انطفأت شمعة، لكن نورها سيبقى ساطعا إلى الأبد، في يوم السبت 30 أوت 2025، اهتزت متليلي الشعانبة على وقع خبر مؤلم، خبر رحيل الأستاذ الجليل، مربي الأجيال، ومعلم القرآن والعربية، مولاي براهيم سي الطاهر، لم يكن وداعا لشخص عادي، بل كان وداعا لقامة تربوية ودينية قل نظيرها، رجل أفنى زهرة شبابه وحياته كلها في خدمة العلم وأهله، كان مولاي براهيم أشبه بنهرٍ جارٍ، يروي العقول بالمعرفة، ويغذي القلوب بالإيمان، لم يقتصر دوره على تلقين الحروف والكلمات، بل كان مهندسا للنفوس، ونحاتا للأخلاق، يغرس في تلاميذه حب القرآن الكريم والافتخار باللغة العربية، لغة الضاد، كان يرى في كل طالب بذرةً صالحة، لا يكل ولا يمل من سقيها ورعايتها حتى تصبح شجرةً مثمرة تظلل المجتمع وتفيده، لقد كانت أيامه ولياليه شاهدةً على تفانيه وإخلاصه؛ فكم من فجرٍ شهدَ ترتيله للقرآن مع طلابه، وكم من مغربٍ جمعهم حوله ليتعلموا أصول النحو والصرف، لم يكن يعلمهم فحسب، بل كان قدوةً لهم في كل صغيرة وكبيرة؛ في تواضعه الجم، وصبره العظيم، وحكمته التي كانت تسبق كلامه، كان يجمع بين صرامة المعلم وحنان الأب، في مزيج فريد جعل منه شخصية لا تُنسى في ذاكرة كل من تتلمذ على يديه، لقد خلف الفقيد وراءه إرثا عظيمًا لا يُقدر بثمن، فكل طبيب، ومهندس، ومعلم، وإمام، وسياسي، تخرج من مدرسته، هو بمثابة امتداد لنوره الذي لم ينطفئ، إن بصماته محفورة في وجدان أجيال كاملة، أجيال لن تنسَ أبدا فضل هذا الرجل الذي حمل على عاتقه مسؤولية تربيتهم وإعدادهم للحياة، وفي موكب مهيب، شارك فيه المئات من أهالي متليلي الشعانبة ومحبي الفقيد، ووري جثمانه الطاهر الثرى في مقبرة قوابين القمقومة، في مشهد يعكس حجم الفقد وعمق المحبة، كانت الدموع تمتزج بالدعوات الصادقة، والقلوب تخشع تأثرا برحيل هذا المعلم الفاضل، لم تكن جنازة، بل كانت مسيرة وفاء وعرفان، من شعب أحب مربيه وأدرك قيمته، إن رحيل مولاي براهيم سي الطاهر ليس خسارة لمتليلي الشعانبة وحدها، بل هو خسارة للوطن بأكمله، ولكن عزاؤنا أنه ترك لنا إرثا خالدا من العلم والأخلاق، وسيبقى اسمه محفورا في صفحات التاريخ بأحرف من نور، ( إنا لله وإنا إليه راجعون )، تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته، ورزق أهله ومحبيه الصبر والسلوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق