الحياة على الأرض هي ميدان اختبارٍ، حيث يجد الإنسان نفسه في رحلةٍ لا تُشبه أي رحلةٍ أخرى، إنها رحلةٌ نحو الخلود، فالدنيا ليست سوى محطة عبورٍ، وممرٍ ضيقٍ، يختبر فيه المرء نفسه، ويصقل روحه، ويُعِدُّها ليوم اللقاء الأكبر.
إنها امتحانٌ في الصبر على الشدائد، والرضا بالقضاء والقدر، والشكر على النعم، امتحانٌ في مقاومة الأهواء، والانتصار على الشهوات، والتحرر من سجون الدنيا الفانية، فالإنسان في هذه الحياة يواجه معركةً داخليةً، بين الخير والشر، بين الروح والجسد، بين الطموحات العلية والرغبات الدنيوية، وفي كل خطوةٍ يخطوها، وفي كل قرارٍ يتخذه، تتجلى حقيقة هذا الامتحان، وتتضح معالمه.
ليست الحياة في هذا المعنى مجرد أيامٍ نعيشها، وسنين تمضي، بل هي سلسلة من الخيارات والاختبارات، التي تحدد مصيرنا الأبدي، فالكلمة الطيبة التي نطلقها، والبسمة التي نرسمها، والمساعدة التي نقدمها، والظلم الذي نتحاشاه، كلها أجزاء من هذا الامتحان الكبير، إنها فرصةٌ لنسطر صحيفة أعمالنا بأجمل الصور، ونملأها بأطيب الأعمال، ونزينها بأزكى الصفات.
إنها امتحانٌ في حب الله، واتباع هديه، والسير على صراطه المستقيم، فالجنة ليست جائزةً تُعطى بالمجان، بل هي ثمرة جهدٍ وتضحيةٍ، وإخلاصٍ وتفانٍ، إنها جزاءٌ لمن أحسن العمل، وصدق في النية، وصبر على البلاء.
وفي نهاية هذه الرحلة، وفي ختام هذا الامتحان، يقف الإنسان أمام ربه، حاملاً معه كل ما قدمه في دنياه، فمن اجتاز هذا الامتحان بنجاح، وخرج من الدنيا بقلبٍ سليمٍ، وروحٍ مطمئنةٍ، فإنه سيُلاقي جزاءً لا يُخطر على قلب بشر، جزاءً يُنسيه كل تعبٍ، ويُنسيه كل شقاءٍ، جزاءً أبديا في جناتٍ تجري من تحتها الأنهار.
فيا أيها العابرون في هذه الحياة، تذكروا أن الدنيا ليست سوى امتحانٍ قصيرٍ، نهايته خلودٌ أبديٌ، فلنجعلها فرصةً لنسطر أجمل القصص، ونحفر أروع الذكريات، ونغرس أسمى القيم، لتكون لنا شفاعةً يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق