الأحد، 31 أغسطس 2025

الشيخ محمد بن عبد الله كنتاوي صوتٌ قرآنيٌ يرحل من تمقطن

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبعيون تفيض حزناً على فراق عزيز، ودّعت أمة القرآن والأمة الإسلامية قامةً من قامات العلم والذكر، وعلماً من أعلام القراء المتقنين، إنه الشيخ محمد بن عبد الله كنتاوي، الساكن قيد حياته بقصر تمقطن بلدية تمقطن ولاية أدرار ، الذي ارتحل إلى جوار ربه بعد مسيرة حافلة بالعطاء والبذل في خدمة كتاب الله، ​كان الشيخ محمد كنتاوي -طيب الله ثراه- ليس مجرد قارئ، بل كان صوتاً عذباً يتردد صداه في جنبات المسجد، فيبعث الطمأنينة والخشوع في قلوب المصلين، صوته الرنان، الذي كان يلامس الروح قبل الأذن، كان بمثابة جسر يربط بين الدنيا والآخرة، يأخذ المستمع في رحلة روحية، حيث الكلمات المقدسة تنفذ إلى الأعماق، وتغسل القلوب من درنها، لقد كانت تلاوته ليست مجرد تلاوة، بل كانت تأملاً، وخشوعاً، وحباً لكلام الله، يتجلى في كل حرف يخرج من بين شفتيه، لقد عاش الفقيد حياته نذراً للعلم، فكان معلماً مربياً، يغرس حب القرآن في نفوس الأجيال، ويشيد به صروحاً من الإيمان والعلم، لم يكن يكتفِ بتعليم الحروف، بل كان يربي على الأخلاق الفاضلة، ويغرس في تلاميذه قيم القرآن العظيمة، لقد كان المسجد الذي عمره بصوته، وجهده، شاهداً على عطائه الذي لم ينضب، ومثلاً يحتذى في الإخلاص والتفاني، وفي زمن كثرت فيه المغريات، كان الشيخ محمد كنتاوي منارةً ثابتة، يذكر الناس بروحانيتهم، ويقربهم من خالقهم، وكان رمزاً للتواضع والورع، وعنواناً للعالم العامل الذي يترجم علمه إلى عمل، وقيمه إلى حياة، رحيله خسارة كبيرة، ليس فقط لأهله وذويه، بل لكل من أحبه واستمع إلى تلاوته، واستفاد من علمه، ​ولكن عزاءنا أنه خلف من بعده ذرية طيبة صالحة، تسير على دربه، وتحمل مشعل القرآن من بعده إن شاء الله، وتدعو له بالرحمة والمغفرة، فكم من طالب علم سيترحم عليه، وكم من مصحف سيُقرأ بفضل ما غرسه، وكم من دعاء سيصعد إليه من أفواه محبيه وتلاميذه، ودّعناه جسداً، ولكن صوته القرآني سيبقى حياً في الذاكرتنا، يتردد صداه في القلوب، ويذكر بمسيرة رجل كرّس حياته في سبيل الله، فنم هنيئاً يا شيخنا الفاضل، فقد أديت الأمانة، وبلّغت الرسالة، وتركت إرثاً لا يفنى، ​إنا لله وإنا إليه راجعون.  


المصدر جريدة التحرير الجزائرية ليوم 01 سبتمبر 2025، العدد 3344، في الصفحة06



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق