إنَّ قِطَاعَ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ لَيْسَ مُجَرَّدَ فَضَاءٍ لِتَحْصِيلِ الْمَعَارِفِ، بَلْ هُوَ الْمُخْتَبَرُ السِّيَادِيُّ الَّذِي تُصَاغُ فِيهِ عُقُولُ الْأَجْيَالِ، وَمِنْ خِلَالِهِ تُرْسَمُ مَلَامِحُ الْجَزَائِرِ كَدَوْلَةٍ ذَاتِ سِيَادَةٍ، وَإِنَّ أَيَّ عَبَثٍ بِالْقِيَمِ التَّرْبَوِيَّةِ لَا يَسْتَهْدِفُ الْكُرَّاسَ وَالْكِتَابَ، بَلْ يَسْتَهْدِفُ تَقْوِيضَ أَرْكَانِ الدَّوْلَةِ عَبْرَ غَزْوِ عُقُولِ بُنَاةِ مُسْتَقْبَلِهَا.
بَيَانُ أَوَّلِ نُوفَمْبِرَ: الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ
إِنَّ الْحَدِيثَ عَنِ الْمَنْظُومَةِ التَّرْبَوِيَّةِ فِي الْجَزَائِرِ لَا يَنْفَصِلُ عَنِ التَّضْحِيَاتِ الْجِسَامِ؛ فَاسْتِقْلَالُنَا لَمْ يَكُنْ هِبَةً، بَلْ كَانَ ضَرِيبَتَهُ مِلْيُونٌ وَنِصْفُ الْمِلْيُونِ مِنَ الشُّهَدَاءِ الْأَبْرَارِ، فَقَدْ سَطَّرَ بَيَانُ ثَوْرَةِ أَوَّلِ نُوفَمْبِرَ 1954 بِّوُضُوحٍ لَا لَبْسَ فِيهِ أَنَّ الْغَايَةَ هِيَ: "إِقَامَةُ الدَّوْلَةِ الْجَزَائِرِيَّةِ الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ ذَاتِ السِّيَادَةِ فِي إِطَارِ الْمَبَادِئِ الْإِسْلَامِيَّةِ".
لِذَا، فَإِنَّ أَيَّ مُحَاوَلَةٍ لِلدَّسِّ أَوِ التَّسَلُّلِ بِمَنَاهِجَ غَرِيبَةٍ عَنْ رُوحِ هَذَا الْبَيَانِ، هِيَ خِيَانَةٌ لِلْأَمَانَةِ التَّارِيخِيَّةِ وَالْتِفَاتٌ عَلَى تَضْحِيَاتِ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قَدَّمُوا أَرْوَاحَهُمْ لِتَسْتَعِيدَ الْجَزَائِرُ هُوِيَّتَهَا الْمَسْلُوبَةَ.
الدُّسْتُورُ: الضَّمَانَةُ الْقَانُونِيَّةُ وَالْأَخْلَاقِيَّةُ
لَمْ تَكُنْ مَبَادِئُ الْهُوِيَّةِ مُجَرَّدَ شِعَارَاتٍ ثَوْرِيَّةٍ، بَلْ هِيَ رَكَائِزُ دُسْتُورِيَّةٌ صُلْبَةٌ؛ حَيْثُ تُؤَكِّدُ الْمَادَّةُ الثَّانِيَةُ وَالْمَادَّةُ التَّاسِعَةُ مِنَ الدُّسْتُورِ الْجَزَائِرِيِّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ دِينُ الدَّوْلَةِ، وَأَنَّ الْهُوِيَّةَ الْوَطَنِيَّةَ بِكُلِّ أَبْعَادِهَا (الْإِسْلَامُ، الْعَرَبِيَّةُ، الْأَمَازِيغِيَّةُ) هِيَ الثَّوَابِتُ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمُسَاوَمَةَ.
بِنَاءً عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَيَّ بَرَامِجَ تَعْلِيمِيَّةٍ لَا تَنْطَلِقُ مِنْ هَذِهِ الثَّوَابِتِ، أَوْ تُحَاوِلُ تَمْيِيعَ الْقِيَمِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، تُعْتَبَرُ سَاقِطَةً دُسْتُورِيًّا وَأَخْلَاقِيًّا، وَتُمَثِّلُ خُرُوجًا عَنِ الْعَقْدِ الِاجْتِمَاعِيِّ الَّذِي يَرْبِطُ الدَّوْلَةَ بِالشَّعْبِ.
الْيَقَظَةُ التَّرْبَوِيَّةُ: وَاجِبُ السَّاعَةِ
عَلَى الْجِهَاتِ الْمَسْؤُولَةِ الْيَوْمَ أَنْ تُمَارِسَ "أَقْصَى دَرَجَاتِ الْفِطْنَةِ السِّيَادِيَّةِ" تُجَاهَ مَا قَدْ يَدُسُّهُ الْمُتَرَبِّصُونَ مِنْ نَظَرِيَّاتٍ وَمَنَاهِجَ مُسْتَوْرَدَةٍ، قَدْ تَبْدُو فِي ظَاهِرِهَا "تَطْوِيرًا" وَفِي بَاطِنِهَا "تَغْرِيبًا" يَهْدِفُ إِلَى فَصْلِ الْجِيلِ الصَّاعِدِ عَنْ جُذُورِهِ.
اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ: هِيَ وِعَاءُ الْفِكْرِ وَحَاضِنَةُ التُّرَاثِ، وَتَهْمِيشُهَا هُوَ تَهْمِيشٌ لِلذَّاتِ.
الدِّينُ الْإِسْلَامِيُّ: هُوَ الْمُوَجِّهُ الْقِيَمِيُّ وَالسُّلُوكِيُّ الَّذِي يَحْمِي الْمُجْتَمَعَ مِنَ الِانْحِرَافَاتِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الْعَابِرَةِ لِلْحُدُودِ.
تَارِيخُ الثَّوْرَةِ: هُوَ الْوَقُودُ الَّذِي يُغَذِّي رُوحَ الِانْتِمَاءِ وَالْفَخْرِ وَالِاعْتِزَازِ الْوَطَنِيِّ.
خَاتِمَةٌ
إِنَّ صِنَاعَةَ "الْإِنْسَانِ الْجَزَائِرِيِّ" هِيَ مَعْرَكَةُ وُجُودٍ، وَالْمَنَاهِجُ التَّعْلِيمِيَّةُ هِيَ السِّلَاحُ الْأَقْوَى فِي هَذِهِ الْمَعْرَكَةِ، لِذَلِكَ فَإِنَّنَا نُطَالِبُ بِمَنْظُومَةٍ تَرْبَوِيَّةٍ عَصْرِيَّةٍ فِي أَدَوَاتِهَا، أَصِيلَةٍ فِي جَوْهَرِهَا؛ تَحْتَرِمُ الدُّسْتُورَ، وَتَفِي بِعَهْدِ الشُّهَدَاءِ، وَتُعِدُّ جِيلًا يَضَعُ مَصْلَحَةَ الْجَزَائِرِ فَوْقَ كُلِّ اعْتِبَارٍ، مُتَمَسِّكًا بِدِينِهِ، مُعْتَزًّا بِلُغَتِهِ، وَفِيًّا لِتَارِيخِهِ الْعَظِيمِ.