يُحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر من كل عام، تخليدا لذكرى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، ورغم الأهمية البالغة لهذه الوثيقة في العصر الحديث، إلا أننا يجب أن نشير إلى أن الحضارة الإسلامية سبقت هذه المواثيق الدولية بقرون في إقرار وتأسيس المبادئ الأساسية للحقوق والكرامة الإنسانية.
الإسلام والحقوق الإنسانية: الريادة التاريخية
قرر الإسلام منظومة متكاملة من الحقوق والواجبات، مُستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، لتشكل أساسا صلبا لحماية الإنسان وضمان كرامته، لقد أكد الدين الإسلامي على هذه الحقوق قبل ظهور أي إعلان أو ميثاق دولي حديث بقرون عديدة.
من أبرز أوجه الريادة الإسلامية في حقوق الإنسان:
مبدأ الكرامة الإنسانية المطلقة: قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ). هذا التكريم الإلهي جعل الإنسان، بغض النظر عن دينه أو عرقه، مستحقا للاحترام والحماية.
الحق في الحياة: اعتبر الإسلام الاعتداء على النفس الواحدة بمثابة اعتداء على الإنسانية جمعاء: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا).
المساواة ونبذ التمييز: أقر الإسلام مبدأ المساواة التامة، وألغى الفوارق القائمة على اللون أو الجنس أو الطبقة، وجعل التفاضل بالتقوى فقط، كما جاء في خطبة الوداع: "أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى."
حقوق غير المسلمين (أهل الذمة والمستأمنين): كفلت الشريعة لهم الحماية الكاملة لحقوقهم الدينية، وحرياتهم الشخصية، وأموالهم وأعراضهم، ومن أشهر الأمثلة على ذلك، وصايا الخلفاء الراشدين ورسالة النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى نصارى نجران.
إن هذه المبادئ، التي تم توضيحها وتنفيذها في فترات مبكرة من التاريخ الإسلامي، تؤكد أن مفهوم حقوق الإنسان ليس وليد العصر الحديث فحسب، بل هو جزء أصيل من الرسالة الإسلامية.
غزة: انتهاك صارخ يتعارض مع كل المواثيق (الإسلامية والدولية)
على النقيض تماما من هذه المبادئ السامية، سواء التي أقرها الإسلام أو التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يُلقي الوضع في غزة بظلاله المأساوية، حيث تشهد المنطقة انتهاكات غير مسبوقة يتعارض مع:
القانون الإنساني الدولي (الوثيقة الدولية):
انتهاك الحق في الحياة والأمان: عبر القتل الجماعي للمدنيين وتدمير البيوت والمناطق السكنية الآمنة.
انتهاك الحق في الصحة والغذاء والمأوى: من خلال الحصار المفروض وتدمير البنى التحتية للمستشفيات والمدارس.
الشريعة الإسلامية (الإطار الإسلامي):
مخالفة لآداب الحرب في الإسلام: حيث تحرم الشريعة قتل الأطفال والنساء والشيوخ، واستهداف غير المقاتلين، وتحريم إتلاف الموارد الضرورية للحياة (تحريم الفساد في الأرض).
إهدار لكرامة الإنسان: عبر العقاب الجماعي والتجويع القسري والحرمان من ضروريات العيش، وهو ما يتنافى كليا مع مبدأ التكريم الإلهي لـ "بني آدم".
إن ما يحدث في غزة هو نموذج لتحدي صارخ لكل من المبادئ الأخلاقية والدينية التي وضعتها الأديان السماوية، وللإطار القانوني الذي سعت الأمم المتحدة لوضعه لحماية البشرية.
دعوة لاستعادة الكرامة
يجب أن يكون اليوم العالمي لحقوق الإنسان دعوة لاستعادة الحقوق المسلوبة في غزة، وتذكيرا بأن الالتزام بحقوق الإنسان يجب أن يكون التزاما أخلاقيا ودينيا قبل أن يكون قانونيا، ينبغي على المجتمع الدولي أن يتحرك على أساس أن الحقوق التي انتهكت في غزة هي حقوق مقدسة، سواء كانت مستمدة من مبدأ التكريم الإلهي في الإسلام أو من مبادئ الإعلان العالمي للأمم المتحدة.
ومن خلال حديثنا عن حقوق الإنسان، خصصنا هذه الفقرة عن حقوق الطفل.
حقوق الطفل في الإسلام: رعاية شاملة
اهتم الإسلام بضمان حقوق الطفل منذ اللحظات الأولى لولادته وحتى بلوغه، وكفل له رعاية شاملة تتجاوز مجرد الحماية. هذه الحقوق تشمل:
الحق في النسب والرعاية العائلية: وهو من أهم حقوق الطفل، الذي يضمن هويته واستقراره النفسي.
الحق في الرضاعة والنفقة: وجوب توفير الغذاء والرعاية الصحية والمادية له (الحق في الحياة والنمو السليم).
الحق في التربية والتعليم: وهو واجب على الأبوين لضمان نشأة الطفل نشأة صالحة ومتعلمة.
الحماية من الإيذاء: حرم الإسلام الاعتداء على الأطفال أو إهمالهم، بل وحث على المعاملة الحسنة والرحمة بهم، كما قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا."
في سياق غزة، يُعد الانتهاك الصارخ لحق الأطفال في الحياة والأمان والتعليم والصحة من أبشع الجرائم التي تتعارض تماما مع التعاليم الإسلامية والإنسانية على حد سواء.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق