، القادرة على المشاركة الفاعلة في صياغة المشهد العالمي الجديد.

لغة الدنيا والأخرة: الوعد الإلهي الخالد

​هنا يكمن السر الأعظم والامتياز الأجل؛ العربية ليست مجرد لغة على هذه البسيطة، بل هي لغة الوعد الإلهي التي تعبر حدود الدنيا إلى الخلود.

​"إنها لغة أهل الجنة."

​أي شرف وأي فخر يعلو هذا؟ أن تكون لغتك هي لغة النعيم المقيم، لغة المخاطبة بين أهل السعادة الأبدية، هذا المعنى يرفعها من كونها أداة تواصل إلى غاية روحية نبيلة، فكل حرف تقرؤه، وكل كلمة تتفوه بها، هي تدريب وتمهيد لنعيم لا يزول، هذا الامتياز المطلق يوجب على كل إنسان -عربيا كان أو مستعربا أو محبا- أن يشعر تجاهها بالاحترام الذي يصل إلى حد التقديس.

​نداء الفخر: حق كل إنسان

​يحق لنا أن نفتخر! بل إنَّ الفخر باللغة العربية ليس مجرد شعور، بل هو واجب أصيل، والفخر بها ليس تعصبا أعمى، بل هو اعتزاز مستنير بإرث سليم وذخيرة لا تفنى.

​افخر بها لأنها الأجمل في نسج الألفاظ.

​افخر بها لأنها الأقوى في حمل المعاني.

​افخر بها لأنها الأبقى والأخلد عبر العصور.

​فلنجعل من أفواهنا منابر للغة الضاد، ولننشر جمالها في كل محفل، ولنعلمها لأبنائنا بلهفة العاشق وشغف المكتشف, لأنها ليست ملكا لنا وحدنا، بل هي وديعة الأجيال، وتراث الإنسانية العظيم, هي نهر الخلود الذي لا يجف، ومن يشرب من مائه عاش بيانه خالدا.  


الثلاثاء، 2 ديسمبر 2025

التناقض التربوي حين يطعن الولي في الأستاذ سراً ويصفق له علناً

إنّ العملية التربوية هي شراكة مقدسة بين المنزل والمدرسة، وركيزتها الأساسية هي الثقة والاحترام المتبادل بين ولي الأمر والمربي (الأستاذ)، ولكن، يبرز في هذا المشهد التربوي سلوكٌ خطيرٌ ومتناقضٌ يهدد هذه الشراكة ويوقع التلميذ في حيرة معرفية وسلوكية مدمرة، هذا السلوك يتمثل في أن يظهر ولي الأمر أمام إدارة المدرسة والأستاذ بمظهر المدافع عن المؤسسة التعليمية والمؤيد التام لقراراتها، بينما هو في الخفاء والبيت، يطعن في مصداقية الأستاذ وقيمته، ويقلل من شأنه أمام ابنه.

​خطورة التصرف المتناقض

​إنّ هذا التناقض العلني والسرّي يمثل واحدة من أخطر الطرق التي تُضر بالتلميذ، وتتجاوز مجرد سوء تفاهم بسيط لتصل إلى زعزعة البناء القيمي والمعرفي لديه:

​1. الازدواجية في المرجعية 

​عندما يسمع التلميذ في المنزل انتقاداً لاذعاً لأستاذه، ثم يرى والديه يقفان إلى جانب الأستاذ في المدرسة لمعالجة موقف غير سوي صدر منه، فإنه يعيش حالة من الازدواجية، من هو على صواب؟ الأستاذ "السيئ" الذي ينتقده الوالدان؟ أم الوالدان "المنافقان" اللذان يظهران عكس ما يبطنان؟ هذا يضعف سلطة كلا الطرفين في عيون التلميذ.

​2. تقويض القدوة والنموذج

​يتعلم الطفل من هذا السلوك أن النفاق الاجتماعي هو أسلوب فعال للتعامل مع المواقف الصعبة، و يتعلم أن إظهار الاحترام ليس بالضرورة يعني الشعور به، وأن بإمكانه التملق للسلطة في حضورها ثم انتقادها في غيابها، هذه القيمة السلبية تنتقل تلقائياً إلى التلميذ، فيبدأ هو الآخر بفقدان الاحترام الحقيقي لمعلميه.

​3. إضعاف هيبة الأستاذ

​عندما يشعر التلميذ بأن ولي أمره لا يحترم الأستاذ بالفعل، فإنه يجد مبرراً قوياً لعدم الالتزام بتوجيهات هذا الأستاذ، ويصبح التلميذ مقتنعاً بأن قرارات الأستاذ هي قرارات خاطئة أو نابعة من سوء نية، كما صورها له ولي الأمر في المنزل، مما يزيد من مشاكله السلوكية والعلمية.

​4. إفقاد العلاج التربوي لفعاليته

​عندما يحضر ولي الأمر المدرسة ويؤيد الأستاذ في معالجة سلوك الابن، يكون الهدف هو إرسال رسالة موحدة للابن مفادها: "نحن متفقون على أن هذا السلوك غير مقبول"، لكن إذا كان الأب قد طعن في الأستاذ قبل يوم في المنزل، فإن الابن يدرك أن تأييد الأب في المدرسة هو تمثيل واضطرار، وبالتالي يفقد الموقف التربوي كله تأثيره الرادع والمقوم.

​نحو شراكة تربوية صادقة

​لتجنب هذا المنزلق الخطير، يجب على أولياء الأمور اعتماد مبادئ الصدق والثقة في تعاملهم مع المدرسة:

​الاحترام غير المشروط لسلطة المربي: يجب على الولي أن يفصل بين أي خلاف قد ينشأ حول طريقة التدريس أو تقييم الأستاذ، وبين الحفاظ على قيمته كمربٍ أمام الابن، فتقدير المربّي هو تقدير لرسالة التربية ذاتها.

​قنوات الحوار الصادق: إذا كان لدى ولي الأمر مآخذ حقيقية على سلوك الأستاذ أو منهجيته، فعليه أن يعالجها مباشرة وسراً مع الإدارة المدرسية أو الأستاذ نفسه، بعيداً عن مسامع الابن.

​تكوين جبهة موحدة: الرسالة التربوية التي يجب أن تصل إلى التلميذ دائماً هي: "الأستاذ وأنا في صف مصلحتك"، هذا التوافق الظاهري والداخلي يخلق بيئة آمنة وموثوقة للنمو.

​إنّ مصلحة التلميذ هي الأولوية القصوى، ولن تتحقق هذه المصلحة إلا إذا أدرك أولياء الأمور أن كلماتهم في المنزل هي التي تشكّل نظرة أبنائهم للمعلم والمدرسة، وأن إظهار الاحترام للمربي في كل الظروف هو في حقيقة الأمر استثمار في مستقبل الابن وقيمه.   


دور ولي الأمر في دعم الأستاذ شراكة لبناء جيل منضبط

إن العملية التعليمية هي منظومة متكاملة لا يمكن أن تنجح إلا بتضافر جهود ثلاثة أركان أساسية: التلميذ، الأستاذ، وولي الأمر، وفي ظل التحديات الحالية وتزايد ظاهرة الشكاوى ضد المعلمين، يصبح دور ولي الأمر كداعم أساسي لسلطة الأستاذ التربوية أمراً بالغ الأهمية والحيوية.

المدرسة والمنزل: جبهة تربوية موحدة

​يجب أن ينطلق ولي الأمر من مبدأ أن الأستاذ شريك وليس خصماً, عندما يرسل الأب أو الأم ابنهما إلى المدرسة، فإنه يسلمه إلى مربٍ ثانٍ مهمته استكمال ما بدأ في المنزل، هذا يتطلب من ولي الأمر ما يلي:

​1. تعزيز احترام المعلم:

​يجب على أولياء الأمور أن يكونوا القدوة الأولى في إظهار الاحترام والتقدير للمدرسة وأطرها التعليمية، و لا ينبغي أبداً الحديث عن الأستاذ بسلبية أو انتقاده أمام الأبناء، فبمجرد زعزعة صورة الأستاذ في نظر التلميذ، ينهار جزء كبير من سلطته التربوية، ويصبح تقويمه للسلوك أمراً صعباً ومرفوضاً.

​2. حسن الظن والتماس العذر:

​عندما يشتكي التلميذ من عقاب أو تصرف صدر من الأستاذ، يجب أن تكون القاعدة هي الهدوء وحسن الظن، بدلاً من التسرع في التهديد بالشكوى أو الذهاب للمحاكم، على ولي الأمر أن:

​يستمع لكلا الطرفين: التوجه إلى المدرسة بهدوء والتحدث مع الأستاذ أو الإدارة لفهم سياق الموقف كاملاً.

​التركيز على النتيجة التربوية: إذا كان العقاب يهدف لتقويم سلوك سلبي (كالتقصير، أو إيذاء الزملاء)، فعلى ولي الأمر أن يدعم قرار الأستاذ ويؤكده في المنزل، حتى لو اختلف مع طريقة تنفيذه.

​رفض ثقافة "الحماية المطلقة":

​من أخطر الظواهر التي تضر بالعملية التربوية هي "الحماية المطلقة" التي يقدمها بعض الآباء لأبنائهم، حيث يتم اعتبار التلميذ ضحية دائمة في كل خلاف، هذه الحماية المفرطة تبعث برسالة خاطئة للطفل مفادها أنه فوق المساءلة، وأن أي محاولة لتقويمه ستُقابل بالرفض العائلي واللجوء إلى التصعيد الخارجي.

​النتيجة؟ يصبح التلميذ متمرداً، ويجد الأستاذ نفسه مقيد اليدين، يخشى القيام بواجبه التربوي خوفاً من تبعات الشكاوى. هذا يؤدي حتماً إلى تدهور الانضباط داخل الفصول.

​خلاصة: نحو شراكة إيجابية

​إن دعم الأستاذ ليس مجرد مجاملة، بل هو استثمار في مستقبل الأبناء، فعندما يشعر الأستاذ بأنه مدعوم من الأسرة، فإنه يعمل بحرية وثقة أكبر، وينعكس ذلك إيجاباً على جودة التعليم والتربية.

​على ولي الأمر أن يتذكر: أن الأستاذ يريد مصلحة ابنه، و دعمه هو ضمانة لاستمرار البيئة التعليمية في تحقيق رسالتها في بناء جيل منضبط، محترم، وقادر على التعلم.  


احترام الأستاذ وتبجيله ضرورة تربوية ومنظومة قيم

 رسالة إلى الأولياء، بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

احترام الأستاذ وتبجيله ضرورة تربوية ومنظومة قيم

​تعد مهنة التعليم من أنبل وأقدس المهن على الإطلاق، فالأستاذ هو المرشد والمربي الذي يحمل على عاتقه مسؤولية بناء الأجيال وتشكيل وعيهم ومع ذلك، بدأنا نشهد مؤخراً ظاهرة مقلقة، وهي تزايد الشكاوى ضد الأساتذة، وصولاً إلى أروقة المحاكم، وقد يطال الأمر حتى معلمي القرآن الكريم. هذه الظاهرة، التي قد يكون سببها في أحيان كثيرة مجرد عقاب تربوي ترتب عليه جرح بسيط أو خطأ غير مقصود من الأستاذ، تستدعي وقفة تأمل عميقة.

 متى يتحول التقويم إلى قضية؟

​إن جوهر المشكلة يكمن في تضخيم رد الفعل تجاه التصرفات التي تصدر من المعلم في سياق عمله، فإذا كان الأستاذ، مدفوعاً بوازع حرصه على مصلحة التلميذ وتقويم سلوكه، قد استخدم وسيلة من وسائل العقاب التربوي التي قد ينتج عنها خطأ غير مقصود، فإن الأصل هو حسن الظن به وبنيته، فالمعلم الذي كان يوماً تلميذاً في ذات المدارس، يدرك أهمية الانضباط والسلوك القويم للعملية التعليمية الناجحة.

​إن اللجوء الفوري إلى الجهات القضائية أو استخراج شهادات طبية دون محاولة للتهدئة أو فهم سياق ما حدث، هو تفكيك للرابط المقدس بين التلميذ ومعلمه، الأستاذ لا يسعى إلى إلحاق الضرر بالتلميذ، بل يريد تقويمه وغرس الانضباط فيه، فالعقاب في البيئة التعليمية ليس انتقاماً، بل هو وسيلة لإصلاح الاعوجاج وضمان التعلم الفعال.

​تبجيل الأستاذ واجب ديني وأخلاقي، لذا ​يجب علينا إعادة ترسيخ مكانة الأستاذ وتبجيله في نفوس أبنائنا والمجتمع ككل، والسعي من أجله​ا لاحترام التام له، و النظر إلى الأستاذ على أنه صاحب فضل وشريك في التربية، وينبغي التماس العذر للمعلم، فالخطأ وارد من أي إنسان، خاصة تحت ضغط العمل وكثرة الأعداد في الفصول، وفي حال وقوع خطأ، يجب أن تكون الأولوية لحل المشكلة داخل المؤسسة التعليمية بأسلوب تربوي، و العفو عن الأستاذ إقراراً بدوره الكبير وبنيته الصادقة التي تسعى لمصلحة التلميذ أولاً وأخيراً، ويعد تحويل كل خلاف تربوي إلى نزاع قضائي هو إضعاف لهيبة المعلم وتقويض لجهوده التربوية، ومساهمة في هدم العملية التعليمية والتربوية، مما يؤدي إلى تراجع الأستاذ عن أي محاولة لتقويم سلوك الطالب خوفاً من العواقب، وهذا بدوره يهدد الانضباط المدرسي وجودة التعليم.

​خلاصة القول: فلنعد بناء الجسور

​لنعمل معاً، كأولياء أمور ومجتمع، على إعادة الاعتبار للمعلم، وتعزيز ثقافة الاحترام والتقدير لرسالته السامية، و يجب أن ندرك أن يد الأستاذ التي قد تعاقب، هي ذات اليد التي ترسم المستقبل وتفتح آفاق العلم والتربية، فلنعف عن الأستاذ ونقدر جهده، ونضع مصلحة التلميذ التعليمية والتربوية فوق كل اعتبار، متفهمين أن التقويم هو هدف الاستاذ، وليس الإضرار بالتلميذ.  


انطلاق فعاليات المهرجان الثقافي الدولي لمسرح الصحراء بأدرار

تحت شعار "المسرح مقاومة"، انطلقت مساء يوم الإثنين 01 ديسمبر 2025، فعاليات المهرجان الثقافي الدولي لمسرح الصحراء بولاية أدرار الجزائر، و التي حملت اسم "دورة فلسطين، دورة الراحل البروفيسور أحمد حمومي"، وشهدت قاعة القصر الأثري السياحي الثقافي بتماسخت ببلدية تامست، مراسيم الافتتاح الرسمي للمهرجان، الذي يمتد حتى 07 ديسمبر 2025، وأشرف على انطلاق هذه التظاهرة الثقافية الهامة السيد ضويفي فضيل، والي ولاية أدرار، مرفوقاً بالسيد خاي محمد رئيس المجلس الشعبي الولائي، والسلطات المحلية، وبحضور السيدة ممثلة وزيرة الثقافة والفنون، وحضور جموع غفيرة من الفنانين والمسرحيين والمثقفين من داخل وخارج الولاية، بالإضافة إلى الفرق المشاركة التي تمثل 28 دولة بين عربية وأجنبية، ودولة جنوب أفريقيا كضيفة شرف هذه الدورة، وافتتحت الفعاليات بتقديم عروض عن الصناعات التقليدية والحرف التي تشتهر بها ولاية أدرار، تلتها تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، ثم أداء النشيد الوطني، ​وقد تضمنت المراسيم كلمات رسمية، بدأت بكلمة السيد محافظ المهرجان، تلتها كلمة السيد والي ولاية أدرار بالمناسبة، قبل أن يتم عرض كلمة مسجلة للسيدة وزيرة الثقافة والفنون، والتي أعلنت من خلالها عن الافتتاح الرسمي لفعاليات المهرجان، وتخلل الحفل تقديم العرض الافتتاحي للمهرجان، وعروض لفيديوهات قصيرة عن المهرجان، ووقفة احتفاء بشخصية الدورة، كما اختتمت الوصلات الفنية بعروض رائعة من الطبوع التقليدية المحلية التي تعكس عمق التراث الصحراوي، وتؤكد هذه الطبعة، التي تُقام تحت رعاية وزيرة الثقافة والفنون، على المكانة الثقافية لولاية أدرار كملتقى للحضارات والفنون، وتُرسخ رسالة المسرح كقوة ناعمة ووسيلة للمقاومة والتعبير، خاصة في هذه الدورة التي تحمل اسم فلسطين.   


الاثنين، 1 ديسمبر 2025

رسالة إلى كل أم أنتِ مهد الرجولة وصانعة الأجيال

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

​أيتها الأمهات الفاضلات، يا من خصَّكن الله بأجلّ الأمانات وأعظم المسؤوليات، إليكِ يا من تحملين في قلبكِ نبض أمة وفي حجركِ مستقبلها، هذه رسالةٌ ليست مجرد كلمات، بل هي نداءٌ من عمق الوجدان، يسطِّر دوركِ الخالد في بناء الإنسان قبل البنيان.

​أنتِ، لستِ مجرد مربية، بل أنتِ المهندس الأول لروح الطفل وعقله، أنتِ التي تعدِّين أطفال اليوم ليكونوا رجال الغد؛ رجالا يصنعون التاريخ، ويحملون راية المجد، إنَّ مصطلح "الأم مدرسة" ليس مجرد مقولة عابرة، بل هو حقيقة راسخة؛ ففي كنفكِ تتشكل الفطرة، ومن بين يديكِ ينطلق السلوك.

​"فإن أحسنتِ صياغتها، أخرجتِ للعالم قائدا، وإن أهملتِ، فَقَدَت الأمة ركنا."

​يجب أن يكون مشروعكِ التربوي قائما على أركان راسخة، هي تعليم طفلك الصبر واحتراف المشقة، و أن النجاح لا يُقطف إلا بعد غرسٍ وسقاية، وأن طلب العلم مشقةٌ تُنار بها الدروب، واغرسي فيه قيمة المثابرة وعدم الاستسلام، ليواجه تحديات الحياة بجلدٍ وقوة، وعلميه أن أول درسٍ يتلقاه الطفل يجب أن يكون احترام الكبير في الشارع قبل احترام المعلم والأستاذ، هذا الميزان الأخلاقي هو ما يُقيم مجتمعا متماسكا، سواء كان التعليم في أروقة المدارس النظامية الشاهقة أو في حلقات المدارس القرآنية المباركة، فالمعلم هو وريث الأنبياء، وحقه الاحترام والتبجيل، وأحسني الظن بمعلميه وأساتذته وحثّيه عليه، وأزرع الثقة في نفوس أطفالك تجاه من يعلِّمونهم فإنه يفتح الباب لاستقبال العلم بقلبٍ منشرح، ويُغلق الباب أمام وساوس الشك والنفور، ويجب أن يكون مشروعكِ الأهم هو دمج العلم والأخلاق في بوتقة واحدة، و اغرسي فيه حب العلم على أساس أنه فريضةٌ دينية وضرورة وجودية، و ليس العلم مجرد شهادة، بل هو نورٌ يضيء العقل والروح، واجعلي شغف التعلم يسري في عروقه كجريان الدم، وعلِّميه حسن القول، وأن الكلمة الطيبة صدقة، و ربّيه على التعامل بالتي هي أحسن مع أصحابه في الشارع والمدرسة، هذه السلوكيات البسيطة هي التي تبني الشخصية القوية والمؤثرة، وأعلمي أن ​دوركِ لا يتوقف عند التوجيه، بل يمتد إلى المتابعة والمراقبة؛ ​رقابة الأفعال لا النوايا، راقبيه في تعامله، وكوني العين الساهرة التي تلاحظ وتقوّم بلطف وحكمة،  وخصصي له وقتا مقدسا للمراجعة، واغرسي فيه أهمية المحافظة على الوقت وعدم تضييعه في توافه الأمور، لأن تنظيم الوقت هو سرّ العظماء، ومفتاح الإنجاز، و علِّميه أن النظافة من الإيمان؛ من خلال نظافة بدنه وثوبه وفراشه، ونظافة كراساته و كتبه، ونظافة محيطه، و أن المحافظة على نظافة الشارع والمدرسة هي أولى خطوات الانتماء والإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع.

أيتها الأم القوية، ​أنتِ القوة الكامنة وراء كل عظيم، وكل ناجح، وكل تقي، لا تستهيني برسالتكِ، فهي جهادٌ مقدس وثوابها عظيم، كوني القدوة، وكوني الصديقة، وكوني الموجهة، اغمري صغاركِ بالحب الذي يصنع الثقة، وبالحزم الذي يصنع الانضباط.

​فمصير الأمة، أيَّتها الأم الفاضلة، مُعلَّقٌ بخيطٍ من حرير، هو خيط تربيتكِ الصالحة لأبنائك وبناتك.


دررٌ مهجورة في صَدَرِ الأمة: نداءٌ إلى الوقار والرحمة والعفو والقول الحسن

في  الحياة الصاخب، وبين ركام التحديات والمتغيرات، يلوح في الأفق سؤالٌ ثقيل يطرق أبواب الوجدان: أين ذهبت دررُ أخلاقنا؟ تلك المآثر التي صاغت يوماً حضارةً كانت منارةً للدنيا، وبنت مجتمعاً كالجسد الواحد، تئنُ اليوم تحت وطأة النسيان والإهمال.

​إنها في نظرنا أصولٌ خمسة، هي بمثابة أعمدة النور التي لا يستقيم بناء الإيمان والمجتمع إلا بها: الوقار، والرحمة، والعفو، والتسامح، والقول الحسن؛ هي ليست مجرد مفاهيم نظرية تُردد على المنابر، بل هي روح الدين وجوهر المعاملات، ومن المفترض أن تكون كالدم الذي يسري في عروق كل فردٍ ينتمي إلى هذه الأمة العظيمة. ولكن، يا للأسف، لقد أضحى المتمسكون بها في زماننا كالغرباء، وكأنهم يسبحون عكس تيارٍ جارف من العجلة والغلظة والجفاء.

​الوقار والرحمة: ثوبُ الإيمان وسكينةُ القلوب

​كم نحن اليوم بحاجة إلى "الوقار"، هذا السمتُ الهادئ الذي يمنح النفس ثقةً بلا غرور، وعمقاً بلا تصنّع، الوقار هو مرآةُ الإيمان الرصين، هو أن تكون حركتك وسكنتك، صمتك وكلامك، دليلاً على وجود قلبٍ عامرٍ يخشى الله ويجلّه،  في غياب الوقار، تخفُّ الموازين، وتطغى السطحية، ويصبح الإنسانُ مجرد صدىً لما يراه ويسمعه، لا أصلاً راسخاً لا تهزه الرياح.

​أما "الرحمة"، فيا لها من كلمةٍ عظيمة، إنها الصفة التي اختارها الله لنفسه، وجعلها أساساً لشريعتنا، الرحمة هي بلسمُ الجروح، وهي الشريان الذي يغذي جسد المجتمع بالحياة. كيف يُطيق قلبٌ أن يحمل لواء الإسلام وهو خالٍ من الرحمة تجاه الضعيف والمحتاج والمُخطئ؟ إنها ليست مجرد عاطفة، بل هي موقفٌ عملي يترجم إلى لين في القول، وعون في الفعل، وشفقة على حال الناس، وغياب الرحمة هو ما يُحوّل الخلاف إلى عداوة، والنقد إلى تجريح، والاختلاف إلى تقاطع.

 فيالعفو والتسامح: مفاتيحُ طهارة النفوس

​في زمنٍ تُؤجج فيه نارُ الانتقام وتُسجّل فيه الهفوات لتُستغل في ساعة الخصام، يصبح "العفو" و**"التسامح"** عملةً نادرة، بل هما إرادةٌ قوية لتجاوز الألم ودفن الضغينة.

​العفو هو أن تمتلك القوة للانتقام ثم تسمو بنفسك فوق جرحك لتصفح، إنه قرارٌ شجاع يحررك أنت أولاً من سجن الحقد، ويُطفئ سعير الغضب في صدرك. أما التسامح، فهو المظلة الواسعة التي تحتضن زلات الآخرين، إيماناً منا بأن كل بني آدم خطّاء، وأن كمال الإنسان ليس في عدم خطئه، بل في قدرته على المراجعة والاعتذار، وفي قدرة أخيه على القبول والاحتواء، مجتمعٌ يغيب عنه العفو والتسامح هو مجتمعٌ هشٌّ ومُتصدِّع، لا يعرف إلا لغةَ الأخذ بالثأر، فيبقى رهين ماضيه وجراحه.

القول الحسن: صانعُ القلوب ومِعراجُ المودة

​أخيراً، وليس آخراً، يأتي "القول الحسن"، هذه القيمة البسيطة في ظاهرها، العظيمة في أثرها، الكلمة الطيبة صدقة، والكلمة الجارحة سيفٌ بتّار. إن القول الحسن هو فَنُّ اللباقة الممزوجة بالصدق، هو أن تختار الكلمات كما تختار أجود الثمار، فلا تجرح، ولا تسخر، ولا تُقصي.

​عندما يهجرنا القول الحسن، تتحول لغة الحوار إلى لغة الخلاف والصراخ، وتتبادل الاتهامات كأنها سهام مسمومة. كيف لنا أن ندعو إلى الله أو ندعو إلى الخير بكلمةٍ قاسية أو تعبيرٍ فظّ؟ إن اللين في الخطاب هو الذي يفتح القلوب المقفلة، وهو الذي يُليّن النفوس المستعصية، وهو ترجمةٌ صادقة لامتلاك الوقار والرحمة في آن واحد.

​نداءٌ إلى اليقظة

​إن الإقرار بقلة المتمسكين بهذه القيم اليوم ليس دعوةً إلى اليأس، بل هو صرخةُ تحذيرٍ ونداءُ يقظة. إن جوهر هويتنا الإسلامية، وقوتنا كمجتمع، لا تكمن في كثرة العبادات الظاهرة فحسب، بل في جودة الأخلاق والمعاملات.

​لنجعل من الوقار زيناً، ومن الرحمة دثاراً، ومن العفو والتسامح جناحين نطير بهما فوق صغائر النفوس، ومن القول الحسن بستاناً تُزهر فيه المودة والاحترام. إن التمسك بهذه الدرر هو الجهاد الحقيقي في عصرنا، وهو السبيل الوحيد لكي تعود هذه الأمة إلى مكانتها: أمةً يُرى فيها الإيمانُ خلقاً قبل أن يكون قولاً.

​فلنبدأ بأنفسنا الآن، لتكن أنتَ وأنتِ القلة التي تُحيي هذه القيم، فبكم تتغير الوجوه وتصفو القلوب. 


أدرار تودع المجاهد الحاج اقصاصي عبدالسلام

ودّعت ولاية أدرار عامة، ودائرة رقان خاصة، يوم الأحد 30 نوفمبر 2025، أحد أبنائها البررة ورمزا من رموز الكفاح والوفاء، المجاهد الحاج عبدالسلام اقصاصي، وقد شُيِّع الفقيد إلى مثواه الأخير في موكب جنائزي مهيب يعكس مكانته الكبيرة في قلوب أهله ووطنه، و​شهدت الجنازة حضورا غفيرا من المواطنين الذين توافدوا لتقديم واجب العزاء وتوديع رجل نذر حياته للوطن، كما كان الوداع رسميا بامتياز، حيث تقدم الحضور والي ولاية أدرار وكبار السلطات المحلية للولاية، في اعتراف وتكريم لمسيرة حافلة بالعطاء والتضحية. هذا الحضور الرسمي والشعبي جسّد اللحمة الوطنية والتقدير العميق لتاريخ هذا المجاهد، و​كانت حياة المجاهد الحاج عبدالسلام اقصاصي مدرسة في الوطنية والجهاد، فقد شارك بكل بسالة في عملية التحرير، مقدما الغالي والنفيس في سبيل استقلال الجزائر وحريتها، ولم يتوقف عطاؤه عند نيل الاستقلال، بل استمرت يداه في العمل والمساهمة الفعالة في عملية البناء والتشييد التي عرفتها الجزائر المستقلة، فكان مثالاً للمواطن المخلص الذي يؤمن بأنّ التحرير يتبعه مباشرة الإعمار والعمل الدؤوب لرفعة الوطن، برحيل الحاج عبدالسلام اقصاصي، تفقد ولاية أدرار قامة وطنية باسقة، وتبقى سيرته العطرة وتضحياته خالدة في الذاكرة الوطنية، ودروسا للأجيال القادمة في حب الوطن والعمل من أجل ازدهاره، تغمد الله روحه الطاهرة بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.  


المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 03 ديسمبر2025، العدد 3411 في الصفحة 12


نادي الإبداع الأدبي يستضيف الروائية أعريبي سعيدة

استضاف نادي الإبداع الأدبي التابع لدار الثقافة الشهيد شيباني محمد لولاية أدرار ، في إطار برنامجه الثقافي "متابعات ثقافية في أدب الأقلام الجديدة"، الروائية والأستاذة أعريبي سعيدة، وذلك في أمسية أدبية مميزة أقيمت بداية الأسبوع الجاري، ​وقد خصص اللقاء للحديث عن تجربتها الروائية الأخيرة "مشاعر للتبني"، التي لاقت اهتماماً واسعاً في الأوساط الثقافية، و​شهدت الأمسية، نقاشاً ثرياً حول أبعاد الرواية ومضامينها، وكشفت الكاتبة أعريبي سعيدة عن الفكرة الجوهرية لـ "مشاعر للتبني"، حيث تناولت قضايا اجتماعية وإنسانية تتعلق بـالاحتياج العاطفي، و ​من جهته أكد رئيس نادي الإبداع الأدبي أن هذا النشاط يأتي في صميم مهمة النادي لدعم "الأقلام الجديدة" وفتح فضاءات للحوار والتفاعل بين المبدعين وجمهورهم.  


المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 03 ديسمبر2025، العدد 3411 في الصفحة 12



الأحد، 30 نوفمبر 2025

جذور مسرحية من أدرار تستلهم التراث الثقافي لمنطقة توات

أنتج المسرح الجهوي لولاية أدرار مسرحية "جذور"، وهي عمل فني مستوحى من رواية "رقوش" للكاتب المعروف الحاج أحمد الصديق (المشهور بالزيواني)؛ المسرحية من تصميم وإخراج يحيا بن عمار،  ​ويأتي هذا العمل ليتوج مجهودات المسرح الجهوي بأدرار للسنة الرابعة على التوالي، وفقا لما صرّح به مدير المؤسسة الحاج مسعود امحمد، وأوضح مدير الإنتاج الحاج مسعود امحمد أن "جذور" هي عمل برفورمنسي (أداء فني) يتضمن لوحات فنية غنية، و تستعرض المسرحية في فصولها عمق الصحراء وأصالة منطقة توات، مع التركيز على إبراز الجوانب الفنية والجمالية والتراثية للمنطقة بأسلوب فني جذاب ومعاصر، و أشار المخرج يحيا بن عمار إلى أن رواية "رقوش" تمثل مزيجا من المقالات والسيرة الذاتية والدراسات الأنثروبولوجية التي استهوت خياله، ووجد "بن عمار" في الرواية "الروح الجميلة التي تذكر بأصالة المنطقة"، وسعى لتقديمها في لباس فني جديد ومعاصر، حيث تبقى جغرافية المنطقة وروح الكتاب حاضرة بقوة على ركح المسرح، و أكد كاتب رواية "رقوش" البروفيسور الحاج أحمد الصديق أن نصه السردي يعكس المجتمع التواتي من خلال مشاهد نحتت في ذاكرته منذ سبعينيات القرن الماضي، و هدفه هو إبراز التراث الثقافي العريق للمنطقة والذي تتضاءل أهميته حاليا بفعل التحول التكنولوجي والعولمة، واعتبر أن هذا العرض المسرحي يمثل إعادة تقديم لعبقرية الإنسان التواتي وتفكيره خلال فترة زمنية مضت، ومن المقرر أن تشارك مسرحية "جذور" في المهرجان الوطني للمسرح المحترف الذي ينظمه المسرح الوطني في نهاية شهر ديسمبر القادم، كما سيتم تنظيم جولة فنية للمسرحية لتشمل مختلف المسارح الجهوية على مستوى التراب الوطني.









































المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 01 ديسمبر2025، العدد 3409 في الصفحة06