في سجلّ الخالدين بأفعالهم، والمنقوشة أسماؤهم في ذاكرة الأجيال بمداد من نور، يسطع اسم الأستاذ المربي لهشمي محمد بن هيبة بن حمو الطاهر، المعروف في الأوساط التربوية والاجتماعية بالسي محمد ولد حمو الطاهر. هذا الرجل الذي لم يكن مجرد موظف في قطاع التربية، بل كان "أمةً في رجل" نذر زهرة شبابه وكامل عطائه لخدمة العلم في مدارسنا.
ثباتٌ على المبدأ.. وعطاءٌ جاوز الثلاثة عقود
أفنى "سي محمد" أكثر من 32 سنة من عمره المبارك في رحاب التعليم المتوسط. اثنان وثلاثون عاماً لم ينقطع فيها سيل عطائه، ولم يهن عزمه، ولم يملّ من تكرار الرسالة. في مادة العلوم الطبيعية، كان يبهر تلاميذه بربط العلم بالحياة، وبالدقة في الأداء، محولاً القسم من مجرد حجرة دراسية إلى ورشة لبناء العقول وتشكيل الوعي.
المربي القدوة: الانضباط عنواناً والأخلاق منهجاً
إن ما ميّز مسيرة الأستاذ لهشمي سي محمد هو تلك التوليفة الفريدة بين الهيبة الوالدية والصرامة التربوية. كان "سي محمد" مدرسة في الإنضباط؛ يدرك أن الوقت أمانة، وأن التلميذ مرآة لأستاذه. لذا، كان يجسد القدوة في هندامه، في مواعيده، وفي تفانيه الذي لا يعرف الكلل. لم يكتفِ بتلقين الدروس، بل كان الناصح المرشد الذي يقرأ في عيون تلاميذه مخاوفهم وطموحاتهم، فيغرس فيهم الثقة ويحثهم على التميز.
رؤية استشرافية: التلميذ "رجل المستقبل"
كانت فلسفة الأستاذ لهشمي سي محمد تقوم على مبدأ عميق: "كل تلميذ هو مشروع رجل مستقبل". لم يكن يتعامل مع الطلبة كأرقام في سجل الغيابات، بل كبذور لنهضة الوطن. بفضل هذا الإيمان، خرجت من تحت يديه أجيالٌ تشغل اليوم مناصب مرموقة، يحملون في قلوبهم صدى صوته، وفي سلوكهم بصمات تربيته الفذة. لقد كان يحرص على تربية الروح قبل حشو العقل، مؤمناً بأن الأخلاق هي الحصن المنيع الذي يحمي العلم من الزلل.
كلمة وفاء ودعاء
إنّ الكلمات، مهما بلغت قوتها، تظل قاصرة عن إيفاء الأستاذ: "سي محمد ولد حمو الطاهر" حقه. إنّ كل لحظة صبر فيها على تلميذ، وكل فكرة غرسها في عقل ناشئ، وكل نصيحة أسداها في ممرات المؤسسة، هي اليوم رصيدٌ باقٍ وذكرٌ محمود.
اللهم جازه عن الإسلام والمسلمين وعن طلبة العلم خير الجزاء. اللهم اجعل تعبه وعرقه وسنوات عطائه في ميزان حسناته، واجعل علمه نافعاً وصدقة جارية له إلى يوم الدين. وبارك اللهم في عمره وذريته، واكتب له القبول في الأرض والسماء.
خاتمة:
سيبقى اسم "سي محمد ولد حمو الطاهر" محفوراً في وجدان كل من مرّ بمقاعد الدراسة في زمانه، وساماً على صدر المنظومة التربوية، ونبراساً يحتذي به الأساتذة الجدد في الإخلاص والوفاء للمهنة المقدسة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق