في قلب واحة عين صالح، حيث تتمازج أصالة التاريخ مع نبض الحياة، نشأت قامة شامخة، وعزيمة لا تلين، إنه الأستاذ والشيخ والإمام سلمات مبروك، الذي لم يكن مجرد معلم يلقن الحروف، بل كان مربيا يغرس في النفوس اخلاق والأدب، ومرشدا ينير الدروب، وشيخا يحيي القلوب، كرّس حياته على مدى أكثر من 32 عاما لخدمة التربية والتعليم، فكان سراجا يُضيء عقول الأجيال من بداية الثمانينيات، ونبعا يرتوي منه طلاب العلم في عين صالح وأولف وتمنراست، وربما في مناطق أخرى لم يصلها صدى صوته، لكن وصلها نور علمه.
كانت رحلته رحلة عطاء لا حدود له، فإلى جانب دوره في التعليم، كان إماما وخطيبا في المسجد، يلقي الدروس والمواعظ بقلب يفيض حكمة، ولسان ينطق بالحق ولا سوال كذلك، جمعته علاقة قوية بالشيخ العلامة محمد بن عبد الرحمن الزاوي، رحمه الله، والذي يمكن أن نقول أنه كان ذراعه الأيمن، وتلميذه ورفيقه في درب العلم والدعوة، وكان الأستاذ سلمات يلقي الدروس في حضور شيخه، ويشرف على تنظيم الندوات الدينية والملتقيات، فكان خير عون وسند في نشر الرسالة النبيلة، لم يتوقف عطاؤه عند حدود الفصل أو جدران المسجد، بل امتد ليلامس قلوب الناس في أماكن عديدة، فمن خلال علاقاته المتينة، كانت له علاقة وطيدة بالشريف الظريف الكريم إبن الكرماء، سي محمد ولد سيدي مولاي الرقاني ببلدية أولف، ومن أصدقائه الأوائل، بأولف السرقة ببلدية تمقطن بلوافي عبدالله بن هيبه، والمرحوم لهشمي عبد الرحمن بن مولاي أمحمد، وكان مثالا للصداقة الصادقة والأخوة في الله، وقد أثّر في كل من قابله، وترك في نفوسهم بصمة لا تُمحى، فصارت ذكراه الطيبة تتردد على الألسنة، ويدعون له بالخير على ما قدمه من فضل وعلم، وبالرغم من تقاعده من سلك التعليم منذ سنوات، إلا أن عطاءه لم يتوقف، فما زرعه من قيم ومبادئ في قلوب تلاميذه وأحبائه، ما زال يثمر جيلاً بعد جيل، إن الأستاذ سلمات مبروك لم يورث مالا ولا عقارا، بل ورّث كنوزا من العلم والأخلاق الآداب، وترك سيرة عطرة تبقى خالدة في ذاكرة كل عرفه، إنه بحق قدوة في التربية والتعليم، ومثال يحتذى به في الإخلاص والتفاني، إن حياته قصة ملهمة عن رجل لم يكتفِ بأن يكون معلما، بل كان مربيا، وشيخا، وأبا، وصديقا، وإنسانا كريما ولايزال كذلك، وكان يفعل كل شيء في سبيل الله، ثم في سبيل رفعة الأجيال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق