الأربعاء، 30 يوليو 2025

الإسلام الحقيقي بين سماحة الشريعة وجهل الأتباع

ليس هناك ما يضر الإسلام ويشوه صورته أكثر من سوء فهم أبنائه له، فالمسلم الذي لا يستوعب جوهر دينه وعمق رسالته، قد يتحول، بقصد أو بغير قصد، إلى أداة تنفير تسيء إلى الإسلام في أعين غير المسلمين، بل وحتى في نفوس بعض المسلمين أنفسهم، إن قضية سوء الفهم هذه ليست وليدة اليوم، بل هي إشكالية تتطلب معالجة عميقة تستند إلى الدليل من الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة الصالح.

1- جوهر الإسلام : رحمة للعالمين

إن من أهم الدلائل على سوء الفهم هو نسيان حقيقة أن الإسلام دين رحمة وسلام، قال تعالى في محكم التنزيل: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" (الأنبياء: 107)، هذه الآية الجامعة تلخص رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبالتالي رسالة الإسلام ككل، بأنها رحمة شاملة تتجاوز حدود الزمان والمكان والعرق والدين، فكيف يمكن لدين جوهره الرحمة أن يتحول في أذهان البعض إلى مصدر للتنفير والشدة؟

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في التعامل مع المخالفين، حيث تميز بالحلم والأناة والرفق، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خُيِّرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثمًا" (متفق عليه). هذا الاختيار الدائم لليسر يعكس طبيعة الإسلام السمحة التي تبتعد عن التعسير والتضييق.

2- فهم الصحابة والتابعين: تطبيق عملي للرحمة والعدل

لم يكن فهم الصحابة والتابعين للدين مجرد تنظير، بل كان تطبيقا عمليا لمبادئ الرحمة والعدل واليسر، فعندما دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس، رفض أن يصلي في كنيسة القيامة حتى لا يتخذها المسلمون مسجدا من بعده ويضيقوا على أهلها، مما يعكس احتراما عميقا لحرية العبادة والمساواة في الحقوق.

كما أن مواقف التابعين كانت شاهدة على هذا الفهم العميق، فعمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي، والذي عُرف بالورع والعدل، كان يتعامل مع رعيته بكل لين ورفق، حتى مع غير المسلمين، مراعيا حقوقهم ومحافظا على حرياتهم، هذا الفهم لم يكن ليتأتى إلا من إدراكهم العميق بأن الإسلام دين يسع الجميع، ويحترم التنوع والاختلاف.

3- أسباب سوء الفهم وعلاجها :

من أبرز أسباب سوء الفهم هو الجهل بالمصادر الأساسية للإسلام (الكتاب والسنة) أو قراءتها بتأويلات خاطئة ومتطرفة, فالبعض يقتطع النصوص من سياقها، أو يفسرها بمعزل عن المقاصد الشرعية الكبرى، مما يؤدي إلى فهم مشوه يخرج عن الاعتدال والوسطية التي هي سمة الإسلام.

ولعلاج هذه القضية، لا بد من اتباع الآتي:

 * العودة إلى المنابع الأصيلة: يجب على المسلم أن ينهل من القرآن والسنة بفهم سلف الأمة الصالح، والابتعاد عن التأويلات الشاذة والمتطرفة التي لا تستند إلى دليل صحيح.

 * التفقه في الدين على يد العلماء الربانيين: إن طلب العلم الشرعي من أهله الموثوقين، والذين يجمعون بين العلم والورع والفهم الصحيح لمقاصد الشريعة، هو صمام الأمان من الوقوع في فخ الجهل وسوء الفهم.

 * التحلي بأخلاق الإسلام: إن تطبيق أخلاق الإسلام السمحة، كالرحمة، والرفق، والعدل، والحلم، والعفو، وحسن الجوار، هو خير دعوة للإسلام. فالقدوة الحسنة أبلغ من أي قول أو تنظير.

 * تصحيح المفاهيم الخاطئة: يجب على المسلمين أن يكونوا سفراء لدينهم، وأن يعملوا على تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام، سواء للمسلمين أو لغير المسلمين، وذلك بالحوار الهادئ والعلم الرصين.

إن الإسلام بريء من تصرفات من يسيئون إليه بجهلهم أو بتطرفهم، هو دين واضح جلي، بني على أسس متينة من الرحمة والعدل والإحسان، فعلى المسلمين أن يعوا مسؤوليتهم تجاه دينهم، وأن يكونوا خير ممثلين له، حتى يعود الإسلام شامخا عزيزا، كما أراده الله رحمة للعالمين، وأعتقد أن أهم خطوة يجب أن يتخذها المسلمون اليوم لتقديم صورة صحيحة عن الإسلام هي أن يعيشوا الإسلام قولا وفعلا، وأن يكونوا قدوة حسنة بأخلاقهم ومعاملاتهم، لأن الكلمات وحدها لا تكفي، و العالم اليوم لا يبحث عن خطابات أو شعارات، بل عن تطبيق عملي لمبادئ الإسلام السامية، عندما يرى الناس مسلمين يتسمون بالرحمة، والعدل، والصدق، والأمانة، والتسامح، واحترام الآخرين (بغض النظر عن دينهم أو عن خلفيتهم)، فإن هذا يترك أثرا أعمق بكثير من أي حملة دعوية، والإسلام في جوهره دين أخلاق ومعاملة، وعندما نعود إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، نجد أن انتشار الإسلام لم يكن بالقوة بقدر ما كان بالأخلاق الفاضلة التي رأها الناس في المسلمين.

إذا جسد كل مسلم هذه القيم في حياته اليومية، في بيته، عمله، مجتمعه، ومع من حوله، فإن الصورة النمطية السلبية التي تشوه الإسلام ستتلاشى تدريجيا لتحل محلها الحقيقة الناصعة لدين عظيم.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق