الأحد، 22 يونيو 2025

العدالة الجنائية في الإسلام والقانون الوضعي: حماية الحقوق وصيانة النظام العام

إنَّ العدالة من أسمى الغايات التي تسعى إليها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية على حد سواء، وهي الركيزة الأساسية لاستقرار المجتمعات وصيانة حقوق أفرادها، وفي سياق العدالة الجنائية، تبرز أهمية تولي الجهة القضائية المختصة مهمة إنصاف المعتدى عليه، سواءً في قضايا القتل أو غيرها، بما يضمن استيفاء الحقوق دون فوضى أو تجاوز، وحافظاً على النظام العام.

الأدلة الشرعية على تولي الحاكم إقامة العدل:

لقد جاءت الشريعة الإسلامية بنظام متكامل للعدالة، يضمن للمتضرر حقه، ويحول دون فوضى الثأر والانتقام الفردي، معتمدة في ذلك على مصادرها الأربعة:

1. الكتاب الكريم (القرآن الكريم)

لقد نص القرآن الكريم على مبدأ العدل الشامل، وأوجب إقامته بين الناس، وحرم الظلم، ومن الآيات الدالة على ذلك:

  قال تعالى: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: 179). هذه الآية الكريمة تبين أن القصاص الذي تتولاه السلطة يمثل حياة للمجتمع، لأنه يوقف مسلسل الثأر ويحقق الردع، مما يحفظ الأرواح والنظام العام.

 * وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ" (المائدة: 8)، تأمر هذه الآية بإقامة العدل حتى مع من نبغضهم، مما يؤكد على أن العدل لا يخضع للأهواء الشخصية، وقال تعالى: "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" (النساء: 59). هذه الآية تأمر برد النزاعات إلى الله ورسوله، وهو ما يستلزم اللجوء إلى القضاء الذي يمثل حكم الله ورسوله في الأرض.

2. السنة النبوية المطهرة

تؤكد السنة النبوية على دور الحاكم في إقامة العدل وتطبيق الحدود والعقوبات، وتحذر من أخذ الحق باليد.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" (متفق عليه). هذا الحديث يبين أن تطبيق الحدود من مهام السلطة القضائية دون محاباة لأحد، وأن ترك ذلك للأفراد يؤدي إلى هلاك الأمم.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين صبر، يقتطع بها مال امرئ مسلم، هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان" (متفق عليه). هذا الحديث وغيره يؤكد أن أخذ الحق بغير وجه حق أو بالتحايل منهي عنه شرعاً، مما يستلزم وجود جهة قضائية تفصل في الحقوق.

3. الإجماع

أجمع فقهاء الأمة وعموم المسلمين على مر العصور على أن إقامة الحدود وتطبيق الأحكام القضائية هو من اختصاص الحاكم أو من ينوب عنه (القضاء)، وليس من حق الأفراد أن يقوموا بذلك بأنفسهم، فلو تُرك الأمر لأفراد الضحية لعم الفساد، وانتشرت الفوضى، وعطلت مقاصد الشريعة في حفظ الأنفس والأموال، و الإجماع هو دليل قاطع على أن النظام القضائي هو المسؤول عن تطبيق العدالة الجنائية.

4. القياس

يمكن القياس على مسائل أخرى في الشريعة، حيث أن أي أمر يتعلق بالنظام العام وحفظ الحقوق يتولاه الحاكم، فكما أن حماية الطرقات، وتوفير الأمن، وتنظيم شؤون الناس، كلها من مهام ولي الأمر، فإن تطبيق العدالة الجنائية وحفظ حقوق المعتدى عليهم بما لا يخل بالنظام العام هو أولى بذلك، فلو لم تتولى السلطة القضائية هذا الأمر، لعادت المجتمعات إلى شريعة الغاب، حيث يأخذ كل فرد حقه بيده، مما يؤدي إلى الفوضى والاضطراب.

القانون الوضعي ودوره في حفظ النظام العام:

تتفق القوانين الوضعية الحديثة مع الشريعة الإسلامية في هذا المبدأ الجوهري، ففي جميع الأنظمة القانونية المعاصرة، يعتبر تولي الدولة مهمة إنفاذ العدالة الجنائية أمراً لا غنى عنه.

مبدأ سيادة القانون: تقوم الأنظمة القانونية على مبدأ سيادة القانون، حيث لا يجوز لأي فرد أن يحل محل الدولة في تطبيق العقوبات أو تحصيل الحقوق بالقوة، فالمحاكم هي الجهات الوحيدة المخولة بالفصل في النزاعات وتوقيع العقوبات.

 * حفظ النظام العام: تهدف التشريعات الجنائية في المقام الأول إلى حفظ النظام العام والأمن الاجتماعي، فلو سُمح لأهل الضحية بأخذ حقهم بأنفسهم في حالات القتل أو غيرها، لتحولت المجتمعات إلى ساحات للانتقام، ولاندثرت معالم الدولة ومؤسساتها.

 * ضمان المحاكمة العادلة: توفر القوانين الوضعية ضمانات للمحاكمة العادلة لكل من الجاني والمجني عليه، فالمجني عليه يضمن حقه في الإنصاف، والجاني يضمن حقه في الدفاع عن نفسه وتقديم البينات، وكل ذلك يتم تحت إشراف قاضٍ نزيه ومستقل.

 * الردع والإصلاح: تسعى العقوبات في القانون الوضعي إلى تحقيق الردع العام والخاص، وإعادة تأهيل الجاني وإصلاحه قدر الإمكان، بدلاً من الانتقام الذي لا يحقق سوى المزيد من الضغائن.

الواجب على أهل الضحية

بناءً على ما تقدم من أدلة شرعية وقانونية، فإن الواجب على أهل الضحية، في أي جريمة، هو اللجوء إلى الجهات القضائية المختصة، وترك الأمر لها لتتولى إقامة العدل وإنصاف المعتدى عليه، وأي تصرف فردي من شأنه أن يعطل هذا الحق أو يؤدي إلى الفوضى هو تصرف مرفوض شرعاً وقانوناً.

فالعدالة ليست انتقام، بل هي إقرار للحق، وصيانة للمجتمع، وتحقيق لمقاصد الشريعة والقانون في حفظ الضروريات الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. وعلى أهل الضحية، وأهل الجاني، أن يكونوا عوناً للقضاء في تحقيق هذه الغاية النبيلة، لا أن يكونوا سبباً في تعطيلها أو الإخلال بالنظام العام.

كتبت هذا الموضوع بالإعتماد على برنامج الذكاء الإصطناعي.

               


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق