الثلاثاء، 2 ديسمبر 2025

التناقض التربوي حين يطعن الولي في الأستاذ سراً ويصفق له علناً

إنّ العملية التربوية هي شراكة مقدسة بين المنزل والمدرسة، وركيزتها الأساسية هي الثقة والاحترام المتبادل بين ولي الأمر والمربي (الأستاذ)، ولكن، يبرز في هذا المشهد التربوي سلوكٌ خطيرٌ ومتناقضٌ يهدد هذه الشراكة ويوقع التلميذ في حيرة معرفية وسلوكية مدمرة، هذا السلوك يتمثل في أن يظهر ولي الأمر أمام إدارة المدرسة والأستاذ بمظهر المدافع عن المؤسسة التعليمية والمؤيد التام لقراراتها، بينما هو في الخفاء والبيت، يطعن في مصداقية الأستاذ وقيمته، ويقلل من شأنه أمام ابنه.

​خطورة التصرف المتناقض

​إنّ هذا التناقض العلني والسرّي يمثل واحدة من أخطر الطرق التي تُضر بالتلميذ، وتتجاوز مجرد سوء تفاهم بسيط لتصل إلى زعزعة البناء القيمي والمعرفي لديه:

​1. الازدواجية في المرجعية 

​عندما يسمع التلميذ في المنزل انتقاداً لاذعاً لأستاذه، ثم يرى والديه يقفان إلى جانب الأستاذ في المدرسة لمعالجة موقف غير سوي صدر منه، فإنه يعيش حالة من الازدواجية، من هو على صواب؟ الأستاذ "السيئ" الذي ينتقده الوالدان؟ أم الوالدان "المنافقان" اللذان يظهران عكس ما يبطنان؟ هذا يضعف سلطة كلا الطرفين في عيون التلميذ.

​2. تقويض القدوة والنموذج

​يتعلم الطفل من هذا السلوك أن النفاق الاجتماعي هو أسلوب فعال للتعامل مع المواقف الصعبة، و يتعلم أن إظهار الاحترام ليس بالضرورة يعني الشعور به، وأن بإمكانه التملق للسلطة في حضورها ثم انتقادها في غيابها، هذه القيمة السلبية تنتقل تلقائياً إلى التلميذ، فيبدأ هو الآخر بفقدان الاحترام الحقيقي لمعلميه.

​3. إضعاف هيبة الأستاذ

​عندما يشعر التلميذ بأن ولي أمره لا يحترم الأستاذ بالفعل، فإنه يجد مبرراً قوياً لعدم الالتزام بتوجيهات هذا الأستاذ، ويصبح التلميذ مقتنعاً بأن قرارات الأستاذ هي قرارات خاطئة أو نابعة من سوء نية، كما صورها له ولي الأمر في المنزل، مما يزيد من مشاكله السلوكية والعلمية.

​4. إفقاد العلاج التربوي لفعاليته

​عندما يحضر ولي الأمر المدرسة ويؤيد الأستاذ في معالجة سلوك الابن، يكون الهدف هو إرسال رسالة موحدة للابن مفادها: "نحن متفقون على أن هذا السلوك غير مقبول"، لكن إذا كان الأب قد طعن في الأستاذ قبل يوم في المنزل، فإن الابن يدرك أن تأييد الأب في المدرسة هو تمثيل واضطرار، وبالتالي يفقد الموقف التربوي كله تأثيره الرادع والمقوم.

​نحو شراكة تربوية صادقة

​لتجنب هذا المنزلق الخطير، يجب على أولياء الأمور اعتماد مبادئ الصدق والثقة في تعاملهم مع المدرسة:

​الاحترام غير المشروط لسلطة المربي: يجب على الولي أن يفصل بين أي خلاف قد ينشأ حول طريقة التدريس أو تقييم الأستاذ، وبين الحفاظ على قيمته كمربٍ أمام الابن، فتقدير المربّي هو تقدير لرسالة التربية ذاتها.

​قنوات الحوار الصادق: إذا كان لدى ولي الأمر مآخذ حقيقية على سلوك الأستاذ أو منهجيته، فعليه أن يعالجها مباشرة وسراً مع الإدارة المدرسية أو الأستاذ نفسه، بعيداً عن مسامع الابن.

​تكوين جبهة موحدة: الرسالة التربوية التي يجب أن تصل إلى التلميذ دائماً هي: "الأستاذ وأنا في صف مصلحتك"، هذا التوافق الظاهري والداخلي يخلق بيئة آمنة وموثوقة للنمو.

​إنّ مصلحة التلميذ هي الأولوية القصوى، ولن تتحقق هذه المصلحة إلا إذا أدرك أولياء الأمور أن كلماتهم في المنزل هي التي تشكّل نظرة أبنائهم للمعلم والمدرسة، وأن إظهار الاحترام للمربي في كل الظروف هو في حقيقة الأمر استثمار في مستقبل الابن وقيمه.   


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق