الجمعة، 14 نوفمبر 2025

أدرار بين مطرقة المصالح وسندان التنمية.. هل يُعيد الوالي الجديد البوصلة؟


تزخر ولاية أدرار بمقومات هائلة تضعها في مصاف القلاع الاقتصادية المحتملة في الجنوب الجزائري، فإمكانياتها الزراعية الشاسعة، وثرواتها الطاقية الكامنة، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي الحيوي، كلها عوامل ترسم لوحة لمستقبل مزدهر. ومع ذلك، تبقى هذه الولاية العريقة، في نظر الكثيرين، أسيرة معضلة مستمرة تُعيق انطلاقتها، ومنها الصراع الخفي والمكشوف بين تطلعات السكان نحو التنمية الشاملة، وتأثير النخب والشخصيات النافذة التي لا همّ لها سوى خدمة مصالحها الخاصة، دون اكتراث لحقوق الآخرين أو وازع من ضمير أو خوف من الله، والحديث عن أدرار هو حديث عن قوة ضغط اجتماعي وسياسي يُمارس ببراعة، وغالبا ما يتخذ ستارا خادعا. من خلال إستغلال النفوذ القبلي، أو المالي الذي هو سلاحا لـ"جماعات المصالح" للضغط  على رأس الجهاز التنفيذي في الولاية - الوالي - لتمرير قرارات وتوجيهات لا تخدم البتة، المصلحة العامة، هذه التحركات، التي تسعى لخلق غطاء من الشرعية أو القبول الشعبي المزيّف، غالبا ما تتشابك خيوطها في دهاليز الفساد والإهمال، هذا المشهد يُبرز الحاجة الماسة إلى كسر هذا الحجر العثر الذي يُعرقل كل خطوة نحو الأمام، إن الحركات الأخيرة في سلك الولاة، ومن ضمنها تعيين والٍ جديد لأدرار، يجب أن تُقرأ على أنها محاولة لـتكسير هذه الحلقة المفرغة من النفوذ المقنّع، وفتح صفحة جديدة قوامها النزاهة والشفافية.

إن تطلعات المواطنين تضع الوالي الجديد أمام مسؤولية تاريخية، هي أن يكون سدا منيعا أمام أصحاب المصالح، وأن يرفع سقف المواجهة مع كل من يحاول استغلال منصبه أو نفوذه، والمطلوب اليوم هو الانفتاح الحقيقي على المجتمع المدني الفاعل والمخلص، الذي يعمل لرفعة الولاية، وليس على "المجتمع المدني الموالي" الذي لا يُجيد سوى خلق غطاء للمصالح المشبوهة، و المواطنون يراهنون على أن يكون التغيير في سلك الولاة هو إشارة واضحة من السلطات العليا بأن ملف أدرار سيبقى محل اهتمام وتركيز للقضاء على مظاهر الفساد واستغلال النفوذ، وللدفع التنمية إلى امام باب من يقظة المجتمع والتزام الصحافة، إذ لا يمكن لـ أي والٍ أن ينجح بمفرده في مواجهة هذا التحدي، وإن تنمية أدرار الحقيقية وقطع الطريق أمام الفساد تعتمد، بالدرجة الأولى، على ثالوث من اليقظة والنزاهة، يتمثل في يقظة المجتمع المدني المخلص الذي يعسى لإزدهار الولاية وأن يكون المجتمع صوتا قويا ومستقلاً يرفض الإغراءات ويقف في وجه الضغوط، وأن تكون الصحافة المحلية النزيهة هي العين الساهرة، والمرآة العاكسة للواقع، ومن واجبها تسليط الضوء على مكامن الخلل وفضح الممارسات الملتوية بصدق ومهنية، وأن يكون المواطنون الشرفاء هم خط الدفاع الأخير، بقدرتهم على التبليغ عن الفساد بصدق ونزاهة، وتقديم الدليل، هي الضمانة لعدم تحول أدرار إلى مرتع للمستغلين.

إن صمود أدرار وقدرتها على تحقيق التنمية المستدامة، رغم إغراءات المصالح الخاصة، تتوقف على قوة هذا التلاحم. فالرهان ليس على شخص الوالي بقدر ما هو على إرادة التغيير الجماعية التي تضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار. أدرار تستحق أن تتحرر من قيود الماضي وتنطلق نحو مستقبل يتناسب مع حجم إمكانياتها الهائلة.  


المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 16 نوفمبر2025، العدد 3399 في الصفحة06



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق