رسالة إلى الضمير العالمي: عن الصغار الذين كبروا قبل أوانهم
إلى كل من يملك منصة، إلى كل من يدعي الإنصات، وإلى العالم الذي يغمض عينيه حين يشتد الضوء في فلسطين..
نكتب إليكم لا لنشرح الألم، فالألم في فلسطين صار لغةً يومية، بل لنحكي عن "الظلم المزدوج"؛ ظلم الرصاصة التي تخترق الجسد، وظلم الصمت الذي يغتال الحكاية.
هل تساءلتم يوماً كيف يمكن لطفلٍ أن يحمل ذاكرةً تزنُ قرناً من الأسى وهو لم يتجاوز العاشرة؟ في فلسطين، لا يسقط الأطفال في فخ النسيان، بل يسقطون في فخ "الذاكرة المنفردة". يمتلكون أثقل القصص، وأدق التفاصيل، وأصدق الدموع، لكنهم لا يجدون منبراً يُقام فيه حدادٌ محترم على أحلامهم الموءودة. يواجهون العالم بصدورٍ عارية وعيونٍ رأت من الفجائع ما لا تحتمله الجبال، ومع ذلك، تُغلق في وجوههم المنصات، وتُكسر العدسات التي تحاول نقل الحقيقة كما هي، بلا تجميل أو تزييف.
المأساة ليست في البكاء.. بل في الكلام الذي لا يُقال
إن الفرق بين وجعٍ وآخر ليس في كمية الدم النازف، بل في "حق التعبير عن النزف". أطفالنا لا يُقاطع كلامهم بالبكاء فحسب، بل يُقاطع بالتجاهل المتعمد، ويُمنع صوتهم من العبور خلف الحدود، ليظلوا سجناء حكاياتهم، يحرسون ذكرياتهم وحدهم تحت الأنقاض وفي خيام النزوح.
إننا نتساءل:
كم طفلاً آخر يجب أن يشيخ قلبه قبل أن تلتفت إليه آذانكم؟
متى تصبح "العدسة المرفوعة" التزاماً أخلاقياً لا يتأثر بهوية الضحية؟
متى يجد هؤلاء الصغار صمتاً يليق بجلال فقدهم، بدلاً من الضجيج الذي يحاول طمس هويتهم؟
إن الذاكرة الفلسطينية ليست مجرد أطلال، بل هي وصية. وإن ترك هؤلاء الأطفال يحفظون ذاكرتهم وحدهم هو خذلانٌ لن يغفره التاريخ. إنهم لا يحتاجون شفقة، بل يحتاجون عدالة؛ عدالة تمنحهم الحق في أن يُسمعوا، وفي أن تظل قصصهم نابضة كقلوبهم التي ترفض الانكسار.
ختاماً..
ستبقى الحكاية حيّة، ليس لأن العالم أنصفها، بل لأن أصحابها يرفضون الموت بصمت. فهل من آذانٍ تصغي لهذا الثقل الذي لا يُحتمل في فلسطين عموما وفي غزة خصوصا؟.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق