في قلب الجنوب الجزائري، وتحديداً في قصر قصبة الجنة ببلدية تمقطن ولاية أدرار، تتلألأ سيرة رجل لم يعش لنفسه قط، بل أفنى عمره كالشمعة، يذوب ليضيء دروب الآخرين. إنه القامة التربوية، الأستاذ والمدير والمربي الفاضل هداج عبدالرحمان بن أحمد، ليست مسيرته مجرد سيرة وظيفية، بل هي قصة عهد ووفاء، وتاريخ من البذل النقي الذي ارتقى بالتربية إلى مصاف الرسالة المقدسة.
قَسَمُ العطاء: أكثر من ثلاثة عقود في محراب التعليم
في زمن تتقلص فيه معاني الرسالة أمام مغريات المادة، وقف هداج عبدالرحمان شامخاً كالنخلة، متجذراً في أرض العطاء لأكثر من 32 عاماً، كانت هذه العقود الثلاثة أو أكثر، جسرا ممتداً من الإخلاص والتفاني؛ بدأها أستاذا يغرس الحرف في العقول والهمّة في النفوس، ثم اعتلى سلم القيادة مستشارا ومنها إلى مديراً، ولم تكن الإدارة لديه سلطة، بل مسؤولية وخدمة.
في كل مرحلة من مساره المهني، من فصل دراسي بسيط إلى إدارة مؤسسة كاملة، كان يجسد نموذجاً للرجل الذي يؤمن بقداسة ما يقوم به، وك كان وقوده الدائم هو التفاني والإخلاص المطلق، يرى في كل تلميذ مشروع أمة، وفي كل درس أساساً لمستقبل وطن.
رجل الإصلاح: الأخلاق قبل العلوم
ما ميّز هداج عبدالرحمان بن أحمد لم يكن حنكته الإدارية فحسب، بل عمق رؤيته التربوية، كان رجل التربية والأخلاق الحسنة، يعي أن بناء الإنسان يبدأ من إصلاح دواخله، لقد كانت غايته العليا إصلاح المجتمع، مستخدماً سلاح العلم ونور القيم.
في مواجهة تقلبات الحياة وتحدياتها، كان يتمتع بشجاعة المصلحين وصدق العارفين، فلم يكن يخشى في قول الحق والمبدأ لومة لائم، وكان صوته دوماً هو صوت الضمير الحي، يرشد، يصحح، ويدفع باتجاه الفضيلة، جاعلاً من المؤسسة التعليمية التي قادها منارات حقيقية للوعي والالتزام.
تخرجت على يديه أجيال.. فكان الإرث الخالد
وفي عام 2023، أسدل الستار على مسيرته الوظيفية بإحالته على التقاعد، ولكنه لم يغادر الساحة قط؛ فإرثه هو الأبقى والأخلد، كيف لرجل أفنى عمره في البذل أن يغيب؟
لقد تخرجت على يديه كوكبة من الأجيال، أصبحت اليوم عِماد مؤسسات الدولة الجزائرية وخارجها، فهم:
الطبيب والممرض الذين يداوون الجسد.
المهندس الذي يعمّر الأرض.
الأستاذ الذي يواصل شعلة العلم في جميع الأطوار وربما في الجامعات (التعليم العالي).
المدير الذي يقود دفة المؤسسات بالكفاءة والأمانة.
إن كل نجاح يحققه طالب تخرج من مدرسته هو إهداء غير مباشر لروحه ودروسه، لقد زرع فجنى ثماراً باسقة، لا تُحصى ولا تُعد، وهي أعظم شهادة تكريم تُمنح لأي مربي.
هداج عبدالرحمان.. قصة نقاء
إن اسم هداج عبدالرحمان بن أحمد سيبقى محفوراً بمداد من نور في ذاكرة بلدية تمقطن وولاية أدرار، وسيبقى يتردد كرمز للمربي الأصيل الذي لم يطلب جزاءً ولا شكوراً إلا رؤية التلاميذ في أعلى المراتب، حاملين راية العلم والأخلاق.
تحية إلى هذا القائد التربوي الذي أخلص في دوره كـمربي للأجيال، وترك وراءه إرثاً لا يُقدر بثمن: أجيالاً صالحة، تخدم وطنها وتعتز بقيمها. فسلامٌ عليه في مسيرته، وسلامٌ على الأثر الذي تركه خالداً بيننا.
كلمة وفاء وتقدير وعرفان
إلى القامة التربوية الفاضلة، الأستاذ والمدير والمربي: هداج عبدالرحمان بن أحمد
تحية إجلال تُزفّ إليكم من قلوب الأجيال التي زرعتم فيهم الخير والنور، من أولف إلى سائل وغيرهما، بمشاعر التقدير الصادق والاعتراف العميق بالجميل، نقف اليوم إجلالاً لمسيرة عطاء امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، سُطرت بمداد الإخلاص والتفاني في أنبل الميادين: ميدان التربية والتعليم، يا ابن بلدية تمقطن الأبية، وشعلة أدرار المنيرة.
لقد كنتم في كل موقع شغلتموه – أستاذا، ثم مديرا، ومربيا – رمزًا للذي جسّد المعنى الحقيقي لـ**"الرسالة"** قبل "الوظيفة"، لم تكن فصولكم مجرد قاعات للدراسة، بل كانت مدارس حقيقية للأخلاق والقيم، حيث كنتم تسعون جاهدين لإصلاح الفرد كخطوة أولى نحو إصلاح المجتمع بأكمله، غير آبهين بصعوبة الطريق أو لومة لائم.
لقد أفنيت يا أستاذنا الكريم زهرة شبابك وخلاصة فكرك في خدمة أجيال تلو أجيال، وها هي الثمار تُقطف اليوم، حيث نرى خريجيكم يتبوأون أرفع المناصب: الطبيب، والمهندس، والأستاذ، والمدير، في مؤسسات دولتنا الجزائرية، حاملين بين جنباتهم شهادة علم، وقبلها شهادة أخلاق، غرسها فيهم هداج عبدالرحمان بن أحمد.
إن إحالتكم على التقاعد في عام 2023 هي إغلاق لسجل وظيفي حافل، لكنها افتتاح لمرحلة جديدة من الرمزية والقدوة، فالمربي لا يتقاعد أبدا عن بث نوره في نفوس محبيه وتلاميذه.
باسم كل تلميذ، وكل زميل، وكل فرد استفاد من حكمتكم وعطائكم:
نرفع إليكم أصدق عبارات الشكر والثناء، لقد تركت خلفك إرثا أعظم من أي منصب: أجيالاً تضيء المستقبل.
تحياتنا الخاصة أيها المدير الفاضل، مع خالص الدعاء لكم بدوام الصحة والعافية في ظل أسرتكم الكريمة.





ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق