الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025

رثاءٌ على ضفة الحلم المكسور: لهشمي مولاي الشريف وردةٌ ذبلت في ريعان العمر

في خضم الحياة، تنسج الأقدار خيوطها بدقة غامضة، فتارةً تبسط السعادة، وتارةً تقبض الأرواح في لحظة لا يتوقعها الحسبان، نقف على ضفة الحزن، نستقبل فاجعةً قاصمةً أدمت قلوب أهل أولف الكبير، بل وكل من عرف الشاب لهشمي مولاي الشريف بن محمد بن مولاي هيبة بن حمو الطاهر. لقد كانت حياته فصلاً قصيراً في كتاب الزمن، فصلاً مليئاً بالبراءة، والطموح، وبذور المستقبل التي لم تجد فرصة لتزهر.

ف​في الرابع عشر من ديسمبر لعام ألفين وخمسة وعشرين، انطفأت شمعة، وتوقف نبضٌ كان يعد بالخير في نظري، انطفأت في حادث سير أليم بتمنراست. يا لها من مفارقة موجعة! أن تُصبح وجهة السفر هي نقطة اللاعودة، وأن يتحول مسار الحياة إلى طريق نحو الأبدية. لقد كان لهشمي مولاي الشريف يحمل في طياته سيرةً لم تُكتمل، وحلماً لم يبلغ قمته.

​كانت تربطه بي كمربي، الذي خطّ هذه الكلمات الموجعة، وشيجة القرابة العميقة؛ "أبوه والده إبن عمتي"، وهي قرابة تضاعف اللوعة وتعمق الجرح. هذا الرابط العائلي المتشابك يلقي بظلاله الثقيلة على مشهد الوداع، فما أشد فقد القريب، وما أقسى رحيل من كان يوماً زهرة من زهور العائلة الغضة، لهشمي مولاي الشريف بن محمد ، لم يكن مجرد اسم يمر، و كانت بداياته ترسم ملامح شابٍ على أعتاب المستقبل، شابٌ عبر مقاعد متوسطة سماعيلي الشريف أولادالحاج ببلدية تمقطن، تلك المؤسسة التربوية، التي شهدت خطاه الثانية في مسيرة التعلم، وتلك الفصول التي احتضنت أحلامه، لقد غادرها، موجهاً نحو التكوين المهني، حاملاً معه شهادة إيمانه بأهمية بناء الذات وتشكيل الغد.

​لكن الكلمات، تبقى أقوى من كل النسيان، تلك الجملة التي تركت أثراً عميقاً في قلب كمربي قالها لي ذات يوم: ( أسمحوا لنا أتعبناكم عندما كنا ندرس ) يا لعمق البراءة في هذه العبارة! إنها ليست مجرد اعتذار، بل هي جوهر التقدير الذي يحمله التلميذ لجهد مربيه. هي جملة تفيض بالود، وتختزل العلاقة المقدسة بين المربي والطالب. إنها اعتراف عفوي، ظل يتردد صداه في وجداني كمربي، رغم  عقابي له في بعض الحالات لأن فهم بعد ذلك بما لايدع مجال الشك أن عقابي له كان لمصلحته ولم يكن تعديا عليه  ولا ظلم له لذلك  قال تلك العبارات ( أسمحوا لنا أتعبناكم عندما كنا ندرس ) ومن ذلك اليوم كلما ألتقيته قبل يدي، ليصبح هذا الشاب الفقيد رمزاً لجيلٍ يحمل في قلبه الاحترام والوفاء.

​اليوم، وقد غاب الجسد، فإن الأثر لا يغيب. كيف يغيب وهو يحمل كل هذا الشجن؟ لهشمي مولاي الشريف، أصبح قصة تروى عن قصر الحياة وطول الأثر. رحيله يذكرنا بأن الأعمار مهما طالت هي في قبضة الخالق، وأن الفراق لا يعرف سناً ولا موعداً. إنها صرخة في وجه الحياة، تعلمنا أن نعيش كل لحظة بصدق وود، كما فعل لهشمي مولاي الشريف بكلماته الرقيقة الأخيرة وفعله الحسن بتقبيل اليد.

​لم يكن في الحادث وحده بل كان معه آخر يدعى بن الشيخ من إينغر،  وكان الحادث الفاجعة التي أودت بحياتهما، و لا نملك إلا أن نرفع الأكف تضرعاً إلى الله.

​اللهم يا واسع الرحمة والغفران، يا من بيده ملكوت كل شيء، ارحم عبدك لهشمي مولاي الشريف ومن مات معه رحمةً واسعة، واغفر لهما ذنوبهما، ونقهما من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس.

​اللهم أسكنهما الفردوس الأعلى في الجنة، جزاءً لهما بطيب أصلهما. واجعل قبر كل واحد منهما روضةً من رياض الجنة، وألهمنا و أهلهما وذويهما ومحبيهما صبراً جميلاً وسلواناً عظيماً. إنا لله وإنا إليه راجعون.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق