يا غزة، يا جرحاً نازفاً في قلب التاريخ، ويا صرخة مدوية في أذن الصمت المطبق، لم تعد قضيتك مجرد نزاع على أرض، بل هي مرآة تعكس عري العالم، وتفضح زيف الشعارات، وتكشف عن هشاشة الأنظمة التي بنيت على أكذوبة العدل والمساواة،
في كل قذيفة تسقط على بيت آمن، وفي كل جسد طفل يتمزق، وفي كل صرخة ثكلى، تتهاوى أركان هيئة الأمم المتحدة، وتنهار جدران مجلس الأمن الدولي، فما قيمة هذا الكيان الذي يدّعي حماية السلم والأمن الدوليين، بينما هو عاجز عن وقف آلة القتل، وفي الحالات عاجز حتى عن إدانة المجازر بوضوح وصراحة؟ إنه مجرد هيكل عظمي بلا روح، ومسرحية هزيلة تُعرض على خشبة مسرح العالم، يصفق لها القتلة، ويتجاهلها المتفرجون.
أما المنظمات الإنسانية التي تدعي أنها تحمل لواء الرحمة، فهل يكفي أن تقدم المساعدات الغذائية والأغطية، بينما يتم قصف المستشفيات والمدارس، ويُحاصر المرضى والجرحى؟ وفي بعض الحالات عاجز حتى عن تقديم المساعدة ويد العون، و إن دورها يجب أن لا يقتصر على تقديم العون، بل يجب أن يتعداه إلى رفع الصوت عالياً، والضغط على الضمائر الميتة، وفضح من يقتل الأمل في قلوب الأبرياء، وإلا فإنها ستتحول إلى مجرد واجهة إنسانية زائفة، تغطي على جرائم الإبادة.
لقد سقطت الأقنعة عن وجوه المنظمات التي تزعم أنها تدافع عن حقوق الإنسان، فهل حقوق الإنسان تُجزأ وتُقسّم؟ وهل هي حق للبعض وحرمان للآخرين؟ إن صمتها المطبق عن جرائم الحرب، وتغاضيها عن انتهاكات حقوق الإنسان في غزة، هو وصمة عار في جبين الإنسانية، لقد أثبتت هذه المنظمات أنها ليست سوى أبواق دعائية، تخدم أجندات سياسية، وتتجاهل المبادئ التي بُنيت عليها.
يا غزة، لقد فضحتِ عورة العالم، فلقد كشفتِ عن أن القوانين الدولية مجرد حبر على ورق، وأن العدالة هي سلعة تُباع وتُشترى، وأن الإنسانية عند الكثيرين، ليست سوى كلمة فارغة تُنطق في المحافل الدولية، ولكن في قلب هذا الظلام، يكمن بصيص من الأمل، فأنتِ لستِ مجرد قضية، بل أنتِ إرادة شعب لا يقهر، ورمز للصمود الأسطوري، ومن رحم هذا الألم، سيولد فجراً جديداً، وستنتصر إرادة الحياة على آلة الموت، وسيبقى صوت الحق هو الأقوى، وإن حاولوا إسكاته بآلاف القنابل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق