الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات،
إن جوهر ديننا الحنيف، ولب رسالة نبينا الكريم، هو الأخلاق. فالإسلام جاء ليُتمم مكارم الأخلاق، ويُزكي النفوس، ويُعلي من قيمة الإنسان بما يحمله من فضائل. إن الأخلاق هي التي تُميز بين المجتمعات المتحضرة والمتخلفة، وبين الأفراد الأسوياء والمنحرفين. وهي الميزان الذي تُوزن به الأعمال عند الله، ومحبة الناس في الدنيا.
الأخلاق الحسنة: زينة المرء وسر نجاحه
الأخلاق الحسنة هي كل صفة محمودة وسلوك طيب يُحبّه الله ورسوله، ويُرضي الناس، ويُصلح المجتمع. هي أن تكون صادقًا في قولك، أمينًا في فعلك، متواضعًا في تعاملك، كريمًا في عطائك، صابرًا على البلاء، شاكرًا على النعم.
أدلة من الكتاب والسنة:
لقد أمرنا الله تعالى بالتخلق بأحسن الأخلاق في آيات كثيرة. يقول الله تعالى في وصف نبيه الكريم:
> {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
> هذه الآية تُبين لنا أن عظمة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في خُلُقه العظيم، وهو القدوة الحسنة لنا.
>
ويقول الله تعالى:
> {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].
> هذه الآية تجمع أصول الأخلاق الكريمة: العفو، والأمر بالمعروف، والإعراض عن جهل الجاهلين.
>
أما في السنة النبوية، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على مكارم الأخلاق في أحاديث عديدة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
> "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا" (رواه الترمذي).
> وهذا يدل على أن كمال الإيمان مرتبط ارتباطًا وثيقًا بحسن الخلق.
>
وقال صلى الله عليه وسلم:
> "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (رواه البيهقي).
> وهذا الحديث يُلخص الغاية من بعثته صلى الله عليه وسلم، وهي ترسيخ الأخلاق الفاضلة في الأمة.
>
من الشعر:
وقد تغنى الشعراء بالأخلاق الحسنة، وبيّنوا قيمتها وعظيم أثرها، فالعلم بلا خلق كالشجرة بلا ثمر:
> وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
>
ويقول الإمام الشافعي رحمه الله:
> وعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ *** كما أن عين السخط تبدي المساويا
> وليس الرزق ما تحويه لا بل *** هو الرزق من أخلاق ودين ونافع
>
الأخلاق السيئة: دمار الفرد والمجتمع
أما الأخلاق السيئة، فهي كل صفة ذميمة وسلوك قبيح يُبغضه الله ورسوله، ويُسيء إلى الناس، ويُفسد المجتمع. كالكذب، والغيبة، والنميمة، والحسد، والبخل، والتكبر، والظلم، والفساد. هذه الصفات تُقسي القلوب، وتُفرق الصفوف، وتُعيق التقدم.
أدلة من الكتاب والسنة:
لقد حذّرنا الله تعالى ورسوله الكريم من الأخلاق السيئة لما لها من عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة. يقول الله تعالى في تحذير من الغيبة:
> {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 12].
> هذه الآية تُصور بشاعة الغيبة، وتُشبهها بأكل لحم الأخ الميت، وهي صورة مُنفرة تُبين مدى حرمتها.
>
ويقول الله تعالى محذرًا من الكذب:
> {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر: 28].
> فالكذب صفة تُبعد العبد عن هداية الله وتوفيقه.
>
وفي السنة النبوية، وردت أحاديث كثيرة تُحذر من الأخلاق السيئة. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
> "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" (رواه البخاري ومسلم).
> هذا الحديث يُبين أن بعض الأخلاق السيئة تُوصل صاحبها إلى صفات المنافقين.
>
الخاتمة
أيها المسلمون،
إن الأخلاق الحسنة هي رأس مال الإنسان الحقيقي، وهي التي تُعلي قدره، وتُحببه إلى خالقه وإلى خلقه. وهي مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة. فلنسعَ جاهدين لنتحلّى بمكارم الأخلاق، ولنتجنب سيئها، ولنُربي أبناءنا عليها، لتُصبح مجتمعاتنا مجتمعات فاضلة، ينعم أهلها بالأمن والطمأنينة والمحبة.
تذكروا دائمًا أن كل كلمة نُطلقها، وكل فعل نُقدم عليه، هو انعكاس لأخلاقنا. فاجعلوا انعكاسكم جميلًا، يُضيء دروب الخير، ويُزيل ظلمات الشر.
أسأل الله تعالى أن يُزيننا بزينة الأخلاق، وأن يُجنبنا سيئها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق