الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات،
إننا اليوم نقف أمام ظاهرة اجتماعية سلبية، تفتك بالروابط الإنسانية، وتزرع بذور الشقاق والبغضاء في قلوب الناس، ألا وهي التنابز بالألقاب. هذه العادة الذميمة التي قد تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل في طياتها شرورًا عظيمة وآثارًا مدمرة على الفرد والمجتمع.
النهي الشرعي عن التنابز بالألقاب
لقد جاء الإسلام ليُعلي من شأن الأخلاق الفاضلة، ويُطهر المجتمع من كل ما يُسيء إلى النفوس ويُفسد العلاقات. ومن هذا المنطلق، حرّم الله سبحانه وتعالى التنابز بالألقاب تحريمًا صريحًا وواضحًا في كتابه العزيز. يقول تعالى في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].
هذه الآية الكريمة تحمل تحذيرًا شديدًا من هذه العادة، وتصفها بأنها "بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان". وهذا يعني أن من يتعمد التنابز بالألقاب المسيئة بعد أن آمن بالله ورسوله، فإنه يرتكب فسقًا، ويُعرّض نفسه للعقوبة الإلهية. وكلمة "تلمزوا أنفسكم" تحمل دلالة عميقة، فالذي يلمز أخاه المسلم أو يتنابز معه بالألقاب، فكأنما يلمز نفسه ويُسيء إليها.
لماذا يُعد التنابز بالألقاب خطيرًا؟
إن التنابز بالألقاب ليس مجرد مزاح خفيف أو دعابة عابرة، بل هو يحمل في طياته أضرارًا جسيمة:
* إيذاء مشاعر الآخرين: قد لا يُدرك المتنابز الأثر النفسي السلبي الذي يُحدثه اللقب المسيء في نفس من يُطلق عليه. فالكلمة الجارحة قد تبقى عالقة في الذهن وتُسبب ألمًا عميقًا.
* زرع العداوة والبغضاء: التنابز بالألقاب يُولد الحقد والكراهية بين الناس، ويُفسد العلاقات الاجتماعية، وقد يؤدي إلى الشقاق والنزاع.
* التفريق بين الناس: تُعد الألقاب المسيئة أداة للتصنيف والتفرقة بين الأفراد، مما يُضعف أواصر الأخوة ويُزعزع وحدة المجتمع.
* الاستهزاء والسخرية: غالبًا ما يكون التنابز بالألقاب مصحوبًا بالسخرية والاستهزاء من الآخرين، وهو ما نهى عنه الإسلام نهيًا صريحًا، لما فيه من غطرسة وتكبر.
* الوقوع في الإثم: من يتنابز بالألقاب، فإنه يُخالف أمر الله ورسوله، ويُعرض نفسه لسخط الله وعقابه.
كيف نُعالِج هذه الظاهرة؟
لمعالجة ظاهرة التنابز بالألقاب، يجب أن نتحلى بالوعي والمسؤولية:
* التقوى ومراقبة الله: أن نستشعر مراقبة الله لنا في كل قول وعمل، وأن نتذكر أن الكلمة الطيبة صدقة، والكلمة الخبيثة قد تُورد المهالك.
* احترام الآخرين: أن نُدرك أن لكل إنسان كرامته وشخصيته، وأن احترام الآخرين هو أساس بناء العلاقات السليمة والمستقرة.
* التفكير قبل الكلام: أن نُدرب أنفسنا على التفكير في أثر الكلمة قبل النطق بها، وهل ستكون سببًا في إيذاء الآخرين أم في إدخال السرور عليهم؟
* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن ننصح من نراه يتنابز بالألقاب بالحسنى والموعظة الحسنة، ونُبين له خطورة فعله.
* القدوة الحسنة: أن نكون قدوة حسنة في أقوالنا وأفعالنا، وأن نُجنب ألسنتنا كل قول يُسيء إلى الآخرين.
أيها المسلمون،
فلنحرص على أن تكون ألسنتنا مفتاحًا للخير، وأن نُزّينها بالقول الحسن، والكلمة الطيبة التي تُدخل السرور على القلوب، وتُقوي الروابط بين الناس. ولنتذكر دائمًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".
أسأل الله العلي القدير أن يُطهر ألسنتنا من كل سوء، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق