تلك هي الأيام تتداول بين أهلها، وتلك هي الدنيا يتقلب أهلها في دروبها ومسالكها، منها من يرحل دون أثر ومنها من يترك وراءه سيرة عطرة، ومحطة مضيئة، وروضة غنّاء من الذكر الحسن.
وهذا حال الشيخ والولي الصالح مولاي إبراهيم أمحمد بن السي حمي، الذي رحل عن دنيانا في التاسع من نوفمبر عام 2008، تاركاً وراءه أثراً خالداً، وحكاية إيمان راسخة، وسيرة رجل لم تعرف حياته سوى الزهد والتقوى والعلم.
وُلد الشيخ مولاي إبراهيم في قصر بوعلي عام 1915، ونشأ في كنف العلم والتقوى منذ نعومة أظفاره، فتلقى تعليمه على يد الشيخ الطالب باعزير بتيميمون، فنهل من علومه وأخلاقه، وامتزجت روحه بعبق المعرفة، و لم يكن علمه مجرد قراءة وحفظ، بل كان سلوكا وحالاً يتجلى في كل حركة وسكنة،حيثكان رحمه الله، شيخ الشاذلية في منطقته، وصاحب حال عظيمة، فكانت مهابته تسبق حضوره، وجلاله يملأ المكان، ويُدخل في قلب من يراه خشية وحبا وتوقيراً، ولكنه لم يكن جلالاً يفرّق، بل كان يجمع حوله المريدين والمحبين، الذين وجدوا في سيرته مثالاً يُحتذى، وفي كلماته دليلاً ونوراً، فكانت روحه الصافية تعكس نور الإيمان، ووجهه يفيض بالطمأنينة.
لقد كان الشيخ مولاي إبراهيم علماً شامخاً في سماء الجزائر، وشاهداً حياً على عمق الإيمان في قلوب أهلها، ولقد شهد له علماء ومشايخ منطقة توات وغيرها، وعلى رأسهم إمام المالكية سيدي الشيخ بلكبير، بعلمه الغزير، وورعه الشديد، وكراماته التي لا تعدّ ولا تحصى، فكان منارة يهتدي بها السالكون، وينهل من معينها العارفون.
ورغم رحيله عن دنيانا في الثالثة والتسعين من عمره، فإن ذكره لا يزال حياً في القلوب، وسيرته تروى على الألسن، ولم يمت جسده، بل انتقلت روحه إلى جوار ربها، راضية مرضية، ولقد ترك وراءه إرثاً روحياً لا يزول، وبصمة خالدة في صفحات تاريخ الإيمان والعرفان رحمه الله، رحمة واسعة، وجعل الجنة مثواه، ونفعنا ببركاته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق