الأحد، 27 يوليو 2025

غزة والفؤاد: صرخةٌ من أقصى الوجدان

في رحاب المساجد، وعلى عتبات البيوت، حيث تتلاقى القلوب وتصفو النفوس للدعاء، هناك مشهدٌ يتكرر يبعث على التأمل العميق، حين يشرع الداعي في مناجاة ربه، ترتفع أصوات التأمين خافتةً أحيانا، قويةً أحيانا أخرى، كصدى لرجاءٍ عامٍّ يصبو إليه ويتمناه الجميع،  و ما أن يُذكر اسم غزة العزة، أو يشار إلى فلسطين، حتى يتغير الحال، و ينتفض  الخامل والخامد و الكسلان، ويستيقظ النائم والذي أخذته سنة من نوم، وترتفع نبرات التأمين بشكلٍ كبير و كثير غير معهود، حتى يكاد يرتجّ ويرتعد المكان للتأمين، إنه ليس مجرد تأمين، بل هو صرخةٌ من أقصى وأعماق القلوب  الوجدان، إنها ردة فعلٍ لا شعورية، تحمل في طياتها دلالتين عميقتين تصفان حال أمتنا تجاه هذه البقعة المباركة:

أولا: إيثارٌ لا مثيل له، كأنما لم يعد هناك خيرٌ في الدنيا يرتجى إلا ما وصل منه إلى أهل الرباط، و تتجلى في هذه الانتفاضة القلبية تفضيلٌ لأرضٍ مباركة وأهلها على الأنفس، إحساسٌ بأن كل خير يناله المرء في حياته لا يكتمل إلا إذا شمل إخوانه المرابطين. إنها قمة الإيثار، أن ترى سعادتك مرهونة بسعادة من هم هناك، أن تشعر بأنك جزءٌ لا يتجزأ من معاناتهم وآمالهم، إن فلسطين ليست مجرد قضية، إنها جزءٌ من كينونتنا، تسري في عروقنا وتنبض بها قلوبنا.

ثانيا: إقرارٌ بالعجز واعتذارٌ ضمني، إن ارتفاع الأصوات بهذا الشكل المدينة و المزلزل، يحمل في طياته أيضا إقرارا ضمنيا بالعجز أمام المأساة التي تتكشف فصولها يوما بعد يوم إلى أخر، إنه اعتذارٌ صامت لمن خابت ظنونهم فينا، ولمن انقطع رجاؤهم منا،ط كأنما هذه الصرخة العالية المدوية، هي محاولةٌ لتكفير ذنبٍ، أو تعبيرٌ عن أسف لقلة الحيلة، فالله يعلم سرنا وعلانيتنا، ويعلم حجم الألم الذي يعتصر قلوبنا ونحن نرى إخواننا هناك يكابدون الويلات ويموتون جوعا هم وأبنائهم، إن هذا الصوت المرتفع هو محاولة لكسر قيود الصمت، وللتعبير عن تضامنٍ لا تحده الجغرافيا، ورغبةٍ في نصرةٍ لا تملك الأيدي وسيلة لها سوى الدعاء، يا أهل فلسطين، ويا أهل غزة العزة الصامدة، إن قلوب الأمة كلها معكم، إن هذه الأصوات التي ترتفع بالدعاء ليست مجرد كلمات، بل هي أنفاس تتصاعد من أرواحٍ تعشق ترابكم الطاهر، وتتمنى لكم النصر والعزة، إنكم لستم وحدكم، فدعاؤنا يحيط بكم، وآمالنا معقودة بصمودكم، ووجداننا يرتجف لكل ألم يصيبكم.

اللهم، يا من تعلم السر وأخفى، يا من بيدك ملكوت كل شيء، متّع أبصار المؤمنين والمسلمين واشف صدورهم بوابل نقمتك تنزلها عاجلا على كل من حاصر أو قتّل أو جوّع أو تآمر أو غدر أو دعم مايصيب أهل غزة من حزن وكرب ونصب أو استبشَر لما يحدث لهم.  



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق