في معادلة البقاء والزوال، غالبًا ما تتجه الأنظار إلى القوة العسكرية، والترسانات النووية، والصواريخ العابرة للقارات، مُغفلين بذلك العدو الخفي والأكثر فتكا: انهيار التعليم والأخلاق. إن تدمير الأمم العظيمة لا يحتاج بالضرورة إلى قنابل نووية تُبيد الأرض، بل يكفيه تخفيض نوعية التعليم والسماح لآفة الغش أن تتفشى كالسرطان في شرايين الأمة، هذه الأزمة الصامتة هي القذيفة التي لا تُحدث صوتا، لكنها تُفضي إلى دمار شامل لا يُبقي ولا يذر.
الغش: الجريمة التي تبدأ في قاعة الامتحان
إنّ السماح للطالب بأن ينجح بالغش ليس مجرد إهمال إداري أو تساهل تربوي، بل هو تصريح بالقتل البطيء لكل مقومات الحياة الكريمة في الوطن، إنّ ورقة الإجابة المزورة هي الوثيقة التي تُمهد الطريق لكارثة محققة:
يموت المريض على يد طبيب "نجح بالغش"، لم يتقن علم التشريح، ولم يدرس تأثير الأدوية بضمير، فكانت أدواته هي الخطأ والإهمال، وثمن نجاحه هو روح بريئة.
تنهار البيوت وتتهاوى المباني على يد مهندس "نجح بالغش"، رسم مساراته على أساس من الغدر، وبنى صروحه على رمال متحركة من الجهالة، فكانت نهايته ونهاية مَن تحت إشرافه مجرد ركام.
نخسر الأموال وتضيع الأمانات على يد محاسب "لص نجح بالغش"، لا يعرف للذمة طريقا، ولا للشفافية قيمة، فالميزانية لديه أصبحت لعبة أرقام يتلاعب بها لصالحه، فكان ثمن غشه خسارة الأمة كلها.
موت الروح والضمير: كارثة الأخلاق المفقودة
إنّ خطورة تدهور التعليم تتضاعف عندما يقترن بـ سقوط القيمة الأخلاقية، فالغش ليس مجرد سرقة لإجابة، بل هو سرقة للجهد والضمير والعدالة، وهو بذرة الفساد التي تنمو لتصبح شجرة خبيثة تُظلل المجتمع بظلها المظلم:
يموت الدين عندما يتصدر المشهد شيخ "دجال نجح بالغش"، لبس ثوب التقوى وهو خالٍ من جوهرها، يتاجر بالكلمة ويزيف الحقيقة، فصار فتنة تُفرق بدل أن توحد، وتُضلل بدل أن تهدي.
يضيع العدل عندما يجلس على منصة القضاء قاضٍ "بلا أخلاق نجح بالغش"، لا يعرف للقانون حرمة، ولا للإنصاف طريقا، يبيع الحق ويشتري الباطل، ويُصبح ميزان العدالة كفّة يميلها ثمن الرشوة أو سطوة الغالب.
يتفشى الجهل في عقول الأبناء على يد معلم "نجح بالغش"، وصل إلى قدسية المهنة بغير استحقاق، فكيف لفاقد الشيء أن يُعطيه؟ كيف لمن غش في دراسته أن يُعلم الأمانة لجيل كامل؟ إنه يُربي جيلاً على أساس مهزوز، ويُنبت في العقول بذور التخلف.
صرخة في وجه الانهيار
إنّ هذه السلسلة المُتصلة من النتائج الكارثية تُشير إلى حقيقة لا مفر منها: إن انهيار التعليم والأخلاق هو انهيار الأمة بكاملها، ولا يمكن لأمة أن تنهض وجذورها مُتسوسة بالفساد الأكاديمي والأخلاقي، وإنّ الجهل المنتج عن الغش هو كالـتسونامي الذي يكتسح كل شيء: الثقة، الأمان، الصحة، الاقتصاد، والعدالة.
إنّ بناء أمة عظيمة يبدأ من قاعة الدرس، حيث تُزرع بذور العلم الصادق، وتُنقش قيم الأمانة والمثابرة على جدران الروح، لذلك علينا أن نُدرك أن جودة التعليم ليست رفاهية، بل هي عمود الخيمة الذي يرفع الأمة، و علينا أن نُعلن حربا لا هوادة فيها على الغش بكل صوره وأشكاله، وأن نُعلي قيمة الكفاءة والاستحقاق، لأنّ كل شهادة تُمنح بغير وجه حق هي رصاصة تُطلق على صدر الوطن.
بالعلم المتقن والأخلاق الأصيلة، وحدها، تبني الأمم مجدها وتضمن بقاءها، أمّا ما دون ذلك، فهو دمار وشيك وقذيفة صامتة أُطلقت منا وفينا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق