في فلسطين لا يُقاس العمر بالسنوات، بل بحجم القصص التي ينوء بها كاهل الصغارهناك يولد الطفل بقلبٍ مثقوبٍ من أثرِ الفقد، وبذاكرةٍ لا تتسع لها سنوات عمره الغضّ إنهم أطفالٌ يحملون في حقائبهم المدرسية —إن بقيت— بقايا صورٍ، ومفاتيح بيوتٍ لم تعد موجودة، وحكاياتٍ لو وُزعت على العالم لأبكت الحجر، لكنها في غزة والقدس وجنين تُدفن في صدور أصحابها بصمتٍ مهيب.
ألمٌ بلا منبر.. وشهودٌ بلا منصة
المأساة ليست في نقص الألم، بل في غياب "الصمت المحترم" الذي يستحقونه، فالعالم الذي يدّعي الإنصات، غالباً ما يُدير ظهره حين تكون الضحية فلسطينية، فتتحول صرخاتهم إلى مجرد أرقام في شريط أخبارٍ عابر، وتُغلق أمامهم المنصات التي تتباكى على جراحٍ أخرى في بقاعٍ شتى.
القصص متوفرة: في كل زقاق قصة بطلٍ صغير واجه دبابة بابتسامة حزينة.
الشهود حاضرون: عيون الأطفال التي رأت ما لا يجب أن يراه بصر بشر.
العدسات الغائبة: تلك التي تنطفئ حين تشتد الحقيقة، وتتوارى حين يحين وقت كشف وجه الظلم القبيح.
صوتٌ مخنوق وذاكرةٌ وحيدة
الفرق الجوهري ليس في عمق الوجع، فالوجع الإنساني واحد، لكن الفرق يكمن في "إذن العبور" للصوت. هناك من يُمنح ميكروفوناً عالمياً ليحكي عن خدشٍ بسيط، وهناك طفلٌ فلسطيني يلملم أشلاء حلمه، ويُترك ليحفظ ذاكرته وحده، دون أن يجد أذناً تصغي أو قلباً يتسع لفيض مرارته.
إن هذا الصمت العالمي ليس مجرد عجز، بل هو تواطؤٌ يقتل الطفل مرتين: مرةً بالرصاص، ومرةً بالتجاهل.
"ليس أوجع من أن تعيش مأساةً تفوق لغة البشر، ثم لا تجد من يصدق أنك تألمت، أو من يمنحك حق البكاء بصوتٍ مسموع."
خاتمة: إنصاف الحكاية
سيظل الطفل الفلسطيني هو الشاهد الأكبر، حتى لو انكسرت العدسات وصُمّت الآذان. ذاكرتهم ليست للإيجار ولا للنسيان، هي حقٌ سيُروى يوماً ما حين يدرك العالم أن التاريخ لا يكتبه المنتصرون بالصمت، بل الصامدون بالحقيقة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق