في مسيرة هذه الأمة الخالدة، لا يصح السير ولا تثبت القدم إلا بالجمع بين نور الوحي وسلامة القلب. إن المنهج الذي نعتنقه ونفخر به ليس غريباً عن روح الإسلام، بل هو الروح ذاتها متجسدة في فكر عميق وسلوك قويم. إنه منهج يرفض التطرفين، ويأبى الإفراط والتفريط: إنه طريق الوسطية المنضبطة والأصالة الواعية.
أولاً: سلفية الإمام مالك والشيخ ابن باديس: بناء لا هدم
سلفيتنا ليست مصطلحاً جامداً أو دعوة انعزالية، بل هي محاولة حثيثة للعودة الصادقة إلى النبع الصافي، لكن من خلال عدسة فهم الأئمة الأعلام.
نحن أحفاد مالك:
إن سلفيتنا مستمدة من مدرسة الإمام الجليل مالك بن أنس رضي الله عنه، إمام دار الهجرة، الذي وضع الأسس الفقهية المتينة القائمة على عمل أهل المدينة، والتزام النص في ظل المصلحة المعتبرة. مدرسة ترفض الغلو في التأويل، وتنبذ الجمود في النص، وتجمع بين النقل والعقل ببراعة المتبصر. فالسلفية الحقة هي فقه متين قبل أن تكون مجرد شعار.
نحن ورثة ابن باديس:
هذا المنهج الأصيل وجد تجديده المشرق على يد شيخنا المصلح المجدد عبد الحميد بن باديس رحمه الله. فقد كانت سلفيته دعوة إلى اليقظة الشاملة، لتحرير للعقول من التقليد الأعمى، وإصلاح للتعليم، ومحاربة للخرافات التي أثقلت كاهل الأمة. سلفيته هي الحركة الإصلاحية التي تتخذ من الوحدة الوطنية والدعوة إلى العلم، أسمى غاياتها.
في رفض الغلو:
نحن نعتقد جازمين أن سلفية القرآن والسنة هي سلفية الرحمة والتأليف، لا سلفية التكفير والتبديع. نرفض رفضاً قاطعاً المنهج الذي يتسرع في إخراج الناس من الملة، أو يطلق أحكام البدعة على كل عمل حسن لم يُقصد به التشريع، بل هو مجرد عادة أو سلوك طيب. إن وظيفة المسلم هي البناء لا الهدم، والتيسير لا التعسير، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا". هذه هي سلفية الاحتواء والإحسان، لا سلفية الإقصاء والعدوان.
ثانياً: صوفية الحسن البصري والشيخ بلكبير: تزكية لا شطح
أما في تزكية الأرواح وتطهير القلوب، فإن طريقنا هو طريق الإحسان، وهو التصوف الحقيقي الذي لا يشوبه زيف ولا يداخله انحراف.
على خطى الزاهدين:
إن صوفيتنا مستمدة من مدرسة الإمام الزاهد الحسن البصري رضي الله عنه، الذي كان رمزاً للخشية العميقة، والزهد الحقيقي في متاع الدنيا الفانية، والعمل الخالص لله تعالى. تصوفٌ يركز على الورع في المطعم، والصدق في القول، والإخلاص في العمل. إنها حالة قلبية تترجم إلى سلوك اجتماعي قويم، لا مجرد طقوس وشكليات.
منهج التربية الروحية:
وفي عصرنا الحديث، نجد هذا المنهج الأصيل متجسداً في تربية شيخنا العارف بالله سيدي محمد بلكبير رحمه الله. مدرسة ربانية تقوم على الذكر المستمر، والتربية الصادقة، والانضباط الروحي الذي يقود إلى صفاء السريرة ووضوح البصيرة.
التصوف المنضبط:
نحن لسنا من صوفية الشطحات اللفظية التي تخرج عن حدود الأدب الشرعي، ولا من صوفية الرقصات والمظاهر التي تشغل عن حقيقة الذكر وحلاوة المناجاة. إن التصوف الحقيقي هو جهاد النفس المستمر، والانقطاع لله في خلوة صادقة بعيداً عن صخب الشهرة. هو الوصول إلى درجة الإحسان، "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". هذا هو لب التصوف الذي نحمله، تزكيةٌ للنفوس، وارتقاء بالهمم نحو معالي الأمور.
حصاد المنهج: الوسطية التامة
إن اجتماع هذه الأصول هو سر قوتنا وتميز منهجنا:
السلفية تضمن لنا صحة المصدر وسلامة الفقه.
التصوف يضمن لنا طهارة القصد ونقاء الروح.
نحن نسعى لأن نكون ورثة الأئمة الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح. نمد أيدينا بالرحمة والمحبة للجميع، ندعو إلى التزام السنة دون غلو، وإلى تزكية النفس دون انحراف. هذا هو منهجنا الأصيل؛ منارة تضيء طريق الأمة نحو الوحدة والبناء والارتقاء الروحي والمادي.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق