في هذا العالم الذي يتقن فن "التفرّج"، لم يعد الموت هو الفاجعة الكبرى، بل الفاجعة الحقيقية هي اعتياد الفاجعة، نحن اليوم لا نرفع أصابع الاتهام في وجه من ينتفض ليسترد كرامته المهدورة، بل نوجهها إلى عالمٍ أصم، اختزل أوجاع الستضعفين في شريط أحمر أسفل الشاشة، يمرّ سريعاً كأنه لم يكن.
ثمن الكرامة ليس للعرض
عندما تُستباح الأرض وتُهدر الكرامة، يصبح "الثأر" ليس خياراً بل ضرورة أخلاقية لوقف الانهيار الإنساني، إن الذين يلومون الضحية على ردة فعلها، يتناسون أن القهر حين يتراكم، يتحول إلى بركان لا يعترف بقوانين "ضبط النفس" الزائفة. نحن لا ندين من يرفض الذل، بل نبجّل تلك الروح التي أبت أن تنحني في زمنِ الانحناء الجماعي.
الشاشة: المقبرة الباردة للحقيقة
لقد تحول العالم إلى "سيرك" إعلامي، حيث تُباع دماء المستضعفين في مزاد المشاهدات.
الموت بـ "الجملة": تحولت أرواح البشر إلى مجرد أرقام إحصائية.
الخبر العاجل: صار مجرد فاصل إعلاني بين برنامج ترفيهي وآخر، يمر بسلام وهدوء على قلوب المشاهدين خلف الزجاج البارد.
صناعة الصمت: هذا العالم لم يعد يدين القاتل، بل يدين "الضحية الصاخبة" التي تزعج هدوءه المصطنع.
الإدانة الحقيقية
إن الإدانة الحقيقية لا ينبغي أن تُوجه لمن يحمل جرحه بيده ويحاول مداواته بالعزة، بل لهذا المجتمع الدولي الذي يرى الأشلاء فينتقد "جودة الصورة"، ويرى النزوح فيقلق على "استقرار الأسعار". إننا ندين هذا النظام العالمي الذي جعل من دمائنا المستضعفين "حبراً" يكتب به تقاريره الجوفاء، ومن صرخاتهم "موسيقى تصويرية" لنشرات الأخبار.
الخلاصة: إن الكرامة لا تُستجدى من شاشات التلفاز، ولا تُطلب من أروقة المنظمات الصامتة، الكرامة تُنتزع انتزاعاً، والذين قرروا أن يثأروا لوجودهم، هم وحدهم الذين أدركوا أن هذا العالم لا يحترم إلا من يرفض أن يكون مجرد "خبر عاجل".

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق