السبت، 25 أكتوبر 2025

رحيل الشاعر الكريم إبن الكرماء لحسين محمد بن بريكة

في صمتٍ مُدَوٍّ، وفي يوم الأربعاء، 22 أكتوبر 2025، طويت صفحةٌ مُضيئةٌ من سجلّ الشعر الشعبي الأصيل في الجنوب الجزائري، برحيل القامة الشعرية الشامخة، لحسين محمد بن بريكة، عن عمرٍ ناهز الأربعة والثمانين عاما قضاها فنا وإلهاما، و​لقد أسدلت قرية "عين بلبال" الهادئة، التابعة لبلدية تمقطن بدائرة أولف بولاية أدرار، ستار الحزن على قصرها العتيق الذي احتضن قيد الحياة شاعرا كريما من طينة نادرة، لم يكن مجرد ساكن، بل كان روح المكان وذاكرته النابضة، رحل الشاعر الكريم ابن الكرماء، وهو يحمل اسمه ونسبه وصفته في آن واحد؛ لحسين محمد بن بريكة، سليل الكرم والجود، ووارث المجد والسخاء، الذي عاش شامخا كالنخيل الباسق في واحات عين بلبال خاصة وأدرار عامة، ولم يكن فقده خسارة لـعين بلبال وحدها، بل هو فقدٌ لمَعلمٍ ثقافي وإنساني كان يمثل حجر الزاوية في تراث المنطقة وما جاورها، إذ عُدَّ عن حقٍ أحد كبارها، بصوته الشعري وكرمه، إن رحيل شاعر شعبي بحجم لحسين محمد بن بريكة ليس مجرد خبر عابر في سجل الوفيات؛ إنه انطفاء لشعلةٍ ظلّت تُضيء دروب المحبين، وتوقُّف لنبضٍ كان يختزن أسرار السهل والواحة، و كان شعره مرآةً صادقةً  تحمل، صفاء سريرته، وتمسكه بقيم و الأصالة والضيافة. لقد نسج من مفردات الحياة اليومية لحنا خالدا، يتغنى بالجمال والنقاء ودفء الأهل، وعظمة الصبر، ليُصبح صوت القبيلة والذاكرة المتنقلة لها، ف​كم من سهرةٍ تليت فيها أشعاره، وكم من مجلسٍ تَنَاهى فيه صوته الشجي، حاملا معه عبق التاريخ ودفء الصحراء، فكانت قصائده تُروى كالأمثال، وتُحفَظ في الأيام، لما فيها من جزالة المعنى وعمق الرؤية، لقد كان بحق يُعطي للكلمة وزنها وقدسيتها، و​في مشهدٍ مهيب يعمه الحزن، أُورِيَ جسمان الفقيد الطاهر الثرى يوم الأربعاء، 22 أكتوبر 2025، ليرقد بسلامٍ حيث أرواح الأولين والصالحين، و لم يكن الدفن نهاية المطاف، بل هو بداية الخلود؛ فكيف يموت من ترك وراءه كنزا لا يفنى من الكلمات التي تحمل بصمته وتخلّد سيرته؟ إذا لقيت من يعاني بها ويخرجها في  ديوان شعري، ​لقد رحل الجسد، لكن الشعر باقٍ، والعبارة خالدة، والذكرى ستبقى محفورة في وجدان محبيه وعشاق فنّه، و سيظل اسمه مقرونا بالكرماء والشعر الأصيل، وستظل قوافيه رنينا في قاعات العارفين، ​وداعا يا لحسين محمد بن بريكة، نم قرير العين في مثواك الأخير، فما دامت النخيل باسقة في تمقطن، وما دام الشعر يُتلى في أدرار، فإن روحك ستبقى تُحلّق بين أرجاء عين بلبال، شاهدةً على أن الشعر الشعبي الأصيل لا يموت، بل يُخلَّد في صحائف المجد، ​رحم الله الشاعر الكريم، وأسكنه فسيح جنانه، وألهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون.

الصورة من صفحة تمقطن تيفي .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق