السبت، 25 أكتوبر 2025

عميري عبد القادر: جندي الخير الصامت وحارس رسالة العطاء

إن فيض العطاء لا يُقاس بضجيج الإعلان، ولا يُوزن بموازين الشهرة، بل يُعرف بصدق النية، وعمق الأثر، وثبات المواقف في زمن التقلبات، وفي زاوية من زوايا ولاية أدرار المتربة بالخير، وتحديداً في بلدية بودة، يبرز اسم عميري عبد القادر، ليس كشخص عادي، بل كقيمة حية، وكنموذج للعطاء المتجرد الذي يستظل بظل الآية الكريمة: {ستكتب شهادتهم ويسألون})؛ شهادة حق تُسجلها الأنفس قبل السجلات، وتُثبتها الأفعال في مواجهة السكوت والخذلان.

​لقد جبلت النفوس على التوثيق، ومالت الأقلام إلى التمجيد، ولكن التمجيد الحقيقي يكمن في شهادة من عاش مرارة التجربة، وعانى وعثاء الطريق، وهنا تأتي شهادة البروفيسور دليل سميحة، المختصة الأرطوفونية، لتلقي الضوء على منارة خير ظلّت ساطعة على مدى خمسة عشر عاماً كاملة، هذه الخمسة عشر عاماً لم تكن سنوات هدوء وسكينة، بل كانت ميداناً للصعاب، وجبهة للرفض، وساحة للظلم الذي يواجه كل صاحب رسالة نبيلة، وكان القوم في سعي حثيث لخدمة شريحة عزيزة على قلوبنا ووطننا، هم ذوي الاحتياجات الخاصة، تلك الفئة التي تحتاج إلى يد حانية، وعون متين، ومن يدافع عن حقها في الوجود والاندماج، و​في خضم هذا الصراع النبيل، حيث تعالت جدران الرفض، وتخاذلت بعض النفوس، كان الحاج عميري عبد القادر هو "الوحيد في قطاع الصحة" الذي استبسل في موقفه، ووقف كالجبل الأشمّ سداً منيعاً دون انكسار هذه الرسالة، إذ لم يكن دوره عابراً، بل كان دعماً متواصلاً، وتوفيراً للأرض الخصبة التي احتضنت هذه الخدمات الإنسانية، هو الرجل الذي "وفّر الأرض لها وسخّره الله لذلك"، فتحوّل مكتبه أو موقعه إلى محراب للعطاء، وإلى نقطة انطلاق لجهود استهدفت خدمة أبناء وطننا و ولايتنا.

​هذا الثبات، وهذه الروح المتجردة، تذكرنا بقول إخوة يوسف: {وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين}؛ إننا نشهد بما علمنا ورأينا من عمل وجهد، وشهادتنا هنا ترفع قامة هذا الرجل إلى مصاف "جندي الخفاء" الذي يعمل في صمت، بعيداً عن أضواء الشهرة الزائفة، إن الأفعال العظيمة هي تلك التي تُبذل دون انتظار مقابل، ولا يُرجى من ورائها جزاء إلا من خالق الأرض والسماء.

​إن الحاج عميري ليس مجرد اسم، بل هو رمز لجيل من الرجال الذين آمنوا بأن الخدمة للوطن ليست بالخطب الرنانة، بل بالجهد الملموس في الميدان، هو نموذج للجندي الصامت الذي يستحق أن تُرفع لأجله الدعوات في ظهر الغيب فعلاً، لأن خدماته كانت بمثابة الجسر الذي عبرت عليه رسالة الرحمة والإنسانية.

​ولم تقف مكارم هذه العائلة الكريمة عند الحاج عبد القادر، بل امتدت لتشمل شقيقه الحاج مبارك، الذي التُقي به في تونس. فكان اللقاء شهادة أخرى على أصالة المعدن، وسمو الأخلاق، حيث لم يُرَ منه "إلا كل خير وكرم". وكأن هذه الأسرة المباركة قد اتخذت من العطاء نهجاً، ومن الكرم خُلقاً، ومن نصرة المظلومين والمحتاجين رسالة.

​فيا عميري عبد القادر، ويا جندي الخير الصامت، ويا حارس الرسالة، إن كلمات الشكر تبدو هزيلة أمام عظمة الفعل، فليكن الله خير حافظ لك، وخير مجازيك، وصدقاً نقول: {جزاه الله كل خير وحفظه من كل شر}، إن أدرار فخورة بأبنائها الذين يسطرون بجهدهم قصصاً خالدة في سجل الإنسانية.

هذه شهادتنا وقد يرى غيرنا بحق أو بغير حق، غير ذلك.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق