الجمعة، 19 ديسمبر 2025

الأستاذ لهشمي محمد بن هيبة بن حمو الطاهر: منارة التربية وحارس القيم في زمن العطاء

في سجلّ الخالدين بأفعالهم، والمنقوشة أسماؤهم في ذاكرة الأجيال بمداد من نور، يسطع اسم الأستاذ المربي لهشمي محمد بن هيبة بن حمو الطاهر، المعروف في الأوساط التربوية والاجتماعية بالسي محمد ولد حمو الطاهر. هذا الرجل الذي لم يكن مجرد موظف في قطاع التربية، بل كان "أمةً في رجل" نذر زهرة شبابه وكامل عطائه لخدمة العلم في مدارسنا.

​ثباتٌ على المبدأ.. وعطاءٌ جاوز الثلاثة عقود

​أفنى "سي محمد" أكثر من 32 سنة من عمره المبارك في رحاب التعليم المتوسط. اثنان وثلاثون عاماً لم ينقطع فيها سيل عطائه، ولم يهن عزمه، ولم يملّ من تكرار الرسالة. في مادة العلوم الطبيعية، كان يبهر تلاميذه بربط العلم بالحياة، وبالدقة في الأداء، محولاً القسم من مجرد حجرة دراسية إلى ورشة لبناء العقول وتشكيل الوعي.

​المربي القدوة: الانضباط عنواناً والأخلاق منهجاً

​إن ما ميّز مسيرة الأستاذ لهشمي سي محمد هو تلك التوليفة الفريدة بين الهيبة الوالدية والصرامة التربوية. كان "سي محمد" مدرسة في الإنضباط؛ يدرك أن الوقت أمانة، وأن التلميذ مرآة لأستاذه. لذا، كان يجسد القدوة في هندامه، في مواعيده، وفي تفانيه الذي لا يعرف الكلل. لم يكتفِ بتلقين الدروس، بل كان الناصح المرشد الذي يقرأ في عيون تلاميذه مخاوفهم وطموحاتهم، فيغرس فيهم الثقة ويحثهم على التميز.

​رؤية استشرافية: التلميذ "رجل المستقبل"

​كانت فلسفة الأستاذ لهشمي سي محمد تقوم على مبدأ عميق: "كل تلميذ هو مشروع رجل مستقبل". لم يكن يتعامل مع الطلبة كأرقام في سجل الغيابات، بل كبذور لنهضة الوطن. بفضل هذا الإيمان، خرجت من تحت يديه أجيالٌ تشغل اليوم مناصب مرموقة، يحملون في قلوبهم صدى صوته، وفي سلوكهم بصمات تربيته الفذة. لقد كان يحرص على تربية الروح قبل حشو العقل، مؤمناً بأن الأخلاق هي الحصن المنيع الذي يحمي العلم من الزلل.

​كلمة وفاء ودعاء

​إنّ الكلمات، مهما بلغت قوتها، تظل قاصرة عن إيفاء الأستاذ: "سي محمد ولد حمو الطاهر" حقه. إنّ كل لحظة صبر فيها على تلميذ، وكل فكرة غرسها في عقل ناشئ، وكل نصيحة أسداها في ممرات المؤسسة، هي اليوم رصيدٌ باقٍ وذكرٌ محمود.

​اللهم جازه عن الإسلام والمسلمين وعن طلبة العلم خير الجزاء. اللهم اجعل تعبه وعرقه وسنوات عطائه في ميزان حسناته، واجعل علمه نافعاً وصدقة جارية له إلى يوم الدين. وبارك اللهم في عمره وذريته، واكتب له القبول في الأرض والسماء.

​خاتمة:

سيبقى اسم "سي محمد ولد حمو الطاهر" محفوراً في وجدان كل من مرّ بمقاعد الدراسة في زمانه، وساماً على صدر المنظومة التربوية، ونبراساً يحتذي به الأساتذة الجدد في الإخلاص والوفاء للمهنة المقدسة.  


اللغة العربية: إرثُ السماءِ ومنارةُ المستقبل

 بسم الله الرحمن الرحيم  والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، تحياتي لجميع المشرفين على مؤسسة أريد عامة و للمشرفين على منصة أريد للعلماء والخبراء و الباحثين الناطقين بالعربية خاصة، وتحية للمنظمين و المشرفين والمديرين لهذه الندوة العلمية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية كلمتي تحت عنوان: اللغة العربية: إرثُ السماءِ ومنارةُ المستقبل

سادتي و سيداتي أيها الحضور الكريم، في هذا اليوم الأغر، الثامن عشر من ديسمبر، نقفُ وقفةَ اعتزازٍ وإفتخار، لنحتفيَ بهويةٍ سكنت الوجدان قبل الألسن، وبحضارةٍ لم تزل تشرقُ ببيانها على العالم أجمع. إننا اليوم لا نحتفل بمجرد كلماتٍ نرددها، بل نحتفي بركنٍ متين من أركان التنوع الثقافي للبشرية، وباللغة التي اصطفاها القدر لتكون وعاءً لأعظمِ القيم الإنسانية، فهي لغة الضاد التي تجمع اليوم تحت لوائها حسب علمي ما يزيد على أربعمائة مليون نسمة، ينطقون بجمالها، ويتنفسون بلاغتها في شتى بقاع المعمورة، فكانت بحق إحدى أكثر اللغات انتشاراً، وأقواها صموداً أمام عوادي الزمن.

​إننا وإذ نحيي اليوم العالمي للغة العربية تحت شعار "مسارات مبتكرة للغة العربية: سياسات وممارسات من أجل مستقبل لغوي أكثر شمولاً"، كما أقرت ذلك هيئة الأمم المتحدة هذه السنة فإننا نعلنُ للعالم أن لغتنا ليست سجينة القواميس العتيقة، ولا حبيسة الذاكرة التاريخية، بل هي لغةٌ تنبضُ بالحياة، وتمتلكُ من مقومات الابتكار ما يجعلها قادرة على قيادة الدفة في عصر التحولات الرقمية الكبرى. إن الشمولية التي نسعى إليها اليوم تعني أن تصبح العربية لغةً للجميع؛ لغةً تحتضنُ العلم، وتطوعُ التكنولوجيا، وتفتحُ آفاق الإبداع أمام الشباب بأساليب غير تقليدية، من خلال سياسات لغوية طموحة وممارسات عملية تجعل من جماليات النحو والصرف طاقةً دافعة للإنتاج المعرفي، لا عائقاً دونه.

​أيها الجمعُ الكريم، إن الواجب يدعونا في هذا اليوم التاريخي إلى أن نؤمن بأن العربية هي جسرنا نحو المستقبل، وأن الحفاظ عليها لا يكون بالجمود، بل باجتراح المسارات المبتكرة التي تدمجها في صلب حياتنا المعاصرة. إنها دعوةٌ لنكون نحن الرائدين في تحديث لغتنا وتمكينها، لتظل صوتاً للشمولية والتسامح، ومنصةً للتواصل الحضاري الذي لا ينقطع. فلنحمل هذه الأمانة بفخر، ولنجعل من لغتنا لغةً للعقل والقلب معاً، ولنكتب بها فصلاً جديداً من فصول التميز الإنساني، فالعربية لم تكن يوماً مجرد ماضٍ نذكره، بل هي غدٌ مشرقٌ نصنعه بأيدينا، وسيظل بيانها يملأ الدنيا ويشغل الناس ما بقيَ فينا عرقٌ ينبض بالعروبة والإبداع، و أكبر إفتخارا للغة العربية أنها لغة كتاب ربنا القرآن الكريم ولغة خاتم الانبياء و المرسلين، وهي اللغة بعد الفناء؛ لغة أهل الجنة. وشكرا للجميع على حسن الإنصات والإستماع، وشكرا لكم على أتاحة هذه الفرصة لي والسلام عليكم ورحمة الله.

كان معكم في هذه المداخلة الباحث بلوافي عبدالرحمن بن هيبه من الجزائر.   


اللغة العربية: فيضُ البيانِ ومستقبلُ الهُوية في يومها العالمي

في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، لا نحتفي مجرد احتفاءٍ بلغةٍ منطوقة، بل نقفُ إجلالاً لظاهرةٍ حضاريةٍ استثنائية، وركنٍ حصينٍ من أركان التنوع الثقافي للبشرية جمعاء؛ فالعربية التي تسكنُ ألسنةَ ما يزيد على أربعمائة مليون إنسان حول المعمورة، ليست مجرد وعاءٍ لنقل الأفكار، بل هي روحٌ تسري في جسد التاريخ، وصوتٌ يترددُ صداه من عمق الصحراء ليبلغ أعلى مقامات المجد العلمي والمعرفي. إنها اللغة التي لم تقف يوماً عند حدود التعبير، بل كانت وما تزال جسراً ممتداً يربط بين حضارات الأمم، ومنارةً أضاءت ليل العصور الوسطى بترجماتها وعلومها وفلسفتها، حتى غدت اليوم إحدى أكثر اللغات انتشاراً وحيوية في العالم المعاصر.

​وفي هذا العام، يرفع شعار "مسارات مبتكرة للغة العربية: سياسات وممارسات من أجل مستقبل لغوي أكثر شمولاً"، ليكون بمثابة بوصلةٍ توجهنا نحو فضاءاتٍ جديدة لا تكتفي باستحضار الماضي المجيد، بل تستشرف آفاقاً لم تكن مطروقة من قبل. إن هذا الشعار يحمل في طياته إيماناً عميقاً بأن لغتنا العربية قادرة على التكيف مع متطلبات العصر الرقمي، وأنها تمتلك من المرونة والاشتقاق ما يجعلها لغةً للذكاء الاصطناعي والبحث العلمي والابتكار التقني. إن الشمولية التي ننشدها اليوم تقتضي منا أن نفتح أبواب اللغة لكل طيفٍ إنساني، وأن نصيغ سياساتٍ لغوية تحمي هذا الإرث وتجعله متاحاً بأساليب تعليمية حديثة وممارسات إبداعية تخاطب عقول الأجيال الجديدة بلغتهم التي يفهمون، وبأدواتٍ تواكب سرعة التحول في هذا العالم المتسارع.

​إن مسؤوليتنا تجاه لغتنا في يومها العالمي تتجاوز حدود الاحتفال العابر، فهي دعوةٌ لإعادة الاعتبار لهذا البيان الساحر الذي يتميز بمفردات الصوت وإعجاز التركيب. إن العربية اليوم تواجه تحديات الاندماج في العولمة الثقافية، وهذا لا يتطلب منا الانغلاق، بل يتطلب اجتراح مسارات مبتكرة تجعل من لغتنا أداةً فاعلة في إنتاج المعرفة لا مجرد مستهلكٍ لها. إنها لحظةٌ لترسيخ السياسات التي تدعم المحتوى العربي الرقمي، ولتطوير الممارسات التي تدمج اللغة في صلب الصناعات الإبداعية، لتبقى العربية دائماً لغةً نابضة بالحياة، وشاملة لكل فئات المجتمع، وقادرة على صياغة مستقبلٍ يليق بعراقتها وجلالها؛ فهي كانت وسوف تظل لغة الضاد التي لا تشيخ، والجمال الذي لا ينضب، والرباط الذي يجمع القلوب على مائدة الفكر والأدب الرفيع.  


غزة ​جرحُ الأرض ونداءُ الضمير صرخةٌ من قلب فلسطين

إن ما يحدث اليوم في قطاع غزة، وفي عموم فلسطين، ليس مجرد أزمة عابرة أو خبراً عاجلاً تتناقله الشاشات، بل هو اختبارٌ تاريخي للضمير الإنساني ومحاكمة علنية لمبادئ العدالة التي يتغنى بها العالم. إنها لحظة الحقيقة التي تتطلب من العالم أجمع -ومن المسلمين على وجه الخصوص- وقفةً تتجاوز حدود الصمت والخذلان.

​نداء إلى العالم: الإنسانية لا تتجزأ

​على العالم أن يلتفت بصدق إلى تلك البقعة الجغرافية الصغيرة التي أصبحت مسرحاً لأبشع صنوف المعاناة. إن دماء الأبرياء، وأنين الأطفال تحت الأنقاض، ودموع الثكالى في غزة، هي وصمة عار في جبين الحضارة الحديثة. لا يمكن للضمير العالمي أن يدعي التحضر وهو يغض الطرف عن إبادة شعبٍ يطالب بأبسط حقوقه: الحق في الحياة، والأمن، والكرامة. إن الصمت هنا ليس حياداً، بل هو انحيازٌ للظلم، وتفريطٌ في القيم الإنسانية المشتركة.

​نداء إلى المسلمين: أمانة العقيدة ورباط الدم

​أما المسلمون، فمسؤوليتهم أعظم وأمانتهم أثقل. إن فلسطين ليست مجرد تراب، بل هي مسرى النبي الكريم وقبلة المسلمين الأولى. إن ما يربطنا بغزة وفلسطين هو رباط العقيدة، والجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

على المسلمين اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن يقودوا حراك "كلمة الحق"، وأن يرفعوا أصواتهم في كل المحافل دفاعاً عن إخوتهم. إن نصرة المظلوم في غزة ليست خياراً سياسياً، بل هي واجبٌ شرعي وأخلاقي يفرضه الانتماء لهذا الدين العظيم.

​كلمة الحق: لا بديل عن الدولة المستقلة

​لقد حان الوقت ليقال "حق الشعب الفلسطيني" بملء الفم، دون مواربة أو تجميل. إن من حق هذا الشعب المناضل أن يعيش في دولة فلسطين المستقلة، وعاصمتها القدس، وأن ينعم بحريته على أرضه كاملة. إن غزة اليوم، بصمودها الأسطوري، تعيد كتابة أبجدية العزة والكرامة، وتثبت أن إرادة الشعوب لا تُقهر بآلات الدمار.

​إن التاريخ لن يرحم الصامتين، والذاكرة الإنسانية لن تنسى من خذل المظلوم في ساعة عسرته. فلتكن كلماتنا سهاماً من حق، ولتكن مواقفنا دروعاً تحمي ما تبقى من كرامة في هذا العالم.  


 رسالة إلى الضمير العالمي: عن الصغار الذين كبروا قبل أوانهم


​إلى كل من يملك منصة، إلى كل من يدعي الإنصات، وإلى العالم الذي يغمض عينيه حين يشتد الضوء في فلسطين..

​نكتب إليكم لا لنشرح الألم، فالألم في فلسطين صار لغةً يومية، بل لنحكي عن "الظلم المزدوج"؛ ظلم الرصاصة التي تخترق الجسد، وظلم الصمت الذي يغتال الحكاية.

​هل تساءلتم يوماً كيف يمكن لطفلٍ أن يحمل ذاكرةً تزنُ قرناً من الأسى وهو لم يتجاوز العاشرة؟ في فلسطين، لا يسقط الأطفال في فخ النسيان، بل يسقطون في فخ "الذاكرة المنفردة". يمتلكون أثقل القصص، وأدق التفاصيل، وأصدق الدموع، لكنهم لا يجدون منبراً يُقام فيه حدادٌ محترم على أحلامهم الموءودة. يواجهون العالم بصدورٍ عارية وعيونٍ رأت من الفجائع ما لا تحتمله الجبال، ومع ذلك، تُغلق في وجوههم المنصات، وتُكسر العدسات التي تحاول نقل الحقيقة كما هي، بلا تجميل أو تزييف.

​المأساة ليست في البكاء.. بل في الكلام الذي لا يُقال

​إن الفرق بين وجعٍ وآخر ليس في كمية الدم النازف، بل في "حق التعبير عن النزف". أطفالنا لا يُقاطع كلامهم بالبكاء فحسب، بل يُقاطع بالتجاهل المتعمد، ويُمنع صوتهم من العبور خلف الحدود، ليظلوا سجناء حكاياتهم، يحرسون ذكرياتهم وحدهم تحت الأنقاض وفي خيام النزوح.

​إننا نتساءل:

​كم طفلاً آخر يجب أن يشيخ قلبه قبل أن تلتفت إليه آذانكم؟

​متى تصبح "العدسة المرفوعة" التزاماً أخلاقياً لا يتأثر بهوية الضحية؟

​متى يجد هؤلاء الصغار صمتاً يليق بجلال فقدهم، بدلاً من الضجيج الذي يحاول طمس هويتهم؟

​إن الذاكرة الفلسطينية ليست مجرد أطلال، بل هي وصية. وإن ترك هؤلاء الأطفال يحفظون ذاكرتهم وحدهم هو خذلانٌ لن يغفره التاريخ. إنهم لا يحتاجون شفقة، بل يحتاجون عدالة؛ عدالة تمنحهم الحق في أن يُسمعوا، وفي أن تظل قصصهم نابضة كقلوبهم التي ترفض الانكسار.

​ختاماً..

ستبقى الحكاية حيّة، ليس لأن العالم أنصفها، بل لأن أصحابها يرفضون الموت بصمت. فهل من آذانٍ تصغي لهذا الثقل الذي لا يُحتمل في فلسطين عموما وفي غزة خصوصا؟. 


ذاكرةٌ أثقلُ من الطفولة: حين يشيخُ القلبُ قبل ملامح الوجه

في فلسطين لا يُقاس العمر بالسنوات، بل بحجم القصص التي ينوء بها كاهل الصغارهناك يولد الطفل بقلبٍ مثقوبٍ من أثرِ الفقد، وبذاكرةٍ لا تتسع لها سنوات عمره الغضّ إنهم أطفالٌ يحملون في حقائبهم المدرسية —إن بقيت— بقايا صورٍ، ومفاتيح بيوتٍ لم تعد موجودة، وحكاياتٍ لو وُزعت على العالم لأبكت الحجر، لكنها في غزة والقدس وجنين تُدفن في صدور أصحابها بصمتٍ مهيب.

​ألمٌ بلا منبر.. وشهودٌ بلا منصة

​المأساة ليست في نقص الألم، بل في غياب "الصمت المحترم" الذي يستحقونه، فالعالم الذي يدّعي الإنصات، غالباً ما يُدير ظهره حين تكون الضحية فلسطينية، فتتحول صرخاتهم إلى مجرد أرقام في شريط أخبارٍ عابر، وتُغلق أمامهم المنصات التي تتباكى على جراحٍ أخرى في بقاعٍ شتى.

​القصص متوفرة: في كل زقاق قصة بطلٍ صغير واجه دبابة بابتسامة حزينة.

​الشهود حاضرون: عيون الأطفال التي رأت ما لا يجب أن يراه بصر بشر.

​العدسات الغائبة: تلك التي تنطفئ حين تشتد الحقيقة، وتتوارى حين يحين وقت كشف وجه الظلم القبيح.

​صوتٌ مخنوق وذاكرةٌ وحيدة

​الفرق الجوهري ليس في عمق الوجع، فالوجع الإنساني واحد، لكن الفرق يكمن في "إذن العبور" للصوت. هناك من يُمنح ميكروفوناً عالمياً ليحكي عن خدشٍ بسيط، وهناك طفلٌ فلسطيني يلملم أشلاء حلمه، ويُترك ليحفظ ذاكرته وحده، دون أن يجد أذناً تصغي أو قلباً يتسع لفيض مرارته.

​إن هذا الصمت العالمي ليس مجرد عجز، بل هو تواطؤٌ يقتل الطفل مرتين: مرةً بالرصاص، ومرةً بالتجاهل.

​"ليس أوجع من أن تعيش مأساةً تفوق لغة البشر، ثم لا تجد من يصدق أنك تألمت، أو من يمنحك حق البكاء بصوتٍ مسموع."

​خاتمة: إنصاف الحكاية

سيظل الطفل الفلسطيني هو الشاهد الأكبر، حتى لو انكسرت العدسات وصُمّت الآذان. ذاكرتهم ليست للإيجار ولا للنسيان، هي حقٌ سيُروى يوماً ما حين يدرك العالم أن التاريخ لا يكتبه المنتصرون بالصمت، بل الصامدون بالحقيقة.  


مناراتُ الأصالة سلفيةُ الإصلاحِ وصوفيةُ الإحسان

في مسيرة هذه الأمة الخالدة، لا يصح السير ولا تثبت القدم إلا بالجمع بين نور الوحي وسلامة القلب. إن المنهج الذي نعتنقه ونفخر به ليس غريباً عن روح الإسلام، بل هو الروح ذاتها متجسدة في فكر عميق وسلوك قويم. إنه منهج يرفض التطرفين، ويأبى الإفراط والتفريط: إنه طريق الوسطية المنضبطة والأصالة الواعية.

​أولاً: سلفية الإمام مالك والشيخ ابن باديس: بناء لا هدم

​سلفيتنا ليست مصطلحاً جامداً أو دعوة انعزالية، بل هي محاولة حثيثة للعودة الصادقة إلى النبع الصافي، لكن من خلال عدسة فهم الأئمة الأعلام.

​نحن أحفاد مالك:

إن سلفيتنا مستمدة من مدرسة الإمام الجليل مالك بن أنس رضي الله عنه، إمام دار الهجرة، الذي وضع الأسس الفقهية المتينة القائمة على عمل أهل المدينة، والتزام النص في ظل المصلحة المعتبرة. مدرسة ترفض الغلو في التأويل، وتنبذ الجمود في النص، وتجمع بين النقل والعقل ببراعة المتبصر. فالسلفية الحقة هي فقه متين قبل أن تكون مجرد شعار.

​نحن ورثة ابن باديس:

هذا المنهج الأصيل وجد تجديده المشرق على يد شيخنا المصلح المجدد عبد الحميد بن باديس رحمه الله. فقد كانت سلفيته دعوة إلى اليقظة الشاملة، لتحرير للعقول من التقليد الأعمى، وإصلاح للتعليم، ومحاربة للخرافات التي أثقلت كاهل الأمة. سلفيته هي الحركة الإصلاحية التي تتخذ من الوحدة الوطنية والدعوة إلى العلم، أسمى غاياتها.

​في رفض الغلو:

نحن نعتقد جازمين أن سلفية القرآن والسنة هي سلفية الرحمة والتأليف، لا سلفية التكفير والتبديع. نرفض رفضاً قاطعاً المنهج الذي يتسرع في إخراج الناس من الملة، أو يطلق أحكام البدعة على كل عمل حسن لم يُقصد به التشريع، بل هو مجرد عادة أو سلوك طيب. إن وظيفة المسلم هي البناء لا الهدم، والتيسير لا التعسير، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا". هذه هي سلفية الاحتواء والإحسان، لا سلفية الإقصاء والعدوان.

​ثانياً: صوفية الحسن البصري والشيخ بلكبير: تزكية لا شطح

​أما في تزكية الأرواح وتطهير القلوب، فإن طريقنا هو طريق الإحسان، وهو التصوف الحقيقي الذي لا يشوبه زيف ولا يداخله انحراف.

​على خطى الزاهدين:

إن صوفيتنا مستمدة من مدرسة الإمام الزاهد الحسن البصري رضي الله عنه، الذي كان رمزاً للخشية العميقة، والزهد الحقيقي في متاع الدنيا الفانية، والعمل الخالص لله تعالى. تصوفٌ يركز على الورع في المطعم، والصدق في القول، والإخلاص في العمل. إنها حالة قلبية تترجم إلى سلوك اجتماعي قويم، لا مجرد طقوس وشكليات.

​منهج التربية الروحية:

وفي عصرنا الحديث، نجد هذا المنهج الأصيل متجسداً في تربية شيخنا العارف بالله سيدي محمد بلكبير رحمه الله. مدرسة ربانية تقوم على الذكر المستمر، والتربية الصادقة، والانضباط الروحي الذي يقود إلى صفاء السريرة ووضوح البصيرة.

​التصوف المنضبط:

نحن لسنا من صوفية الشطحات اللفظية التي تخرج عن حدود الأدب الشرعي، ولا من صوفية الرقصات والمظاهر التي تشغل عن حقيقة الذكر وحلاوة المناجاة. إن التصوف الحقيقي هو جهاد النفس المستمر، والانقطاع لله في خلوة صادقة بعيداً عن صخب الشهرة. هو الوصول إلى درجة الإحسان، "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". هذا هو لب التصوف الذي نحمله، تزكيةٌ للنفوس، وارتقاء بالهمم نحو معالي الأمور.

​حصاد المنهج: الوسطية التامة

​إن اجتماع هذه الأصول هو سر قوتنا وتميز منهجنا:

​السلفية تضمن لنا صحة المصدر وسلامة الفقه.

​التصوف يضمن لنا طهارة القصد ونقاء الروح.

​نحن نسعى لأن نكون ورثة الأئمة الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح. نمد أيدينا بالرحمة والمحبة للجميع، ندعو إلى التزام السنة دون غلو، وإلى تزكية النفس دون انحراف. هذا هو منهجنا الأصيل؛ منارة تضيء طريق الأمة نحو الوحدة والبناء والارتقاء الروحي والمادي.  


الأربعاء، 17 ديسمبر 2025

زاوية الإمام علي بن أبي طالب بعين صالح تستعد لتنظيم الملتقى السنوي الثامن عشر

تستعد ولاية عين صالح لاحتضان واحد من أبرز الأحداث الدينية والعلمية في المنطقة، وهو "الملتقى السنوي الثامن عشر" الذي تنظمه زاوية الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه،  لإحياء الذكرى العطرة لوفاة شيخ الزاوية المغفور له بإذن الله، الشيخ محمد بن عبد الرحمن الزاوي رحمه الله، ​ينظم الملتقى تحت الرعاية السامية لوزير الشؤون الدينية والأوقاف، الأمر الذي يؤكد على الأهمية الكبرى لهذه الفعاليات في المشهد الديني والاجتماعي الوطني، كما يتم تنظيم الملتقى تحت الإشراف المباشر لوالي ولاية عين صالح، مما يضمن توفير كافة التسهيلات اللازمة لإنجاح هذا الحدث العلمي والروحي، و​من المقرر أن تنظم فعاليات الملتقى على مدار ثلاثة أيام متتالية، تبدأ من يوم 19 وتستمر حتى 21 ديسمبر 2025. وسيحتضن فعاليات الملتقى المعهد الإسلامي بعين صالح هذه التظاهرة الكبرى، و من المتوقع أن يشارك في الملتقى عدد كبير من العلماء، والباحثين و المريدين، وشيوخ الزوايا من مختلف أنحاء الوطن، وبهدف الملتقى بشكل أساسي إلى استذكار سيرة ومآثر الشيخ محمد بن عبد الرحمن الزاوي رحمه الله، الذي كرس حياته لخدمة الدين والعلم ونشر الفضيلة، ولعب دوراً محورياً في إشعاع الزاوية كمنارة للفقه والتربية الروحية في المنطقة، كما سيكون الملتقى فرصة لتبادل المعارف، ومناقشة القضايا الدينية والاجتماعية المعاصرة، وتأكيد دور الزوايا في المحافظة على الهوية الدينية والوطنية.    ​


والي أدرار في زيادة عمل وتفقد لبلدية تيط

قام والي ولاية أدرار، يوم الثلاثاء 16 ديسمبر 2025، بزيارة عمل وتفقد لبلدية تيط، استهدفت مراقبة تقدم المشاريع الحيوية التي تمس مباشرة معيشة المواطنين في المنطقة،  وشملت الزيارة معاينة مشروع عصرنة الطريق الوطني رقم 52 (50 كلم) لربط المنطقة بحدود ولاية عين صالح، و​تفقد مشروع تثبيت الكثبان الرملية على مسافة 3 كلم لمكافحة التصحر، وتوسعة مطعم المدرسة الابتدائية الشهيد مصطفى بن بولعيد، وتوسعة المدرسة القرآنية خالد بن الوليد، و​تفقد كذلك مشروع إعادة تهيئة العيادة متعددة الخدمات لبلدية تيط، وعاين أشغال إنجاز جناح إداري بثانوية المجاهد بن عبد الكريم بابا، ووقوف على مشروع إنجاز 70 مسكن عمومي إيجاري،  ​تفقد مشاريع تشجير الأرقان عبر شبكة السقي بالتقطير على مساحات إجمالية تفوق 13 هكتار، وأكد على ضرورة تسريع وتيرة الإنجاز والحرص على جودة العمل، مشدداً على أن التنمية في المناطق النائية تظل أولوية قصوى، وأختتم الوالي زيارته بلقاء مفتوح مع فعاليات المجتمع المدني ببلدية تيط، وأستمع إلى إنشغالات السكان.   


الصندوق الوطني للتقاعد بأدرار يطلق الأسبوع الرابع للمساعدة الاجتماعية لتعزيز القرب من المتقاعدين

أطلقت الوكالة المحلية للصندوق الوطني للتقاعد (CNR) بولاية أدرار، صباح يوم 14 ديسمبر 2025، فعاليات الأسبوع الرابع للمساعدة الاجتماعية، وتُعد هذه المبادرة دورية وهادفة، حيث تسعى لتعزيز التواصل المباشر وتسهيل استفادة فئة المتقاعدين وذوي حقوقهم من مختلف الخدمات الإدارية والاجتماعية التي يقدمها الصندوق، ​يمتد هذا الأسبوع من 14 إلى غاية 20 من الشهر الجاري، ويتم خلاله تسخير كافة الإمكانيات البشرية والمادية للوكالة لضمان التكفل الأمثل بهذه الشريحة الهامة من المجتمع، وضمان تقديم خدمة عمومية ذات جودة عالية مع تفادي الاكتظاظ، ​وفي تصريح لمدير الصندوق الوطني للتقاعد بوكالة أدرار، بوفارس علاوي محمد، أكد أن تنظيم هذه الطبعة الرابعة يأتي استجابة للحاجة المتزايدة لتعزيز القرب من المتقاعدين وتقديم الدعم اللازم لهم في بيئة مُريحة ومُيسَّرة، ونهدف من خلال هذا الأسبوع إلى رفع المعيقات التي تواجه متقاعدينا، وتوفير كافة الإرشادات، وتصفية الوضعيات الإدارية العالقة، وهو ما يعكس التزام الصندوق بالبعد الاجتماعي والخدماتي للمتقاعدين.

​السيد بوفارس علاوي محمد، مدير وكالة CNR أدرار، و​تركز فعاليات الأسبوع الرابع للمساعدة الاجتماعية على تقديم حزمة من الخدمات الشاملة، تشمل إرشاد المتقاعدين الجدد والقدامى بخصوص حقوقهم وشروط الاستفادة من مختلف الخدمات، و مراجعة وتصفية الملفات الإدارية والمالية العالقة، وتسريع إجراءات الحصول على المعاشات والمخلفات، وتقديم معلومات حول برامج الدعم الاجتماعي التي يوفرها الصندوق لفائدة المتقاعدين، خاصة فيما يتعلق بالمنح والمساعدات الاستثنائية، ​ويؤكد القائمون على المبادرة على استعداد كافة أطقم الوكالة للتكفل بجميع استفسارات وطلبات المتقاعدين طيلة فترة هذا الحدث الاجتماعي الهام،    وفي إطار عصرنة المرفق العمومي، يضع الصندوق الوطني للتقاعد خدمة المساعدة الاجتماعية في البيت عن بعد من خلال تطبيق الهاتف المحمول  تقاعدي وفضاء المتقاعد، تسمح للمتقاعد من طلب مختلف التجهيزات عن بعد، فضلا عن تحديد موعد لزيارة المتقاعد من طرف المساعد الاجتماعي.   



الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025

رثاءٌ على ضفة الحلم المكسور: لهشمي مولاي الشريف وردةٌ ذبلت في ريعان العمر

في خضم الحياة، تنسج الأقدار خيوطها بدقة غامضة، فتارةً تبسط السعادة، وتارةً تقبض الأرواح في لحظة لا يتوقعها الحسبان، نقف على ضفة الحزن، نستقبل فاجعةً قاصمةً أدمت قلوب أهل أولف الكبير، بل وكل من عرف الشاب لهشمي مولاي الشريف بن محمد بن مولاي هيبة بن حمو الطاهر. لقد كانت حياته فصلاً قصيراً في كتاب الزمن، فصلاً مليئاً بالبراءة، والطموح، وبذور المستقبل التي لم تجد فرصة لتزهر.

ف​في الرابع عشر من ديسمبر لعام ألفين وخمسة وعشرين، انطفأت شمعة، وتوقف نبضٌ كان يعد بالخير في نظري، انطفأت في حادث سير أليم بتمنراست. يا لها من مفارقة موجعة! أن تُصبح وجهة السفر هي نقطة اللاعودة، وأن يتحول مسار الحياة إلى طريق نحو الأبدية. لقد كان لهشمي مولاي الشريف يحمل في طياته سيرةً لم تُكتمل، وحلماً لم يبلغ قمته.

​كانت تربطه بي كمربي، الذي خطّ هذه الكلمات الموجعة، وشيجة القرابة العميقة؛ "أبوه والده إبن عمتي"، وهي قرابة تضاعف اللوعة وتعمق الجرح. هذا الرابط العائلي المتشابك يلقي بظلاله الثقيلة على مشهد الوداع، فما أشد فقد القريب، وما أقسى رحيل من كان يوماً زهرة من زهور العائلة الغضة، لهشمي مولاي الشريف بن محمد ، لم يكن مجرد اسم يمر، و كانت بداياته ترسم ملامح شابٍ على أعتاب المستقبل، شابٌ عبر مقاعد متوسطة سماعيلي الشريف أولادالحاج ببلدية تمقطن، تلك المؤسسة التربوية، التي شهدت خطاه الثانية في مسيرة التعلم، وتلك الفصول التي احتضنت أحلامه، لقد غادرها، موجهاً نحو التكوين المهني، حاملاً معه شهادة إيمانه بأهمية بناء الذات وتشكيل الغد.

​لكن الكلمات، تبقى أقوى من كل النسيان، تلك الجملة التي تركت أثراً عميقاً في قلب كمربي قالها لي ذات يوم: ( أسمحوا لنا أتعبناكم عندما كنا ندرس ) يا لعمق البراءة في هذه العبارة! إنها ليست مجرد اعتذار، بل هي جوهر التقدير الذي يحمله التلميذ لجهد مربيه. هي جملة تفيض بالود، وتختزل العلاقة المقدسة بين المربي والطالب. إنها اعتراف عفوي، ظل يتردد صداه في وجداني كمربي، رغم  عقابي له في بعض الحالات لأن فهم بعد ذلك بما لايدع مجال الشك أن عقابي له كان لمصلحته ولم يكن تعديا عليه  ولا ظلم له لذلك  قال تلك العبارات ( أسمحوا لنا أتعبناكم عندما كنا ندرس ) ومن ذلك اليوم كلما ألتقيته قبل يدي، ليصبح هذا الشاب الفقيد رمزاً لجيلٍ يحمل في قلبه الاحترام والوفاء.

​اليوم، وقد غاب الجسد، فإن الأثر لا يغيب. كيف يغيب وهو يحمل كل هذا الشجن؟ لهشمي مولاي الشريف، أصبح قصة تروى عن قصر الحياة وطول الأثر. رحيله يذكرنا بأن الأعمار مهما طالت هي في قبضة الخالق، وأن الفراق لا يعرف سناً ولا موعداً. إنها صرخة في وجه الحياة، تعلمنا أن نعيش كل لحظة بصدق وود، كما فعل لهشمي مولاي الشريف بكلماته الرقيقة الأخيرة وفعله الحسن بتقبيل اليد.

​لم يكن في الحادث وحده بل كان معه آخر يدعى بن الشيخ من إينغر،  وكان الحادث الفاجعة التي أودت بحياتهما، و لا نملك إلا أن نرفع الأكف تضرعاً إلى الله.

​اللهم يا واسع الرحمة والغفران، يا من بيده ملكوت كل شيء، ارحم عبدك لهشمي مولاي الشريف ومن مات معه رحمةً واسعة، واغفر لهما ذنوبهما، ونقهما من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس.

​اللهم أسكنهما الفردوس الأعلى في الجنة، جزاءً لهما بطيب أصلهما. واجعل قبر كل واحد منهما روضةً من رياض الجنة، وألهمنا و أهلهما وذويهما ومحبيهما صبراً جميلاً وسلواناً عظيماً. إنا لله وإنا إليه راجعون.  


الاثنين، 15 ديسمبر 2025

رسالة النور: حين يلتقي الصدق بالعلم والثقافة

"حين يخط القلم من عمق الروح، لا ليُجاري السائد، بل ليُضيء المجهول، يتحول الحبر إلى نبع حكمة يرتوي منه العطشى للمعرفة والطمأنينة."

​إن رسالتنا ليست مجرد كلمات؛ إنها عهدٌ بالصدق، وإعلانٌ بأن القلب هو البوصلة الأولى. حين نكتب من القلب بصدق، فإننا لا نُقدم معلومة مجردة، بل نُقدم تجربة إنسانية مُعاشة، مُغلَّفة بشفافية لا تخشى الضعف ولا تُبالغ في القوة. هذا الصدق هو القوة الخفية التي تفتح الأبواب المُغلقة في وعي الآخرين.

قُوة التأسيس: العلم والثقافة جناحان لا غنى عنهما

​لكن هذا الصدق، لكي يكون له صدىً عميق وتأثيرٌ مستدام، يجب أن يتكئ على ركائز صلبة:

​العلم: هو الميزان الذي يضمن أن يكون النور الذي نبعثه هو نور الحقيقة، لا وهج الخيال. فالمعلومة المُوثقة، والتحليل المنطقي، والفهم العميق للقوانين التي تحكم هذا الكون، هي الخلاصة الفكرية التي تُحول العاطفة الجياشة إلى حكمة قابلة للتطبيق.

​الثقافة: هي المِصباح الذي يُنير زوايا التجربة الإنسانية. فهي تمنحنا القدرة على ربط الماضي بالحاضر، ورؤية السياق الأوسع لكل كلمة. الثقافة تمنح الكاتب العمق، وتجعله قادراً على مخاطبة ليس فقط عقل القارئ، بل وتاريخه الجمعي وشوقه للأصالة.

الإضاءة المُؤثرة: هدف الكاتب الصادق

​هدفنا حين نجمع بين هذه الأركان هو أن نكون مهندسي النور.

​نحن لا نكتب لنُثير الجدل أو لنُلاحق الشهرة، بل لنُصبح مفاتيح تُفتح بها الأقفال الفكرية:

​ننير الطريق أمام الحائرين بتقديم خريطة فكرية واضحة المعالم.

​نُحفز الشجاعة في نفوس المترددين بعبارات تنبض بالإيمان بإمكانية التغيير.

​نُعمِّق التأمل في أذهان الغافلين بلمحات من الجمال والعمق الكامنين في الحياة.

​ليست الكتابة الصادقة المدعومة بالعلم والثقافة مجرد هواية، بل هي مسؤولية نبيلة؛ إنها صناعة اليقين في عالم يرتجف من الشك. فلنتقدم إذن، بقلب نابض بالصدق وعقل مُتزن بالعلم، ولنجعل من كل كلمة نكتبها شُعلة أمل لا تنطفئ.  

المركز الوطني للمخطوطات بأدرار ينظم ملتقاه السابع

شرع  أمس الاثنين، 15 ديسمبر 2025، في تنظيم فعاليات ملتقاه العلمي السابع، الذي تستمر  أشغاله إلى غاية اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر 2025، ويأتي هذا الملتقى العلمي الهام في إطار النشاطات العلمية والثقافية الدورية التي ينظمها المركز بهدف إثراء النقاش حول سبل الحفاظ على الذاكرة الوطنية المكتوبة وتثمينها، وينعقد الملتقى السابع للمركز تحت عنوان: "التراث الجزائري المخطوط بين الدراسة النظرية وتقنيات الحفظ". ويسعى هذا العنوان إلى وضع إشكالية المخطوط الجزائري في سياق مزدوج؛ يجمع بين الجانب الأكاديمي المتخصص في البحث والتحقيق، والجانب التطبيقي المتعلق بالصيانة والترميم باستخدام أحدث التقنيات، ​وقد استقطب الملتقى نخبة من الباحثين والأكاديميين والتقنيين المهتمين بهذا المجال الحيوي، حيث تركزت المداخلات والمحاور على أهمية تعميق الدراسة النظرية للمحتوى المعرفي والتاريخي لهذه المخطوطات، بالتوازي مع استعراض الطرق المثلى والمتقدمة في مجال الحفظ والرقمنة والمعالجة الفيزيائية للمخطوطات لضمان بقائها، ​ويؤكد المركز الوطني للمخطوطات، من خلال تنظيمه لهذا الملتقى، التزامه الدائم بوضع التراث المخطوط في صلب اهتماماته العلمية، مساهما بذلك في بناء جسر بين الماضي العريق والمستقبل، وضمان تسليم هذا الإرث الثمين للأجيال القادمة في أفضل حالاته، ومن المتوقع أن تختتم أشغال الملتقى اليوم بجملة من التوصيات التي سترسم خارطة طريق لجهود المركز والمؤسسات الشريكة في السنوات القادمة.     



يوم إعلامي ناجح للجمعية الجزائرية لتنظيم الأسرة في أدرار

​اختتمت لجنة ولاية أدرار للجمعية الجزائرية لتنظيم الأسرة فعاليات يومها الإعلامي الذي أقيم بنجاح يوم الأحد 14 ديسمبر 2025، في إطار تفعيل برنامج نشاطاتها السنوي لسنة 2025، واحتضت فعاليات اليوم الإعلامي، فندق باب المدينة قرب جامعة أحمد دراية بأدرار، في تمام، وتمحور الهدف الأساسي اليوم الدراسي حول التعريف ببرامج وأهداف الجمعية التي تخدم الصالح العام، وخلال الجلسات تم التركيز على المحاور التي ترتكز عليه خطة الجمعية الاستراتيجية للفترة الممتدة من 2023 إلى 2028، حيث تم تقديم شروحات وافية حول الأهداف والتطلعات المستقبلية للجنة الولائية في أدرار، وأعربت اللجنة، في ختام فعاليات اليوم الإعلامي، عن شكرها وتقديرها لجميع  الحاضرين لمشاركتهم التي أثرت النقاش ويرجى منها إيصال رسالة الجمعية وأهدافها إلى أوسع نطاق.     




مكتبة المطالعة العمومية بأولف تُحيي ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر بقراءة كتاب حول مجموعة الـ 22 التاريخية

أحيت مكتبة المطالعة العمومية بأولف، التابعة لمديرية  والفنون لولاية أدرار، الذكرى الـ 65 لـ مظاهرات 11 ديسمبر 1960 المجيدة، وذلك بتنظيم جلسة ضمن فعاليات منتدى الكتاب51، خصصت لقراءة ومناقشة كتاب هام حول تاريخ الثورة الجزائرية، و​جرت الفعالية يوم الأحد 14 ديسمبر 2025، وتمحورت الجلسة حول قراءة كتاب: "تعريفات مختصرة عن مجموعة 22 التاريخية لثورة أول نوفمبر 1954 الجزائرية"، للمؤلف الأستاذ بلوافي عبد الرحمن بن هيبه، استُهلت الجلسة بتلاوة عطرة لآيات من الذكر الحكيم، تلتها قراءة مختصرة لسيرة المؤلف، وقدّم الأستاذ عبد الباسط يومة، أستاذ التاريخ والجغرافيا للتعليم الثانوي، مداخلة قيّمة عَرّف فيها بالكتاب وسلط الضوء على أهميته التاريخية، مقدماً ملاحظاته الأكاديمية على المحتوى، وبدوره، تناول مؤلف الكتاب، الأستاذ بلوافي عبد الرحمن بن هيبه، الكلمة، معرباً عن شكره الجزيل للمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية أدرار، ومكتبة أولف تحديداً، على جهودها الكبيرة في ترسيخ فعل القراءة والمقروئية وتنظيم مثل هذه الجلسات النوعية، كما قدم الأستاذ بلوافي تعقيباً ثرياً، شارحاً ظروف تأليف الكتاب والدوافع وراء تسليط الضوء على شخصيات "مجموعة الـ 22" التي فجّرت ثورة، واختُتمت الجلسة بنقاش مستفيد ومفتوح بين المؤلف والأساتذة والحضور، حيث تم تبادل الرؤى والأفكار حول ما جاء في الكتاب ودور تلك الشخصيات المحورية في تاريخ الجزائر، وفي الختام وتثميناً لجهودهم في إثراء المنتدى المعرفي، تم تسليم شهادتي شكر وتقدير للمؤلف بلوافي عبد الرحمن بن هيبه، وللأستاذ عبد الباسط يومة مقدم القراءة في الكتاب، وتؤكد هذه المبادرة الثقافية دور المكتبة العمومية في أولف كمنارة للعلم والمعرفة، وحرصها على ربط الأجيال بتاريخهم المجيد والمساهمة في حفظ الذاكرة الوطنية، خاصة في المناسبات التاريخية الهامة كذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960.  





السبت، 13 ديسمبر 2025

والي أدرار في جولة عمل لبلدية بودة

في إطار متابعة وتجسيد المشاريع التنموية على مستوى ولاية أدرار، قام والي أدرار ضويفي فضيل ايوم السبت 13 ديسمبر 2025، بزيارة عمل وتفقد إلى بلدية بودة، وتضمنت الزيارة سلسلة من المحطات الهامة التي مست قطاعات التعليم، الإسكان، والصحة، بالإضافة إلى لقاءات تفاعلية مع المجتمع المدني، وكانت المحطة الأولى للوالي بإشرف على وضع حجر الأساس لمشروع استكمال مجمع مدرسي بالمنصور، ما يعكس التزام الولاية بتعزيز المنشآت التربوية، وبعد ذلك تفقد سير إنجاز عدد من المشاريع السكنية ذات الطابع العمومي والخاص، وهي ​35 مسكن عمومي إيجاري بقصر المنصور، حيث  قام بزيارة معاينة للمشروع للتأكد من تقدم الأشغال، و​35 مسكن عمومي إيجاري بقصر الغمارة، تم كذلك تفقد هذا المشروع السكني الهام، و​تفقد وعاين مشروع إنجاز ثانوية 1000 مقعد بالمنصور، ووضع الحجر لإنحاز ​مشروع إنجاز مدرسة قرآنية خاصة، و​في الفترة المسائية، وبعد الساعة الثانية ظهراً، تم تخصيص جزء من البرنامج لتفقد قطاع الصحة، حيث قام الوالي والوفد المرافق له بزيارة معاينة وتفقد لمشروع تأخر إنجازه وهو عيادة متعددة الخدمات بين ذراوعو، وتؤكد هذه الخطوة حرص السلطات على تدارك التأخرات والعمل على توفير التغطية الصحية اللائقة للمواطنين، و​اختتمت الزيارة بلقاء مفتوح وفعال مع فعاليات المجتمع المدني، بهدف تعزيز جسور التواصل والاستماع المباشر لانشغالات وتطلعات سكان بلدية بودة.   




المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 14 ديسمبر2025، العدد 3418 في الصفحة 06


دائرة أولف تحيي الذكرى 65 لمظاهرات 11 ديسمبر 1960

في إطار إحياء الذكرى الخامسة والستين لمظاهرات 11 ديسمبر 1960، وتحت شعار: " انتفاضة شعب"، شهدت دائرة أولف مراسيم رسمية لرفع العلم الوطني في ساحة أول نوفمبر، أشرف على هذه المراسيم الطالب علي عبد الكريم، رئيس دائرة أولف، بحضور السلطات المحلية للدائرة وممثل الشؤون الدينية، إلى جانب ممثلي الكشافة الإسلامية الجزائرية وغيرها من الشركاء الاجتماعيين، و​تم خلال الفعالية رفع العلم الوطني وقراءة فاتحة الكتاب ترحماً على أرواح شهداء الثورة الأبرار، تأكيداً على التمسك بالذاكرة الوطنية والوفاء لتضحيات الشعب الجزائري، هذا و تمت الإحتفالات بالذكرى على مستوى الولاية في ذات اليوم تحت إشراف السلطات المحلية للولاية أدرار. 


المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 14 ديسمبر2025، العدد 3418 في الصفحة 06




جمعية ميراث الأجداد تحتفي بالمشاركين في احتفالات المولد النبوي الشريف

نظمت جمعية ميراث الأجداد للنشاطات الثقافية والإبداع الفني والمرأة المنتجة بأدرار حفلا تكريما مرتبط بذكرى المولد النبوي الشريف، وذلك يوم  الأربعاء 10 ديسمبر 2025، بفندق قلاكسي بمدينة أدرار، وجاء هذا الحفل على شرف جميع المشاركين الذين أسهموا في إنجاح الاحتفالات الدينية والثقافية بمناسبة المولد النبوي الشريف، ونظمت الجمعية حفل التكريم، بإشراف مديرية الشباب والرياضة لولاية أدرار، وبالتنسيق الفعّال مع الرابطة الولائية للنشاطات الثقافية والعلمية بأدرار، واحتصنت فعالياته دار الشباب هواري بومدين أدرار، وكانت النشاطات التي تم الاحتفال بتكريم أصحابها تمت في الفترة من يوم 16 إلى 18 سبتمبر لسنة 2025، و​تميزت الأنشطة التي نُظمت تحت شعار:  ( نبينا قدوتنا ) بثرائها وتنوعها، عاكسةً البعد الروحي والثقافي لهذه المناسبة الجليلة، لذلك كان هدف حفل التكريم تثمين الجهود الكبيرة التي بذلها المشاركون من مؤطرين وفنانين ومتطوعين، وألقيت كلمات في حفل التكريم أكدت على أهمية هذه المبادرات في تعزيز الوعي الثقافي والديني حول سيرة النبي الكريم، وتشجيع المواهب الشابة في مجالات الإبداع الفني والثقافي، وكذلك غرس القيم النبيلة والقدوة الحسنة في نفوس الناشئة، وفي ختام الحفل، تم توزيع شهادات الشكر والتقدير والهدايا الرمزية على كافة المساهمين، مع التأكيد على استمرار هذه الشراكات لدعم الأنشطة التي تخدم المجتمع المحلي وتصون موروثه الأصيل.   




الخميس، 11 ديسمبر 2025

التلميذ هو محور العملية التربوية والتعليمية

إن التربية والتعليم ليستا مجرد مهمة، بل رسالة سامية تستوجب تضافر الجهود،و منهجنا في التربية والتعليم يقوم على الشراكة المقدسة بين البيت والمدرسة، ونحن نمد أيدينا للأولياء، طالبين عونهم وتعاونهم الكامل في صقل شخصية الطالب ومرافقته مسيرته التربوية والتعليمية، و نعتبر الولي شريكا أساسيا لا غنى عنه في بناء مستقبل هذا الجيل.

​ولكن، عندما تحتدم المسؤوليات وتتضح المسارات، يبرز تساؤل جوهري: ماذا لو أصبحت طريقة الشريك عائقا؟

​قد ندعو الولي للحضور، انطلاقا من مبدأ الشراكة، لتبادل الرؤى وتوحيد الاستراتيجيات، ولكن إذا انكشفت لنا حقيقة مؤلمة؛ أن النهج الذي يتبعه الولي في التعامل مع ابنه، سواء كان قسوة مفرطة، أو تدليلا مفسدا، أو ضغطا سلبيا  يُهدد بشكل مباشر المسار التربوي والتعليمي للتلميذ، فإننا نقف وقفة حزم ومراجعة، و​هنا تتجلى شجاعة الموقف والالتزام بالهدف الأسمى.

​إن الغاية النبيلة التي من أجلها وُجدت أي مؤسسة تربوية وتعليمية هي التلميذ، تربيةً وتعليما فالتلميذ هو محور العملية التربوية والتعليمية بلا منازع، وإذا وجدنا الولي، عن غير قصد أو عن سوء تقدير، عنصرا مُضرا في مسار هذا المحور، فإننا نعلن بوضوح، وبكل ما تحمله هذه الكلمات من مسؤولية:

​"إننا نترك الولي جانبا، ونتعامل مباشرة مع التلميذ، لان هدفنا ليس كسب ود الشريك على حساب مصلحة التلنيذ؛ ولكن هدفنا هو إنقاذ مسار التلميذ وصيانة مستقبله.

​هذا القرار ليس استخفافا بدور الولي، بل هو تصحيح بوصلة وترتيب للأولويات، إن واجبنا الأخلاقي والمهني يحتم علينا أن نكون الحصن المنيع الذي يحمي عقل وقلب التلميذ، و يجب أن نوفر له البيئة الآمنة والمحفزة التي قد لا يجدها في مكان آخر.


​إننا نؤمن بأن الكلمة الفصل في التعليم هي للتلميذ نفسه. لذلك سنعى من أجل تقوية شخصيته، وغرس الثقة في نفسه، وتعويضه عن أي نقص أو خلل قد تسبب فيه التعامل الخاطئ، و إن مسؤوليتنا تجاه هذا التلميذ تفرض علينا أن نكون له المرشد، والمُعلم، والملاذ الآمن.

​فلتكن رسالتنا واضحة ومدوية: نحن نسعى للتعاون المثمر، ولكن إذا تعارضت الطرق، فإننا نختار الطريق الذي يقود إلى صلاح التلميذ ونجاحه، لأننا ندرك أننا نحمل أمانة الأجيال، ولهذه الأمانة حق علينا أن نصونها بكل قوة وإخلاص، جاعلين من مصلحة التلميذ التربوية والتعليمية هي القيمة العليا التي لا تُساوَم.

مظاهرات 11 ديسمبر 1960 من تاريخ الثورة الجزائرية

في صميم شتاء 1960، وبينما كانت رياح التغيير تهب على العالم المستعمر، انبعثت من الجزائر صرخة مدوية اخترقت جدران الصمت والقمع، إذ لم يكن 11 ديسمبر 1960، يوما عاديا في سجلات تاريخ وثورة الجزائر، بل كان يوما فارقا أعلنت فيه الأمة الجزائرية عن نفسها بوضوح لا يقبل التأويل، مجسدةً إرادة شعبية عارمة بوجه طغيان مزدوج، حيث خرج الجزائريون، بصدور عارية وإيمان راسخ، في مظاهرات سلمية حملت في طياتها ثقل تاريخ من النضال المرير، مؤكدين بلسان واحد المطلب الأسمى: تقرير المصير، ولم تكن هذه الحركة وليدة اللحظة، بل كانت تتويجاً منطقياً لتضحيات جسام، ورفضاً قاطعاً لمحاولات الاحتلال الفرنسي المستمرة لتزييف الحقائق وطمس الهوية الوطنية.

​لقد جاءت هذه الانتفاضة الجماهيرية لتواجه بعزيمة فولاذية سياسة الجنرال شارل ديغول التي حاولت تقديم حلول ملتبسة تحت ستار "الجزائر الجزائرية"، وهي محاولة ذكية لإبقاء البلاد مرتبطة بفرنسا وإفراغ استقلالها المستقبلي من أي سيادة حقيقية، وفي الوقت ذاته، كانت تلك الحناجر الصارخة هي الحاجز الأخير ضد أوهام المعمرين الفرنسيين الذين ظلوا يحلمون بفكرة عتيقة مريضة تدعى "الجزائر فرنسية"، وبين مطرقة الإبقاء على التبعية وسندان الحلم بالهيمنة الدائمة، اختار الشعب الجزائري طريقه الثالث: الاستقلال التام والسيادة الكاملة، فكانت تلك المظاهرات رسالة واضحة، كُتبت بالإباء الشعبي، بأن زمن الوصاية قد ولى إلى غير رجعة، وأن مفتاح القرار لا يمكن أن يكون إلا في أيدي أبناء الوطن.

​لكن الرد على هذه الإرادة السلمية لم يكن إلا مزيداً من العنف والوحشية المفرطة، فبدم بارد، واجهت السلطات الفرنسية جموع المتظاهرين المسالمين بقمع لا إنساني، محاولة إسكات صوت الحق بالرصاص والدم، فسقط العديد من الشهداء الأبرار في ذلك اليوم المشهود، لكن كل قطرة دم سفكت لم تذهب هدراً؛ بل تحولت إلى وقود أشعل جذوة النضال ووثيقة إدانة دولية لجرائم الاحتلال الفرنسي الغاشم والمستبد، فكشفت تلك المجازر عن الوجه الحقيقي للاستعمار الذي يزعم الديمقراطية، مثبتاً أن لغة العنف هي وسيلته الوحيدة لفرض إرادته.

​إن الأثر الحقيقي لمظاهرات 11 ديسمبر لم يقتصر على حدود الجزائر، بل تجاوزها ليصبح نقطة تحول حاسمة في مسار الثورة، فبفضل هذه التضحيات الجليلة وهذه الوقفة الشجاعة، أصبحت القضية الجزائرية قضية عالمية بامتياز، تلامس ضمير الإنسانية وتشعل شرارة التضامن الدولي، وأكدت هذه المظاهرات، بما لا يدع مجالاً للشك، أن دعم الشعب الجزائري للثورة هو دعم شامل وعميق، وأن المعركة لم تكن معركة فئة قليلة، بل كانت معركة الأمة بأسرها، هذا اليوم الخالد لم يكن مجرد ذكرى لمواجهة دامية، بل هو تجسيد حي لعظمة الصمود، ورمز للأجيال المتعاقبة بأن الحرية تُكتسب بالموقف المبدئي والتضحية التي لا تُنسى، إن 11 ديسمبر 1960 يظل منارة تضيء طريق الكرامة الوطنية الجزائرية، وشاهداً على أن الإرادة الشعبية إذا ما توحدت، فإنها قوة لا تقهر أمام جبروت المستبد.    




اليوم العالمي لحقوق الإنسان والواقع المؤلم في غزة

يُحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر من كل عام، تخليدا لذكرى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، ورغم الأهمية البالغة لهذه الوثيقة في العصر الحديث، إلا أننا يجب أن نشير إلى أن الحضارة الإسلامية سبقت هذه المواثيق الدولية بقرون في إقرار وتأسيس المبادئ الأساسية للحقوق والكرامة الإنسانية.

​ الإسلام والحقوق الإنسانية: الريادة التاريخية

​قرر الإسلام منظومة متكاملة من الحقوق والواجبات، مُستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، لتشكل أساسا صلبا لحماية الإنسان وضمان كرامته، لقد أكد الدين الإسلامي على هذه الحقوق قبل ظهور أي إعلان أو ميثاق دولي حديث بقرون عديدة.

​من أبرز أوجه الريادة الإسلامية في حقوق الإنسان:

​مبدأ الكرامة الإنسانية المطلقة: قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ). هذا التكريم الإلهي جعل الإنسان، بغض النظر عن دينه أو عرقه، مستحقا للاحترام والحماية.

​الحق في الحياة: اعتبر الإسلام الاعتداء على النفس الواحدة بمثابة اعتداء على الإنسانية جمعاء: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا).

​المساواة ونبذ التمييز: أقر الإسلام مبدأ المساواة التامة، وألغى الفوارق القائمة على اللون أو الجنس أو الطبقة، وجعل التفاضل بالتقوى فقط، كما جاء في خطبة الوداع: "أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى."

​حقوق غير المسلمين (أهل الذمة والمستأمنين): كفلت الشريعة لهم الحماية الكاملة لحقوقهم الدينية، وحرياتهم الشخصية، وأموالهم وأعراضهم، ومن أشهر الأمثلة على ذلك، وصايا الخلفاء الراشدين ورسالة النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى نصارى نجران.

​إن هذه المبادئ، التي تم توضيحها وتنفيذها في فترات مبكرة من التاريخ الإسلامي، تؤكد أن مفهوم حقوق الإنسان ليس وليد العصر الحديث فحسب، بل هو جزء أصيل من الرسالة الإسلامية.

​غزة: انتهاك صارخ يتعارض مع كل المواثيق (الإسلامية والدولية)

​على النقيض تماما من هذه المبادئ السامية، سواء التي أقرها الإسلام أو التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يُلقي الوضع في غزة بظلاله المأساوية، حيث تشهد المنطقة انتهاكات غير مسبوقة يتعارض مع:

​القانون الإنساني الدولي (الوثيقة الدولية):

​انتهاك الحق في الحياة والأمان: عبر القتل الجماعي للمدنيين وتدمير البيوت والمناطق السكنية الآمنة.

​انتهاك الحق في الصحة والغذاء والمأوى: من خلال الحصار المفروض وتدمير البنى التحتية للمستشفيات والمدارس.

​الشريعة الإسلامية (الإطار الإسلامي):

​مخالفة لآداب الحرب في الإسلام: حيث تحرم الشريعة قتل الأطفال والنساء والشيوخ، واستهداف غير المقاتلين، وتحريم إتلاف الموارد الضرورية للحياة (تحريم الفساد في الأرض).

​إهدار لكرامة الإنسان: عبر العقاب الجماعي والتجويع القسري والحرمان من ضروريات العيش، وهو ما يتنافى كليا مع مبدأ التكريم الإلهي لـ "بني آدم".

​إن ما يحدث في غزة هو نموذج لتحدي صارخ لكل من المبادئ الأخلاقية والدينية التي وضعتها الأديان السماوية، وللإطار القانوني الذي سعت الأمم المتحدة لوضعه لحماية البشرية.

​دعوة لاستعادة الكرامة

​يجب أن يكون اليوم العالمي لحقوق الإنسان دعوة لاستعادة الحقوق المسلوبة في غزة، وتذكيرا بأن الالتزام بحقوق الإنسان يجب أن يكون التزاما أخلاقيا ودينيا قبل أن يكون قانونيا، ينبغي على المجتمع الدولي أن يتحرك على أساس أن الحقوق التي انتهكت في غزة هي حقوق مقدسة، سواء كانت مستمدة من مبدأ التكريم الإلهي في الإسلام أو من مبادئ الإعلان العالمي للأمم المتحدة.

ومن خلال حديثنا عن حقوق الإنسان، خصصنا هذه الفقرة عن حقوق الطفل.

حقوق الطفل في الإسلام: رعاية شاملة

​اهتم الإسلام بضمان حقوق الطفل منذ اللحظات الأولى لولادته وحتى بلوغه، وكفل له رعاية شاملة تتجاوز مجرد الحماية. هذه الحقوق تشمل:

​الحق في النسب والرعاية العائلية: وهو من أهم حقوق الطفل، الذي يضمن هويته واستقراره النفسي.

​الحق في الرضاعة والنفقة: وجوب توفير الغذاء والرعاية الصحية والمادية له (الحق في الحياة والنمو السليم).

​الحق في التربية والتعليم: وهو واجب على الأبوين لضمان نشأة الطفل نشأة صالحة ومتعلمة.

​الحماية من الإيذاء: حرم الإسلام الاعتداء على الأطفال أو إهمالهم، بل وحث على المعاملة الحسنة والرحمة بهم، كما قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا."

​في سياق غزة، يُعد الانتهاك الصارخ لحق الأطفال في الحياة والأمان والتعليم والصحة من أبشع الجرائم التي تتعارض تماما مع التعاليم الإسلامية والإنسانية على حد سواء.  


الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

الطريق المختصرة للتلميذ إلى النجاح

يا أيها التلميذ الطامح للقمة، والباحث عن المجد المعرفي، ليس النجاح حلماً بعيد المنال، بل هو مسار واضح المعالم، فطريق النجاح ترسمها أنت بيدك، إذا كنت تسعى إلى اختصار المسافات والوصول إلى التفوق بأقصر الطرق وأكثرها ثباتاً، فإليك الوصايا الخمس التي تُشعل جذوة الإنجاز في حياتك الدراسية:

​1 - الانضباط: مفتاح السر وميثاق الشرف

​اجعل من وقتك حليفاً لا خصماً، لأن الوصول في الوقت المحدد ليس مجرد التزام شكلي، بل هو الخطوة الأولى في بناء عقل منظم، و التزامك بالحضور دون تأخر يرسل رسالة قوية لذاتك وللجميع: "أنا جاهز للاستقبال، أنا أقدر قيمة العلم، ولا وقت لدي للإهمال".

​2 - الاستعداد: درع المحارب وعدة الفارس

​التفوق لا يعترف بالنقص،  و لا تخوض معركة الإدراك بسلاح غير كام، أدواتك التامة هي درعك، هي لغة التواصل الصامتة بينك وبين المعلومة، و تأكد من أن كل ما تحتاجه حاضر وكامل، لأن الاستعداد الكامل يفتح الأبواب أمام التركيز المطلق ويمنع تشتيت الانتباه الذي يسرق منك دقائق ثمينة.

​3 - اليقظة: قوة العقل والحضور الذهني

​في قاعة الدرس، أنت لست مجرد جسد جالس، بل عقل يتلقى ويحلل، فكن نقطة ضوء متوهجة من الانتباه، و انغمس بكامل قواك العقلية في شرح الأستاذ، هذه اللحظات هي الكنز الحقيقي؛ ففهم الدرس في حينه يختصر عليك ساعات مراجعة، ويحول المعلومة من مجرد حروف إلى معرفة راسخة ومتمكنة.

​4 - المراجعة: التثبيت العميق والإتقان الثابت

​ما يُزرع في الفصل، يجب أن يُسقى في البيت، خصص وقتاً كافياً لا للمراجعة وتدقيق المعلومات، بل للاستيعاب والتمحيص، لا تكتفِ بلمسة سريعة، بل تعمق؛ فالتكرار الواعي هو مطرقة العقل التي تثبت المعلومات وتحولها من ذاكرة مؤقتة إلى بنية معرفية صلبة لا تتزعزع.

​5 - الشغف والتوازن: غذاء الروح ووقود العقل

​لتنمية القدرات، عليك أن تمد جسور التواصل مع المعرفة خارج نطاق المقرر، فاجعل المطالعة عادةً وشغفاً؛ فهي توسع الأفق، وتقوي ملكة القراءة، وتُعلمك كيف تستثمر وقتك في المفيد الباقي، ولكن تذكر أن العقل السليم في الجسم السليم: خصص وقتاً للترفيه الهادف، لتجديد الطاقة، وليعود عقلك بـهمة متجددة وعزيمة لا تذبل.

​الخلاصة:

​أيها التلميذ الملهم، النجاح ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج (انضباط) صارم، (استعداد) محكم، (حضور) ذهني كامل، (مراجعة) عميقة، و(توازن) إنساني. هذه هي الأعمدة الخمسة التي تبني مستقبلك المشرق، ابدأ اليوم، وستشهد بنفسك كيف يتحول هذا الطريق المختصر إلى إنجاز عظيم.  



اليوم العالمي للرجل مناسبة لايعرفها إلا القليل

اليوم العالمي للرجل يحتفل به في بعض دول العالم ​في التاسع عشر من نوفمبر من كل عام، و لا تُقام في هذا اليوم مجرد مناسبة عابرة، بل يُرفع ستار عن قضية إنسانية عميقة تحت مسمى اليوم العالمي للرجل، هذا اليوم ليس ترفاً، بل هو نقطة ضوء تُسلط على نصف المجتمع الذي ظل لزمن طويل حبيس صور نمطية ضارة، لا تحتمل الضعف أو التعبير عن المشاعر.

​هذا اليوم هو احتفاء بالرجل كشريك إيجابي وقوة دافعة في بناء الأسرة والمجتمع، إنه اعتراف صريح بنماذج القدوة الصامتة؛ الأب الذي يكافح، والأخ الذي يساند، والزميل الذي يبني، إننا نحتفل بالدور الحقيقي الذي لا يُقاس بالقوة العضلية أو الصرامة المصطنعة، بل بالقدرة على العطاء والمسؤولية، والأهمية الكبرى لهذا اليوم تكمن في تحدي الرجل الذي لا ينكسر، و المجتمع، بأحكامه قد أحاط الرجال بجدار من الصمت، مغذياً فكرة أن الرجولة مرادف لكبت الألم والخوف، لكن اليوم العالمي للرجل يأتي ليكسر حاجز الصمت، ليُعلنها بصوت عالٍ: الرجال أيضاً يواجهون ضغوطاً وتحديات نفسية وجسدية، وعليهم أن يُعبروا ويتعافوا.

​إن الاهتمام بصحة الرجل النفسية والجسدية لم يعد خياراً، بل هو أساس لمجتمع سليم، فإذا كان التعبير عن الضعف يُعتبر قوة، فالرجل يحتاج هذا التشجيع لكي يخلع قناع "الصلابة الزائفة"، عند المرور بحالة من الضعف، ويطلب المساعدة دون خوف من الوصم، و​الاحتفال بهذا اليوم الذي انطلق من ترينيداد وتوباغو عام 1999، ليس منافسة لليوم العالمي للمرأة، بل هو خطوة نحو التكامل والمساواة بين الجنسين، و لا يمكن تحقيق مجتمع عادل إلا عندما يتم تفكيك الصور النمطية الضارة عن كلا الجنسين، إنه يوم لمناقشة القضايا الاجتماعية والنفسية التي يواجهها الرجال بصراحة وشفافية، والعمل يداً بيد لتعزيز المساواة الكاملة، بحيث يتمكن كل فرد، رجلاً كان أو امرأة، من المساهمة بكامل إمكاناته، و​في هذا اليوم، نوجه رسالة قوية: الرجولة الحقيقية هي مسؤولية، وعاطفة، ومرونة، وهي شراكة فعالة في الأسرة والمجتمع، وليس سيطرة أو صرامة، فلنحتفل بالرجال الذين يحبون على أن يكونوا بشراً، كاملي الإنسانية، بعيداً عن أسر "الأدوار" المسبقة، وليكن هذا اليوم نداء عالمياً للصحة، والوعي، والمساواة.  


الميزان الحق بين أصالة المنهج وغربة الطريق

إنَّ الأمة الإسلامية، بتاريخها العريق وثرائها المعرفي، قد شهدت ظهور مناهج كبرى وطرق روحية عميقة، كانت وما زالت محط نظر وبحث، ولكنَّ المسلم الحق، الذي استنار قلبه بضياء الوحي، يمتلك ميزانا لا يميل، ومعيارا لا يزيغ، وهما كتاب الله العزيز وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم.

الانحياز المطلق للأصلين

​موقفنا ليس موقف رفض مطلق ولا قبول أعمى، بل هو موقف تجريد وتدقيق.

​فكل ما كان من السلفية أو الصوفية، أو أي مدرسة فكرية أو سلوكية: مستمدا بجلاء ووضوح، ومؤيدا بالبرهان من نصوص القرآن والسنة النبوية الشريفة، فإنه يمثل جوهر هذا الدين ونوره نقبله ونعتنقه وندافع عنه؛ لأنه ليس مجرد اجتهاد بشري، بل هو امتداد لنهج النبوة، و إن الأصالة هنا هي القوة، وهي الحق الذي لا جدال فيه.

​أما كل ما انحرف، أو غلا، أو ابتدع، أو شطّ عن صراط الكتاب والسنة المستقيم: من إضافات دخيلة، أو تأويلات فاسدة، أو ممارسات متطرفة، أو طقوس غريبة، فإننا نرفضه رفضا قاطعا ولا نقره ولا نؤيده، ليس من باب التعصب لفئة ضد أخرى، بل من باب الغيرة على الدين وصيانته من التشويه والزيف.

حراسة العقيدة والمحجة البيضاء

​هذا الموقف ليس دعوة للتنازع، بل هو دعوة للعودة إلى نقطة الإجماع واليقين، إننا لا نسعى لتمزيق الأمة باسم المناهج، بل نسعى لتوحيدها تحت راية النص المعصوم.

​فليعلم كل سالك وطالب حق: أن العبرة ليست بالأسماء والرايات، بل بالمضامين والمحتويات، إننا نبحث عن الحقيقة الخالصة، ولا نعتصم إلا بـالحبل المتين، فلتكن كل مسيرة فكرية، وكل رحلة روحية، وكل منهج سلوكي، شاهدا على عظمة الإسلام لا معولاً لهدمه، و الحق لا يُعرف بالرجال، بل يُعرف الرجال بالحق.

​النداء الأخير: لنجعل الكتاب والسنة هما الفرقان الأعظم، الذي يفرق بين الهدى والضلال، بين الأصالة والانحراف، إنَّ هذا التمسك هو وحده الذي يضمن لنا النجاة من فتن الطرق، وغرور المناهج، ويثبت أقدامنا على المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها. 


الشيخ العلامة المربي محمد باي بلعالم: حياة علمية حافلة بالعطاء.

 الشيخ العلامة المربي محمد باي بلعالم: حياة علمية حافلة بالعطاء.

الشيخ العلامة محمد باي بلعالم، أحد أبرز علماء القرن العشرين، وُلد سنة 1930م في بأولف ( ببلدة ساهل ) الواقعة في ولاية أدرار بجنوب الجزائر. نشأ في بيئة دينية علمية، حيث كان والده وأهل بلدته من حملة العلم والقرآن. بفضل تلك البيئة، برز منذ صغره طالبًا للعلم بشغف، ثم أصبح عالمًا جليلًا يُشار إليه بالبنان، تاركًا بصمة واضحة في مجال العلوم الشرعية والدعوة الإسلامية.

نشأته العلمية ورحلة طلب العلم

بدأ الشيخ محمد باي بلعالم مسيرته العلمية بحفظ القرآن الكريم في صغره، ثم اتجه إلى دراسة علوم الشريعة واللغة العربية في حلقات العلم التي كانت تُقام في بلدته أولف. أبدى الشيخ منذ البداية ذكاءً حادًا وذاكرة قوية أهلته لتلقي العلم بسرعة وإتقانه بمهارة.

كانت رحلته في طلب العلم متواصلة، حيث تتلمذ على يد نخبة من علماء عصره، لكن أبرز محطة في مسيرته كانت علاقته بشيخه الجليل مولاي أحمد الطاهر السباعي الإدريسي الحسني، الذي يُعدّ من أركان العلم في المنطقة، التحق بالمدرسة الطاهرية، وكان أول طالب يفد إليها من خارج سالي، مكث فيها سبع سنوات، وتخصص في علوم الفقه، أصوله، الحديث، التفسير، النحو، الصرف، وعلم الفرائض. كان شديد الأدب مع شيخه، ينهل من علمه ويقتدي بسيرته. وقد منحه شيخه إجازة علمية عامة تقديرًا لتحصيله.

علاقته بشيخه مولاي أحمد الطاهر

ارتبط الشيخ باي بعلاقة خاصة ومميزة مع شيخه مولاي أحمد الطاهر. لم يكن مجرد طالب علم لديه، بل كان أحد أقرب المريدين إليه، حتى وصفه شيخه بأنه من أنجب طلابه وأكثرهم فهمًا واستيعابًا.

كان الشيخ مولاي أحمد الطاهر يوصي طلبة العلم بحضور مجالس الشيخ باي، قائلاً:

 “رجائي في الله إذا حاضرت في مجلس لا يتكلم أحد أمامك.”

ومن أعظم ما ورد عن الشيخ مولاي أحمد الطاهر أنه قال فيه مرة متمثلا ببيت للشيخ المختار الكنتي الكبير:

“ألا فابشر فمني لك العطاء

بإذن الله فافعل ما تشاء”

“وأرجو أن تكون سراج حق

تدل الخلق أنت لهم ضياء”

وكان الشيخ مولاي أحمد - رحمه الله - يخصه بمعاملة استثنائية، إذ كان يمنع تلميذه المقرّب، الشيخ محمد باي، من الانشغال بالأعمال مع الطلبة في المدرسة، قائلاً له:

 “أريد منك أن تفرغ للكتابة والبحث في الفتاوى

والمسائل الفقهية.”

هذا التوجيه يعكس مدى اهتمام الشيخ مولاي أحمد بإبراز موهبة الشيخ باي العلمية، وإفساح المجال أمامه للتفرغ للبحث والكتابة، مما كان له أثر كبير في إنتاجه العلمي الغزير.

ومما يعكس تعلق الشيخ محمد باي بلعالم بشيخه الشيخ مولاي أحمد الطاهر، ما كتبه في باكورة مؤلفاته في علم المواريث “الدرة السنية في علم ما ترثه البرية”، التي ألّفها وهو تلميذ في المدرسة الطاهرية، حيث قال في مقدمتها:

“فهاك فيه درة سنية

في علم ما ترثه البرية”

“أخذتها من شيخنا الحبر الأديب

مولاي أحمد بن إدريس النجيب”

“لازال باقيا لبث العلم

يرشد ذا ضلالة للفهم”

تُبرز هذه الأبيات مكانة شيخه الكبيرة في نفسه، واعترافه بفضل الشيخ مولاي أحمد الطاهر في تعليمه، كما تعكس شدة تعلقه بشيخه وإجلاله لدوره في نشر العلم والهداية.

وكان الشيخ باي يبادل شيخه الحب والاحترام، حيث جمع له الناس في بلدته أولف عند زيارته، وبذل كل ما يملك في سبيل إكرامه. وعندما وافته المنية، رثاه الشيخ باي بقصائد مؤثرة، من بينها قوله:

 “فالصّبــر عِيـل والآفـاق تغيّـرت

والصُّبح مثلُ اللّيل في الدّهَمـات”

وقد أظهرت الرسائل المتبادلة بينهما مدى هذا الأدب الرفيع. ففي إحدى رسائل شيخه، أوصاه بالتقوى والعمل بالسنة، وعدم الانشغال بمتاع الدنيا الفانية، وهو ما التزم به الشيخ باي طوال حياته. ظل الشيخ يشعر بأنه في كنف شيخه حتى بعد مغادرته المدرسة، ملتزمًا بنهجها العلمي والروحي.

جهوده في التعليم والدعوة

بتوجيه من شيخه مولاي أحمد، أسس الشيخ باي مدرسة “مصعب بن عمير” في منطقة الركينة بأولف، وذلك في الخمسينيات، رغم مضايقات الاستعمار الفرنسي. خرجت المدرسة عددًا كبيرًا من العلماء والأئمة الذين حملوا مشعل الدعوة والتعليم.

كان الشيخ نشيطًا في عقد مجالس الصلح بين الناس، والإشراف على توزيع المياه، وإقامة عقود النكاح، ولم يكن يدخر جهدًا في تعليم العامة أمور دينهم، والمشاركة في الملتقيات الإسلامية داخل الجزائر وخارجها.

إنجازاته العلمية وتصانيفه

اشتهر الشيخ محمد باي بلعالم بإنتاجه العلمي الغزير، حيث ترك إرثًا من المؤلفات التي تنوعت بين التفسير، الفقه، واللغة العربية. كانت مؤلفاته تتسم بالعمق والوضوح، مما جعلها مراجع قيمة للطلاب والعلماء.

من أبرز مؤلفاته:

 • “زاد السالك شرح أسهل المسالك”كتاب في الفقه المالكي.

 • “فتح الرحيم المالك في مذهب الإمام مالك (ألفية في الفقه عدد أبياتها 2509).

 • “مجموعة الرسائل الفقهية”: تناول فيها مسائل فقهية معاصرة.

كما كان للشيخ دور بارز في التدريس ونشر العلم، حيث درّس العديد من الطلاب الذين أصبحوا علماء ودعاة حملوا رسالته من بعده.

صفاته ومواقفه

تميّز الشيخ باي بمجموعة من الصفات النبيلة التي جعلته محبوبًا بين الناس:

 • التواضع: كان يعيش حياة بسيطة، بعيدًا عن التكلف والغرور، ويعامل الناس بودٍ ورحمة.

 • الإخلاص: لم يكن يسعى وراء الأضواء أو المناصب، بل جعل همّه نشر العلم وخدمة الدين.

 • الكرم والجود: كان بيته مفتوحًا للطلاب والزوار، ولم يبخل بشيء على من يقصده طالبًا للعلم.

 • الزهد: عاش حياة زاهدة، لا يسعى وراء زخارف الدنيا، مركزًا على ما ينفعه في الآخرة.

وفاته وأثره الباقي

توفي الشيخ محمد باي بلعالم سنة 2009م، مخلفًا إرثًا علميًا وروحيًا خالدًا. لا تزال مؤلفاته تُدرّس في العديد من المدارس الشرعية والزوايا، وتُعدّ منارةً يهتدي بها السائرون على طريق العلم.

رثاه طلبته وأحبابه بأجمل الكلمات والقصائد، مُستذكرين فضله وتأثيره في حياتهم. فقد كان مثالًا للعالم العامل، الذي يجمع بين العلم والعمل، والأدب مع المشايخ والطلاب.

الخاتمة

كان الشيخ محمد باي بلعالم نموذجًا للعالم الرباني الذي اتسم بالعلم الغزير، التواضع، والإخلاص. نسأل الله أن يجزيه خير الجزاء، وأن يجعل علمه نورًا يهتدي به الباحثون عن الحق، ومثالًا يُحتذى به للأجيال القادمة.

لقد ترك الشيخ باي بلعالم أثرًا خالدًا في العلم والدعوة، وسيبقى علمه شاهدًا على حبّه للعلم وخدمته لدينه وأمته.

منقول من صفحة محبي شيوخ  علماء توات على الفيس بوك



الثلاثاء، 9 ديسمبر 2025

مجلس قضاء أدرار ينظم يوماً دراسياً حول جريمة تبييض الأموال

في إطار جهود مكافحة الجرائم المالية وتعزيز الوعي القانوني، ينظم غدا الأربعاء 10 ديسمبر 2025، مجلس قضاء أدرار  يوما دراسيا يتمحور حول جريمة تبييض الأموال، ​وتأتي هذه المبادرة تماشياً مع مقتضيات القانون رقم: 25-10 المعدل والمتمم للقانون رقم: 05-01 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحته، وحرصاً من قيادة المجلس على إيصال رسائل هذا اليوم الدراسي إلى أكبر شريحة ممكنة، قام رئيس مجلس قضاء أدرار والنائب العام لديه بتوجيه دعوات رسمية إلى ​مراسلي القنوات التلفزيونية والصحافة اليومية بأدرار.، لحضور وتغطية فعاليات هذا اليوم الدراسي المهم بتغطية إعلامية شاملة، وستحتضن فعاليات عقد هذا اليوم الدراسي قاعة المحاضرات بمقر مجلس قضاء أدرار، ويؤكد مجلس قضاء أدرار على أهمية الدور التوعوي والرقابي الذي تلعبه وسائل الإعلام في دعم جهود الدولة لمكافحة هذه الجرائم التي تهدد الاقتصاد الوطني والأمن العام.    


والي أدرار في زيارة عمل وتفقد شاملة لبلدية فنوغيل

قام والي ولاية أدرار، يوم الثلاثاء الموافق 09 ديسمبر 2025، بزيارة عمل وتفقد لبلدية فنوغيل، حيث اطلع عن كثب على سير المشاريع التنموية والاجتماعية في المنطقة، وعقد لقاءً تواصليا مع فعاليات المجتممع المدني،  وتضمنت الجولة عددا من النقاط الهامة، ة تركزت على قطاعي الصحة والشباب، حيث تم ​وضع حيز الخدمة لمشروعي إنجاز قاعة العلاج بقصر العلوشية وحيز الاستغلال للملعب الجواري المعشوشب بقصر بن همي، مما يعكس الأولوية لتوفير المرافق الصحية والرياضية للمواطنين، و وضع حيز الخدمة لخزان مائي بقصر بن همي، وهو مشروع حيوي لضمان تزويد السكان بالماء الصالح للشرب، وعاين الوالي والوفد المرافق له وتفقد مشروع إنجاز مجمع مدرسي بقصر عزى ووضع حيز الاستغلال للملعب الجواري المعشوشب بقصر عزى، كماعاين وتفقد مشروع إنجاز 100 مسكن عمومي إيجاري، مع التأكيد على التعبئة والربط بخزانات الصرف الصحي لهذا المشروع، وعاين وتفقد كذلك تهيئة الملعب البلدي بفنوغيل ووضع حيز الاستغلال للملعب الجواري المعشوشب بحي قدور بليتيم، وعاينة وتفقد مشروع تهيئة المجمع الإداري ومشروع إنجاز أقسام توسعة للمدرسة الابتدائية سيد لحبيب بفنوغيل، ​واختُتمت جولة الوالي بزيارة هامة لمشروع إعادة الاعتبار لمقبرة قصر سيدي يوسف، قبل أن يعقد لقاءً مفتوحا ومباشرا مع قواعد المجتمع المدني ببلدية فنوغيل، وقد شكل هذا اللقاء فرصة لتبادل الآراء والاستماع لانشغالات المواطنين واقتراحاتهم حول التنمية المحلية، و​انتهى البرنامج الرسمي للزيارة بعودة السيد الوالي إلى مقر الولاية، بعد يوم حافل من المتابعة الميدانية والتواصل المباشر مع سكان ومسؤولي بلدية فنوغيل، وتؤكد هذه الزيارة التزام السلطات الولائية بالدفع بعجلة التنمية المحلية وضمان استكمال المشاريع وفق الآجال المحددة.  




تنصيب مكتب محافظة أدرار الجديد تحت شعار لم الشمل

شهدت ولاية أدرار يوم الإثنين 08 ديسمبر 2025، حدثا تنظيميا هاما عكس الحيوية والتحضير الجاد داخل الهياكل الحزبية، حيث تم بنجاح تنصيب مكتب محافظة أدرار الجديد، و​جرت عملية التنصيب تحت الإشراف المباشر لأمين المحافظة، بقادر علي، وحضور لافت من القيادات المركزية ممثلة في عضوي اللجنة المركزية، تواتي عبد الرحمان وحروشي عبد الكريم، و​تميز هذا التجمع بحضور قوي وكثيف من مختلف فئات ومكونات الولاية، تجسيدا لمعاني الوحدة والتلاحم و شمل الحضور، الأسرة الثورية لتأكيد الروابط التاريخية واستمرارية المبادئ، و​إطارات الحزب لضمان التوجيه السليم والخبرة الإدارية، و​منتخبو الحزب ومناضلوه ومحبوه الذين توافدوا من ربوع الولاية، ليضفوا على الأجواء طابعا أخويا ونضاليا خالصا، ولتعزيز العمل الحزبي والتحضير للاستحقاقات أكد المشرفون على التنصيب أن هذه الخطوة تأتي في إطار تعزيز العمل الحزبي على مستوى الولاية، وتجديد الدفع لآليات التنظيم والتأطير استعدادا للمرحلة القادمة، كما شددوا على أن الهدف الأسمى من وراء هذا التجديد الهيكلي هو تعزيز مكانة الحزب والتحضير الفعّال للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ​وتم التجديد تحت شعار "لم الشمل"، ما يعكس الرغبة في توحيد الصفوف وتجميع الطاقات للدخول في المرحلة السياسية الجديدة بخطى ثابتة ورؤية موحدة، تخدم مصالح الولاية وتطلعات سكانها، و​ويُنتظر أن يباشر المكتب الجديد عمله فورا، لترجمة الأهداف المسطرة على أرض الواقع والمساهمة في تحقيق التنمية المنشودة بالولاية.    




الاثنين، 8 ديسمبر 2025

وزيرة الثقافة بأدرار تدعو لرقمنة المخطوطات لحماية الذاكرة الوطنية

في إطار تعزيز الموروث الثقافي والعلمي، أكدت وزيرة الثقافة والفنون، مليكة بن دودة، على الأهمية القصوى لرقمنة المخطوطات خلال زيارة العمل والتفقد التي قادتها إلى ولاية أدرار، وأكدت الوزيرة على أن هذه العملية محورية لصون الذاكرة الوطنية وإبراز مكانة الجزائر كـمنطقة علم وفكر حضارية عريقة، وقامت الوزيرة ​بجولة في خزائن المخطوطات وغيرها، رفقة الوفد المرافق لها و السلطات المحلية للولاية، شملت عدة مواقع تاريخية وعلمية بالولاية، بهدف الوقوف على جهود صيانة الموروث المادي واللامادي، منها الخزانة الأثرية سيدي البكري ببلدية تمنطيط، حيث أكدت الوزيرة على القيمة التاريخية والمعرفية لهذه المكتبة الهامة من المخطوطات، و​خزانة الشيخ سيدي عبد الله البلبالي وقصبة ومسجد الشيخ في بلدية أولاد أحمد تيمي بقصر كوسان، مؤكدة على أهمية هذه المعالم كشواهد على الحضارة، كما قامت بتفقد المركز الوطني للمخطوطات بأدرار، حيث تابعت عن كثب سير عمليات الرقمنة والترميم التي يشهدها المركز، و​في تصريح ختامي، أكدت السيدة بن دودة أن رقمنة المخطوطات أساسية للحفاظ على الموروث وإبراز القيمة الحضارية والثقافية للكتب النادرة التي تشمل علوما متنوعة كالمنطق، الطب، الفلك، والعلوم الدينية، وأشارت إلى أن هذه المخطوطات دليل ساطع على عراقة الجزائر العلمية، ​وكشفت الوزيرة عن أرقام هامة في مجال الحفظ، حيث تم ​رقمنة 600 مخطوط على مستوى المركز الوطني للمخطوطات بأدرار، و​رقمنة أكثر من 100 ألف مخطوط على مستوى المكتبة الوطنية، و​جرد 13 ألف مخطوط في المركز ينتظر الرقمنة، ​ودعت الوزيرة إلى تسريع عملية الرقمنة وحثّت على إشراك أصحاب الخزائن وإقناعهم بالتعاون لحفظ هذا التراث، مشددة على ضرورة إظهار الموروث العلمي في العلوم الدقيقة والطبيعية ليكتشفه الجيل الحالي، ​ولأجل تحقيق هذه الأهداف، أعلنت السيدة الوزيرة عن التحضير لملتقى وطني ضخم حول المخطوط، يجمع كل الخزائن على المستوى الوطني لمناقشة قيمته ورقمنته وترميمه، ويهدف هذا الملتقى، الذي سيقام برعاية وزارة الثقافة، إلى توعية أصحاب الخزائن والمواطنين بقيمة هذه الثروة الحضارية والعلمية التي يملكونها، واختتمت الوزيرة بالتأكيد على أن الحفاظ على المخطوط هو حماية لهذا الموروث الثقافي الهام، مشددة على دور المراكز المتخصصة والجمعيات في هذه المهمة النبيلة، هذا وقد أشرفت الوزيرة على فعاليات الطبعة الأولى للمسرح  الدولي للصحراء.  


اختتام ليالي مسرح الصحراء الدولي في أدرار بنجاح مع إستنكار لبعض المشاهد

اختتمت مساء السبت 06 ديسمبر 2025، فعاليات المهرجان الثقافي الدولي لمسرح الصحراء بولاية أدرار، في طبعته الأولى بعد التأسيس (دورة فلسطين، دورة الراحل البروفيسور أحمد حمومي)، والتي حملت شعار "المسرح مقاومة"، و جرت مراسيم الاختتام في المسرح الجهوي بأدرار بحضور العديد من الشخصيات و على رأسهم وزيرة الثقافة والفنون، الدكتورة مليكة بن دودة، والسيد والي ولاية أدرار، ضويفي فضيل، إلى جانب مسؤولين وجمع غفير من الفنانين والمسرحيين، وشهدت هذه الدورة مشاركة دولية لافتة بتمثيل 28 دولة عربية وأجنبية، مع استضافة جمهورية جنوب أفريقيا كضيف شرف للدورة، وقد أجمع كثيرون على نجاح الفعاليات في ترسيخ مكانة أدرار كمنصة دولية للمسرح الصحراوي، لكن النجاح لم يخلُ من الجدل، ​فقد استنكر البعض مشاهد في أحد العروض المسرحية، معتبرين إياها خادشة للحياء وغريبة عن القيم الوطنية وخاصةالمحلية، ما أثار نقاشا حول المحافظة على الخصوصية الثقافية للوطن عامة و المنطقة خاص، و​بدأت مراسيم الاختتام بقراءة فاتحة الكتاب ترحما على روح المسرحي وعضو لجنة الانتقاء الفقيد العيد شادي، تلاها الاستماع للنشيد الوطني، و​تضمنت فقرات الحفل كلمات رسمية من المسؤولين أكدت على أهمية المسرح كقوة مقاومة وثقافية، وعرض فيديو ملخص لنشاطات المهرجان، وشملت المراسيم، تكريم ضيوف الشرف، وأعضاء لجنة التحكيم، بالإضافة إلى تكريم خاص لعائلة الراحل البروفيسور أحمد حمومي، واختُتم المهرجان بالإعلان عن جوائز المسابقات الخاصة بالطبعة، وتتويج المبدعين، على أنغام فقرات موسيقية محلية توديعية، ليسدل الستار على طبعة أولى جمعت بين الاحتفاء بالمسرح وشغف المقاومة، وبين الانفتاح الفني والحساسيات الثقافية.  


جامعة أدرار تحضر لتنظيم يوما دراسيا حول حماية المعطيات في ظل التحول الرقمي

تستعد كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة أحمد دراية بأدرار، بالتنسيق والتعاون مع مخبر القانون والمجتمع ومخبر القانون والتنمية المحلية، لتنظيم يوم دراسي متميز وهام تحت عنوان: "حماية المعطيات في ظل التحول الرقمي"، و​سيُعقد يوم الدراسي يوم الثلاثاء الموافق 16 ديسمبر 2025، ويهدف إلى تسليط الضوء على التحديات القانونية والأخلاقية والتنظيمية التي يفرضها التوسع المتسارع للرقمنة على خصوصية وحماية البيانات الشخصية، و​يأتي تنظيم هذا اليوم الدراسي العلمي في سياق الأهمية المتزايدة لضمان أمن وسرية المعلومات في عصر أصبحت فيه البيانات تُعتبر نفط القرن الحادي والعشرين، ومن المتوقع أن يستقطب اليوم الدراسي نخبة من الباحثين والأكاديميين والمهنيين لمناقشة قضايا جوهرية تتعلق بالإطار القانوني لحماية المعطيات، ودور الهيئات الرقابية، وتأثير الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة على الخصوصية الرقمية، وتدعو اللجان المنظمة كافة الباحثين والمهتمين إلى تقديم مساهماتهم العلمية في شكل مداخلات تامة. قبل يوم الاثنين 15 ديسمبر 2025 كأخر أجل لاستقبال هذه المداخلات، ويرجوا المنظمين من الراغبين في المشاركة إرسال مداخلاتهم كاملة إلى البريد الإلكتروني المخصص للجنة العلمية: ali.mohammed@univ-adrar.edu.dz.

​ويُعد هذا اليوم الدراسي فرصة قيمة لتبادل الخبرات والمعارف وتقديم حلول ومقترحات عملية لتعزيز الإطار القانوني والمؤسساتي لحماية المعطيات في الجزائر، بما يواكب التطورات العالمية في مجال التحول الرقمي.   


 




التصوف ( الصوفية ) وتاريخه ومراحل تطوره

تعريف الصوفية

​الصوفية (أو التصوف) هي تيار روحي ومنهج عملي داخل الإسلام يهدف إلى تربية النفس وتزكيتها، والوصول إلى معرفة الله تعالى وحبه والتحقق بالعبودية الصادقة له. يُعد التصوف بمثابة الجانب الباطني والروحي في الدين الإسلامي.

​المفهوم الأساسي

​يمكن تعريف الصوفية من عدة جوانب:

​لغويًا: يُرجح أن كلمة "صوفي" مشتقة من الصوف (لباس الزهاد)، أو من كلمة الصفاء (نقاء القلب).

​اصطلاحيا (الزهد والسلوك): هو الزهد في الدنيا والإقبال على الله، والتزام طاعة أوامر الشريعة ظاهرا وباطنا، والسير على منهج أخلاقي وسلوكي يقود إلى تصفية النفس والقلب.

​اصطلاحيا (الغاية): هو معرفة الحقائق الإلهية، والوصول إلى درجة الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

أهم المبادئ والمحاور

​الجهاد الأكبر (تزكية النفس): التركيز على مجاهدة النفس الأمارة بالسوء وتطهيرها من الرذائل والأخلاق السيئة (مثل الغضب، الحسد، الكبر).

​الذكر: الإكثار من ذكر الله تعالى باللسان والقلب، سواء كان فرديا أو جماعيا.

​المحبة: الوصول إلى أعلى درجات الحب لله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم.

​العبودية والتوكل: الاستسلام التام لله والاعتماد عليه في كل الأمور.

​الآداب (الطريق): الالتزام بأخلاق عالية في التعامل مع الله، ومع النفس، ومع الخلق، واتباع شيخ أو مرشد (التربية الروحية).

تاريخ الصوفية ومراحل تطورها

​تطورت حركة التصوف عبر التاريخ الإسلامي من مجرد منهج زهدي فردي إلى مدارس فكرية ومنظمة ذات طرق وشيوخ، يمكن تقسيم هذا التطور إلى ثلاث مراحل رئيسية:

​1. مرحلة النشأة والزهد (القرن الأول والثاني الهجري)

​المرجعية: بدأت الصوفية كحركة زهدية خالصة، تركز على العبادة، التخفف من الدنيا، الخوف من الله، وتزكية النفس، استناداً إلى نصوص القرآن والسنة، واقتداءً بأهل الصفة من الصحابة.

​الشخصيات المبكرة: رواد هذه المرحلة لم يعرفوا باسم "الصوفي" بعد، بل كانوا يُعرفون بـ "الزهّاد" و"البكّائين". من أبرزهم الحسن البصري (ت 110 هـ) ورابعة العدوية (ت 180 هـ).

​ظهور التسمية: ظهر مصطلح "الصوفي" لأول مرة في نهاية القرن الثاني الهجري، ويُذكر أن أول من تسمى به هو أبو هاشم الصوفي (ت 150 هـ).

​2. مرحلة التنظير والعرفان (القرن الثالث والرابع الهجري)

​التحول: انتقل التصوف من مجرد الزهد إلى علم مستقل له مصطلحاته ومقاماته وأحواله (كالفناء والبقاء). وبدأ التنظير لتحديد منهج السلوك الصوفي.

​التدوين: بدأ علماء التصوف في تدوين هذا العلم. ومن أبرز من كتبوا فيه:

​الحارث المحاسبي (ت 243 هـ).

​أبو القاسم الجنيد (ت 298 هـ): الملقب بـ "سيد الطائفة"، الذي وضع أُسس التصوف السنّي المعروف.

​ظهور التصوف الفلسفي: في هذه المرحلة ظهر تيار عُرف بـ "التصوف الفلسفي" على يد شخصيات مثل الحلاج (ت 309 هـ)، حيث أُدخلت مفاهيم ذات عمق فلسفي أثارت جدلاً واسعاً بين العلماء (مثل فكرة الاتحاد).

​3. مرحلة الطرق والتنظيم (من القرن الخامس الهجري وما بعده)

​التأسيس: تحول التصوف من منهج فردي إلى طرق منظمة (الطريقة الصوفية) لها شيوخ، ومريدون، وأوراد، وسلاسل سند متصلة بالنبي.

​الإمام الغزالي: لعب أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ) دوراً محورياً في دمج التصوف بالشريعة الإسلامية عبر كتابه "إحياء علوم الدين"، مما أكسب التصوف قبولاً واسعاً في الأوساط السنّية.

​نشأة الطرق الكبرى: تأسست الطرق الصوفية الكبرى التي ما زالت قائمة حتى اليوم، مثل: القادرية، والرفاعية، والشاذلية، والنقشبندية.

​ أشهر أعلام التصوف

​ينقسم أعلام الصوفية إلى طبقات، إليك أشهر الأسماء التي أثرت في الفكر الصوفي وتاريخ الوفاة (هـ) أهم ما اشتهر به

الحسن110 هـ رائد الزهد والتوبة والورع.

رابعة 180 هـ أول من نادى بـ الحب الإلهي الخالص (الحب دون خوف أو طمع).

أبو القاسم الجنيد 298 هـ مُنظِّر التصوف السنّي، واضع منهج "الصحو" بعد "الفناء".

عبد القادر الجيلاني 561 هـ مؤسس الطريقة القادرية، ومن أشهر وعّاظ عصره.

أحمد الرفاعي 578 هـ مؤسس الطريقة الرفاعية، ومشهور بالدعوة إلى التواضع والجهاد بالنفس.

محيي الدين ابن عربي 638 هـ شيخ المتصوفة الأكبر، صاحب نظرية وحدة الوجود (التي أثارت جدلاً واسعاً)، له كتب "الفتوحات المكية" و"فصوص الحكم".

أبو الحسن الشاذلي 656 هـ مؤسس الطريقة الشاذلية، التي ركزت على الجمع بين العلم والعمل، ورفض التبتل الزائد.

جلال الدين الرومي 672 هـ أشهر شعراء الصوفية على الإطلاق، ومؤسس طريقة المولوية (الدراويش الدوارة).

أهم الطرق الصوفية الكبرى

​الطرق الصوفية هي مدارس روحية منظمة تختلف في أسلوب التربية والأوراد، لكنها تتفق في الهدف الأسمى، و أشهر هذه الطرق التي تنتشر عالمياً:

​الطريقة القادرية:

​المؤسس: عبد القادر الجيلاني (العراق).

​الانتشار: الأكثر انتشاراً في العالم الإسلامي (العراق، المغرب العربي، شرق إفريقيا، آسيا).

​الطريقة الشاذلية:

​المؤسس: أبو الحسن الشاذلي (المغرب العربي ومصر).

​الانتشار: قوية جداً في مصر والشام وشمال إفريقيا، وتعد من الطرق التي تركز على فقه الظاهر والباطن معاً.

​الطريقة النقشبندية:

​المؤسس: بهاء الدين النقشبند (آسيا الوسطى).

​الانتشار: قوية في تركيا، والقوقاز، والهند، وتتميز بالتركيز على الذكر الخفي (الذكر بالقلب).

الطريقة التيجانية:

​المؤسس: أحمد التيجاني (الجرائر).

تأسست هذه الطريقة على يد الشيخ أحمد التجاني (أو أحمد بن محمد التجاني) في الجزائر عام 1782م.

​الانتشار: منتشرة بشكل واسع في غرب إفريقيا (السنغال، نيجيريا) ولها نفوذ كبير.

​الانتشار: منتشرة بشكل واسع في غرب إفريقيا (السنغال، نيجيريا) ولها نفوذ كبير.

​الطريقة الرفاعية:

​المؤسس: أحمد الرفاعي (العراق).

​الانتشار: تنتشر في العراق والشام ومصر، وتُعرف أحياناً ببعض الممارسات الغريبة.

​الخلاصة:

​الصوفية منهج ضخم ومعقد، منه ما هو ملتزم بالشريعة التزاماً كاملاً (التصوف السنّي)، ومنه ما انحرف وأدخل مفاهيم فلسفية وغالية (التصوف الفلسفي).