السبت، 6 ديسمبر 2025

إستنكار لمشاهد في المسرح الدولي للصحراء بأدرار في طبعته الأولى

لقد كان مسرح الصحراء الدولي في أدرار يوماً موعداً تُشرق فيه شموسُ الإبداع على كثبان الأصالة، منارةً ثقافيةً تُبجّل العمق الروحي للجنوب، وتُعلي من شأن الكلمة الهادفة والصورة السامية، لكن في غمرة هذا الاحتفاء، وفي لحظةٍ كان يجب أن يكون فيها الفنّ حارساً للقيم ومُجدِّداً للروح، سقطت على رمال الواحة بقعةٌ من القتامة، ومَشهدٌ تجاوز حدود المألوف، ليُدميَ الضميرَ الجمعي، ويُسجِّلَ وصمةَ غير مقبولة على صفحات مهرجانٍ أُريد له المجد.

​إنّ الحديث اليوم ليس عن خطأٍ تقنيٍّ عابرٍ أو ضعفٍ في الأداء، بل هو عن تلك المشاهد البائسة التي تسللت إلى فضاءات العرض كالشبح، في غفلةٍ من اليقظة، و ربما في عتمةِ غيابِ الرقيب، هي مشاهدٌ، لا يُمكن للفكر الأدبي السامي وخاصة الإسلامي، أن يصنفها تحت لواء "حريّة التعبير" المطلقة، بل قد تكون أقربُ إلى الإساءة المتعمدة أوغير المتعمدة لروح المكان وكرامة أهله، فكيف لخشبةِ مسرحٍ، نُصبت لتكون منصةً للحوار الحضاري، أن تتحول إلى ميدانٍ تُعرضُ فيه لقطاتٌ لم تُراعِ قدسيةَ المكان أو قاعة العرض ولا نقاءَ الجمهور؟

​لقد كان الاستنكارُ الذي اجتاح المهتمين والمتابعين بمثابة صيحةِ إنذارٍ مدوية؛ ذلك أن ما تمّ عرضه، وتحديداً في مسرحية "أنتيجون" لفرقةٍ أتت من وراء البحار، لم يكن مجرد نصٍ مسرحي، بل كان خَرْقاً لبروتوكول الروح الذي يحكم العلاقة بين المبدع والمتلقي في هذه البقعة من العالم. إنّ اعتبار هذا العرض "أمراً مخزياً وعاراً" على ولاية أدرار، بقصورها الشامخة وبلدياتها الأصيلة، ليس مُجرد رأيٍ شخصي، بل هو انعكاسٌ لِجرحٍ عميقٍ في الوجدان الشعبي.

​لقد حمل المهرجان شعاراً عظيماً؛ فكيف يُمكن أن يكون العرضُ الذي يُمثلُهُ نقيضاً قاسياً لشعاره، الذي يُفترض أن يكون بوصلةً أخلاقيةً؟ إنّ التساؤل الفاجع الذي بقي مُعلّقاً في سماءِ تماسخت: "كيف مرّت هذه المشاهد دون رقابة؟"، هو بيت القصيد ومحور الفاجعة، إنه ليس سؤالاً موجهاً إلى الفنّان وحده، بل هو اتهامٌ لليد الساهرة التي قد تكون أوكلت إليها مهمةُ تصفيةِ العروض وتنقيةِ المشاهد إن وجدت، و المسرحَ حين يتجرد من إنسانيته ويستعيرُ ألفاظاً بذيئةً أو صوراً نابيةً تحت لافتةِ الحداثة الزائفة، يتحول من رسالةٍ نورانيةٍ إلى فعلِ تجريدٍ مؤلم، فما حدثَ هو تلطيخٌ لذاكرةِ المسرح العريق، وخيانةٌ لصفاءِ الصحراء الذي لا يحتملُ زيفاً، لقد كانت تلك المشاهدُ المُستنكَرَة بمثابةِ طعنةٍ في ظهرِ الثقافة الوطنية، واستفزازا قد يكون مُتعمَّدٍ أو غير متعمد لحياءِ مجتمعٍ يرى في العرض المسرحي ارتقاءً بالذوق لا انحداراً به، وفي الختام يبقى الاستنكارُ الصادقُ للمتابعين هو القوةُ الحقيقية التي ترفض أن تستسلم الساحة الثقافية لموجات العبث، و على المسرح أن يظلّ منبراً للعظمة، لا منصةً للابتذال، وعلى كلّ رقيبٍ وكلّ مُشرِفٍ أن يَعِيَ أنَّ كرامةَ الواحةِ أغلى من أيّ عرض، وأنّ الشرف الثقافي هو أولُ خطوط الدفاع عن هُويّةِ الأمة، وإنّ تلك اللحظةَ القاتمةَ يجب أن تكون درساً لا يُمحى، لتظلّ أدرار، بمسرحها وبأهلها، رمزاً للصمود الذي لا ينكسرُ حتى أمامَ عواصفِ الفنّ العابرة.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق