في ساحة الحياة التي تتوالى فيها فصول الزمان، هناك أرواح تترك خلفها أثراً لا يمحوه النسيان، أرواح ليست ككل الأرواح، بل هي قناديل أضاءت دروب من حولها، ومع رحيلها، تظل نورها ساطعاً في قلوب المحبين، ومن هذه الأرواح النبيلة، قنديلاً أضاء أخنوس وبلدية تمقطن، بل أولف الشرفة وماحولها، لعقود من الزمن كثيرة، هو سرحاني مولاي عبد القادر بن سيدي محمد، الممرض، الذي غيبه الموت الذي لابد لكل حي منه، لم يكن مولاي عبد القادر مجرد ممرض يؤدي واجباً، بل كان رسالة حب وعطاء متجسدة، أكثر من 32 عاماً، كرسها لخدمة مجتمعه، لا يفرق بين قريب وغريب، ولا بين غني وفقير، شهودنا على ذلك ليسوا فقط الأباء والأمهات والإخوة والأخوات والجيران، بل أجيال كاملة تعاقبت ورأت فيه الأمانة والإخلاص والتفاني، كان قلبه ينبض بالرحمة، ويده لا تعرف الكلل، تجده حاضراً في غير أوقات عمله، مسرعاً لإغاثة مريض، ملبياً نداء المحتاج. لم يكن عمله وظيفة، بل كان شغفاً، وقضية، وعبادة.
كانت روحه رحيمة بكل شيء، حتى بالنبات، فكما كان يداوي أجسادنا، كان يسقي الأشجار والنخيل ويعتني بها، كأنها جزء من عائلته، يرى في كل كائن حي روحاً تستحق الرعاية والاهتمام، هذه الرحمة العابرة للإنسان إلى كل ما في الوجود، هي ما ميزته وجعلت منه شخصية استثنائية، لم يكن يزرع الشفاء فقط، بل كان يزرع الأمل والحياة في كل مكان تطأه قدماه.
لم تكن حياته مقتصرة على العطاء في مجال التمريض، بل كانت حياته كلها خير وبركة، كان من رواد المساجد ومجالس الذكر، محباً للعلم والعلماء، يتشرب من معين المعرفة لينهل منها ويسقي من حوله، كان واصلاً لرحمه، باراً بأهله، يجمع ولا يفرق، ويصلح ذات البين، كان مؤذناً يصدح صوته بالحق، ومرتلاً للقرآن، بل وكان يؤم الناس في الصلاة عند غياب الإمام، وكأنه رجل بألف رجل.
عاش شهما وكريما، متقيا زاهدا، لم تكن الدنيا غايته، بل كانت وسيلة لمرضاة الله، كان يصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم، يرفض الظلم، ويدافع عن المظلوم، لم يكن يبحث عن الأضواء ولا عن المديح، بل كان يعمل في صمت، يبتغي الأجر من ربه، رحل عنا كما عاش، كريما وصادقا، تاركا وراءه سيرة عطرة، وعلامات واضحة على أن الإنسان يمكن أن يكون شجرة مثمرة لا تتوقف عن العطاء حتى بعد أن تذبل أوراقها،
رحم الله سرحاني مولاي عبد القادر وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، مع الصديقين والشهداء والصالحين، لم يمت من ترك كل هذا الحب في قلوبنا، بل حيٌ فينا وفي كل عمل صالح قام به، سلام عايك يا قنديلا لم ينطفئ نوره، وستبقى ذكراك منارة تهدينا إلى طريق الخير والعطاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق