في رحاب هذه الحياة المتقلبة، حيث تتلاطم أمواج الشك والخوف، يبقى اليقين بالله هو مرساة الأمان التي تثبّت القلب وتمنحه السكينة، إنه ليس مجرد كلمة تُقال باللسان، بل هو شعور عميق يتغلغل في كل خلية من كيان الإنسان، يمنحه القوة لمواجهة أصعب التحديات وأكثرها إيلاما.
لقد غابت عنا هذه السكينة، وانكسر اليقين في جوانب متعددة من حياتنا؛ ففي الرزق والمال، بدلًا من الثقة المطلقة في أن الله هو الرزّاق ذو القوة المتين، صرنا نخشى الفقر ونتسابق خلف المال بكل ما أوتينا من جهد، وكأن رزقنا مرهون بجهدنا وحدنا، ونسينا أن الأرزاق بيد خالقنا، وفي النصر، أصبحنا نعتمد على الأسباب المادية وننسى أن النصر من عند الله، وأن الأمة التي تتسلح بالإيمان واليقين أقوى من كل الجيوش، وفي الشفاء، نتوكل على الأطباء ونسعى خلف العلاج، ونتناسى أن الشافي هو الله، وأن الأدوية مجرد أسباب سخّرها لنا.
إن اليقين ليس تهورا أو تجاهلا للأسباب، بل هو إدراك عميق بأن الأسباب مجرد أدوات، وأن المسبّب الحقيقي هو الله، إنه الشعور الذي يجعلنا نرى العسر في ثوب اليسر، والشدة في صورة الفرج، هو أن نعلم أن الله أرحم بك من نفسك، وألطف بك من أن يرى قلبك مكسورا ولا يجبره، فكيف تيأس وتفقد الأمل والله أقرب إليك من حبل الوريد؟ وكيف تحزن والله هو الذي يقول للشيء كن فيكون؟
ارفع عينيك إلى السماء، واسمع نداء قلبك الذي يناديك : "تفاءل ولا تيأس"، ألقِ بهمومك وراء ظهرك، فالله قادر على أن يقلب موازين الكون من أجلك، قادر على أن يفتح لك أبوابا لم تخطر لك على بال، وأن يزيح عنك هموما أثقلت كاهلك، ثق به، ثق بقدرته، ثق بلطفه الذي يسبق غضبه.
اليقين بالله هو نور في العتمة، وبرد وسلام في لهيب القلق، هو أن تكون على يقين أن الخير كامن في كل ابتلاء، وأن حكمة الله أوسع من أن تُدرَك بعقولنا القاصرة، هو أن تنام مطمئنا، وأن تستيقظ مرتاحا، وأن تسير في هذه الحياة وأنت تحمل في قلبك يقينا لا يتزعزع بأن الله معك، يراك ويسمعك، ويجيب دعواتك، ويجبر كسرك، ويغنيك من فضله.
اللهم ارزقنا يقينا نؤمن به بقدرتك، وعافنا في الدنيا والدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق