الأربعاء، 19 نوفمبر 2025

منارة العلم وقنديل الشعر الأستاذ لماوي دحمان

لبعض النفوس أثر لا يمحوه الزمن، وبصمات تُنقش في جبين التاريخ لا تزول، تلك هي سيرة الأستاذ لماوي دحمان، ذلك الرجل الذي حمل على عاتقه مهمة الأنبياء في صمت وتفانٍ، فكان قامة باسقة جمعت بين قداسة التربية وسحر الكلمة، هو ليس مجرد اسم عابر في سجلات المتقاعدين، بل هو فصل مضيء في كتاب الذاكرة الوطنية، وحكاية عشق أبدية بين معلم صبور وشاعر ملهم، ورجل من رجال الكشافة لإسلامية الجزائرية.

المربي الذي صاغ الأجيال: ثلاثة عقود من العطاء الخالص

​في محراب المدرسة الابتدائية، حيث تتشكل الأرواح وتتفتّح العقول، وقف الأستاذ لماوي دحمان أكثر من ثلاثة عقود، يزرع الحرف، ويغرس القيمة، ويشعل فتيل الفكر، و لم يكن معلماً تقليدياً، بل كان بستانياً حكيماً يروي براعم الأجيال من نبع علمه وخلقه، لقد أفنى زهرة شبابه وثمرة عمره في هذا الجهاد المعرفي المقدس.

​لقد كان مخلصاً لرسالته، لا يرى في مهنته مجرد وظيفة، بل واجباً مقدساً، وأمانة عظمى، كل طالب مرّ بين يديه، هو مشروع إنسان، بذرة أمل، ورسالة تربوية مؤداة بأمانة، وإذا كانت الأجيال هي ثروة الأوطان الحقيقية، فإن الأستاذ دحمان هو صائغ هذه الثروة بمداد الصبر ونور البصيرة، فالأجيال التي رباها الأستاذ دحمان لم تتعلّم منه القراءة والكتابة فقط، بل تعلّمت منه كيف تكون القامةُ مستقيمةً والكلمةُ صادقةً والروحُ ساميةً.

​الشاعر الذي أضاء الوجدان: صدى الحرف في قلب الجزائر

​لم تكن أياديه الكريمة تحمل عصا التأديب فقط، بل كانت تحمل ريشة شاعر مرهف الحسّ، وصوتاً شعرياً أصيلاً ينتمي إلى وجدان هذه الأرض، فالأستاذ لماوي دحمان هو أيضاً شاعر من شعراء الجزائر الأعلام، وعضو فاعل في اتحاد الكتاب الجزائريين، تلك الهيئة التي تصون لغة الضاد وتُعلي من شأن الكلمة.

​إن الشاعرية لديه لم تكن مجرد هواية، بل تجسيداً آخراً لرسالته التربوية ونبض لمجتمعه، فبينما كان يعلّم الأطفال أبجديات الحياة، كان ينسج قصائده ليعلّم الكبار أبجديات الروح والوطن والحب.

​لقد كانت مشاركاته في الملتقيات والندوات والأمسيات الشعرية بمثابة إعلان انتصار للجمال، حيث كان له السبق والتفوق والنجاح، مقدماً تجربة شعرية ناضجة، تستقي من معين التربة الجزائرية الصافية، وتلامس آفاق الإنسانية الرحبة، وتلك الدواوين الشعرية المطبوعة التي ولدتها قريحته هي وثائق حية تشهد على خصوبة فكره وعمق رؤاه، هي ميراث أدبي لا يقل أهمية عن ميراثه التعليمي.

​خاتمة المجد: رسالة باقية وأثر خالد

​اليوم، وقد أسدل الستار على مسيرة التدريس، وخلع الأستاذ لماوي دحمان رداء الوظيفة ليتقلد وشاح المجد والتقدير، يبقى اسمه محفوراً في ذاكرة تلاميذه وفي صفحات الأدب،

​إنه نموذج للتكامل الفريد بين رجل التربية الذي يُشيّد العقول، ورجل الأدب الذي يُزيّن الوجدان، هو القائل الصامت بأن التربية والشعر وجهان لعملة واحدة: صناعة الإنسان.

​تحية إجلال وتقدير لهذا المربي النبيل والشاعر الفذّ، فإذا تقاعد المعلم، فـالرسالة لا تتقاعد، وإذا سكت صوت المنبر، فـصدى القصيدة لا يموت، عاش الأستاذ لماوي دحمان قنديلاً منيراً في سماء الجزائر، ومثالاً ساطعاً على أن التفاني والإخلاص هما أصل كل نجاح خالد.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق