صناعة النعيم في صدورنا
في هذا العالم المتسارع، الذي يغرينا بالبحث عن السعادة في كل ما هو خارجي، من ممتلكات، ومناصب، وثناء، ينسى الكثيرون أن النعيم الحقيقي ينبع من الداخل، إنه ليس شيئا نكتسبه، بل هو حالة نصنعها بأنفسنا، إنها حالة الصدر السليم، الذي لا يحمل غلاً ولا حسداً، ولا ضغينة ولا حقدا، إنه القلب الذي يرى الخير في الآخرين، ويلتمس لهم العذر، ويفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، إنه القلب الذي لا يجد صعوبة في المسامحة والصفح، ولا يعبأ بما قيل أو فعل، لأنه مشغول بما هو أسمى وأبقى.
إن الصدر السليم هو جنة الدنيا. تخيل أن تعيش بين الناس بقلب أبيض، لا تتأثر بكلمة قيلت في غفلة، ولا تلتفت لنظرة حاسد، أنت حر من قيود الماضي، ومتحرر من ثقل الحقد، هذه الحرية بحد ذاتها نعيم لا يُضاهى، إن من يمتلك صدرا سليما، لا يحتاج إلى جدران عالية ليحمي نفسه، فجدار قلبه منيع ضد كل سوء، يستقبل الناس بحب، ويودعهم بسلام، ويبقى أثرهم طيبا في حياته حتى وإن ابتعدوا.
النفوس الطاهرة والقلوب الشاكرة
إن الصدر السليم ليس بمعزل عن بقية جوانب النفس الإنسانية، هو نتيجة لعملية بناء متكاملة تبدأ من الداخل، إنه يتجلى في النفوس الطاهرة، التي تأنف من الخبائث، وتتطهر من شهواتها، وتتسامى عن صغائر الأمور، إن النفوس الطاهرة هي التي تنظر إلى الحياة بمنظار النقاء، فترى الجمال حيث لا يراه الآخرون، وتستشعر الطمأنينة حيث يسود القلق، إنها نفوس لا تعرف التلون، ولا تحمل وجهين، بل هي شفافة وواضحة كنبع ماء صافٍ، ومع هذه النفوس الطاهرة، تأتي القلوب الشاكرة. إن الشكر ليس مجرد كلمة تقال، بل هو حالة نفسية متكاملة، هو إدراك عميق لعظمة النعم التي نعيش فيها، حتى وإن كانت بسيطة، هو أن تشكر على نعمة الصحة، وعلى وجود الأهل والأصدقاء، وعلى نعمة الأمن والأمان، إن القلب الشاكر يجد في كل محنة منحة، وفي كل بلاء عطاء، وهو بهذا، يضيء طريقه ويبدد ظلمات اليأس والإحباط، إنه يرى الخير حتى في الأوقات الصعبة، وهذا ما يمنحه القوة لمواصلة السير.
الوجوه المبتسمة المستبشرة
والنتيجة الطبيعية لكل هذا، هي أن تتزين وجوهنا بالابتسامة والاستبشار، إن الابتسامة ليست مجرد تعبير عابر، بل هي مرآة لما في القلب، إنها رسالة سلام تبعثها لمن حولك، وتؤكد لهم أنك بخير، وأنك تحمل الخير لهم في قلبك، إن الوجه المبتسم المستبشر هو وجه مفعم بالأمل، لا يعبأ بصعوبات الحياة، بل ينظر إليها بتفاؤل وإيمان، إنه وجه يعرف أن بعد العسر يسرا، وأن الغد يحمل الخير إن شاء الله.
إن الابتسامة الصادقة هي عملة لا تفقد قيمتها، تفتح القلوب، وتزرع المودة، وتمحو الضغائن، ومن يمتلك صدرا سليما، ونفسا طاهرة، وقلبا شاكرا، لن يجد صعوبة في أن يبتسم في وجه أخيه، وأن يشاركه الأمل في مستقبل أفضل.
في الختام، إن دعاءك بأن يجعلنا الله من أهل النفوس الطاهرة، والقلوب الشاكرة، والوجوه المبتسمة المستبشرة، هو دعاء جامع لكل معاني الخير، إنها دعوة للعيش بسلام مع أنفسنا ومع من حولنا، إنها دعوة لأن نصنع جنتنا في الدنيا، ونستمتع بنعيمها، قبل أن نلقى الله بقلوب سليمة، فننال نعيم الآخرة. فهل هناك أروع من أن تعيش سعيدا، وتنشر السعادة حولك، وتكون سببا في إدخال البهجة إلى قلوب الآخرين؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق