في رحاب العلم الشاسعة، وعلى مسرح التربية السامية، تتجلى شخصيات لا يمكن للزمن أن يطوي ذكرها، ولا للنسيان أن يمحو أثرها هم المربون الأوائل، بناة العقول ومُذكي شعلة الفكر، ومن بين هذه الكوكبة اللامعة، يبرز اسم الأستاذ لهشمي محمد بن عبدالقادر، أستاذ مادة الرياضيات للتعليم المتوسط، كعلمٍ شامخٍ ونهرٍ دائم الجريان بالعطاء.
جوهر الرسالة وقداسة المهنة
إنّ الأستاذ الهاشمي ليس مجرد مُلقنٍ للمادة، بل هو مُرشدٌ حكيم، ورسولٌ يحمل مشعل العلم، في زمنٍ قد يرى البعض فيه مادة الرياضيات لغزاً معقداً أو عالماً جافاً من الأرقام، كان هو الساحر الذي يفكّ طلاسمها، ويجعل من معادلاتها قصائدَ منطقية، ومن نظرياتها جسوراً تُعبر إليها العقول بلهفة وشغف. لم يكتفِ بتعليم "كيف" تُحل المسألة، بل علّم الطلاب "لماذا" وكيف نفكر كرياضيين، غارساً فيهم منطق الاستدلال وقوة البنية الفكرية.
تدريسه منهج حياة؛ والسبورة البيضاء لديه ليست مجرد لوحٍ لكتابة الأرقام، بل مرآةً تعكس نور التفاني في عينه، وشغف الإخلاص في صوته. فكل حصة دراسية عنده عبارة عن رحلة استكشاف، يخرج منها الطالب ليس فقط بمهارة رياضية جديدة، بل بدرسٍ عميق في الصبر، والدقة، والمثابرة التي هي جوهر العلم والنجاح.
سمو الخلق وفن التربية
ما يميز العظماء ليس فقط براعتهم المهنية، بل سمو أخلاقهم وإنسانيتهم الفائقة، والأستاذ لهشمي، هو المربي المتفاني بامتياز، ذو الخلق الرائعة التي تشعّ كضوءٍ دافئ يحيط بطلابه، هو نِعمَ الأستاذ الذي يجمع بين هيبة المعلم وحنان الأب.
في قاعة الدرس، حضور الأستاذ لهشمي مزيجاً من الحزم اللطيف والتشجيع الملهِم، يرى في كل طالبٍ طاقة كامنة تنتظر الإيقاظ، و يعرف أن العقول الناشئة تحتاج إلى احتواء قبل أن تحتاج إلى تلقين، وأن القلب السليم هو أساس العقل المستنير، ولهذا، تعامله مع الأخطاء ليس للسخرية أو التأنيب، بل كـنِقاط انطلاق نحو التعلم الصحيح والنمو الشخصي.
"الأستاذ الهاشمي: رجلٌ أرقامُهُ لا تُعدّ، فكمْ من عقلٍ استنار، وكمْ من خُلقٍ استقام بفضلِ توجيهِه ودعمِه."
إن تفانيه في أداء واجبه يتجاوز حدود الساعات الرسمية والمنهاج المقرر، يرى أن واجبه رسالةً مقدسة؛ رعايةً للنشء وصوناً لمستقبلهم، وبذلك فصوله الدراسية واحاتٍ خضراء، يرتوي فيها الطلاب من معين العلم وينهلون من أدب المعاشرة وحسن السلوك.
إرث لا يزول.. بصمة في ذاكرة الأجيال
إن أعظم إرثٍ يتركه المعلم المتفاني ليس في كتبٍ خطها، بل في نفوسٍ صقلها وعقولٍ أضاءها، الأستاذ لهشمي، بصدقه ووفائه لمهنته، قد نسج خيوطاً متينة من الاحترام والمحبة في قلوب مئات الطلاب الذين مروا على يده، لقد صاروا اليوم مهندسين وأطباء ومعلمين وقادة، وربما كلما وقف أحدهم على منصة النجاح، لمعت في ذاكرته صورة الأستاذ الذي علّمه كيف يرتقي بدرجات السلم، خطوة خطوة، كما تُحل المعادلات.
نِعمَ الأستاذ، هي شهادة حق، ووسام فخر يُعلق على صدره، لا بقرار إداري، بل بـإجماع أغلب القلوب والعقول، إن وجود أمثاله في صروحنا التعليمية هو ضمانة لجيلٍ واعٍ ومؤمن بقيمة العمل المخلص والأخلاق الرفيعة.
تحيةً صادقة لهذا العملاق الهادئ، الذي بنى في صمت وصنع جيلاً بالتي هي أحسن، إن بصمته ستبقى مرسومة ليس بالحبر على الورق، بل بالضوء على صفحات المستقبل، تشهد على أن المربي الحق هو منارةٌ لا تنطفئ، وشمسٌ لا تغيب.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق