في زحام الحياة، وتوالي الأدوار التي نرتديها، غالبا ما ننسى أنفسنا، نتحوّل إلى نسخٍ مصطنعة، مصمّمة خصيصا لإرضاء الآخرين، نُعدّل من كلماتنا، ونُخفِي أفكارنا، وندفن مشاعرنا، فقط لنكسب القبول أو الإعجاب، في هذا السباق المرهِق نحو الكمال الزائف، تذبل أرواحنا وتختنق، وتصبح علاقاتنا مجرد مسرحيات باهتة، تُؤدّى بأقنعة لا تُشبِهنا،
لكن أنجح العلاقات ليست تلك التي نبنيها على أساس الخوف من الفقدان، أو الرغبة في التزييف، بل هي تلك التي تكون فيها أنت، بكل ما فيك من أصالة وصدق. أن تكون على سجيتك، لا تتكلّف ولا تخشى من إظهار عيوبك قبل مزاياك، هذا هو سرّ القوة الحقيقية في أي علاقة.
عندما تُحب شخصا كما هو، وتُقدّره بكل أبعاده، فأنت تمنحه مساحة آمنة ليكون على طبيعته، وهذا هو ما يجب أن تكون عليه العلاقات المتبادلة، لا مجال فيها للاختناق أو الشعور بالضغط، لا حاجة لأن تتظاهر بأنك شخص آخر، لا في مظهرك ولا في جوهرك، يمكنك أن تعبّر عن رغباتك بوضوح، دون خوف من الحكم أو الرفض، يمكنك أن تُفصِح عن ميولك الغريبة، وأن تُشارك أفكارك الأكثر جنونا دون تردد، لأن الشريك الحقيقي هو الذي يجد الجمال في كل هذا، ويُحبك لا على الرغم من اختلافك، بل بسببه.
هذه العلاقات هي كحديقة مزهرة تُسقى بماء الصدق، و تنمو فيها الثقة، وتتفتح فيها زهور الأمان، لا تحتاج فيها إلى تزوير داخلي أو خارجي، إنها علاقة مبنية على أساس صلب من التقبل والتفاهم، هنا لا يوجد مكان للمنافسة أو التنافس، بل هناك دعم متبادل يُغذّي الروح ويُحرّرها من قيود المجتمع وتوقعاته، وعندما تُعطي نفسك الإذن لكي تكون حقيقيا، فإنك تُحرّر الطرف الآخر أيضا، وتُعلّمه أن الحب ليس صفقة تُبنى على شروط، بل هو احتضان كامل للذات بكل ما فيها من نور وظل، ولهذا فإن أكثر العلاقات نجاحا هي تلك التي يكون فيها الشريكين قادرين على خلع أقنعتهم، والجلوس معا في هدوء، ليروا بعضهم البعض كما هم، دون رتوش أو تزييف، تلك هي اللحظة التي يُولد فيها الحب الحقيقي، ويتعمّق فيها الرابط، لأنك لا تُحب صورة زائفة، بل تُحب إنسانا بكل ما فيه من ضعف وقوة، وجنون ووعي، وكل ما يجعل منه فريدا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق