في ساحة التربية والتعليم، يبرز اسم بن مالك امحمد بن محمد بن العابد سائل عائلة علمية انجبت الكثير من العلماء، المعروف والمشهور بالشيخ، كقامة تربوية وتعليمية باسقة، أضحت رمزا في تاريخ منطقة أدرار، وتحديدا دائرة أولف، لم يكن "الشيخ" مجرد مُربي أو أستاذ، بل كان شعلةً أضاءت دروب المعرفة لأجيالٍ متعاقبة، ليس في ولاية أدرار وحدها بل في مناطق أخرى من جزائر الشهداء، كرس أكثر من 32 عاما من عمره في خدمة رسالة التربية و التعليم الأخلاق والأداب.
رحلته بين صفحات العلم :
وُلد الشيخ في ساهل أقبلي عام 1939، ونشأ في كنف عائلة عريقة في العلم، متلقيا أولى دروسه في حفظ القرآن الكريم على يد والده رحمه الله، و لم تكن مسيرته التعليمية مقتصرة على مكان واحد، بل كانت رحلةً ملؤها البحث عن العلم والمعرفة، فمن ساهل أقبلي إلى تيفرت بتمنراست، حيث تتلمذ على يد جده لأمه، ثم عاد إلى أولف لينهل من معين الشيخ محمد باي بلعالم في مدرسة مصعب بن عمير، ويتعمق في علوم القرآن والنحو والفقه، و لم تلبث رحلته أن قادته إلى ورقلة، حيث بدأ مسيرته في تعليم القرآن، ليكون بذلك قدوةً في العطاء قبل أن يخطو أولى خطواته الرسمية في سلك التعليم.
مسيرته حافلة بالعطاء :
بعد تكوينه في العاصمة عام 1962، بدأ الشيخ مسيرته كمعلم في رويسات بورقلة، ثم عاد إلى بلدته أقبلي ليغرس بذور المعرفة في نفوس أبنائها. تنقل بين مدارس الأغواط وأقبلي، متسلحا بوعي المسؤولية تجاه رسالته، حتى تولى منصب المستشار التربوي بعين صالح، وفي عام 1977، تم تعيينه مفتشا بمقاطعة أولف وكانت نقطة تحول في مسيرته، حيث اتسعت دائرة تأثيره لتشمل مقاطعة تيميمون أيضا، ولم يكن الشيخ مفتشا عاديا، بل كان خبيرا مُقتدرا، يُوجه وينصح ويُكوّن، وكانت زياراته للأقسام بمثابة دروس صامتة في الوقار والاحترام، بذاكرته الحاضرة وقدرته على ربط المعلومة بالواقع، ترك بصمة لا تُمحى في نفوس زملائه وطلابه، وقد امتد عطاؤه ليشمل الإشراف على العديد من المسابقات والامتحانات الرسمية، وتولى مناصب إدارية كرئيس مندوبية بلدية أقبلي ومدير المدرسة القرآنية.
إرثٌ خالد :
في عام 2000، تقاعد الشيخ بن مالك، ليسلم المشعل بكل أمانة لجيل جديد يواصل المسيرة، لكن أثره لم يغادر الساحة التربوية والتعليمية، فما زالت مسيرته تُروى وتُستذكر في كثير من المحافل، شاهدةً على تفانيه وإخلاصه، لقد كان مثالاً حيا للعطاء غير المشروط، رجلٌ لا يزال صدى حضوره القوي يتردد في أروقة المدارس، وابتسامته الحانية محفورة في ذاكرة من تتلمذ على يديه أو عمل معه، رحم الله أمثال هذا الشيخ الفاضل، الذي وهب حياته لرسالة التربية و العلم و التعليم والأخلاق الفاضلة، وجعل من التربية غايةً ووسيلةً لبناء الأجيال، سائلين المولى عز وجل أن يبارك في عمره وأن يديم عليه وافر الصحة، وأن يظل منارةً تُهتدى بها الأجيال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق