إن بيوت الله، المساجد، هي أطهر بقاع الأرض وأحبها إليه سبحانه وتعالى، و هي أماكن السكينة والطمأنينة، ومنابر الحق والهدى، فيها يُتلى كتاب الله، وتُقام الصلوات، وتُلقى الخطب التي تذكّر الناس بدينهم وقيمهم، وتحثّهم على كل خير، وتنهاهم عن كل شر، المسجد مكان يجمع القلوب على كلمة سواء، ويُعلي راية الحق في كل زمان ومكان.
لقد وصلتنا أنباء مؤلمة عن حادثة وقعت في مسجد عمر بن العاص بولاية أدرار، حيث اعترض مصلٍّ على خطبة الإمام التي كانت تتناول مظلومية أهلنا في غزة، الذين يتعرضون لتجويع ممنهج وقتل جماعي، هذا الاعتراض، ومهما كانت دوافعه، لا يليق بحرمة بيت الله ولا بمقام الخطبة، ثم أن مغادرته ذلك الشخص للمسجد بتلك الطريقة عملاً يتنافى مع الآداب الإسلامية والأخلاق الفاضلة.هذا الحادث، بالإضافة إلى حوادث في مساجد أخرى كأوقرت وأولف الكبير، يثير تساؤلات مؤلمة، ومن خلال ما حدث،في مسجد عمر بن العاص، حيث الإمام يدعوا لأهل غزة، هل أصبح الدفاع عن غزة "تهمة"؟ وهل صار الحديث عن مظلومية أهلها مدعاة للغضب والانسحاب؟
إن الإجابة قاطعة وواضحة: كلا وألف كلا! إن المسجد ليس ساحة للجدال العقيم ولا منصة للمزايدات، وهو ليس مكاناً للتفرقة بين الناس، بل هو محضن للوحدة والتعاضد، وهو منبر يُعلي صوت الحق، ويدعو إلى نصرة المظلوم، والوقوف إلى جانب المستضعف.
نصرة غزة: واجب شرعي وإنساني
إن قضية غزة وأهلها ليست مجرد رأي سياسي يمكن الاختلاف عليه، بل هي واجب شرعي وإنساني عظيم، إن الإيمان الحق يحتم علينا الوقوف مع المظلوم ونصرته، ورفع الظلم عنه، ومدّ يد العون إليه، و الصمت على الظلم أو التخاذل عن نصرة المظلومين هو خذلان للدين والقيم والأخلاق قبل أن يكون خذلاناً للقضية ذاتها.
أليست غزة جزءاً لا يتجزأ من جسد الأمة؟ ألم يقل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"؟ فكيف لنا أن نرى إخوتنا يُجوّعون ويُقتّلون ثم نلتفت عنهم أو نغضب ممن يذكّرنا بواجبنا نحوهم؟
حرمة المسجد ووجوب الأدب
علينا أن نتذكر دائماً حرمة المسجد وقداسته، فهو بيت الله الذي ندخله خاشعين متأدبين، نصغي فيه إلى ما يُقال من توجيهات وإرشادات، وحتى لو اختلفنا في وجهة نظر معينة، فإن المسجد ليس المكان المناسب لرفع الأصوات أو إثارة الشقاق، والأدب مع الإمام، ومع بقية المصلين، ومع قدسية المكان، هو من صميم أخلاق المسلم.
فلنتق الله في بيوته، ولنجعلها منارات هداية وجمْعٍ لا تفريق، ولنكن يداً واحدة وقلباً واحداً في نصرة إخوتنا المظلومين في غزة وفي كل مكان، مؤمنين بأن الله ناصر من نصره، ومؤيد من أيّده، اللهم ثبت أئمتنا الصادقين على قول الحق، واهدِ من ضلّ السبيل، وانصر إخواننا المستضعفين في غزة، وهيّئ لهم من أمرهم رشداً. آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق