هذا المقال يتعلق بدق ناقوس الخطر في ضمير المجتمع:
مثلث السقوط: حين يفتح "الراعي الغافل" أبواب الجحيم
في قانون الغابة، لا يُلام الذئب إذا جاع، لكن يُلام الراعي إذا غفل. هذه القاعدة الفطرية تبدو اليوم كأنها المرآة التي تعكس واقعاً مجتمعياً مأزوماً، حيث لم تعد الكوارث تأتي من الخارج بقدر ما تنبت من ثنايا الإهمال الداخلي والتفكك القيمي. إننا أمام "مثلث سقوط" مرعب، أضلاعه: متربصٌ لا يرحم، وتائهٌ لا يدرك المصير، ومسؤولٌ غاب عنه الشعور بالأمانة.
الفرد والقطيع.. فخ "الاستقلال الزائف"
تبدأ المأساة دائماً بخطوة واحدة خارج "النسق". في علم الاجتماع، يُعد خروج الفرد عن قيم مجتمعه وهويته "انحرافاً عن القطيع"؛ ليس بالمعنى القطيعي السلبي، بل بمعنى فقدان الحماية الجماعية. هؤلاء الذين يظنون أن التمرد على المبادئ الثابتة هو نوع من التحرر، يجدون أنفسهم فجأة في العراء، بلا سند ولا غطاء، ليصبحوا الهدف الأسهل لـ "ذئاب" الفكر المتطرف، أو الاستغلال المادي، أو السقوط الأخلاقي.
"الذئاب" لا تأتي من العدم
إن "الذئب" في عصرنا ليس كائناً خرافياً، بل هو تجسيد لكل خطر يهدد تماسكنا. هو الفساد الذي ينهش مؤسساتنا، وهو المروج الذي يستهدف شبابنا، وهو المحرض الذي يقتات على الفرقة. هذا الذئب يتمتع بحاسة شم قوية، فهو لا يهاجم القوي المتماسك، بل يتربص بالثغرات، وينتظر تلك اللحظة التي يبتعد فيها الفرد عن الوعي الجمعي ليبدأ هجومه الكاسح.
المسؤولية الضائعة: نوم الرعاة
لكن، يظل الضلع الأخطر في هذه المعادلة هو "الراعي". إن غفلة المسؤول —سواء كان رئيساً في عمله، أو أباً في منزله، أو قائداً في مجتمعه— هي الثغرة التي تحول الخطر المحتمل إلى كارثة محققة. عندما يغرق "الراعي" في تفاصيله الخاصة، أو تأخذه سِنة من النوم عن مراقبة المخاطر المحيطة بـ "رعيته"، فإنه بذلك يقدم دعوة مفتوحة لكل المتربصين.
إن الإدارة ليست مجرد منصب، بل هي "سهر" دائم على الثغور. والانهيار المجتمعي الذي نخشاه لا يحدث نتيجة قوة الأعداء، بل نتيجة تراكم "الغفلات" الصغيرة التي تصبح مع الوقت ثقوباً في سفينة الوطن.
الخاتمة: اليقظة أو الانهيار
إن الواقع المؤلم يخبرنا أن الكوارث لا تقع لأن الشر قوي، بل لأن الخير "نائم". لن يتوقف الذئب عن الجوع، ولن تتوقف النعاج عن التيه، لذا يبقى الرهان الوحيد على "يقظة الراعي". إننا بحاجة إلى إعادة الاعتبار لمفهوم "المسؤولية اليقظة"، قبل أن يستيقظ المجتمع على صراخ الفواجع في زمن لا ينفع فيه الندم.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق