الأربعاء، 19 نوفمبر 2025

العربية لغة الخلود ونبض الوجدان

مقدمة: سيدة اللغات وتاج البيان

​تتيه الحروف خجلاً، وتتوارى المفردات إجلالاً، حين يتعلق الأمر بالحديث عن "العربية"، ليست مجرد أداة تواصل أو مجموعة من القواعد الصارمة، بل هي روح الأمة ونبض هويتها الخالد، إنها اللغة التي اصطفاها الخالق لحمل رسالته السماوية، فغدت بفضل هذا الاصطفاء معجزة باقية، تشهد على عظمة التنزيل، وتتربع على عرش البيان بمهابة لا يطالها الزوال، هي لغة الدنيا التي نستنير بضادها، ولغة الآخرة التي نرجو أن نفوز بأهلها.

​1. الخلود في متن الحرف والمعنى

​ليست العربية كغيرها من اللغات التي تآكلها الزمن أو غيبتها صفحات التاريخ، إنها اللغة الخالدة التي تتجدد مع كل فجر، وتحمل في طياتها تاريخ حضارة امتدت عبر القارات والأجيال، حين تغوص في أعماق مفرداتها، تشعر أنك تلامس أسرار الوجود؛ فـ "الجَمَل" ليس مجرد حيوان، بل هو تراكم خبرة الصحراء وحكمة البقاء، في تركيبها العجيب، ترى مرونة تفوق الخيال؛ جذر ثلاثي واحد يتشعب منه بحر من المعاني، فتغدو بذلك مهندسة اللغات التي لا تعرف الانحناء.

​إنها لغة لا تجهل قيمتها إلا نفس لم ترتوِ من معينها الصافي، ومن جفاها يوماً سيعود إليها صاغراً، مدركاً أن في هجرانها جفوة عن الذات وتضييعاً لكنز لا يقدر بثمن، هي الهوية الناطقة، والذاكرة الحية التي تحفظ للأمة أصولها وفضلها.

​2. الجمال الساحر وقوة التأثير

​هل مرّ بك حرف "الضاد" فاهتزت روحك؟ هل سمعت ترنيمة الشعر العربي القديم فحلقت في فضاءات الإبداع؟ العربية هي موسيقى الألفاظ وعبقرية التعبير، جمالها ليس شكلياً يزين السطور فحسب، بل هو جمال في عمق الدلالة وقوة الإيحاء، بكلمة واحدة، تستطيع أن تختزل تاريخاً من المشاعر، وبجملة واحدة، ترسم صورة فنية متكاملة.

​إنها لغة البيان التي إذا تحدثت، أثرت في القلوب وغيّرت مجرى التاريخ، عباراتها قوية ومؤثرة بالفطرة، لأنها مشبّعة بحرارة العاطفة وصدق الوصف، من أحبها بصدق، أدرك السرّ الكامن وراء تفوقها، وعرف الفضل العظيم الذي تحمله هذه اللغة لأهلها، فـفضلنا كامن في فضلها، ومجدنا متجذر في حروفها، ومحب العربية هو بالضرورة محب للجمال، ومقدّر للذوق الرفيع.

​3. لغة الكتاب ولغة الجنة: الامتداد الأبدي

​هنا يكمن سر قداستها ورفعتها التي لا تُضاهى، العربية هي وعاء القرآن الكريم، معجزة الإسلام الخالدة، هذا الشرف جعلها لغة إلهية المعيار، عصية على الاندثار، متفردة في بنيتها، أليست هي لغة الضاد التي نرتل بها آيات الذكر الحكيم في صلواتنا، وتطمئن بها قلوبنا؟

​والأجمل من هذا وذاك، الإيمان الراسخ بأنها لغة أهل الجنة، هذا الاعتقاد يرفعها من مصاف اللغات الدنيوية إلى مرتبة سامية، رابطاً إياها بأسمى الغايات وأخلد الآمال، هي فعلاً لغة الدنيا والآخرة؛ ندرسها في الأولى استنارة، ونرجو أن ننطق بها في الثانية كرامة، من يعتز بها اليوم، يزرع بذرة كرامته وغده.

خاتمة: دعوة للتمسك بالضاد

​في عصر تسارعت فيه وتيرة العولمة، يبقى التمسك بالعربية هو خط الدفاع الأول عن الهوية والكيان العربي والإسلامي فلنتشربها حباً، ولنتعلمها إتقاناً، ولنغرس قيمتها في نفوس الأجيال، لأنها مفتاح فخرنا، وسر بقائنا، ورمز مجدنا.

​"إن العربية ليست مجرد حبر على ورق، بل هي دماء تسري في عروق الحضارة، ونور يضيء دروب المعرفة، فمن عرفها، عرف العزة، ومن أحبها، وجد في حروفها وطناً أبدياً."

​فلتظل العربية سيدة، ولتظل لغتنا الخالدة معجزة تنطق بالضاد.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق