الاثنين، 24 نوفمبر 2025

بلاغة القول صراطٌ مستقيمٌ إلى القلوب

إنَّ الكلمةَ ليست مجرد حروفٍ تُنطق، بل هي روحٌ تُبثّ، ونورٌ يُشعّ، أو نارٌ تحرق، في ميزان الشريعة الغرّاء، تُعدّ "الكلمة الطيبة" فريضةً ومسلكا، ومنهج حياةٍ قويم، لا يرتضيه الله إلا سبيلاً للتعامل بين البشر، لقد أرشدنا الحقّ تبارك وتعالى إلى هذا الأدب الرفيع في صُلب كتابه الحكيم، جاعلاً إياه منارةً تُضيء دروبنا المعتمة.

الوصية الإلهية: الحسنى والأحسن

​في سورة البقرة، يترسّخ أمرٌ إلهيٌّ جامعٌ وشاملٌ يتجاوز حدود التعامل مع المؤمنين إلى رحاب الإنسانية كلها: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]. هذه وصيةٌ كريمة لا تفرّق بين قريبٍ وبعيد، وصديقٍ وعدو، بل تجعل من "القول الحسن" جسرا للتواصل والتعايش السليم.

​ويتعاظم هذا الأدب في آيةٍ أخرى ليرتقي من مرحلة "الحُسن" إلى مرتبة "الأحسن"، حيثُ يُخاطب ربّ العزة نبيّه الكريم بأمرٍ يحمل في طيّاته بلاغةً وتهذيباً لا يُضاهى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53]. إنَّ الانتقاء الدقيق لأفضل الأقوال، وتجنُّب ما دونها، ليس مجرّد خيارٍ، بل هو منهجٌ ربانيٌّ يُصقل النفوس ويهذّب الطباع، ويقوّي أواصر المودّة والتفاهم حتى في أشدّ المواقف ضراوة.

​القول الليّن: رحمةٌ حتى مع الجبارين

​ولم يقتصر الأمر على حُسن القول مع المتوافقين، بل امتدّ ليشمل مواجهة الطغيان والتجبّر بأدوات اللين والرفق، تلك هي قصة موسى وهارون عليهما السلام مع فرعون، الذي ادّعى الربوبية وتجاوز كل حدٍّ في الكفر ومع ذلك، تأتي التوجيهات السماوية صادمةً في روعتها ومفاهيمها: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]. إنَّ هذا "القول الليّن" ليس ضعفاً، بل هو قوةٌ كامنةٌ في الإيمان بالغيب، واستخدامٌ لأسلوبٍ يفتح كُوّةً في جدار القسوة، لعلّ نور الحقّ يتسرّب إلى قلبٍ أظلمته الغفلة. إنها إشارةٌ عميقة إلى أنَّ الغاية لا تُبرّر الوسيلة الجارحة، وأنَّ الدعوة إلى الحقّ يجب أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة.

صمام الأمان: إلا مَن ظُلِم

​وإذ يضع القرآن الكريم هذه الأسس الراسخة للقول البليغ والمهذّب، فإنه يضع أيضًا صمام أمانٍ للعدل والانتصار للمظلوم، فبينما يكره الله الجهر بالسوء من القول، فإنه يستثني حالةً واحدةً تُنطق المكلوم بالحقّ الذي سُلِب منه: {لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} [النساء: 148]. هذا الاستثناء ليس دعوةً للفحش، بل هو إقرارٌ بحقّ المظلوم في رفع صوته وطلب إنصافه، فهو تصريحٌ إلهيٌّ بمشروعية الشكوى وطلب الحماية، في نظامٍ يوازن بين أدب القول ومتطلبات العدالة.

​النبوة: خاتمُ آداب اللسان

​ولم تكن السنة النبوية الشريفة إلا تتويجاً وتنفيذاً عملياً لهذه المبادئ القرآنية العظيمة، فقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم "الكلمة" معياراً للإيمان، قائلاً: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ". هذا الحديث لا يترك للمرء منطقةً رماديةً بين الخير والشر، بل يضعه أمام خيارين حاسمين: فإما أن تكون الكلمة نوراً يُهتدى به، وإما أن يكون الصمت حكمةً تُنجي من الزلل.

​وفي وصفٍ بليغٍ للمؤمن الحقّ، نفى عنه النبي صفاتٍ تُخرجه عن دائرة الأدب والكمال الروحي: "المؤمن ليس بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ البذيءِ". إنَّ المؤمن ليس ذا لسانٍ حادٍ يجرح به كرامة الآخرين (الطعان)، ولا لساناً مُنفلتاً يُطلق اللعنات (اللعان)، ولا لساناً مُنحطاً يتداول الكلمات القبيحة والبذيئة، بل هو صاحب منطقٍ سليم، ولسانٍ عفيف، وروحٍ سامية لا تنزل إلى درك القول الساقط.

​خاتمة: الكلمة هي المسؤولية

​إنَّ هذه النصوص المقدسة، مجتمعةً، ترسم لنا خريطةً واضحةً لحياةٍ كريمة تقوم على احترام الكرامة البشرية، وتقديم اللين على الغلظة، وتفضيل الحُسنى على السوء، فالكلمة إذن هي أمانةٌ في عنق كلّ مُتكلّم، ومسؤوليةٌ كبرى تُسجّل في صحيفة الأعمال، فلنتأمل ملياً في كلّ حرفٍ نَنطق به، ولنتذكّر دائماً أنَّ لساننا ترجمانٌ لما في قلوبنا، وأنَّ حُسن قولنا هو صراطٌ مستقيمٌ ليس إلى قلوب الناس فحسب، بل إلى مرضاة ربّ الناس.  

نصائح للتلميذ لتحقيق النجاح

 إليكَ بعض النصائح من أجل تحقيق النجاح في دراستك:

​كنْ مستعدا للنجاح

​عزيزي الطالب، النجاح يبدأ من قاعة الفصل الدراسي، لكي تنجح في دراستك، عليك أن تُعطي اهتماما كاملا لما يقوله معلمك.

​انتبه للمعلم في الفصل: ركز جيدا خلال الشرح وتجنّب أي شيء قد يلهيك، سواء كان الإنشغال بالأدوات أو التحدث مع زملائك، وأعلم أن وجودك بجسدك وعقلك في الفصل مهم جدا.

​لا تترك الفصل إلا للضرورة القصوى: إذا شعرت بالحاجة إلى الذهاب إلى المرحاض، اطلب الإذن من معلمك، و لا تخرج من الفصل إلا للضرورة القصوى.

​استغل وقت غياب المعلم: عندما يتغيب المعلم بشكل مفاجئ، استغل هذا الوقت في المراجعة في القسم، و لا تضيّع وقتك في اللعب.

​راجع بانتظام في المنزل: خصّص وقتا كافيا للمراجعة في المنزل، والمراجعة المستمرة تساعدك على تثبيت المعلومات وتجهيز نفسك للاختبارات.

​أنجز واجباتك المدرسية: احرص على إنهاء جميع واجباتك المدرسية في الوقت المحدد، والواجبات هي جزء مهم من عملية التعلّم.

​تذكّر أن النجاح ليس صدفة، بل هو نتيجة للعمل الجاد والالتزام، بتطبيق هذه النصائح، ستجد أن دراستك أصبحت أسهل ونتائجك أفضل.

​أتمنى لك كل التوفيق والنجاح.


المؤسسة الإستشفائية بأولف تستعد لفتح مصلحة طب العيون

تشهد المؤسسة العمومية الاستشفائية بأولف حراكا مكثفًا واستعدادات على قدم وساق، وذلك في إطار التحضير للافتتاح المرتقب لمصلحة جديدة ومجهزة بالكامل لطب وجراحة العيون، ويأتي هذا المشروع الطموح ليعزز بشكل ملموس خدمات الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين، ويقرب التخصصات الطبية الحيوية من سكان المنطقة، وتفيد المعلومات بأن إدارة المستشفى قد أتمت عملية اقتناء وتجهيز المصلحة بأحدث المعدات والتقنيات الطبية اللازمة، وتشمل هذه التجهيزات مجموعة متكاملة من الأجهزة الحديثة الضرورية للتشخيص الدقيق لأمراض العيون المختلفة، و​المتابعة المستمرة لحالات المرضى، وإجراء التدخلات الجراحية المتطورة في طب العيون، ​هذا التجهيز الشامل يوفر خدمة عالية الجودة كانت في السابق تتطلب من المرضى وعائلاتهم التنقل وتحمل عبء البحث عنها في مناطق بعيدة، ومن المقرر أن يتم الافتتاح الرسمي للمصلحة تحت الإشراف المباشر لمديرية الصحة والسكان لولاية أدرار، وبحضور فاعل من السلطات الأمنية والمدنية، ويؤكد هذا الحضور الرسمي على الأهمية التي توليها الجهات المعنية لهذا المرفق الصحي الجديد، والذي يندرج ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز خدمات الرعاية الصحية وتقريبها من المواطنين في إقليم الولاية، و​تمثل هذه الخطوة تجسيدا فعليا لإلتزام المؤسسة العمومية الاستشفائية بأولف بتحسين جودة الخدمات الصحية وتوفير التخصصات النادرة محليا، حيث كانت أمراض وجراحة العيون تشكل في السابق عبئا كبيرا على المرضى وذويهم، خاصة فيما يتعلق بالتكاليف وجهد التنقل، وبافتتاح هذه المصلحة، ستتاح الفرصة لسكان أولف والمناطق المجاورة للحصول على الرعاية التخصصية اللازمة بكفاءة وسهولة أكبر، ويترقب الجميع هذا الافتتاح الذي سيعطي دفعا قويا للقطاع الصحي المحلي، ويؤكد على مضي المؤسسة الاستشفائية قدما في توفير تغطية صحية شاملة ومتكاملة للجميع.  


والي أدرار في زيارة عمل وتفقد إلى دائرة رقان

قام والي ولاية أدرار بزيارة عمل وتفقد إلى دائرة رقان، يوم الأحد 23 نوفمبر 2025، وجاءت هذه الزيارة في إطار متابعة سير المشاريع التنموية والوقوف على انشغالات المواطنين في المنطقة، واستهل الوالي زيارته بتفقد عدد من المشاريع الحيوية قيد الإنجاز على مستوى الدائرة، حيث شدد على ضرورة الإسراع في وتيرة الأشغال مع الالتزام بمعايير الجودة والتسليم في الآجال المحددة، لضمان استفادة المواطنين من هذه المنشآت في أقرب وقت، و​كان أبرز محطات الزيارة هو اللقاء المباشر والمفتوح الذي عقده الوالي مع مواطني دائرة رقان، وقد سمح هذا اللقاء للمواطنين بطرح انشغالاتهم ومطالبهم بشكل مباشر على المسؤول الأول عن الجهاز التنفيذي في الولاية، و​تنوعت انشغالات المواطنين بين قضايا مرتبطة  بـالسكن، والتشغيل، وتحسين الخدمات العمومية كالتعليم والصحة، إضافة إلى المطالب المتعلقة بالبنية التحتية كشبكات الطرق والكهرباء والماء الشروب في بعض القرى والمناطق النائية، وقد أبدى والي أدرار استماعا كاملاً للانشغالات، مؤكدا على أن الهدف الأساسي من هذه الزيارات هو تقريب الإدارة من المواطن ومعالجة المشاكل في الميدان، وقد تم تسجيل كافة المطالب والتعهد بدراستها والتكفل بها وفقا للإمكانيات المتاحة والأولويات التنموية للولاية، كما تم تقديم توضيحات فورية بشأن بعض النقاط، وإصدار تعليمات عاجلة للمسؤولين المحليين للتكفل ببعض الملفات المستعجلة، وتأتي هذه الزيارة لتؤكد على أن نهج والي الولاية أدرار مبنى على الشفافية والعمل الجواري، والسعي لتحسين الإطار المعيشي للمواطنين في جميع بلديات ومناطق الولاية.  




السبت، 22 نوفمبر 2025

حملة نظافة كبرى تنطلق في ولاية أدرار

تم يوم السبت 22 نوفمبر 2025 انطلاق حملة نظافة كبرى وشاملة تغطي كافة بلديات الولاية. جاءت من قِبل السيد والي ولاية أدرار شخصياً، وذلك في إطار الجهود المتواصلة للارتقاء بالمحيط الحضري وتحسين الإطار المعيشي للمواطنين،​ وقد أشرف الي الولاية على إطلاق هذه المبادرة الهامة رفقة السلطات المحلية للولاية، مؤكداً على ضرورة تضافر الجهود بين كافة الفاعلين، من إدارات وهيئات ومجتمع مدني، لضمان نجاح هذه الحملة وتحقيق أهدافها البيئية والجمالية، و​تهدف حملة النظافة الكبرى إلى ​إزالة النفايات المتراكمة في الأحياء والمساحات العامة، و​تنظيف وتطهير الشوارع والأماكن العمومية، وتوعية المواطنين بأهمية الحفاظ على البيئة والمساهمة في جهود النظافة المستدامة، و تشهد الحملة مشاركة واسعة من مختلف القطاعات، بالإضافة إلى لجان الأحياء والجمعيات المحلية، مما يعكس الوعي الجماعي بأهمية البيئة النظيفة في خلق بيئة صحية وجذابة.

​وفي هذا السياق، دعت ولاية أدرار جميع السكان إلى الانخراط الفعلي في هذه المبادرة، مؤكدة على أن النظافة هي مسؤولية الجميع وليست حكراً على عمال النظافة فقط، وتأتي هذه الحملة في إطار برنامج الولاية الرامي إلى جعل أدرار نموذجاً للمدن النظيفة والمستدامة.  





شرطة أدرار والجامعة بالولاية ينظمان يوم دراسيا

في إطار تفعيل الشراكة بين القطاع الأمني والمؤسسة الجامعية، نظمت شرطة ولاية أدرار بالتنسيق مع جامعة أحمد درايعية بأدرار يوماً دراسياً ناجحاً حول الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، ​اللقاء استهدف إطارات الأمن الوطني والأساتذة الباحثين والطلبة، وركز على استعراض التحديات الأمنية الجديدة التي يفرضها العصر الرقمي، وكيفية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة فعالة في الكشف عن الجرائم الإلكترونية ومكافحتها، ​ويُؤكد هذا التعاون على التزام المؤسسات في أدرار بمواكبة التطورات التكنولوجية لضمان أمن المجتمع وسلامته في الفضاء الرقمي. 


​رئيس دائرة أولف يترأس إجتماع لمجلس إدارة المؤسسة العمومية للصحة الجوارية

ترأس طالب علي عبد الكريم، رئيس دائرة أولف، بصفته رئيسًا لمجلس الإدارة، اجتماعًا هامًا للمؤسسة العمومية للصحة الجوارية خلال الأسبوع المنصرم، و عُقد الاجتماع بحضور جميع أعضاء المجلس، وفي مقدمتهم الغوث إلياس، مدير المؤسسة، ​وكان المحور الرئيسي والنقطة الأبرز في جدول أعمال الاجتماع هو توزيع الاعتمادات المالية الإضافية الممنوحة للمؤسسة، وبعد مناقشة مستفيضة وعرض مفصل من الإدارة، تم المصادقة على خطة توزيع هذه الاعتمادات، ​ويُنتظر أن يساهم هذا القرار في دعم وتحسين الخدمات الصحية الجوارية المقدمة للمواطنين، حيث ستوجه هذه الأموال لتمويل مشاريع أو سد احتياجات قائمة لضمان سير عمل المؤسسة بأعلى كفاءة ممكنة، ما يعكس حرص الدائرة ومجلس الإدارة على تعزيز البنية التحتية والموارد البشرية في قطاع الصحة، ​ويؤكد ترؤس رئيس الدائرة لهذا الاجتماع الدور الإشرافي والرقابي للسلطات المحلية على أداء المؤسسات العمومية الحيوية كقطاع الصحة، ويُبرز التنسيق الفعّال بين الهيئات التنفيذية الممثلة في مدير المؤسسة وهيئتها التداولية الممثلة في مجلس الإدارة، ​ومن المتوقع أن تُسفر هذه المصادقة عن نتائج إيجابية ملموسة على مستوى تقديم الرعاية الصحية الأساسية في المنطقة.   





الجمعة، 21 نوفمبر 2025

شيخ المحابر والزوايا: محمد باي بلعالم.. سيرة مجد من توات

في ركن قصي من الصحراء الجزائرية، حيث تتعانق رمال أدرار الذهبية مع نخيل واحاتها، وُلد قنديل أنار دهاليز العلم والتربية والدين؛ إنه الشيخ العالم العلامة محمد باي بلعالم، لم يكن مجرد رجل دين عابر، بل كان سارية مجد، وركناً أصيلاً من أركان الإصلاح الاجتماعي، أفنى سنوات عمره التسع والسبعين في خدمة أم القضايا: تعليم كتاب الله وسنة رسوله، والعمل على تنقية المجتمع من غوائل الخرافات والبدع.

​نشأة تحت ظلال العلم

​شهدت قرية ساهل بأقبلي عام 1348هـ الموافق 1930م ميلاد هذا القطب، الذي ارتشف باكورة علمه من معين مسقط رأسه على يد والده، الشيخ محمد عبد القادر، الذي درّسه النحو والفقه، ثم نَهَل من صافي المعرفة على أيدي شيوخ أجلاء كسيدي محمد بن عبد الرحمان بن المكي، والشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي المنوفي، ولم يكتفِ الشيخ بهذه المحطة، بل شد الرحال إلى مدرسة الشيخ مولاي أحمد الطاهري الإدريسي بسالي، حيث أقام سبع سنوات ينهل منها، منهياً بذلك رحلة التأسيس العلمي.

​منارة مصعب بن عمير

​لكن العالِم الحق هو من يعود ليضيء مسقط رأسه، عاد الشيخ إلى مدينة أولف في مستهل الخمسينات، وفي قلبه مشروع لا يضاهى: تأسيس صرح قرآني شامخ سماه على اسم حامل اللواء، الصحابي الجليل مصعب بن عمير. هذه المدرسة ليست مجرد كتّاب، بل كانت منارة متكاملة فتحت أبوابها لاستقبال الطلبة من مختلف ربوع الوطن والدول المجاورة،  منهجها يجمع بين الأصالة والمعاصرة، فإلى جانب القرآن والسنة النبوية والفقه المالكي، كانت تقدم دروساً في التوحيد واللغة والسيرة النبوية، هذا الصرح التعليمي ما زال مستمراً في عطائه إلى يومنا هذا، ليشهد على عمق الغرس الذي غرسه الشيخ.

رحلات الإفادة والإصلاح

​لم يكن الشيخ باي بلعالم حبيس زاويته، بل كان رحّالة بامتياز، عرفت خطواته دروب الوطن وخارجه إلى بلدان عربية وإفريقية، لكن رحلاته العظمى كانت إلى بيت الله الحرام، حيث حج حوالي 38 مرة، لم يكن الحج لديه مجرد أداء فريضة، بل كان مؤتمراً سنوياً مفتوحاً، يغتنم الفرصة للقاء العلماء والأساتذة والباحثين من أصقاع العالم الإسلامي، فيتبادل معهم المعرفة ويُفيد ويستفيد، و كان رحمه الله مدافعاً صلباً عن المذهب المالكي بالحجة والدليل، وفي الوقت ذاته، كان بقلب منفتح على سائر المذاهب، مؤمناً بأن الحوار هو جسر العلم.

خلق العالم والزاهد: تواضع وجُود

​تلك السيرة العلمية الجليلة لم تكن لتكتمل لولا زينة الأخلاق التي تحلّى بها، وعُرف عنه الحلم والعفو عند المقدرة، والتواضع ولين الجانب مع الناس، فلم يكن يُميز بين زواره، فباب زاويته وقلبه مفتوح للكل، وكان رحمه الله كريماً جواداً،  وكانت زاويته ومدرسته عامرة بالضيوف، لا يرد صاحب حاجة، ويُروى عنه لفتة إنسانية دافئة، حيث كان لا يخرج من بيته إلا وكيس الحلوى رفيقه، ليُسعد كل طفل يصادفه في طريقه؛ صورة تروي عمق الإنسانية في رجل العلم.

​تراث راسخ: مكتبة من أربعين مؤلفاً

​رحل الشيخ، لكن ترك لنا مكتبة عامرة، تجاوزت الأربعين مؤلفاً في فنون شتى، من شروح ونظم وتحقيقات، و كان قلمه يخدم اللغة والفقه والحديث والسيرة، فمن روائعه في النحو واللغة: اللؤلؤ المنظوم على نثر ابن آجروم ومنحة الأتراب على ملحة الإعراب، وفي الشروح الفقهية: زاد السالك شرح أسهل المسالك والكوكب الزهري نظم مختصر الأخضري، كما له بصمات في علم الغريب القرآني في ضياء المعالم، وفي الحديث والآثار في كشف الدثار، ولم ينسَ السيرة النبوية فكتب فتح المجيب على سيرة النبي الحبيب.

​بالإضافة إلى ذلك، ترك عشرات القصائد وأكثر من 20 رحلة مدونة للحج والعمرة، كما وثّق جزءاً من تاريخ المنطقة في الرحلة العلية إلى منطقة توات وقبيلة فلان في الماضي والحاضر.

الختام المهيب: خلود الأثر

​في عام 2009م، أسدل الليل ستاره الأخير على حياة هذا الشمس، وشُيِّعت جنازة الشيخ محمد باي بلعالم في موكب مهيب يليق بمكانته، حضرته السلطات الولائية والوطنية، لقد غاب الجسد، لكن بقيت روحه متجسدة في كل طالب تخرج من مدرسة مصعب بن عمير، كل من مرض دروسه ومحاضراته، وفي كل كلمة خُطت بمداده في مؤلفاته النفيسة، إنه لم يمت، بل خُلد في ذاكرة توات والجزائر؛ شاهداً على أن العلم المقرون بالتربية والخلق الكريم هو الميراث الحقيقي الذي لا يزول، رحم الله شيخنا الجليل وأسكنه فسيح جناته.  


سيرةٌ من نور: محمد الشريف بن مرتاجي... عطر النزاهة في ثوب الوفاء

في سجلات التاريخ المضيئة، وعلى صفحات الذاكرة العطرة لبلدة تيمقطن، يتلألأ اسم الفقيد الراحل محمد الشريف بن مرتاجي، الذي لم يكن مجرد رجلٍ عبر مسرح الحياة، بل كان أثراً كريماً ونموذجاً فريداً للنزاهة والشرف، سيرةٌ حُيكت خيوطها من الطهر والإخلاص، وبُني صرحها على خدمة الصالح العام.

أصلٌ طاهر و نسبٌ زكي

​هو محمد الشريف، والصفة تليق بأصلٍ لا يُضاهى، فهو سليلُ آل البيت الطاهرين، تلك الشجرة المباركة التي امتدت جذورها لتشهد على عظيم النسب؛ ينتهي نَسَبُه إلى سبط رسول الله الأعظم، الحسن بن علي بن أبي طالب، وابنة المصطفى، فاطمة الزهراء، عليها وعلى أبيها وأهل بيتها أزكى الصلاة والسلام، هذا النسبُ الزكي لم يكن مجرد فخر، بل كان عهداً غير مكتوبٍ بالتمسك بالمثل العليا، وبوصلةً وجهت كل خطوة نحو الحق والعدل.

​الرئاسة... أمانةٌ لا مَغْنَم

​سجّل التاريخ اسمه كأول رئيسٍ للمجلس البلدي في تيمقطن بدائرة أولف ولاية أدرار، لكنه لم يتخذ من هذا المنصب سُلماً للمجد الشخصي أو جسراً للثراء، كما يفعل البعض في وقتنا الحاضر، لقد نظر إلى الرئاسة بوصفها أمانةً مقدسة، ومسؤوليةً ثقيلة، لا مَغْنَماً يُبتغى، فكانت حياته في خدمة الجماعة درساً بليغاً في التفاني والإخلاص، كان يُعطي كل ذي حقٍ حقّه دون ميلٍ أو مجاملة، يزنُ الأمور بميزان النزاهة الخالص، فما كان يخشاه ليس قانون الأرض فحسب، بل كان خوفه الأكبر من "العيب" ووصمة التقصير في حق الأمة والضمير.

مثالٌ في البذل والعطاء

​لقد شهد القريب والبعيد على سلوكه الرفيع؛ فما من أحدٍ سجل عليه سعياً وراء مصلحةٍ شخصية أو مصلحة لأبنائه من خلف ستار منصبه، و كانت هذه الميزة نادرةً في زمانه، لكنها كانت مبدأً راسخاً في قلبه، فعمل لخدمة الناس على قدر ما أتاه الله من ثقافة وعلم، ولم يقل جهده، بل كان يقدم كل ما في وسعه بقلبٍ مفعم بالصدق.

​ولكن قمة عطائه كانت في البذل الخاص، حيث كان يرى المحتاج بعين رحيمة، ويمد يده إليه من جيبه الخاص، مجسداً بذلك أسمى معاني التكافل التي دعا إليها سلفه الطاهر، و لم ينتظر الثناء، ولم يسعى إلى الشهرة، كانت غايته إرضاء ربه وخدمة أبناء جلدته سراً وعلناً.

​خاتمة المجد: سيرةٌ باقية

​رحل محمد الشريف بن مرتاجي بجسده، لكن روحه الطاهرة وسيرته النقية ظلت ترفرف فوق ربوع بلدية تيمقطن خاصة ودائرة أولف وأظرار عامة، ترك خلفه إرثاً لا يُقدر بثمن: إرث النزاهة المطلقة، والتفاني النادر، وضميراً حياً لم يُساوم. إن ذكراه ليست مجرد تأبين، بل هي دعوةٌ مفتوحة لكل مسؤول أن يتخذ منه قدوة، وأن يعلم أن الأثر الباقي هو العمل الصالح والسمعة الطيبة، لا المناصب الزائلة والمصالح الآنية، فسلامٌ على روحه الطاهرة، ما بقي النور في هذه الدنيا، وما رفرفت راية الأمانة في قلوب المخلصين.  


في رحاب ذكرى فقيد العلم والزهد: الشيخ حفصي عبدالرحمن بن إبراهيم

يا دمعة الحرف، ويا أنين القلم، خُطِّي في سجل الخالدين سيرة شيخ لم يمت؛ بل ارتقى ليستقر في جنان الذكرى الطيبة والعمل الصالح.

​في كل عام، تتجدد ذكرى رحيل قامة شامخة من قامات العلم والتربية والإحسان، ذكرى وفاة العالم العلامة، والشيخ المربي، حفصي عبدالرحمن بن إبراهيم، إمام مسجد عمنات ببلدية أولف قيد حياته، إذ لم يكن شيخنا مجرد اسم يُذكر أو وظيفة تُمارس؛ بل كان مدرسة متنقلة، ومشكاة نور أضاءت دروب السالكين إلى الحق والفضيلة.

جوهر الروح وصدق المنهج

​لقد كان الفقيد، رحمه الله، مثالاً حياً ونادراً للتقوى و العلم الرباني والزهد، جمع بين رصانة الفقيه وشفافية الصوفي الحقيقي النقي، ذلك التصوف الذي يرتكز على تصفية الباطن وإخلاص العمل، تصوف يذكرنا بصفاء ونقاء نهج إبراهيم بن أدهم؛ حيث الدنيا لا تساوي عنده جناح بعوضة أمام رضوان الله.

​لقد عاش الشيخ حفصي متوشحاً بعباءة التواضع الجم، متزيناً بأخلاق حسنة رفيعة كانت دليلاً لا يُخطئ على علو مكانته الروحية، ولم تكن حكمته مجرد أقوال تُردد؛ بل كانت نابعة من بصيرة نافذة أهداها الله لأوليائه، مصحوبة بتقوى جعلت كل عمله خالصاً لوجهه الكريم، وكان التواضع درعه، والمحبة شعاره، والحكمة سيفه الذي يوجه به القلوب نحو الخير.

​منار التربية والإحسان

​أينما حلّ الشيخ، حلّت معه السكينة والرحمة، كانت سيرته بين الناس تجسيداً عملياً لرسالة الإسلام السامية؛ ​يرحم الصغير بقلبه الدافئ، حيث كان ملاذاً للأطفال والبسطاء، يمسح على رؤوسهم بيده المباركة ويدعو لهم بالخير، فيغرس في نفوسهم بذور المحبة والرحمة قبل بذور العلم، ويجل الكبير فيعرف للسن حقه وللفضل مكانته، يتحدث معهم بالوقار والاحترام الذي يليق بمن سبقوه في الحياة، معتقداً أن احترام الكبير هو احترام للزمن وللتجربة.

​لقد كان مربياً في المقام الأول، يستخدم الحكمة والموعظة الحسنة سلاحين لبناء النفوس، لا يكل ولا يمل من نشر هذا العمل المبارك الذي ارتكز على التقوى كمنهج حياة.

​محبة آل البيت: الوداد النقي

​ومن أعظم شمائله التي زادت سيرته نوراً على نور، هي محبة أل البيت الطاهرين؛ تلك المحبة التي لم تكن مجرد عاطفة سطحية، بل كانت تديناً خالصاً وولاءً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله، وكان يرى فيهم امتداداً للنور النبوي، ومصدراً للعلم والتوجيه، فكان يتولاهم بالمحبة الصادقة والود النقي.

​يا لفقْدِ مَن كان طهراً ونقاءً، إن رحيل أمثال الشيخ حفصي هو ثلمة في جدار الأمة، لا يسدها إلا صدق الدعاء وعمق الاقتداء بسيرته العطرة.

دعاء وعهد

​في ذكرى رحيله، لا تملك الأرواح التي ارتوت من علمه وأخلاقه إلا أن ترفع أكف الضراعة:

​اللهم يا رب العالمين، يا من وسعت رحمته كل شيء، جازِ المرحوم الشيخ حفصي عبدالرحمن بن إبراهيم خير الجزاء وأوفاه بما علّم وربّى وزكّى، اللهم تفضّل عليه وتوّله في كنفك ورحمتك الواسعة، وأكرم نزله ووسع مدخله، اللهم اجعل ما قدمه من علم وعمل وتربية في ميزان حسناته، واجعل قبره روضة من رياض الجنة.

​اللهم أدخله جناتك بغير حساب، واجمعنا به وبأحبائنا تحت لواء حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى.

​فسلامٌ على روحه الطاهرة في علّيين، وعهدٌ على الأجيال أن تقتفي أثره؛ لتظل منارة عمنات في أولف خاصة وأولف وماجارورها شامخة بفضل ما غرس فيها من قيم وعلـم.

​رحم الله شيخنا الجليل وأسكنه فسيح جناته.  


فلسطين والجزائر نظرة استراتيجية تتجاوز الظاهر

إن الحديث عن تضارب في الموقف الجزائري تجاه القضية الفلسطينية، خاصة ما تعلق بالتكهنات حول خطة ترامب  الأخيرة للسلام، هو حديث يفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية العميقة التي طالما حكمت سياسة الجزائر الخارجية، و إن من يطلق أحكاما سريعة ومجردة عن خيانة أو تخلي الجزائر عن القضية الفلسطينية، يقرأ السطور ولا يدرك ما بينها، ويحاكم الظاهر دون فهم المآلات، ف​من الضروري أن نؤكد أن العلاقة بين الجزائر وفلسطين ليست مجرد موقف سياسي عابر، بل هي عقيدة ثورية راسخة ومبدأ تاريخي لا يقبل المساومة،  و الجزائر التي حققت إستقلالها من رحم ثورة تحريرية دامية، تعرف جيدا معنى الاحتلال وحرية الشعوب، هذا المبدأ هو بوصلتها الثابتة، لكن السياسة الخارجية، خاصة في الملفات المعقدة كالقضية الفلسطينية، ليست دائما طريقا مستقيما من الشعارات الصارخة، بل إنها فن الممكن، وحساب للمكاسب والخسائر، ورسم لإستراتيجية طويلة الأمد، وقد تتطلب الضرورة أحيانا اتخاذ خطوات تبدو في ظاهرها غير مرضية أو ملتبسة، لكنها في عمقها قد تكون مناورة تكتيكية تهدف إلى منع وقوع ما هو أسوأ، أو إلى كسب الوقت لترتيب الأوراق، أو حتى إفشال خطة كبرى من الداخل، وغالبا ما تكون البنود السرية أو التفاصيل غير المعلنة في مثل هذه الخطط هي الحبل الذي يمكن من خلاله تضييق الخناق على الخصم أو كشف نواياه الحقيقية أمام المجتمع الدولي، ثم ​إن هذا المنهج في التعامل مع الضرورات السياسية يجد له جذورا عميقة في التاريخ الإسلامي، وأبرز مثال هو صلح الحديبية، لأن صلح الحديبية، في وقته بدا هزيمة أو إجحافا للمسلمين في نظر البعض في ذلك الوقت؛ حيث تضمن شروطا قاسية ومذلة في ظاهرها، مثل إعادة من يأتي من قريش مسلما، وإزالة لقب رسول الله من نص المعاهدة، لقد ثارت العاطفة الإسلامية لذلك، لكن الرؤية النبوية الحكيمة كانت أبعد وأعمق، وهنا تكمن العبرة، وقد يكون الإمضاء على وثيقة أو خطة، مهما كانت شوائبها الظاهرة، هو بمثابة هدنة استراتيجية أو خطة مستقبلية، و قد يكون القبول الظاهري هو الثمن المدفوع للحصول على موقع متقدم يمكن من خلاله، البقاء داخل الدائرة المغلقة للقرار لمنع أي قرارات كارثية أخرى، واستخدام النفوذ الدبلوماسي لتغيير بعض المسارات مستقبلا، و ترك الخطة تسير في بدايتها حتى تنكشف عيوبها ومآربها أمام الرأي العام العالمي والفلسطيني نفسه، وإن الجزائر بميراثها الثوري وموقعها الإقليمي، لا يمكنها أن تضحي بمسار تاريخي طويل من التضحية والدعم للقضية الفلسطينية، و إذا كان هناك أي تحرك يُنظر إليه على أنه تراجع تكتيكي، فهو بلا شك يندرج تحت مظلة نظرة مستقبلية، لصالح القضية الفلسطينية في حد ذاتها، وإن المصلحة العليا للقضية الفلسطينية اليوم تتطلب، وحدة الصف الفلسطيني أولا، وتجنب العزلة التامة في مواجهة التحالفات الجديدة، والحفاظ على نقاط القوة القليلة المتبقية، خاصة الدعم الشعبي والدبلوماسي غير المشروط، ونقول في الأخير إن الحكم على الدول بمقدار صراخها لا بمدى فاعلية تحركها هو حكم قاصر، لذلك يجب علينا أن نمنح الاستراتيجية الثورية الجزائرية مساحة من الثقة، فالتاريخ يعلمنا أن أعظم الانتصارات تولد من رحم المناورات الصعبة، حيث يكون الصمت أحيانا أقوى سلاح، والقبول الظاهري أذكى طريق لتحقيق النصر الذي تنتظره فلسطين، و​فلسطين ليست مجرد قضية عابرة، بل هي قضية الجزائر الأبدية. 


الأربعاء، 19 نوفمبر 2025

العربية لغة الخلود ونبض الوجدان

مقدمة: سيدة اللغات وتاج البيان

​تتيه الحروف خجلاً، وتتوارى المفردات إجلالاً، حين يتعلق الأمر بالحديث عن "العربية"، ليست مجرد أداة تواصل أو مجموعة من القواعد الصارمة، بل هي روح الأمة ونبض هويتها الخالد، إنها اللغة التي اصطفاها الخالق لحمل رسالته السماوية، فغدت بفضل هذا الاصطفاء معجزة باقية، تشهد على عظمة التنزيل، وتتربع على عرش البيان بمهابة لا يطالها الزوال، هي لغة الدنيا التي نستنير بضادها، ولغة الآخرة التي نرجو أن نفوز بأهلها.

​1. الخلود في متن الحرف والمعنى

​ليست العربية كغيرها من اللغات التي تآكلها الزمن أو غيبتها صفحات التاريخ، إنها اللغة الخالدة التي تتجدد مع كل فجر، وتحمل في طياتها تاريخ حضارة امتدت عبر القارات والأجيال، حين تغوص في أعماق مفرداتها، تشعر أنك تلامس أسرار الوجود؛ فـ "الجَمَل" ليس مجرد حيوان، بل هو تراكم خبرة الصحراء وحكمة البقاء، في تركيبها العجيب، ترى مرونة تفوق الخيال؛ جذر ثلاثي واحد يتشعب منه بحر من المعاني، فتغدو بذلك مهندسة اللغات التي لا تعرف الانحناء.

​إنها لغة لا تجهل قيمتها إلا نفس لم ترتوِ من معينها الصافي، ومن جفاها يوماً سيعود إليها صاغراً، مدركاً أن في هجرانها جفوة عن الذات وتضييعاً لكنز لا يقدر بثمن، هي الهوية الناطقة، والذاكرة الحية التي تحفظ للأمة أصولها وفضلها.

​2. الجمال الساحر وقوة التأثير

​هل مرّ بك حرف "الضاد" فاهتزت روحك؟ هل سمعت ترنيمة الشعر العربي القديم فحلقت في فضاءات الإبداع؟ العربية هي موسيقى الألفاظ وعبقرية التعبير، جمالها ليس شكلياً يزين السطور فحسب، بل هو جمال في عمق الدلالة وقوة الإيحاء، بكلمة واحدة، تستطيع أن تختزل تاريخاً من المشاعر، وبجملة واحدة، ترسم صورة فنية متكاملة.

​إنها لغة البيان التي إذا تحدثت، أثرت في القلوب وغيّرت مجرى التاريخ، عباراتها قوية ومؤثرة بالفطرة، لأنها مشبّعة بحرارة العاطفة وصدق الوصف، من أحبها بصدق، أدرك السرّ الكامن وراء تفوقها، وعرف الفضل العظيم الذي تحمله هذه اللغة لأهلها، فـفضلنا كامن في فضلها، ومجدنا متجذر في حروفها، ومحب العربية هو بالضرورة محب للجمال، ومقدّر للذوق الرفيع.

​3. لغة الكتاب ولغة الجنة: الامتداد الأبدي

​هنا يكمن سر قداستها ورفعتها التي لا تُضاهى، العربية هي وعاء القرآن الكريم، معجزة الإسلام الخالدة، هذا الشرف جعلها لغة إلهية المعيار، عصية على الاندثار، متفردة في بنيتها، أليست هي لغة الضاد التي نرتل بها آيات الذكر الحكيم في صلواتنا، وتطمئن بها قلوبنا؟

​والأجمل من هذا وذاك، الإيمان الراسخ بأنها لغة أهل الجنة، هذا الاعتقاد يرفعها من مصاف اللغات الدنيوية إلى مرتبة سامية، رابطاً إياها بأسمى الغايات وأخلد الآمال، هي فعلاً لغة الدنيا والآخرة؛ ندرسها في الأولى استنارة، ونرجو أن ننطق بها في الثانية كرامة، من يعتز بها اليوم، يزرع بذرة كرامته وغده.

خاتمة: دعوة للتمسك بالضاد

​في عصر تسارعت فيه وتيرة العولمة، يبقى التمسك بالعربية هو خط الدفاع الأول عن الهوية والكيان العربي والإسلامي فلنتشربها حباً، ولنتعلمها إتقاناً، ولنغرس قيمتها في نفوس الأجيال، لأنها مفتاح فخرنا، وسر بقائنا، ورمز مجدنا.

​"إن العربية ليست مجرد حبر على ورق، بل هي دماء تسري في عروق الحضارة، ونور يضيء دروب المعرفة، فمن عرفها، عرف العزة، ومن أحبها، وجد في حروفها وطناً أبدياً."

​فلتظل العربية سيدة، ولتظل لغتنا الخالدة معجزة تنطق بالضاد.  


منارة العلم وقنديل الشعر الأستاذ لماوي دحمان

لبعض النفوس أثر لا يمحوه الزمن، وبصمات تُنقش في جبين التاريخ لا تزول، تلك هي سيرة الأستاذ لماوي دحمان، ذلك الرجل الذي حمل على عاتقه مهمة الأنبياء في صمت وتفانٍ، فكان قامة باسقة جمعت بين قداسة التربية وسحر الكلمة، هو ليس مجرد اسم عابر في سجلات المتقاعدين، بل هو فصل مضيء في كتاب الذاكرة الوطنية، وحكاية عشق أبدية بين معلم صبور وشاعر ملهم، ورجل من رجال الكشافة لإسلامية الجزائرية.

المربي الذي صاغ الأجيال: ثلاثة عقود من العطاء الخالص

​في محراب المدرسة الابتدائية، حيث تتشكل الأرواح وتتفتّح العقول، وقف الأستاذ لماوي دحمان أكثر من ثلاثة عقود، يزرع الحرف، ويغرس القيمة، ويشعل فتيل الفكر، و لم يكن معلماً تقليدياً، بل كان بستانياً حكيماً يروي براعم الأجيال من نبع علمه وخلقه، لقد أفنى زهرة شبابه وثمرة عمره في هذا الجهاد المعرفي المقدس.

​لقد كان مخلصاً لرسالته، لا يرى في مهنته مجرد وظيفة، بل واجباً مقدساً، وأمانة عظمى، كل طالب مرّ بين يديه، هو مشروع إنسان، بذرة أمل، ورسالة تربوية مؤداة بأمانة، وإذا كانت الأجيال هي ثروة الأوطان الحقيقية، فإن الأستاذ دحمان هو صائغ هذه الثروة بمداد الصبر ونور البصيرة، فالأجيال التي رباها الأستاذ دحمان لم تتعلّم منه القراءة والكتابة فقط، بل تعلّمت منه كيف تكون القامةُ مستقيمةً والكلمةُ صادقةً والروحُ ساميةً.

​الشاعر الذي أضاء الوجدان: صدى الحرف في قلب الجزائر

​لم تكن أياديه الكريمة تحمل عصا التأديب فقط، بل كانت تحمل ريشة شاعر مرهف الحسّ، وصوتاً شعرياً أصيلاً ينتمي إلى وجدان هذه الأرض، فالأستاذ لماوي دحمان هو أيضاً شاعر من شعراء الجزائر الأعلام، وعضو فاعل في اتحاد الكتاب الجزائريين، تلك الهيئة التي تصون لغة الضاد وتُعلي من شأن الكلمة.

​إن الشاعرية لديه لم تكن مجرد هواية، بل تجسيداً آخراً لرسالته التربوية ونبض لمجتمعه، فبينما كان يعلّم الأطفال أبجديات الحياة، كان ينسج قصائده ليعلّم الكبار أبجديات الروح والوطن والحب.

​لقد كانت مشاركاته في الملتقيات والندوات والأمسيات الشعرية بمثابة إعلان انتصار للجمال، حيث كان له السبق والتفوق والنجاح، مقدماً تجربة شعرية ناضجة، تستقي من معين التربة الجزائرية الصافية، وتلامس آفاق الإنسانية الرحبة، وتلك الدواوين الشعرية المطبوعة التي ولدتها قريحته هي وثائق حية تشهد على خصوبة فكره وعمق رؤاه، هي ميراث أدبي لا يقل أهمية عن ميراثه التعليمي.

​خاتمة المجد: رسالة باقية وأثر خالد

​اليوم، وقد أسدل الستار على مسيرة التدريس، وخلع الأستاذ لماوي دحمان رداء الوظيفة ليتقلد وشاح المجد والتقدير، يبقى اسمه محفوراً في ذاكرة تلاميذه وفي صفحات الأدب،

​إنه نموذج للتكامل الفريد بين رجل التربية الذي يُشيّد العقول، ورجل الأدب الذي يُزيّن الوجدان، هو القائل الصامت بأن التربية والشعر وجهان لعملة واحدة: صناعة الإنسان.

​تحية إجلال وتقدير لهذا المربي النبيل والشاعر الفذّ، فإذا تقاعد المعلم، فـالرسالة لا تتقاعد، وإذا سكت صوت المنبر، فـصدى القصيدة لا يموت، عاش الأستاذ لماوي دحمان قنديلاً منيراً في سماء الجزائر، ومثالاً ساطعاً على أن التفاني والإخلاص هما أصل كل نجاح خالد.  


سلالة النور ووارثو الفلاح في رحاب الأستاذ بلوافي أحمد بن هيبه

في سجلات الزمن المنقوشة بمداد العِلم والإصلاح، تقفُ قامةٌ شامخةٌ تروي للأجيال معنى التفاني الحقيقي ونبل الأصل، تلك هي سيرة المربي الفاضل والأستاذ، بلوافي أحمد بن هيبه. رجلٌ تماهت فيه خصالُ الكرامة مع أمانة الرسالة، فصار وجوده مدرسةً متنقلةً في الحياة، ودرساً بليغاً في فن العطاء غير المشروط.

​أصلٌ زكي وشعلةٌ لا تنطفئ

​حينما نتحدث عن الأستاذ بلوافي أحمد بن هيبه، فإننا نبدأ من منبع النور والقداسة؛ فهو سليل آل البيت الطاهرين، ينتهي نسبه الشريف إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد (عليه وعلى آله الصلاة والسلام). هذا النسب ليس مجرد سلسلةٍ تُروى، بل هو عباءةُ شرفٍ حملتْ معها ثِقَلَ الأمانة ورفعةَ السلوك، الذي انعكس في هذا الأصل الزكي من خلال طباعه السمحة وشمائله النبيلة، فحياته ومسيرته شهادةً حيةً على أن شجرة الطيب لا تثمر إلا طيباً.

​المحراب الأوّل: تفاني مُعلّم الأجيال

​على مدى سنينٍ طويلة، امتشق الأستاذ بلوافي أحمد، سيف الكلمة ونور الحكمة في محراب المدرسة الابتدائية، وكان مُربّي الأجيال ومعلّمهم الفذ، ولم يكن التعليم بالنسبة له وظيفةً تُؤدَّى، بل عبادةٌ تُقام وعهدٌ يُصان، لقد كان مُخلصا ومُتفانيا إلى الحد الذي جعل من كل يومٍ دراسي، ومن كل حصةٍ يُلقيها، بِذرةَ صلاحٍ تُغرس في نفوس النشء، وإن كان قد اعتزل العمل الرسمي منذ أعوامٍ كثيرة، إلا أن بصمات أياديه البيضاء لا تزال حيةً في عقول وقلوب تلاميذه الذين غدوا اليوم قادةً وأطباء ومهندسين، يرددون في سريرتهم: "لولا ذاك المُعلم المخلص، لما كنا نحن اليوم". هذا التفاني هو إرثٌ لا يفنى، وصدقةٌ جاريةٌ في سجلات الزمن.

​حنكةُ المُصلح وشجاعةُ الموجه

​أما في ميدان المجتمع، فالأستاذ بلوافي أحمد بن خيره، هو رجلُ مجتمعٍ بامتياز، يحمل بين جنبيه حنكةً سياسيةً مُجردةً من أي انتماء، صافيةً كصفاء النية، هو لا يسعى خلف الأضواء أو المناصب، بل يقفُ بمسافةٍ واحدةٍ من الجميع، لكنه لا يتوانى أبداً عن النصيحة الصادقة والتوجيه الرشيد، فكلماته ليست مجرد آراء عابرة، بل هي ومضاتُ حكمةٍ تُضيء دروب الإصلاح والفلاح للجميع.

​وفي زمنٍ كثرت فيه الخصومات وتشابكت فيه النزاعات، يبرز دوره كـرجلِ صلحٍ وإصلاح، يسعى جاهداً في إصلاح ذات البين، فهو يمتلك موهبةً ربانيةً في تقريب القلوب وإخماد نيران الشقاق، مُعيداً بذلك الأمن والأمان إلى النفوس والسكينة إلى البيوت، ومساهمته الفعالة في تحقيق التوافق الاجتماعي تجعله صِمامَ أمانٍ للنسيج المجتمعي، إذ يدرك بفطرته أن العمران الحقيقي يبدأ من طمأنينة الإنسان.

​كرم الضيافة وسَعْيُه لقضاء الحوائج

​ولأن الكرم من شيم الكِرام، وحسنُ الخُلق امتدادٌ لحسن الأصل، فإن الأستاذ بلوافي أحمد بن هيبه، هو رجلٌ كريمٌ يُكرِم الضيف بما يليق به من حفاوةٍ وجُود، بقلبٍ واسعٍ ويدٍ سخية، و كرمه لا يقتصر على مائدة الطعام، بل يمتد إلى كرم السعي في حوائج الآخرين، فهو يجتهد ويبذل ما يستطيعه في قضاء مصالح الكثير  من الناس، دون انتظار شكرٍ أو ثناء، إنه يؤمن بأن قضاء حاجةِ مُحتاجٍ هي أسمى أنواع العبادة وأرقى درجات الإنسانية.

​خاتمة السيرة العطرة

​إن الأستاذ بلوافي أحمد بن هيبه ليس مجرد اسمٍ في سجل المتقاعدين، بل هو مَرجعيةٌ أخلاقية، ونموذجٌ يُحتذى به في إخلاص المُربي، وحنكة المُصلح، وكرم الأصيل، هو رجلٌ جمع المجد من أطرافه، فله في العِلم باع، وفي الإصلاح ريادة، وفي الكرم آية.

​إننا إذ نكتبُ عنه، إنما نكتبُ عن قيمةٍ إنسانيةٍ تتجسد في شخصه، ونؤكد أن مجتمعاتنا تبقى شامخةً طالما احتضنت أمثال هذه القامات التي تضعُ رسالةَ الإصلاح فوق كل اعتبار، وتغرسُ الخير في كل ميدان، فـتحية إجلال وتقدير تليق بهذا السليل الطاهر والمُصلح الحكيم، الذي لا يزال، برغم تقاعده، شعلةً تنير الدرب ومَعينا لا ينضب للعطاء. 


الأستاذ دباغ عبد القادر منارة الأجيال

في سِجلِّ الحياة، تتلألأ أسماءٌ كنجومٍ ثابتةٍ، هي أسماء من نذروا أرواحهم لجعل هذه الأرض أكثر ضياءً وأهلها أكثر وعيا، ومن بين هؤلاء الكرام، يبرز اسم المربي الفاضل والأستاذ المتقاعد: دباغ عبد القادر، قيمةً لا تُقدَّر بثمن، وعنوانا للتفاني الذي ارتسم على جبين التربية والتعليم لعقود خلت.

​المرحلة الأولى: حيث تُصاغ البذور وتُروى

​لقد كانت رحلة الأستاذ دباغ عبدالقادر رحلة صعود في مدارج الفضل والعطاء، بدأت في التعليم الابتدائي؛ تلك المرحلة التأسيسية التي تُغرس فيها البذرة الأولى للانتماء والمعرفة، حيث لم يكن فيها مجرد "معلم" يلقن الحروف والأرقام، بل كان "المربي" بكل ما تحمله الكلمة من جلال وسمو؛ كان قلبه سِقاءً يروي عقول الصغار، ويده محراثا يقلب تربة نفوسهم الطرية، يعدُّهم للحياة بروح لا تعرف الكلل، في تلك الفصول المضيئة، تجسدت فيه نِعمُ المربي، فكان أبا حانيا قبل أن يكون مرشدا، وقدوةً صامتةً تُعلِّم بالخُلُق قبل الكلمة، أدرك بحسه العميق أن بناء الإنسان يبدأ من هذه اللحظات الأولى، فكانت أيامه هناك فصولا من الإخلاص المطلق.

المرحلة الثانية: الارتقاء نحو صرح الكلمة والروح

​ثم شهدت مسيرته التربوية ارتقاءً مستحقا، إذ انتقل من هالة التعليم الابتدائي إلى سماء التعليم المتوسط؛ ليُصبح أستاذا يغوص بطلابه في عُمق اللغة وعظمة الروح، عبر مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية، وما أجمل هذا الجمع حين يقرن بين لغة الضاد التي هي وعاء الحضارة، وبين التربية الإسلامية التي هي منبع الأخلاق ومشكاة النور.

​في هذه المرحلة، تجلّى التفاني في أبهى صوره، فلم يكن الإخلاص لديه مجرد أداء وظيفي، بل كان نذرا مقدّسا من أجل أداء الواجب التربوي والتعليمي.

​لقد كان نعم الأستاذ، يُدرك أن الكلمة أمانة، والمنهج رسالة،

ف​شَهِدت له قاعات الدرس بأنه الفارس المتفاني في محراب العلم، لم يدخُل فصلا إلا ومعه زادٌ من الوعي والشغف، يبتغي أن يُضيء عقل الطالب وأن يُهذّب روحه معا، كانت حصصه رحلات معرفية تُحلّق بالناشئة نحو فضاءات التفكير السليم، حيثُ العربيةُ ليست مجرد قواعد نحوية، بل جسراً للفهم العميق والبيان الرصين، وحيثُ التربية الإسلامية ليست فروضا جوفاء، بل منهاجا حياة يربط القلب بخالقه ويزرع الرحمة في المعاملات.

​الإرث الخالد: بصمةٌ لا تُمحى

وقد ألقى الأستاذ دباغ عصا الترحال، واعتزل صخب القاعات، ليترجّل عن صهوة التعليم وهو شامخ الرأس، فإن عطاءه لم يتقاعد، فالمُربّي الحقيقي لا يتقاعد؛ لأن إرثه ليس في ملفات أرشيفية، بل هو منقوش في ذاكرة أجيال، ومزروع في نجاحاتهم.

​كم من مهندسٍ وطبيب، وكاتبٍ ومُعلم، يتذكر اليوم لفتةً منه أو كلمة تشجيع، أو تصحيحا جعل مسار حياته مستقيما، هذا هو الرصيد الحقيقي، وهذا هو الكنز الذي لا يفنى، إن قصته هي قصة الشرف الذي يرتديه المُعلِّم المُخلص، والهمّة التي لا ترضى إلا بالجودة والإتقان.

​تحية إجلال وتقدير لهذا الرمز التربوي الذي كان ولا يزال قيمة في التفاني والعطاء، فلتسترح يا أيها الجندي المجهول في صفوف البناء، فقد زرعت فأثمرت، وعلّمت فأبدعت، وتركت خلفك منارة أجيال تضيء الدرب لكل من سار على خطاك. 


الاثنين، 17 نوفمبر 2025

أمن أدرار يواصل التحسيس من مخاطر المخدارت ويحس على السلامة المرورية

تواصل مصالح أمن ولاية أدرار  نشاطاتها الجوارية والتوعوية، مستهدفة هذه المرة الوسط المدرسي، في حملة واسعة تهدف إلى بناء جدار وقائي ضد الآفات الاجتماعية وتعزيز الوعي بقواعد السلامة المرورية، وجاءت هذه المبادرات في إطار مقاربة تشاركية فعالة، حيث تتعاون الشرطة عن كثب مع مختلف الفاعلين في القطاع التربوي والجمعيات المدنية لضمان وصول الرسائل التحسيسية إلى أكبر شريحة من التلاميذ والأولياء، حيث ت​شهدت المؤسسات التعليمية في أدرار سلسلة من الأنشطة التفاعلية والندوات تتعلق بالتحسيس من مخاطر المخدرات والآفات الاجتماعية على رأس الأولويات، وتركز فرق مختصة من الأمن على شرح الأضرار التي لا تقتصر فقط على الجانب الصحي، بل تمتد لتشمل التفكك الأسري والملاحقات القانونية، ​و أستخدمت الشرطة عروض وحوارات مفتوحة لتشجيع التلاميذ على طرح الأسئلة وتبديد الغموض حول هذه الظواهر الخطيرة، مؤكدة على ضرورة الإبلاغ الفوري عن أي سلوك مشبوه أو محاولات إغراء أو ترويج للمخدرات داخل أو في محيط المؤسسات التعليمية، وفي سياق أخر تقدم فرق الشرطة المتخصصة في أمن الطرق نصائح وإرشادات دقيقة للتلاميذ حول كيفية التصرف الآمن خارج وداخل المدرسة، وشملت هذه الإرشادات توجيهات مفصلة بشأن إجبارية استخدام ممرات المشاة، وكيفية الصعود والنزول من الحافلات المدرسية والعمومية بأمان، و أهمية الالتزام بالإشارات الضوئية واللافتات المرورية كسلوك حضاري ومسؤول، هذا ​ويُشيد الفاعلون التربويون بهذه الجهود التي تترجم الدور الحقيقي للأمن الوطني في بناء المجتمع وحماية أفراده، وتؤكد شرطة أدرار أن هذه الحملات التحسيسية ليست موسمية، بل هي برنامج عمل دائم ومستمر يهدف إلى ترسيخ ثقافة أمنية ومرورية لدى الجيل الصاعد، وضمان بيئة مدرسية خالية من أي مخاطر تهدد مستقبلهم.   



تكريم حفظة القرآن وإحياء ذكرى عالم جليل بمدرسة مولاي أحمد الطاهري بأولف

في أجواء روحانية مفعمة بالإيمان والتقدير، شهدت المدرسة القرآنية "مولاي أحمد الطاهري الإدريسي" بحي المجاهد حمدي بوغرارة ببلدية أولف، ولاية أدرار، يوم السبت الموافق 15 نوفمبر 2025، حدثا مزدوجا وبارزا تمثل في تكريم كوكبة من حفظة القرآن الكريم، وإحياء الذكرى السنوية لوفاة الشيخ المرحوم العلامة محمد باي بلعالم، ونظم بالتعاون مع المحسنين في المجتمع هذه الفعاليات الشيخ محمد لقصاصي، شيخ المدرسة وأحد رموز التعليم القرآني بالمنطقة، وأقامت المدرسة نزور بالمناسبة مع حفلا بهيجا لتكريم طلبتها الذين أتموا حفظ كتاب الله العزيز، وقد عمت الفرحة أرجاء المكان  والحي ابتهاجا بهذا الإنجاز العظيم، وأحيت المدرسة في ذات الوقت الذكرى السنوية لرحيل الشيخ المرحوم العالم العلامة محمد باي بلعالم، وتأتي هذا الالتفات وفاءً وعرفانا لما قدمه الفقيد من خدمات جليلة للعلم والدين في المنطقة وخارجها، وتخليدا لذكراه العطرة في نفوس الأجيال،  و​يؤكد هذا الحدث الهام على الدور المحوري الذي تلعبه المدارس القرآنية في أولف، كحاضنات للحفظة ومنابع للعلم والمعرفة، ومحافظة على الذاكرة العلمية والتاريخية للمنطقة.  




رئيس دائرة أولف يترأس إجتماع للجنة التقنية الموسعة للاستصلاح الفلاحي

ترأس السيد طالب علي عبد الكريم، رئيس دائرة أولف، صباح اليوم الأربعاء 12 نوفمبر2025، اجتماع للجنة التقنية الموسعة للاستصلاح الفلاحي بالدائرة، بهدف متابعة الملفات الهامة المتعلقة بالعقار الفلاحي وضمان انطلاق ناجح للموسم الفلاحي 2025/2026، و​شهد الاجتماع حضوراً لمختلف الهيئات المعنية بالقطاع الفلاحي، وضمّ كلاً من الأمين العام للدائرة، ورؤساء المجالس الشعبية البلدية، ورؤساء الأقسام الفرعية للفلاحة والري، ورئيس مفتشية أملاك الدولة، وممثلين عن اتحاد الفلاحين ومصالح مسح الأراضي والحفظ العقاري، بالإضافة إلى المندوب البلدي للفلاحة والإطار المكلف بالملف بالدائرة، و​تم خلال الاجتماع استعراض ومناقشة النقاط المحورية المدرجة في جدول الأعمال، والتي تمثلت في؛ ​متابعة عملية تسوية العقار الفلاحي في ضوء المنشور الوزاري المشترك رقم 02 المؤرخ في 01 جوان 2025، وعرض ودراسة نتائج الخرجات الميدانية للمحيطات في إطار عملية تطهير العقار الفلاحي، ومتابعة وتقييم وضعية الحرث والبذر للموسم الفلاحي 2025 / 2026، في ختام الاجتماع، شدّد السيد رئيس الدائرة، طالب علي عبد الكريم، على الضرورة القصوى لالتزام جميع الفاعلين في ملف الاستصلاح الفلاحي بتنفيذ الإجراءات القانونية المطلوبة بدقة وفعالية، كما دعا إلى تكثيف عمليات التنسيق والمتابعة بين مختلف المصالح والهيئات المشاركة من أجل ضمان تسريع وتيرة العمل وتحقيق الأهداف المرجوة من تسوية العقار الفلاحي وتعزيز الإنتاج في الموسم الفلاحي الجديد، وجاء هذا الاجتماع في إطار الجهود المتواصلة لسلطات دائرة أولف الرامية إلى تنظيم وتأمين العقار الفلاحي وتحسين الظروف الإنتاجية لدعم التنمية الفلاحية المحلية.  




الأحد، 16 نوفمبر 2025

باية الزهير المشهور بباية السعيد في ذمة الله

من "تيليملي" إلى "تمقطن"... مسيرةُ وِدادٍ وعطاء، كانت بدايتهُ في حيٍّ ينبضُ بالحياة، "تيليملي" في الجزائر العاصمة، حيث نشأ وترعرع حاملاً في جيناته روح العاصمة الصاخبة، لكنَّ القدرَ خطَّ له مساراً آخر، مساراً ارتبطَ بالجذور والوفاء، ففي بداية الثمانينات، آثر "باية الزهير" الرحيل إلى حيثُ الأصالة، إلى قصر ڤوڤو ببلدية تمقطن، مُستجيباً لنداء الأرض التي احتضنتْ جدَّه "مولاي السعيد". وكأنما كان هذا الانتقال ليس مجرد تغييرٍ لمكان الإقامة، بل كان عودةً إلى المَهْد، وإتماماً لدائرة الحياة التي تبدأ من حيثُ تبدأ الأصول.

​في "تمقطن"، لم يكن الفقيد عابراً، بل كان وتداً راسخاً، تجلّت فيه صفةُ "الرجل الطيب المسامح" كأبهى ما تكون، لقد اختار لنفسه في وقت من حياته مهمةً بسيطةً في ظاهرها، عظيمةً في مضمونها: النقل بين بلدية تمقطن وبلدية أولف، تلك المهمة، التي تبدو للكثيرين عملاً يومياً رتيباً، كانت في يديه رسالةً وخدمةً، كان هو الشريان الذي يربطُ القلوب، و الجسر الذي يصلُ المحتاج بمراده، والحامل الأمين للركاب وبضائعهم. كم من قصةٍ سمعها، وكم من همٍّ خففه بكلمةٍ طيبة، وكم من طريقٍ سهّله في دروب الصحراء القاسية، لقد خدمَ المجتمع من خلال تلك المهنة بصدق، وترك بصمته في ذاكرة الطرقات والوجوه.

وداعُ الشمس في "أخنوس"... رحيلٌ بلا ضجيج

​وها هو اليوم، الأحد، السادس عشر من نوفمبر 2025، عند الساعة الخامسة مساءً، تُختتم فصولُ هذه المسيرة، حيث شُيِّعت جنازة الفقيد الطاهر في مقبرة "أخنوس"، في مشهدٍ مهيبٍ يليق بمسيرته الهادئة، فلم يكن وداعاً صاخباً، بل كان وداعاً يحملُ في طياته خشوعَ الإيمان وهدوءَ الرضا، تحت سماء "بلدية تمقطن"، وبجوار من سبقه، سُجِّيَ الجسدُ الطاهر، ليعود إلى ترابها الذي أحبَّه واحتضنه.

​"باية الزهير"، المعروف بباية السعيد أو باية مولاي السعيد  الذي عاش مسامحاً طيب القلب، ترك خلفه إرثاً لا يُقاس بالمال، بل يُوزنُ بميزان العِشرة الطيبة، والكلمة الحسنة، والعمل الصالح الذي سار به بين الناس.

​أيُّها الراحلُ الكريم... إنَّ الذاكرة لَتَعجزُ عن نسيانِ أثرك، وإنَّ القلوبَ لتشهدُ بصدقِ خُلُقِك، فنم قريرَ العين في جوار ربٍّ غفورٍ رحيم، فقد أتيتَهُ بقلبٍ سليم، وبمسيرةٍ بيضاء.

​في هذا المقام الأخير، لا نملك إلا أن نرفع أكفَّ الضراعة، مستذكرين قوله تعالى: {( إنا لله وإنا إليه راجعون )}.

​فادعوا له بالرحمة والمغفرة، والعتق من النار، وأن يبدله الله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأن يُجزيه عن إحسانه إحساناً، وعن إساءته عفواً وغفراناً.

​اللهم آمين، للعلم باية الزهير أو باية السعيد ولد سي محمد، هو الأخ الأكبر لباية ناصر والذي هو كذلك زوال مهنة النقل في نفس الخط من بلدية تمقطن إلى بلدية أولف.  


السبت، 15 نوفمبر 2025

والي أدرار يقف على وضعية سوق المواشي ويلتقي فعاليات المجتمع المدني

قام والي ولاية أدرار، السيد فضيل ضويفي، بزيارة ميدانية عاجلة إلى سوق المواشي ببلدية أولاد أحمد تيمي يوم الجمعة الموافق 14 نوفمبر 2025، وذلك بعد أخبار التي تم تداولها على صفحات التواصل الاجتماعي حول الوضعية المزرية لسوق المواشي ببلدية تيمؤ، وتمت الزيارة رفقة وفد رسمي ضم قائد المجموعة الإقليمية للدرك الوطني، ورئيس أمن الولاية، والمفتش العام، ورئيس الديوان، وأعضاء الهيئة التنفيذية، ورئيس دائرة أدرار، ورئيسي المجلس الشعبي لبلديتي أدرار وأولاد أحمد تيمي، حيث وقف الوالي والوفد على الظروف آل إليها السوق، ​والتقى الوالي خلال الزيارة بمواطني الأحياء المجاورة للسوق، الذين أعربوا عن امتعاضهم الشديد من ظاهرة رمي المخلفات العشوائي وما تسببه من انبعاث للروائح الكريهة التي تؤثر على بيئتهم وصحتهم، و​على إثر هذه الزيارة التفقدية، أصدر الوالي فضيل ضويفي جملة من التعليمات والتوجيهات الفورية والحاسمة، كان أبرزها، ​منع تربية الحيوانات داخل النسيج العمراني و إصدار قرار ولائي يمنع منعا باتا تربية كافة أنواع الحيوانات داخل الأحياء والمناطق السكنية الحضرية، وتسريع مشروع السوق الجديد باتخاذ الإجراءات اللازمة لاستكمال أشغال إنجاز السوق الجديد الذي هو قيد التنفيذ، لنقل النشاط إلى مرفق مستوفٍ للشروط، وتفعيل مخطط النظافة اليومي وتفعيل خطة نظافة يومية شاملة على مستوى السوق الحالي، مع تسخير جميع المصالح المعنية لضمان نجاح عملية رفع وإزالة كافة النفايات والأوساخ بشكل منتظم، ​وفي سياق آخر يعكس اهتمام الولاية بالإصغاء والمشاركة المجتمعية، التقى والي ولاية أدرار يوم السبت الموافق والي أدرار يقف على وضعية سوق المواشي ويلتقي فعاليات المجتمع المدني بفعاليات المجتمع المدني، وجاء هذا اللقاء، الذي كان قد أعلن عنه مسبقا، بغرض الاستماع المباشر إلى انشغالات واقتراحات سكان الولاية، في مسعى يهدف إلى تفعيل دور الشراكة المجتمعية ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، وتؤكد هذه الخطوات التزام السلطات الولائية بمعالجة النقائص البيئية والتنظيمية العالقة، وتعزيز الحوار مع المواطنين وممثليهم، كركيزة أساسية لتحقيق بيئة حضرية مستدامة وتنمية شاملة.  




المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 15 نوفمبر2025، العدد 3398 في الصفحة06


تنظم فعاليات إعلاميةبأدرار تحت عنوان يوم الغاز

نظمت وحدة البحث في الطاقات المتجددة في الوسط الصحراوي بأدرار،  يوم الخميس 13 نوفمبر 2025، فعاليات إعلامية تحت عنوان: ( يوم الغاز )، وذلك بالتعاون مع الجمعية الجزائرية لصناعة الغاز (AIG)، وقد شكلت هذه التظاهرة منصة هامة لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين المؤسسات البحثية والفاعلين الاقتصاديين الرئيسيين في سلسلة القيمة لقطاع الغاز الوطني، و​أُقيمت هذه الفعالية الإعلامية بهدف توضيح أهمية البحث العلمي في تطوير القطاع الطاقوي، وشهدت حضورا نوعيا من قبل ممثلي المؤسسات الأعضاء في الجمعية الجزائرية لصناعة الغاز، بما في ذلك، ​مجمع سوناطراك وشركاته لخدمات قطاع الطاقة، و​الوكالات الوطنية الثلاثة، الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات (ALNAFT)، لجنة ضبط الكهرباء والغاز (CREG)، وسلطة ضبط المحروقات (ARH)، ​ويُبرز هذا التعاون المشترك الدور المحوري الذي تلعبه وحدة البحث بأدرار في دعم الابتكار وتوفير الحلول التقنية المبتكرة التي تحتاجها الشركات العاملة في الوسط الصحراوي، و​تضمنت فعاليات "يوم الغاز" تنظيم سلسلة من المحاضرات النوعية التي تناولت التطورات في تكنولوجيا الغاز وأهمية البحث العلمي في تحقيق الكفاءة الطاقوية والاستدامة البيئية وركزت المداخلات على كيفية استثمار نتائج الأبحاث في تطوير الصناعة الغازية، خاصة في مجال التكامل مع مشاريع الطاقات المتجددة التي تعد مجال التخصص الرئيسي للوحدة في المنطقة.   


المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 15 نوفمبر2025، العدد 3398 في الصفحة06


اختتام ناجح لفعاليات الخيمة الوطنية للشعر الشعبي في طبعتها الـ 13 بأدرار

أختتمت مساء يوم 13 نوفمبر 2025 فعاليات الخيمة الوطنية للشعر الشعبي في طبعتها الثالثة عشرة، التي نظمتها دار الثقافة "الشهيد شيباني محمد" بولاية أدرار، من 11 إلى 13 نوفمبر الجاري، في أجواء احتفالية مكللة بالنجاح والتألق، ​وشهدت هذه التظاهرة الثقافية الهامة، التي تعد من أبرز المواعيد الشعرية على المستوى الوطني، حضورا نوعيا ومشاركة واسعة من الشعراء والمثقفين والمهتمين بالأدب الشعبي الأصيل من مختلف ولايات الوطن، وأكد اللمشاركون أن الطبعة الثالثة عشرة تميزت بنجاحها الكبير على المستويين الفني والتنظيمي، حيث حرصت دار الثقافة على توفير كل الظروف الملائمة لإثراء التبادل الثقافي والمعرفي بين المشاركين، وقد نوه الحضور بالجهود المبذولة لإبراز مكانة الشعر الشعبي كجزء أصيل من التراث الثقافي الجزائري، وتضمنت الأيام الختامية قراءات شعرية مميزة، أظهرت عمق التجربة الشعرية لدى المشاركين وتنوع الأساليب والأغراض في الشعر الشعبي، وفي ختام الفعاليات، تم تكريم الشعراء والمساهمين في إنجاح التظاهرة، إلى جانب الإشادة بالدور الفعال لدار الثقافة في دعم وحماية الموروث الثقافي، ​هذا النجاح يؤكد مجددا على الاهتمام المتزايد بالشعر الشعبي في المنطقة، ويبرز الدور المحوري لمدينة أدرار كحاضنة للإبداع والثقافة الأصيلة.  


المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 15 نوفمبر2025، العدد 3398 في الصفحة06


وداعا فارس زاوية كنتة كنتاوي سالم بن أحمد

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبعيون دامعة تروي حكاية الفقد الأليم، تلقّينا نبأ رحيل أحد الأبناء البررة لـ "الأسرة الرقّادية الكنتية" بزاوية كنتة، ورجل الخير والعلم والتقوى والصلاح، الفقيد سالم بن أحمد كنتاوي.

​لقد اختاره المولى عز وجل إلى جواره بعد وعكة صحية مفاجئة، انطفأ على إثرها نورٌ أضاء دروب الثقافة والإعلام في المنطقة، عن عمر ناهز الـ 54 عاما، تاركا خلفه سيرة عطرة وصدى جميلا سيبقى يتردد بين جنبات أدرار وزاوية كنته المباركة.

رجلٌ بأناقة الروح وعمق الثقافة

​لم يكن سالم كنتاوي مجرد اسم عابر، بل كان فارسا بأناقة المظهر وجمال الجوهر، ففي شهادة مؤثرة، قال عنه البروفيسور حاجة أحمد الصديق المكنى بالزواني: "عَرفتُ محمد السالم شخصا أنيقا، طموحا، على قدر مقبول من ثقافة عصره...". وهذه الكلمات ليست مجرد مدح، بل هي وصف دقيق لشخصية جمعت بين الهمة العالية والذوق الرفيع والثقافة الواسعة التي استمدها من أصالة أسرته وعراقة زاويته، حيث كان يمثل الجسر الواصل بين عُمق التراث وبصيرة الحداثة، يسعى دائما للأفضل، حاملا رسالة الوعي والارتقاء.

صوت زاوية كنتة الذي غاب عن الأثير

​الراحل سالم بن أحمد كنتاوي، سيبقى في ذاكرة الأسرة الإعلامية رمزا للإخلاص والتفاني، حيث كان مراسلا سابقا لـ إذاعة أدرار من زاوية كنتة، وبإسهاماته الإعلامية والثقافية والتراثية المختلفة، لم يكن مجرد ناقل للخبر، بل كان ضمير المنطقة النابض، بعباراته الرصينة وصوته المتميز، نقل هموم الناس وأفراحهم، وسلّط الضوء على كنوز التراث المحلي، ساعيا لتوثيق تاريخ أهله وعلمائهم،

 حيث  قد يرى البعض، أنه كان جندي الكلمة الذي حارب لأجل إبقاء الشعلة التراثية متقدة، وعرّف بأهمية زاوية كنتة كمنارة للعلم والصلاح.

​خسارة موجعة لأسرة العلم والصلاح

​إن رحيل "كنتاوي سالم بن أحمد" هو مصابٌ جللٌ ليس للأسرة الكريمة فحسب، بل هو فقدٌ يترك فراغا في صفوف أهل الخير والتقوى والصلاح، حيث هناك من يرى أن كان الفقيد مثالا يُحتذى به في برّه وتواضعه، وفي صلاحه وإقباله على الخير. واليوم، تودع زاوية كنتة رجلا من رجالاتها، كان خير سفير لها في المحافل، وخير داعم للعلم والمعرفة.

​تعزية من صميم الوجدان

​وإثر هذا المصاب الجلل، تتقدم الأسرة الإذاعية، وكل من عرف الفقيد وأحبّه، بخالص التعازي والمواساة إلى عائلة المرحوم سالم كنتاوي، وتدعو الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته، وأن يتقبله القبول الحسن في الفردوس الأعلى مع الصديقين والشهداء والصالحين.

​"يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي."

صدق الله العظيم

​لا نملك أمام قضاء الله إلا أن نقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون." نسأل الله أن يلهم أهله وذويه ومحبيه جميل الصبر والسلوان، وأن يجعل البركة في ذريته وخلفه، وأن تكون حياة الفقيد الطيبة خير شافع له يوم لقائه.

​رحم الله سالم كنتاوي، وداعا يا أيها الأنيق، يا ابن العائلة الرقّادية الكنتية، سيبقى أثرك نورا، وصوتك صدىً، وسيرتك عطرا لا يزول. 


الجمعة، 14 نوفمبر 2025

أدرار بين مطرقة المصالح وسندان التنمية.. هل يُعيد الوالي الجديد البوصلة؟


تزخر ولاية أدرار بمقومات هائلة تضعها في مصاف القلاع الاقتصادية المحتملة في الجنوب الجزائري، فإمكانياتها الزراعية الشاسعة، وثرواتها الطاقية الكامنة، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي الحيوي، كلها عوامل ترسم لوحة لمستقبل مزدهر. ومع ذلك، تبقى هذه الولاية العريقة، في نظر الكثيرين، أسيرة معضلة مستمرة تُعيق انطلاقتها، ومنها الصراع الخفي والمكشوف بين تطلعات السكان نحو التنمية الشاملة، وتأثير النخب والشخصيات النافذة التي لا همّ لها سوى خدمة مصالحها الخاصة، دون اكتراث لحقوق الآخرين أو وازع من ضمير أو خوف من الله، والحديث عن أدرار هو حديث عن قوة ضغط اجتماعي وسياسي يُمارس ببراعة، وغالبا ما يتخذ ستارا خادعا. من خلال إستغلال النفوذ القبلي، أو المالي الذي هو سلاحا لـ"جماعات المصالح" للضغط  على رأس الجهاز التنفيذي في الولاية - الوالي - لتمرير قرارات وتوجيهات لا تخدم البتة، المصلحة العامة، هذه التحركات، التي تسعى لخلق غطاء من الشرعية أو القبول الشعبي المزيّف، غالبا ما تتشابك خيوطها في دهاليز الفساد والإهمال، هذا المشهد يُبرز الحاجة الماسة إلى كسر هذا الحجر العثر الذي يُعرقل كل خطوة نحو الأمام، إن الحركات الأخيرة في سلك الولاة، ومن ضمنها تعيين والٍ جديد لأدرار، يجب أن تُقرأ على أنها محاولة لـتكسير هذه الحلقة المفرغة من النفوذ المقنّع، وفتح صفحة جديدة قوامها النزاهة والشفافية.

إن تطلعات المواطنين تضع الوالي الجديد أمام مسؤولية تاريخية، هي أن يكون سدا منيعا أمام أصحاب المصالح، وأن يرفع سقف المواجهة مع كل من يحاول استغلال منصبه أو نفوذه، والمطلوب اليوم هو الانفتاح الحقيقي على المجتمع المدني الفاعل والمخلص، الذي يعمل لرفعة الولاية، وليس على "المجتمع المدني الموالي" الذي لا يُجيد سوى خلق غطاء للمصالح المشبوهة، و المواطنون يراهنون على أن يكون التغيير في سلك الولاة هو إشارة واضحة من السلطات العليا بأن ملف أدرار سيبقى محل اهتمام وتركيز للقضاء على مظاهر الفساد واستغلال النفوذ، وللدفع التنمية إلى امام باب من يقظة المجتمع والتزام الصحافة، إذ لا يمكن لـ أي والٍ أن ينجح بمفرده في مواجهة هذا التحدي، وإن تنمية أدرار الحقيقية وقطع الطريق أمام الفساد تعتمد، بالدرجة الأولى، على ثالوث من اليقظة والنزاهة، يتمثل في يقظة المجتمع المدني المخلص الذي يعسى لإزدهار الولاية وأن يكون المجتمع صوتا قويا ومستقلاً يرفض الإغراءات ويقف في وجه الضغوط، وأن تكون الصحافة المحلية النزيهة هي العين الساهرة، والمرآة العاكسة للواقع، ومن واجبها تسليط الضوء على مكامن الخلل وفضح الممارسات الملتوية بصدق ومهنية، وأن يكون المواطنون الشرفاء هم خط الدفاع الأخير، بقدرتهم على التبليغ عن الفساد بصدق ونزاهة، وتقديم الدليل، هي الضمانة لعدم تحول أدرار إلى مرتع للمستغلين.

إن صمود أدرار وقدرتها على تحقيق التنمية المستدامة، رغم إغراءات المصالح الخاصة، تتوقف على قوة هذا التلاحم. فالرهان ليس على شخص الوالي بقدر ما هو على إرادة التغيير الجماعية التي تضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار. أدرار تستحق أن تتحرر من قيود الماضي وتنطلق نحو مستقبل يتناسب مع حجم إمكانياتها الهائلة.  


المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 16 نوفمبر2025، العدد 3399 في الصفحة06



هداج عبدالرحمان بن أحمد شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في الأجيال

في قلب الجنوب الجزائري، وتحديداً في قصر قصبة الجنة ببلدية تمقطن ولاية أدرار، تتلألأ سيرة رجل لم يعش لنفسه قط، بل أفنى عمره كالشمعة، يذوب ليضيء دروب الآخرين. إنه القامة التربوية، الأستاذ والمدير والمربي الفاضل هداج عبدالرحمان بن أحمد، ليست مسيرته مجرد سيرة وظيفية، بل هي قصة عهد ووفاء، وتاريخ من البذل النقي الذي ارتقى بالتربية إلى مصاف الرسالة المقدسة.

​قَسَمُ العطاء: أكثر من ثلاثة عقود في محراب التعليم

​في زمن تتقلص فيه معاني الرسالة أمام مغريات المادة، وقف هداج عبدالرحمان شامخاً كالنخلة، متجذراً في أرض العطاء لأكثر من 32 عاماً، كانت هذه العقود الثلاثة أو أكثر، جسرا ممتداً من الإخلاص والتفاني؛ بدأها أستاذا يغرس الحرف في العقول والهمّة في النفوس، ثم اعتلى سلم القيادة مستشارا ومنها إلى مديراً، ولم تكن الإدارة لديه سلطة، بل مسؤولية وخدمة.

​في كل مرحلة من مساره المهني، من فصل دراسي بسيط إلى إدارة مؤسسة كاملة، كان يجسد نموذجاً للرجل الذي يؤمن بقداسة ما يقوم به، وك كان وقوده الدائم هو التفاني والإخلاص المطلق، يرى في كل تلميذ مشروع أمة، وفي كل درس أساساً لمستقبل وطن.

رجل الإصلاح: الأخلاق قبل العلوم

​ما ميّز هداج عبدالرحمان بن أحمد لم يكن حنكته الإدارية فحسب، بل عمق رؤيته التربوية، كان رجل التربية والأخلاق الحسنة، يعي أن بناء الإنسان يبدأ من إصلاح دواخله، لقد كانت غايته العليا إصلاح المجتمع، مستخدماً سلاح العلم ونور القيم.

​في مواجهة تقلبات الحياة وتحدياتها، كان يتمتع بشجاعة المصلحين وصدق العارفين، فلم يكن يخشى في قول الحق والمبدأ لومة لائم، وكان صوته دوماً هو صوت الضمير الحي، يرشد، يصحح، ويدفع باتجاه الفضيلة، جاعلاً من المؤسسة التعليمية التي قادها منارات حقيقية للوعي والالتزام.

 تخرجت على يديه أجيال.. فكان الإرث الخالد

​وفي عام 2023، أسدل الستار على مسيرته الوظيفية بإحالته على التقاعد، ولكنه لم يغادر الساحة قط؛ فإرثه هو الأبقى والأخلد، كيف لرجل أفنى عمره في البذل أن يغيب؟

​لقد تخرجت على يديه كوكبة من الأجيال، أصبحت اليوم عِماد مؤسسات الدولة الجزائرية وخارجها، فهم:

​الطبيب والممرض الذين يداوون الجسد.

​المهندس الذي يعمّر الأرض.

​الأستاذ الذي يواصل شعلة العلم في جميع الأطوار وربما في الجامعات (التعليم العالي).

​المدير الذي يقود دفة المؤسسات بالكفاءة والأمانة.

​إن كل نجاح يحققه طالب تخرج من مدرسته هو إهداء غير مباشر لروحه ودروسه، لقد زرع فجنى ثماراً باسقة، لا تُحصى ولا تُعد، وهي أعظم شهادة تكريم تُمنح لأي مربي.

هداج عبدالرحمان.. قصة نقاء 

​إن اسم هداج عبدالرحمان بن أحمد سيبقى محفوراً بمداد من نور في ذاكرة بلدية تمقطن وولاية أدرار، وسيبقى يتردد كرمز للمربي الأصيل الذي لم يطلب جزاءً ولا شكوراً إلا رؤية التلاميذ في أعلى المراتب، حاملين راية العلم والأخلاق.

​تحية إلى هذا القائد التربوي الذي أخلص في دوره كـمربي للأجيال، وترك وراءه إرثاً لا يُقدر بثمن: أجيالاً صالحة، تخدم وطنها وتعتز بقيمها. فسلامٌ عليه في مسيرته، وسلامٌ على الأثر الذي تركه خالداً بيننا.

كلمة وفاء وتقدير وعرفان

​إلى القامة التربوية الفاضلة، الأستاذ والمدير والمربي: هداج عبدالرحمان بن أحمد 

​تحية إجلال تُزفّ إليكم من قلوب الأجيال التي زرعتم فيهم الخير والنور، من أولف إلى سائل وغيرهما، بمشاعر التقدير الصادق والاعتراف العميق بالجميل، نقف اليوم إجلالاً لمسيرة عطاء امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، سُطرت بمداد الإخلاص والتفاني في أنبل الميادين: ميدان التربية والتعليم، يا ابن بلدية تمقطن الأبية، وشعلة أدرار المنيرة.

​لقد كنتم في كل موقع شغلتموه – أستاذا، ثم مديرا، ومربيا – رمزًا للذي جسّد المعنى الحقيقي لـ**"الرسالة"** قبل "الوظيفة"،  لم تكن فصولكم مجرد قاعات للدراسة، بل كانت مدارس حقيقية للأخلاق والقيم، حيث كنتم تسعون جاهدين لإصلاح الفرد كخطوة أولى نحو إصلاح المجتمع بأكمله، غير آبهين بصعوبة الطريق أو لومة لائم.

​لقد أفنيت يا أستاذنا الكريم زهرة شبابك وخلاصة فكرك في خدمة أجيال تلو أجيال، وها هي الثمار تُقطف اليوم، حيث نرى خريجيكم يتبوأون أرفع المناصب: الطبيب، والمهندس، والأستاذ، والمدير، في مؤسسات دولتنا الجزائرية، حاملين بين جنباتهم شهادة علم، وقبلها شهادة أخلاق، غرسها فيهم هداج عبدالرحمان بن أحمد.

​إن إحالتكم على التقاعد في عام 2023 هي إغلاق لسجل وظيفي حافل، لكنها افتتاح لمرحلة جديدة من الرمزية والقدوة، فالمربي لا يتقاعد أبدا عن بث نوره في نفوس محبيه وتلاميذه.

​باسم كل تلميذ، وكل زميل، وكل فرد استفاد من حكمتكم وعطائكم:

​نرفع إليكم أصدق عبارات الشكر والثناء، لقد تركت خلفك إرثا أعظم من أي منصب: أجيالاً تضيء المستقبل.

​تحياتنا الخاصة أيها المدير الفاضل، مع خالص الدعاء لكم بدوام الصحة والعافية في ظل أسرتكم الكريمة.  









سيرة المعلم دحماني سي محمد قصة أكثر من 32 عاما من العطاء

في رحاب بلدية سالي الهادئة، تحت سماء ولاية أدرار الواسعة، تقف سيرة الأستاذ دحماني محمد شاهدة على معنى التفاني والعطاء الحقيقي، ليست مجرد سيرة معلم، بل هي حكاية رجل نذر حياته لرسالة، فكان نَسَبُه الطاهر وعمله المخلص أساسا لبناء أجيال من أبناء الوطن.

سليل النبوة وأخلاق الرسالة

​الأستاذ دحماني محمد، سليل الدولة النبوية الطاهرة، لم يرث النسب الشريف فحسب، بل ورث معه أرقى صور الأخلاق والتربية الحسنة، فشخصيته في حد ذاتها منهجا دراسيا، كان يُعلم طلابه قبل الحروف الأمانة، وقبل الرياضيات الاستقامة، وقبل العلوم الإنسانية قيمة العمل الصالح، وكان حضوره في الصف والمدرسة يتجاوز كونه مُلقّنا؛ كان مربيا بالقدوة، ومعلما بالبصيرة، وأستاذا بوقار المسؤولية.

​أكثر 32 عاما من عمره أفنيت في محراب التربية

​لقد أفنى هذا الرجل أكثر من اثنتين وثلاثين سنة من عمره في خدمة التربية والتعليم، وهي مدة ليست مجرد أرقام في سجل الخدمة، بل هي سجل حافل باللحظات الفارقة التي غيرت مسار حياة الآلاف، كان ديدنه التفاني والإخلاص المطلق؛ لا ينتظر ثناءً ولا يبتغي أجرا إلا الأجر الأخروي ورؤية بذوره وقد أينعت ثمارا يانعة.

​إن كل يوم قضاه الأستاذ والمربي دحماني سي محمد كان بمثابة حجر أساس في صرح هذا الوطن، لقد غرس في النفوس حب المعرفة، وفتح أمام العقول آفاق التفكير، وعلم القلوب معنى الانتماء، كان مدرسة متحركة، يفيض علما وحكمة، ويحتضن هموم الأجيال وأحلامهم.

​حصاد البذرة الطيبة: أجيال في القمة

​أما عن ثمار هذا العطاء، فهي اليوم تزين كل قطاع في الجزائر، لقد تخرج على يديه كوكبة من الأبناء الذين حملوا راية المسؤولية في أرقى المجالات:

​هذا طبيب يسهر على صحة الناس، وتلك ممرضة تخفف عن الآلام، وكلاهما يذكر فضل معلمه الأول في غرس الرحمة والإتقان.

​وهناك مهندس يشيد البنى التحتية، وكل زاوية في عمله تشهد على دقة تعلمها على مقاعد دراسته.

​وتلك أستاذة في مختلف الأطوار، وربما وصل بعضهم للتدريس في التعليم العالي، يحملون مشعل العلم الذي أضاءه لهم الأستاذ سيدي محمد دحماني.

​كل واحد من هؤلاء يمثل امتدادا حيا لجهد هذا المعلم العظيم، وكل نجاح يحققونه هو ورقة في سجل فخر "منارة سالي". لقد أثبت أن المعلم المخلص هو الصانع الحقيقي للمستقبل، وأن التربية الحسنة هي البنية التحتية الأهم لأي أمة.

​كلمة وفاء في حق صانع الرجال

​يا صاحب الفضل، يا أستاذنا دحماني سيدي محمد، إن العبارات لتقف عاجزة أمام عظمة ما قدمت، لم تكن مجرد معلم، بل أرى أنك كنت أبا روحيا، وسفينة نوح التي عبرت بالأجيال من ظلام الجهل إلى نور العلم، فليبارك الله في عمرك وعملك، وليجعل كل طبيب شفي مريضا، وكل مهندس أقام صرحا، وكل أستاذ علم جيلا، في ميزان حسناتك، فما زرعته بالأمس، نحصده اليوم مجدا وعزّة.  


بين عبق النخيل ونداء الوطن: سيرة قائد تربوي مهاجر فلاني محمد القاسم

تحت سماء الجنوب الدافئة، وبين رمال أدرار الذهبية التي تلفظ أصالة الأرض وتاريخها، تُرسم مسارات الرجال الذين يضيئون دروب الأجيال، واليوم نقف وقفة إجلال أمام قصة رجل سليل العلم والتربية والأخلاق والتفاني والإخلاص في أداء الواجب المهني، تسامت روحه مع رسالة التربية والتعليم، هو الدكتور/ فلاني محمد القاسم، مسيرةٌ ليست مجرد وظيفة، بل هي رحلة قيادة، وحكمة، وبصمة لا تُمحى على جبين المؤسسات التربوية.

​أولف: حيث غرست الحكمة بذورها
​لم تكن متوسطة "النوني" بأولف مجرد محطة عابرة في سجل الدكتور محمد القاسم، بل كانت فصلاً مضيئا في كتاب مسيرته، حيث كتب عنه البروفيسور الرقاني محمد على صفحته في الفيس بوك، لقد كنا شهودا على أننا أرسلنا إلى "دائرة الألفة والمحبة" إطارا من الإطارات الرقانية الفذة، مزودا بأثمن الأسلحة: حكمة الراسخين، وعلم المثابرين، وأخلاق الأتقياء، وإدارة الحازمين.
​لقد عهدنا إليه قيادة، فوهبها روحا؛ عهدنا إليه مسؤولية، فجعل منها رسالة، ورغم قصر فترة قيادته لمتوسطة النوني، فإن الأثر لا يُقاس بطول المدى، بل بعمق البصمة، و الكَمّ في الكيف، وليس الكم في العدد.
كان وجوده كـ "الومضة" التي تُشعل مصابيح لم تكن لتُضاء لولاه، مُحوّلاً الأروقة إلى منابر للعلم، والصفوف إلى رياض للتربية، والمؤسسة إلى خلية نحل تضج بالنشاط والحياة، لقد قدّم لمتوسطة النوني وأهلها الكرام في أولف الكثير، وكانت واثقين تمام الثقة بأن الأمانة أُودعت في يد أمينة، وأن الغرس أثمر يانعاً في واحة النوني.
رقان: نداء الجذور والمسؤولية
​ها هي الجذور، جذور مدينة الأصالة والعراقة، رقان، تنادي ابنها البار، تستحثه للعودة، لا ليأخذ قسطا من الراحة، بل ليُضيف فصلا جديدا من العطاء في سجلها التعليمي، إنه نداء الوطن الصغير، نداء الأرض التي منها انطلق، والمؤسسات التي تحتاج إلى خبرته المتراكمة وطاقته المتجددة.
​لقد استجاب الدكتور فلاني محمد القاسم لنداء الواجب، فبمطلع الأمس القريب، غادر أولف حاملا معه دعوات المحبين، ليحط الرحال مديرا لـ متوسطة 13 فبراير برقان، هذه ليست مجرد حركة إدارية، بل هي "هجرة" نبيلة، هجرة الكفاءة التي تسعى لتعمير القلوب قبل الأقسام، وبناء العقول قبل الجدران.
​إن انتقاله من "النوني" إلى "13 فبراير" هو تأكيد صارخ على أن الكفاءات لا تعرف الحدود الجغرافية، بل تتبع نداء الحاجة أينما كانت، وأن الإطار الحقيقي هو من يُحسن القيادة في أي موقع يوضع فيه، فليست المتوسطة هي التي تُكسبه الشرف، بل هو من يُضفي عليها شرفا بوجوده وعمله المتقن.
وداع العرفان واستقبال الأمل
​يأهل و محبي العلم و العلماء وأهل التربية في أولف، لقد أوفيتم، ولقد أوفى معكم، وداعكم له ليس وداع فراق، بل هو وداع عرفان وجميل، وشهادة فخر تسكن ذاكرة النوني للأبد. إن القائد عندما يرحل، يبقى صداه في أرجاء المكان، وتستمر حكمته في توجيه الخطوات، فلترحل الأجساد، وتبقى الآثار شامخة.
​يأهل في رقان، إنكم تستقبلون اليوم قائدا وإبنا محنكا، ومديرا مُلهِما، ترى في نفسه أنه سيُحوّل التحديات إلى فرص، وسيرتقي بـ "13 فبراير" إلى مصاف المؤسسات التي يُشار إليها بالبنان.
​وفي الختام، نقف بخشوع أمام هذه المسيرة النبيلة، رافعين أكف الضراعة:
​"اللهم بارك الخطو والخطوات، وأجعل التوفيق حليفا لسعيه، و احفظ الراحل والمرتحل، وبارك في أثره ومآثره، واجعل قيادته نورا يُضيء طريق أبنائنا وبناتنا." في كل قبعة من ولاية أدرار، ​فليستمر العطاء، وليستمر محمد القاسم في نسج خيوط المجد التربوي، قائدا مُلهِما بين أولف ورقّان وغيرهما، وسفيرا للحكمة أينما حلّ وارتحل.

كتبت هذا المقال إعتمادا على معلومات من صفحة البروفيسور الرقاني محمد ( ولد مولاي علي  )، وبمساعدة الذكاء الإصطناعي والمعلومات التي أدخلتها له وما طلبت منه.  


الخميس، 13 نوفمبر 2025

أولف الكبير ببلدية تمقطن تودع الرجل الطيب قاسمي دحمان

تتوقفُ الكلماتُ خجلاً أمامَ عظمةِ الرَّحيلِ، وتَتَلَعْثَمُ الحُروفُ حينَ تُحاولُ أَنْ تَرسمَ صورةَ رجلٍ كانَ أَكْبَرَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الوَصْفِ، لتَشْهَدُ أولف الكبير على حقيقةٍ مُؤْلِمَةٍ، لقد غَابَ عَمُودُهَا الرَّاسِخُ، وابنُها البَارُّ الذي كانَ يُمَثِّلُ الْخَيْرَ المُتَجَسِّدَ في أَبْهَى صُوَرِهِ، لقد رحلَ قاسمي دحمان، ذلكَ الاسمُ الذي لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ عَلَامَةٍ لِشَخْصٍ، بَلْ كَانَ بَوْصَلَةً أَخْلاقِيَّةً بالمُجْتَمَعُ في أولف الكبير وماخولها، وعَلَمًا خَفَّاقًا لِأَصَالَةِ النَّفْسِ الفاضلة الذكية، وماجَعَلَ هذا الرَّجُلَ يَخْتَرِقُ نُفُوسَ النَّاسِ بِهَذَا العُمْقِ؟ إنَّهُ التَّجْرِيدُ الأَخْلَاقِيُّ مِنْ شَوَائِبِ الدُّنْيَا، حيث كانتْ حَيَاتُهُ بِأَكْمَلِهَا مَشْروعًا لِإِثْبَاتِ أَنَّ قِيْمَةَ الإِنْسَانِ تَتَجَاوَزُ أَلْوَانَهُ ووَضْعَهُ وَمَالَهُ، لقد كانَ قاسمي دحمان يُطَبِّقُ مَفْهُومَ المُسَاوَاةِ كَـعَقِيدَةٍ لا تَقْبَلُ التَّفَاوُتَ، و كانَ مِيزَانُهُ الإِلَهِيُّ يَرَى النَّاسَ سَوَاسِيَةً كَأَسْنَانِ المُشْطِ.

​لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ هَذَا وذَاكَ، فَالصَّغِيرُ لَهُ نَصِيبُهُ مِنْ التَّوْقِيرِ كَالْكَبِيرِ، والضَّعِيفُ لَهُ نَصِيبُهُ مِنْ النُّصْرَةِ كَالْقَوِيِّ، والفَقِيرُ لَهُ مَكَانَةُ الغَنِيِّ فِي قَلْبِهِ، كَانَتْ هذهِ المَعَادَلَةُ لَهُ سُلُوكًا مُؤَصَّلاً، لَيْسَ تَكَلُّفًا، بل أَدْرَكَ بِفِطْرَتِهِ النَّقِيَّةِ أَنَّ جَوْهَرَ الرِّسَالَةِ الأَبَدِيَّةِ يَقُومُ عَلَى كَرَامَةِ الإِنْسَانِ دُونَ شَرْطٍ أَوْ قَيْدٍ، ولهذا كانَ يُوقِّرُ الكَبِيرَ بِاعْتِبَارِهِ مَوْرِثًا لِلْحِكْمَةِ ويَرْحَمُ الصَّغِيرَ بِاعْتِبَارِهِ رَجلا لِلْغَدِ، و

​إِنَّ سِرَّ هذهِ المَعَامَلَةِ السَّامِيَةِ التي كان يعامل بها الناس يَكْمُنُ فِي المَنْبَعِ النُّورَانِيِّ الذي اسْتَقَى مِنْهُ، أذ أن قَاسِمِي دَحْمَان لَمْ يَبْنِ أَخْلَاقَهُ عَلَى عُرْفٍ بَشَرِيٍّ يَتَغَيَّرُ، بَلْ عَلَى مَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَقَدْ كَانَ مِنارة لِهَذِهِ القِيَمِ الرُّوحِيَّةِ، يَتَجَوَّلُ بِهَا فِي أَزِقَّةِ أُولْف الكبير كَدَاعِيَةٍ صَامِتٍ.

​فَيَا لَهُ مِنْ إِرْثٍ، إِرْثٌ لَا يُقَدَّرُ بِالْمَالِ، بَلْ بِمَدَى نَفَاذِ الكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ ووَقْعِ الفِعْلِ الحَسَنِ، كانَ حَيَاءً مُتَوَاضِعًا، وَصَدْقًا بَلِيغًا، وَتَضْحِيَةً فِي صَمْتٍ.

​إِنَّ الأَوْطَانَ لَا تُبْنَى بِالْحِجَارَةِ فَقَطْ، بَلْ بِالرِّجَالِ الذينَ يَحْمِلُونَ ذَاكِرَةَ الأُمَّةِ عَلَى أَكْتَافِهِمْ، لقد ولد قاسمي دحمان، لِيَعِيشَ عُمْرًا كَامِلاً، عَاصَرَ الأَجْدَادَ والآبَاءَ والأَبْنَاءَ، هذهِ النُّدرةُ فِي تَرَابُطِ الأَجْيَالِ هي سِرُّ مَحَبَّتِهِ العَامَّةِ، فهو يعْرِفُهُ الجَدُّ الذي حَكَى عَنْهُ، والأَبُ الذي صَافَحَهُ، والابْنُ الذي تَعَلَّمَ مِنْهُ، بَلْ وَيَعْرِفُهُ الْخَالُ والْخَالَةُ والْعَمُّ والْعَمَّةُ، كانَ نَقْطَةَ وَصْلٍ مُقَدَّسَةٍ تَلْتَقِي عِنْدَهَا أَطْرَافُ الْعَائِلَةِ والمُجْتَمَعِ، لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ مُجَامِلٍ، بَلْ كانَ مُشَارِكًا حَقِيقِيًا فِي نَبْضِ الحَيَاةِ بِأَكْمَلِهِ، فكانَ حَاضِرا بِقَلْبِهِ لا بِجَسَدِهِ فِي كُلِّ مَوَاسِمِ الْفَرَحِ، يُضَاعِفُ السَّعَادَةَ، وفي كُلِّ مَشَاهِدِ الْحُزْنِ، يُوَاسِي ويَجْبُرُ الْخَاطِرَ.

​لَقَدْ كَانَ يُثْنِي عَلَى النَّاسِ فَيَزْرَعُ فِيهِمْ حُبَّ الْخَيْرِ، وهُمْ يُثْنُونَ عَلَيْهِ رَدًّا لِجَمِيلِ الِاحْتِرَامِ الذي بَذَلَهُ.

​في سجل الرِّجَالِ العُظَمَاءِ، الْمَوْتُ لَيْسَ غِيَابًا قَاطِعا، بَلْ هُوَ تَحَوُّلٌ مِنْ حَيَاةِ الجَسَدِ إِلَى خُلُودِ الذِّكْرَى.

​نَعَمْ، غَيَّبَهُ المَوْتُ عن عيوننا التي أَحَبَّتْهُ، ولكِنَّ ذِكْرَاهُ لَنْ تُغَيَّبَ. كَيْفَ لِـنُورٍ سَرَى فِي النُّفُوسِ أَنْ يَنْطَفِئَ؟

​سَتَبْقَى ذِكْرَاهُ فِي كُلِّ فَرْحٍ يَحِلُّ، حَيْثُ يُصْبِحُ مَقْعَدُهُ الْخَالِي شَاهِدا صَامِتا عَلَى مَا كَانَ يفعله ويُضْفِيهِ مِنْ بَهْجَةٍ ويستر من عيب، وَسَتَبْقَى حَاضِرَةً فِي كُلِّ حُزْنٍ، حَيْثُ نَفْتَقِدُ لَمْسَتَهُ الحَانِيَةَ وَكَلِمَتَهُ الصَّادِقَةَ التي تُلَمْلِمُ الجِرَاحَ، إِنَّ تَوَاضُعَهُ المُتَرَسِّخَ وَعَدْلَهُ المُطْلَقَ هُمَا النَّهْجُ الذي سَيَبْقَى مَنْحُوتًا فِي وِجْدَانِ أَهْلِ أولف الكبير وما خولها لِأَبَدِ الآبِدِين.

​وَلَيْسَ لَنَا فِي هَذِهِ اللَّحَظَاتِ سِوَى أَنْ نَرْفَعَ التَّضَرُّعَ إِلَى مَوْلَانَا، رَاجِينَ ومُتَوَسِّلِينَ:

​اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَاجْعَلْ قَبْرَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ. اللَّهُمَّ أَسْكِنْهُ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى، مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ والصالحين، واجْعَلْهُ فِي مَكَانَةِ الرِّجَالِ الذينَ جَعَلُوا حَيَاتَهُمْ نَمُوذَجا سَامِيا لِلْإِحْسَانِ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ.

​إِنَّا لِلَّهِ  وإن إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.