في ضوء التحول المذهل الذي أحدثه الذكاء الاصطناعي في عوالم الإبداع، يرتسم وهمٌ كبير في أذهان الكثيرين؛ وهو أن الكتابة عبر هذه التقنية أشبه بمفتاح سحري لا يتطلب جهدا أو معايير، و يظنّ البعض أن مجرد الضغط على زر "إنشاء" يضمن تدفق النصوص الجاهزة والمنمّقة، متناسين أن العلاقة بين الإنسان والآلة في هذا السياق ليست مجرد "أمر وتلبية"، بل هي فنّ دقيق يُدعى "فنّ صياغة الإدخال".
إن الفارق بين مقالٍ آسرٍ كتبه الذكاء الاصطناعي وآخر باهت لا يرقى إلى المأمول، ليس كامنا في قدرة الآلة على الكتابة، بل في قدرة الإنسان على التوجيه، و الذكاء الاصطناعي أشبه بـ"مرآة ضخمة" تعكس ببراعة فائقة الصورة التي تُلقى عليها، فهو لا ينتج لك مقالاً من العدم، بل ينسج نسيجه المعرفي والإبداعي بناءً على ثلاثة أركان أساسية: جودة المعلومات المُغذّاة، دقة الأوامر المُمنوحة، وخصوصية الطلب.
لهذا السبب تحديدا، قد يدخل شخصان إلى ذات المحرك، يطلبان ذات الموضوع، لكنّ ما يتولّد من الآلة لكل منهما يباين الآخر، فالأول ربما يمنحها خيوطا مُحكمة، يحدد لها سقف الأسلوب (أدبي، علمي، ساخر)، ويُزودها بخلفيات معلوماتية عميقة ومُنظّمة، فيخرج بنصٍّ متماسك، ذي روحٍ فريدة، ويصل به إلى هدفه المنشود، بينما الثاني يكتفي بأمر عام ومُعلَّب، فتنتج له الآلة نصا مسطحا وعاما، لا يتجاوز حدود السرد التقليدي، ويغيب عنه عمق الفكرة أو جزالة العبارة،هنا يصبح أحد المقالين "أفضل من الآخر"، لا لقصور في قدرة الذكاء الاصطناعي، بل لامتياز في مهارة "المُشغّل"، ومع كل هذه القدرات الخارقة للذكاء الاصطناعي، يجب ألا ننسى "هامش الخطأ الإنساني" في كيان الآلة، قد يزلّ الذكاء الاصطناعي في بعض الأحيان، يخطئ في معلومة، أو يتعثر في أسلوب، أو يقع في فخ الرتابة اللغوية، وهذا يؤكد أن دور الإنسان لا يزال محوريا، ليس فقط في التغذية والقيادة، بل في المراجعة والتدقيق والنفخ في النص من روحه الخاصة.
في الختام، لا ينبغي أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه "بديل للكاتب"، بل هو "أداة في يد الكاتب البارع"، ومن يظن أن الطريق إلى الكتابة المميزة عبر هذه التقنية هو طريق بلا معايير، فسيجد نفسه يقف أمام نصوصٍ باهتة لا تحمل بصمته، و المعيار، سواء كان في دقة التوجيه أو في عمق الإدخال، هو البوصلة الحقيقية التي تقود نصّ "الآلة" من مجرد معلومة مُنتجة إلى قطعة أدبية أو معرفية مميزة.










ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق