في البدء كان الحرف، وفي الحرف كان البيان، وفي البيان كانت اللغة العربية؛ ليست مجرد أدوات صوتية للتفاهم، بل هي روح الأمة النابضة، وخزانة تاريخها العريق، ومفتاح سرها الخالد، هي كالنجم الثابت في سماء اللغات، لا تخبو جذوته ولا يبهت ضوؤه، بل يزداد ألقا كلما مرت عليه الدهور.
لغة الماضي: عرش الحضارة ومهد البيان
إنَّ المتأمّل في سجلات التاريخ يجد أن العربية لم تكن لغة عابرة، بل كانت العرش الذي اعتلت عليه الحضارات، فهي اللغة التي صاغت أمجاد الأمس، وحملت مشاعل العلم والمعرفة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، و بها كُتبت أمهات الكتب في الطب، والفلك، والرياضيات، والفلسفة، ودوّنت روائع الشعر التي لا يزال صداها يرتج في أسماع الزمان.
إنّ أصالتها ضاربة في عمق الجذور، كل كلمة فيها تحمل عبق البيداء وشموخ الجبال، وكل تركيب هو بناء معماري متقن يدل على عقلية فذة، هي اللغة التي نزل بها الذكر الحكيم، فمنحها قداسة وهالة لا تدانيها لغة أخرى، جاعلاً إياها وعاءً للرسالة الخاتمة، شاهدة على الحق إلى يوم الدين.
لغة الحاضر والمستقبل: الجسر إلى آفاق جديدة
قد يظن البعض أن العربية لغة متحفية، أسيرة الماضي، لكن هذا الظن جائر، فالعربية اليوم هي قوة ديناميكية متجددة، قادرة على استيعاب مستحدثات العصر وتقنياته بل وصبغها بصبغتها الفريدة، مرونتها الهائلة وثراؤها اللفظي يمكنها من التعبير عن أدق التفاصيل العلمية وأعقد النظريات الفكرية ببيان لا يضاهى.
في عصر العولمة والتقنية، تقف العربية شامخة كرمز للهوية والتجذر، هي درعنا الثقافي في وجه الطوفان الذي يسعى لتمييع الخصوصيات، و شباب اليوم مدعو لاستكشاف هذا الكنز اللغوي، ليرى أن المستقبل لا يبنى بتقليد الأغيار، بل بالانطلاق من أصالة راسخة، فاللغة العربية، هي لغة الغد الواعد، القادرة على المشاركة الفاعلة في صياغة المشهد العالمي الجديد.
لغة الدنيا والأخرة: الوعد الإلهي الخالد
هنا يكمن السر الأعظم والامتياز الأجل؛ العربية ليست مجرد لغة على هذه البسيطة، بل هي لغة الوعد الإلهي التي تعبر حدود الدنيا إلى الخلود.
"إنها لغة أهل الجنة."
أي شرف وأي فخر يعلو هذا؟ أن تكون لغتك هي لغة النعيم المقيم، لغة المخاطبة بين أهل السعادة الأبدية، هذا المعنى يرفعها من كونها أداة تواصل إلى غاية روحية نبيلة، فكل حرف تقرؤه، وكل كلمة تتفوه بها، هي تدريب وتمهيد لنعيم لا يزول، هذا الامتياز المطلق يوجب على كل إنسان -عربيا كان أو مستعربا أو محبا- أن يشعر تجاهها بالاحترام الذي يصل إلى حد التقديس.
نداء الفخر: حق كل إنسان
يحق لنا أن نفتخر! بل إنَّ الفخر باللغة العربية ليس مجرد شعور، بل هو واجب أصيل، والفخر بها ليس تعصبا أعمى، بل هو اعتزاز مستنير بإرث سليم وذخيرة لا تفنى.
افخر بها لأنها الأجمل في نسج الألفاظ.
افخر بها لأنها الأقوى في حمل المعاني.
افخر بها لأنها الأبقى والأخلد عبر العصور.
فلنجعل من أفواهنا منابر للغة الضاد، ولننشر جمالها في كل محفل، ولنعلمها لأبنائنا بلهفة العاشق وشغف المكتشف, لأنها ليست ملكا لنا وحدنا، بل هي وديعة الأجيال، وتراث الإنسانية العظيم, هي نهر الخلود الذي لا يجف، ومن يشرب من مائه عاش بيانه خالدا.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق