الأحد، 12 أكتوبر 2025

نداء المسؤولية المشتركة بين الأسرة و المدرسة والمجتمع

في خضمّ هذا العصر الزاخر بالسرعة والتحولات، يتربّع أبناؤنا على عرش قلوبنا ومستقبل أوطاننا، هم الشتلة الغضّة التي تحتاج إلى سياجٍ من الرعاية وماءٍ من الوعي لتنمو قويةً، لكنّ هذا العصر حمل معه، للأسف، أشباحاً خفيّة تهدد بقطع جذور هذه البراعم. هذه الأشباح تتجسد فيما يُعرف بـ "الثلاثي القاتل"، الذي يتربص بأطفالنا في صمت مخيف، ويستدعي منا جميعاً، أسرة ومدرسة ومجتمعاً، وقفة رجل واحد وكتفاً بكتف.

​إنّ أول أضلاع هذا المثلث المدمّر هو المحتويات الرقمية وشاشات التلفزيون، تلك النافذة الزجاجية التي قد تحولت من طرف أغلب أبنائنا من منارة معرفة إلى ممرّ مظلم قد يودي بالعقول البريئة إلى مستنقع لاتحمد عقباه، فعندنا يغرق الطفل في محيط المحتوى العشوائي، تتشكل لديه رؤى مشوهة، وتتآكل قدرته على التركيز والتواصل الحقيقي، لأن الانكفاء على الشاشة هو غياب عن الحياة، ودخول طوعي في عزلة رقمية تسرق منه سنوات نموه الأثمن، لذلك لأبد من المراقبة، والمراقبة هنا ليست تجسساً، بل هي حماية وتوجيه؛ هي كالمرشد الذي يمسك بيد سائقٍ ناشئ في طريقٍ مليء بالمنعطفات الخطرة.

​أما الضلع الثاني، وهو الأخطر والأكثر فتكاً، فهو المؤثرات العقلية والمخدرات. هذا الوباء الذي لا يميّز بين طبقة اجتماعية أو مستوى تعليمي، إنه صياد الأرواح الذي يستغلّ هشاشة المراهقة، وفضول الشباب، وربما الفراغ العاطفي ليغرس أنيابه السامة، إن التصدي لهذا الخطر يبدأ بالاحتواء العاطفي داخل البيت، وبناء الثقة بدلاً من جدران الخوف، فالمراهق المحصّن بالحب والمنتمي لأسرة متفهمة يكون أقل عرضة للاستسلام لإغراءات رفاق السوء أو وهم الهروب، و المسؤولية هنا ليست مجرد واجب، بل هي ميثاق شرف ثلاثي الأركان؛ الأسرة هي الحصن الأول، وعليها يقع عبء المراقبة الواعية والمرافقة الحانية، هي التي يجب أن تُقيم جسور الحوار المفتوح وتغرس بذور الوازع الديني والأخلاقي، و المدرسة هي الشريك الثاني، وهي ليست مجرد صرح للعلم، بل هي بيئة احتضان ثانية؛ يجب أن تكون منصة للتوعية المستمرة، وتدريب الطلاب على مهارات الرفض، وتقديم بدائل إيجابية تملأ وقت فراغهم، أما المجتمع، فهو الشريك الثالث والحاضن الأكبر، وواجبه يتمثل في تطهير بيئته من البؤر التي تروّج للفساد والإدمان، وتوفير اکثر للأنشطة الهادفة والمساحات الآمنة للشباب.

​إنّ هذا الثلاثي القاتل لن يُهزم إلا بثالوث مضاد: الوعي، المرافقة، والشراكة، لننتزع أبناءنا من قبضة الشاشات الزائفة، ونجعل من قلوبنا وأبواب بيوتنا ملاذاً آمناً لهم من سموم الخارج، ولتكن مراقبتنا ليست سجناً، بل منارة هداية، ولتكن مرافقتنا ليست تطفلاً، بل دعماً وإيماناً بقدراتهم.

​في النهاية، أطفالنا هم الوديعة الأغلى، فهل نحن جميعاً مستعدون لرفع هذا الدرع المشترك وحماية هذا الجيل من السقوط في فخ هذا "الثالوث" المهلك؟ الإجابة تكمن في يقظتنا اليوم قبل فوات الأوان.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق